مثل أصوات زملائنا في الفريق أو أفراد الأسرة، أو الأحداث الجارية وتفكيرنا الدائم فيها، أو مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من الملهيات، وإذا لم نتخذ قرارات مدروسة بشأن ما يجب التركيز عليه في أي لحظة معينة، فمن المستحيل فعلياً الحصول على أي نتيجة لما تفعله.
في الواقع، لن تحل إدارة الوقت وحدها هذه المشكلة؛ إذ لن يغيِّر جدولك الزمني طريقة تفكيرك؛ لذا يتعيَّن عليك ممارسة تفكير يُعرف باسم "إدارة الانتباه"، وهو فن تجاهل الأمور التافهة، وتوجيه تركيزنا إلى أشياء أهم.
وفقاً للمؤلفة والكوتش "ماورا توماس" (Maura Thomas) لا تتعلق إدارة الانتباه بالقضاء على عوامل التشتيت، وإنَّما بكيفية استجابتك لها، وإعطاء أكبر قدر من الاهتمام للمهام الأكثر أهمية والأكثر تأثيراً؛ لذا يتعيَّن عليك التدقيق في قائمة مهامك، وإنشاء بيئة عمل تساعدك على التركيز، وعدم ممارسة تعدُّد المهام.
وتُعدُّ الآثار المترتبة على ذلك بالنسبةِ إلى الإنتاجية الشخصية والتقدم واضحة؛ إذ ستتمكَّن من التطوُّر في مجالك وتقديم النتائج في الوقت المحدد، ولكن إذا كان عقلك مشتَّتاً، فسوف يكون من الصعب القيام بذلك.
قد تتساءل الآن، هل تفيد إدارة الانتباه الفِرق، أم تفيد الأفراد فحسب، وما إذا كان يمكن تطبيقها على مستوى المنظمة، ولحسن الحظ، يمكن تطبيق النهج نفسه على الفِرَق والشركات، ولكن مع بعض التعديلات لوضع ديناميكيات المجموعات في الحسبان.
لماذا تُعدُّ إدارة الانتباه هامَّة للفرق؟
وفقاً للباحثين في "جامعة بنسلفانيا" (University of Pennsylvania)، يتطلب التفكير الإبداعي وحل المشكلات التركيز مثلما يتطلب الخيال، وفي الواقع، تشير نتائجهم إلى أنَّ التفكير الإبداعي يتضمن ممارسة السيطرة على خيالنا إذا أردنا إنتاج حلول جديدة ومفيدة؛ إذ يقول أحد الباحثين: "على الرغم من أنَّ التفكير التخيلي قد يساعدنا على إيجاد حلول ممكنة مختلفة لمشكلةٍ ما، إلَّا أنَّه يتعين علينا بعد ذلك تقييم هذه الأفكار ومراجعتها لتحديد ما إذا كانت ستنجح بالفعل".
بعبارة أخرى، يُعدُّ الاستسلام للمشتتات مأزقاً للأشخاص الذين يحاولون معالجة المشكلات الشائكة أو إحداث تأثير كبير، وعندما يصير التشتُّت مشكلة جماعية، تتفاقم المشكلة، وما يزيد الطين بلة، أنَّه من السهل جداً استغلال الأعمال الكثيرة والمزدحمة كوسيلة للتسويف، مثل انتظار قرارات الأقسام المختلفة، والاتفاق على أسلوب العمل المناسب، والتوصُّل إلى حلول المشكلات، وما إلى ذلك.
قد يبدو هذا بسيطاً، ولكن فكِّر في المحاسب الذي يذهب إلى مكتبه ذات صباح وهو يعلم أنَّه من المفترض أن يبدأ اليوم بإعداد تقرير جديد من دون كل المعلومات التي اعتاد الحصول عليها؛ وذلك لأنَّ خبير التخمين في المشروع قد بدأ عمله للتو؛ سيكون العمل مختلفاً، ويبدو الاختلاف صعباً؛ حيث يميل البشر بطبيعتهم إلى تجنُّب الأشياء الصعبة؛ لذا تخيل راحة هذا المحاسب عندما يطلب منه أحد الزملاء المساعدة في مراجعة تقرير منذ عامين، بالتأكيد سيؤجل عمله الشاق دون الشعور بالذنب حيال ذلك.
تخيَّل الآن أنَّ هذا السيناريو يحدث على نحو متكرر في جميع أنحاء القسم لأسابيع متتالية، وبدلاً من اتباع استراتيجية فعَّالة، يستمر الوضع بهذه الطريقة؛ ممَّا يعوق تطوُّر الشركة ومواكبة المنافسين.
تلعب إدارة الانتباه دوراً حتى في السياق الأقل تعقيداً، مثل الفريق الذي يعمل على مشروع كبير، ويضطر إلى تأخير العمل الذي لا يفيد المشروع الكبير، ويرفض الطلبات الواردة من الفِرَق الأخرى من أجل إنجاز المشروع، وقد يبدو هذا صعباً، ولا سيما على الصعيد العاطفي، ولكنَّه ممكن تماماً.
شاهد بالفديو: دليل الإنتاجية: الاستراتيجيات الفعالة لإدارة الوقت
كيف تمارس إدارة الانتباه على نطاق واسع؟
مهما كان فريقك ماهراً في صياغة الاستراتيجيات أو تخطيط المبادرات، لن تحصل أبداً على النتائج التي تريدها، إذا أهدر الجميع الوقت والطاقة في النشاطات ضعيفة الفاعلية؛ لذا ينبغي اتِّخاذ تدابير واعية ومدروسة لتجنُّب ذلك، إليك بعض النصائح التي قد تساعدك:
1. تذكَّر الغرض ممَّا تفعل وذكِّر فريقك به:
عندما تحاول دفع صخرة كبيرة إلى أعلى التل، سيدفعك التعب في مرحلةٍ ما إلى التساؤل عمَّا إذا كان ما تفعله يستحق بذل كل هذا الجهد، وعندما تحين هذه اللحظة، سيساعدك الإحساس بسُموِّ عملك على مقاومة إغراء تثبيت الصخرة في مكانها والاستلقاء لعمل أي شيء تافه.
مهما كان العمل الشاق الذي يقوم به فريقك، يجب أن يفهم الجميع سبب القيام به، وإذا لم تكن قد فعلت ذلك بالفعل، فحاول أن تناقش معهم الأمر في اجتماع، واذكر الهدف في كل مستند ومخطط وعرض تقديمي لتعزيز شعورهم به.
2. حدِّد الأولويات:
بالنسبةِ إلى تحديد الأولويات على الأمد المتوسط والأمد الطويل، لا شيء يتفوق على منهجية الغايات والنتائج الأساسية (OKRs) الذي ابتكرته شركة "جوجل" (Google)، ويمكنك تطبيق هذه المنهجية من خلال تحديد هدفين أو ثلاثة أهداف عليا لمتابعتها، ثم تحديد نتيجتين أو ثلاث نتائج قابلة للقياس لكل هدف، والتي يشير تحقيقها إلى أنَّك على المسار الصحيح.
بعد ذلك، على مدار الربع عام أو العام، ستقيِّم تقدُّمك مقابل نتائجك الرئيسة، وعندما يدوَّن هذا التقدُّم في وثيقة مشترَكة، تصبح الأهداف والنتائج الرئيسة بمنزلة معيار للفريق للرجوع إليه عندما تكون هناك متطلبات أو أفكار جديدة، وإذا كان ثمَّة نشاط يعزِّز أحد أهدافك، فحاول القيام به، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فارفض تنفيذه حالياً بلطف، ولكن فكر في إعادة النظر في الفكرة لاحقاً.
ثمَّة تقنية أخرى مفيدة هي "مصفوفة أيزنهاور"، وهي استراتيجية تساعدك على فرز الأعمال حسب درجة الأهمية والعجلة، وسوف تساعدك هذه الاستراتيجية عند تجهيز الأعمال المتراكمة لفريقك؛ لذا من الجيد أن تفعلها كل شهر تقريباً أو ما يقرُب ذلك من أجل تقييم أعمالِك.
تساعدك هاتان المنهجيتان على تحديد أولويات عمل فريقك أو قسمك، ولكن ثمَّة أيضاً فِرَق أخرى تحتاج إلى مساهماتك لتحقيق أهدافها؛ لذا أنت بحاجة إلى تقنية متقدمة المستوى، لتمكِّنك من متابعة جميع المهام الهامَّة؛ لذا سيساعدك استخدام "مصفوفة أولويات كل شيء".
لاستخدام هذه المصفوفة، يجب أن ترسم محورَي "س" و"ع"، أحدهما يمثل المهام العاجلة، والآخر المهام الهامَّة، ثم تصنِّف مهام فريقك وتكتبها في أحد أرباع هذين المحورين، وبعد ذلك، أحضِر قادة الفرق التي تحتاج إلى مساعدتك، وضَع جميع طلباتهم في الأرباع المناسبة، وهكذا سوف تستطيع تقييم قدرتك، وتحديد ما يجب وما لا يجب عليك فعله، وأفضل جزء في هذه التقنية هو استعانتك بقادة الفِرَق الأخرى؛ إذ سيدفعهم هذا لتفهُّم سبب رفضك لبعض طلباتهم، حتى لو كانوا مستائين قليلاً بشأن ذلك.
3. عزِّز ثقافة الفريق التي تساعد على التركيز:
تُعدُّ الاجتماعات والمحادثات ورسائل البريد الإلكتروني عناصر أساسية للتعاون بالنسبةِ إلى معظم الفِرَق العاملة في مجال المعرفة، ولكنَّها في الوقت نفسه عناصر تشتيت قوية؛ لذا يطلب خبيرو الإنتاجية تخصيص وقت محدد لفحص البريد الإلكتروني للحفاظ على تركيزنا في بقيَّة الأوقات، ولكنَّ أكبر سبب لتجاهل الناس هذه النصيحة، أنَّهم لا يشعرون بأنَّ في إمكانهم تجاهل البريد الإلكتروني لساعات متتالية؛ لذا يجب أن يتفق أعضاء الفريق على هذا، وأن يضعوا خطة طوارئ إذا ما تطلَّب الأمر استجابة سريعة.
على سبيل المثال: قد تقرر أنَّه يجب الرد على رسائل البريد الإلكتروني في غضون ثلاث ساعات، إذا تلقيت مكالمة هاتفية أو أي إشارة طوارئ، ويُعدُّ إتمام هذا الاتفاق أمراً هاماً للغاية، لا سيما للفِرَق العاملة عن بُعد؛ إذ يشعر العاملون عن بُعد عادةً بالقلق إذا لم يستجيبوا لرسائل زملائهم على الفور؛ لذا يردون بسرعة على حساب إنتاجيتهم.
أما بالنسبةِ إلى الاجتماعات، فيتعيَّن على قادة الفريق إنشاء مواعيد محدَّدة مسبقاً للاجتماعات، حتى لا تصير عامل تشتُّت، ويُقال إنَّ الفِرَق التي تعمل في شركة "جوجل" يتفقون مع بعضهم بعضاً على إنشاء بيئة عمل تساعدهم على التركيز في فترة ما قبل الظهيرة، فلا يقاطع أحدهم الآخر، ولا تُعقد اجتماعات، ولا أي شيء من هذا القبيل.
4. اطلب من أعضاء الفريق أن يكونوا شركاء مساءلة لبعضهم بعضاً:
تُعدُّ هذه الطريقة فعَّالة وسريعة لتعزيز الإنتاجية؛ إذ يساعد أفراد الفريق بعضهم بعضاً على مشاركة الإنجازات اليومية، كما توفِّر هذه الطريقة فرصة لقائد الفريق للتأكد من أنَّ الجميع يركزون على العمل الأكثر أهمية، والمساعدة في تصحيح المسار إذا لزم الأمر.
نصائح عن إدارة الانتباه للأفراد:
لقد علمنا الآن أهمية ممارسة أعضاء الفريق إدارة الانتباه كأفراد؛ لذا سنترك لكم بعض النصائح.
- أغلِق صوت إشعارات المحادثات أو رسائل البريد الإلكتروني عندما ترغب في التركيز على مهمَّةٍ ما.
- ضَع هاتفك بعيداً أو فعَّل الوضع الصامت في أثناء العمل.
- أغلِق جميع علامات تبويب المتصفح والتطبيقات غير الضرورية على جهاز الكمبيوتر عندما تحتاج إلى التركيز.
- خُذ فترات راحة على مدار اليوم لا تنظر فيها إلى الشاشة على الإطلاق.
- تحقَّق من الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني الشخصي وما إلى ذلك بين المهام، وليس في خضم العمل عليها.
- إذا تذكَّرت مهمة جديدة يجب أن تضيفها إلى خطة العمل في أثناء التركيز على مشروعٍ ما، دوِّنها على ورقة، واستكمل العمل.
في النهاية، نحن من نستطيع التحكُّم بإدارة الانتباه والانضباط الذاتي الذي نتطلبه، كما تُعدُّ التكنولوجيا التي تغزو أسلوب حياتنا الحديث سلاحاً ذا حدين؛ فأحسِن استخدامها حتى لا تعوقك عن تقدُّمك.
أضف تعليقاً