إنَّها عادةٌ مُزعجة، بل إنَّها الأسوأ إن كان على الآخرين انتظاره في حال كان هذا الشخص أساسياً في عملية صنع القرار في العمل. والأسوأ من ذلك أن تكون أنت ذلك الشخص الذي يتأخَّر باستمرار.
إنَّ التأخير أمرٌ سيء بالنسبة إلى إنتاجية ومعنويات الفريق على حدٍّ سواء، وقد يشير إلى تدنٍّ كبيرٍ في حسِّ المسؤولية؛ لذا، ما الذي يمكنك فعله لإيقاف ذلك؟
تساعدك هذه المقالة في فهم كيفية التوقُّف عن التأخير المستمر، سواءً كنت الطرف المُذنب أم أحد أعضاء فريقك.
فهم التأخير بكلّ أبعاده:
أيّاً كان الشخص المتأخر عادةً، فإنَّ تحديد سبب حدوث ذلك التأخير يُمثِّل الخطوة الأولى للقضاء عليه. وفي بعض الأحيان، قد تكون الأسباب واضحة؛ أمَّا في أحيانٍ أخرى قد يكون سبب التأخير الدائم مُتجذّراً في العقل الباطن للشَّخص.
بعض الأسباب الشائعة للتأخير:
1. عدم التنظيم:
إنَّ الأشخاص المتأخرين بسبب عدم التنظيم يفقدون ببساطةٍ إحساسهم بالوقت، فهم إمَّا سيئون في جدولة المهام، أو أنَّهم مفرطون بالتفاؤل بشأن ما يمكنهم تحقيقه في فترةٍ زمنيةٍ مُعيَّنة.
يمكن أن تكون عدم القدرة على رفضِ بعض الالتزامات أحد أسباب عدم التنظيم أيضاً، كأن تقبل حضور اجتماع الساعة العاشرة، ولكنَّك لا تملك الوقت الكافي لذلك؛ وتحاول القيام بكلٍّ شيء لتعديل جدولك الصباحي، لكنَّك لاتزال متأخِّراً لمدة 15 دقيقة.
بعض الأشخاص يبقون غير منظمين؛ لأنَّهم يحبُّون اندفاع الأدرينالين الناتج عن ضغط اللحظات الأخيرة من اقتراب الموعد النهائي. لسوء الحظ، عندما يقوم بعض الأشخاص بذلك، فإنَّ أقلَّ تأخيرٍ يمكن أن يسبِّب الكثير من الفوضى.
2. لعب دور القوة:
يستخدم العديد من الأشخاص التأخير كدليلٍ على "القوة" التي يتمتعون بها، وهذا الأمر أكثر شيوعاً في العمل مقارنةً مع باقي المجالات الاجتماعية الأخرى، ويمكن أن ينتشر على نطاقٍ واسعٍ ضمن ثقافةِ المُنظمات.
في بعض الأحيان، يستخدم الأشخاص التأخير -لاسيما في الوصول إلى الاجتماعات- لإظهار أنَّهم أكثر أهميةً وقوةً من أيِّ شخصٍ آخر في الاجتماع؛ لأنَّ انتظارَ شخصٍ ما هو شكلٌ خفيٌّ من الاحترام والتقدير لذلك الشخص، وإنَّ جعل الآخرين ينتظرون يمكن أن يمنح الأنا الذاتية للشخص المُتأخر دفعةً من الشعور بالقوة.
قد يستخدم بعض الأشخاص أيضاً التأخير لإثبات أنَّهم أكثرُ انشغالاً من بقية أعضاء الفريق، فهم مَشغولون للغايةِ بالقيام بجميع أعمالهم، بحيث لا يمكنهم الحضور في الوقتِ المحدد.
3. القلق أو التجنُّب:
يمكن للأشخاص أن يكونوا متأخرين بشكلٍ مستمرٍ عندما يرغبون بتجنُّب مواقفَ مُعينة. على سبيل المثال: إن كنت تدير شخصاً يتأخَّر بشكلٍ مُستمرٍ عن الاجتماعات، فربَّما يُطبَّق التنمر على ذلك الشخص من قبل شخصٍ آخر في الفريق؛ أو ربَّما يكون هذا الشخص قلقاً بشان أدائه؛ أو لا يشعر بالرضا عن منصبه.
ولأنَّ هذا الشخص يخشى هذه المواقف كثيراً، فقد يستغرق وقتاً أطول قبل الوصول إلى ذلك الاجتماع؛ حيث أنَّ ذلك يعني أنَّه سيقضي وقتاً أقلَّ في هذا الموقف العصيب.
أو ربَّما يستاء من هذا الاجتماعات ويعدُّها مضيعةً للوقت؛ لذا فإنَّ التأخير هنا "طريقة عدوانيةٌ سلبية" لكي يُظهِر اعتراضه.
4. ضعف المهارات الاجتماعية:
في بعض الأحيان يتأخر الأشخاص؛ لأنَّهم ببساطةٍ لا يملكون الذكاء العاطفي الذي يمكِّنهم من معرفة كيفية تأثير تأخّرهم في الآخرين، إنَّهم ببساطةٍ لا يجدون مشكلةً شخصية بذلك؛ لذا يعتقدون أنَّها لا تمثِّل مشكلةً بالنسبة إلى الآخرين أيضاً.
5. أسباب طبية:
إن أصبحت أنت أو أحد زملائك في الفريق تتأخر بشكلٍ مزمن، فقد يكون ذلك علامةً على مشكلةٍ أكبر بكثيرٍ مثل: الاكتئاب، أو التعب المزمن، أو مرضٍ آخر.
كيفية التوقّف عن التأخُّر:
إذاً، كيف يمكنك التوقُّف عن عادةِ التأخُّر؟ هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكنك استخدامها، وسنقوم بشرح كلٍّ منها حسب السبب، مع تضمين بعض النصائح لمساعدتك سواءً أكنت موظفاً يعاني من التأخّر أم مديراً لأشخاصٍ يتأخَّرون عادةً.
1. التخلص من الفوضى:
1. 1. بالنسبة للموظفين:
- احتفظ بجدولٍ للتدوين في جميع الأوقات، ودوِّن كلَّ اجتماعٍ أو التزامٍ لديك: يمكن لهذا أن يساعدك إن قمت بجدولةِ وقتِ السفر أو الانتقال من وإلى كلِّ اجتماعٍ أو التزامٍ لديك، كما قد تساعدك الجدولة عبر الإنترنت إن كنت متأخراً دوماً؛ وذلك لأنَّ المنبه يمكن أن يقوم بتذكيرك عندما يحين وقتُ المغادرة لحضورِ اجتماعٍ أو موعدٍ ما.
- توقَّف عن المماطلة: إذ تستهلك المماطلة وقتك، وهي سببٌ شائعٌ للتأخير. يمكنك أن تَعِدَ نفسك بمكافأةٍ صغيرة في كلِّ مرةٍ تُظهِر فيها التزاماً فورياً.
- ضع "وقتاً احتياطياً" في جدولك، على سبيل المثال: إن كان اجتماعك يبدأ في الساعة 9:30، فعليك أن تضعه في الجدول الزمني الخاص بك في 9:15، فهذه الـ 15 دقيقة الإضافية ستمنحك وقتاً للوصول إلى وجهتك دون تأخير.
1. 2. بالنسبة إلى المُدراء:
- ضع الآخرين في حسبانك، فإن تأخرت 15 دقيقةً عن لقاء ثمانية أشخاص آخرين، فأنت تكلِّف الشركة عملاً لمدة ساعتين؛ حيث يمكن للنظر إلى التأخير بهذه الطريقة أن يُحفِّزك على التواجد في الوقتِ المحدَّد، ومن المفيد أيضاً وضع رقمٍ ماليٍّ مقابل هذا الوقتِ الضائع.
2. لعب دور القوة:
2. 1. بالنسبة للموظفين:
- انظر إلى هذا من منظور كلِّ من يقوم بانتظارك: ألن تشعر بانخفاضٍ في القيمة أو عدم الفائدة من انتظار شخصٍ ما دوماً؟ هل هذه حقاً هي الصورة التي ترغب أن تقدِّمها إلى فريقك؟
- حلِّل أسباب حاجتك إلى الشعور بمزيدٍ من الأهمية من قبل أعضاء فريقك: قد تكون هذه المحادثة مع نفسك غير مريحة، لكنَّها مفيدةٌ إن كنت على استعدادٍ لأن تكون صادقاً. على سبيل المثال: يمكنك أن تكتشف أنَّ احترامك لذاتك منخفضٌ حقاً؛ لذا تبالغ بتعويضه عن طريق التأخير. وإن كان الأمر كذلك، فقد تتمكَّن من اتخاذ خطواتٍ جديدة للتحسُّن والنمو.
- إنَّ الوصول المتأخِّر لتُثبت للآخرين أنَّك أكثر أهميةً هو سلوكٌ سيئٌ قد يضرُّ بأعضاء فريقك، ولاسيما إن اضطروا إلى البقاء حتَّى وقتٍ متأخرٍ للتعويض عن الوقت الضائع الذي قضوه في انتظارك، فهل تريد التعامل بهذه الطريقة؟
2. 2. بالنسبة إلى المدراء:
- إن كنت تشكُّ بأنَّ أحد الأعضاء في فريقك يصل متأخراً بسبب لعب دور القوة، فعليك التحدُّث معه بصدقٍ ولكن بحزم، وأخبره أنَّك تقدِّر جميع أعضاء الفريق بالتساوي، وأنَّك غير سعيدٍ بتأخرُّه المستمر. وإن استمرَّ هذا السلوك، فيجب عليك اتخاذ بعض الإجراءات التأديبية.
- إن كنت تشكُّ بأنَّ أحد أعضاء الفريق قد تأخَّر ليثبت لك مدى انشغاله، فاعترف بالعمل الجيد الذي يقوم به، وذكِّره بأنَّ التأخير يضيِّعُ وقت الجميع، بما في ذلك وقته الخاص.
- إنَّ واجهت تأخر أحد الأعضاء باستمرارٍ عن الاجتماعات، حتَّى إن كان الاجتماع يعتمد على حضوره؛ فعليك التحكُّم بالأمر، واستخدام مهارات الاجتماع الفعَّال، والبدء بدون ذلك الشخص، وسوف يحصل على الرسالة التي ترغب بتوجيهها.
3. التخلّص من القلق أو التجنُّب:
3. 1. بالنسبة للموظفين:
- إن كنت قد وصلت بشكلٍ متأخرٍ لتجنُّب موقفٍ ما، فعليك مواجهة الموقف على الأقل بينك وبين نفسك؛ وإن شعرت بأنَّك غير قادرٍ على التعامل مع وظيفتك أو واجباتك، فعليك اتخاذ خطوةٍ ما لتحسينِ مهاراتك. سيمنحك ذلك مزيداً من الثقة بالنفس، وسيساعدك في التعامل مع عبء عملك.
- إن كنت تتجنَّب موقفاً ما بسبب تصرُّف شخصٍ آخرَ بشكلٍ غير سار، فعليك إثارة القضية معه في منطقةٍ محايدة. كن صادقاً ولكن حازماً، وحوِّل شعورك نتيجة موقفه، وإن استمرَّ سلوكه، فقد يكون الوقت قد حان لإبلاغ رئيسك في العمل.
- إن تأخرت بسبب استيائك من حضور الاجتماع، ربَّما لأنَّك تعدُّه إضاعةً للوقت، أو ربَّما لأنَّك مشغولٌ وتملك أشياء أخرى تحتاج إلى التركيز عليها؛ فقد حان الوقت لتحسين مهارات الحزم والتفاوض لديك، والتحدُّث مع قائد الاجتماع، ومعرفة إن كان بإمكانك التوقف عن الحضور، أو إن كان بإمكانك اختصار الاجتماع، أو تقصير وقت حضورك على جزءٍ واحدٍ منه.
3. 2. بالنسبة إلى المدراء:
- إن كنت تشك أن شخصاً ما في فريقك قد تأخر بسبب شعوره بالإرهاق أو عدم التلاؤم مع منصبه، فتحدَّث معه وجهاً إلى وجه، وقدِّم بعض التدريب أو أدواتٍ أخرى إضافيةٍ حتَّى يُصبح أكثر استعداداً.
- إن كنت تشكُّ بوجود بعض التنمر في فريقك، فمن الهامِّ أن تعلم على وجه اليقين وجودَ ذلك قبل اتخاذِ أيِّ إجراء. راقب أعضاء فريقك بعناية، وإن لاحظت وجود تنمُّر، فاتَّخذ بعض الإجراءات لإيقاف ذلك على الفور؛ حيث أنَّ التنمر لا يؤثِّر فقط على الروح المعنوية، بل يُلحِق ضرراً بالإنتاجية ويزيد من نسب الغياب.
- إن كنت تشك بتأخر شخصٍ ما بسبب عدم رغبته بالحضور، فتحدَّث معه واكتشف ما هي وجهة نظره. وإن كان حضوره ضرورياً، فتحدَّث معه واكتشف ما الذي يفكِّر فيه، واشرح أسباب العمل بهذه الطريقة. وإن لم يكن الأمر كذلك، فكن منفتحاً للسماح له بتخطِّي الاجتماع أو حضور جزءٍ منه فقط.
4. التعامل مع ضعف المهارات الاجتماعية:
4. 1. بالنسبة للموظفين:
- إن كنت تريد معرفة إن كان تأخُّرك يؤثِّر حقاً في الآخرين من حولك، فاسأل عن ذلك. قد لا يكون الجواب ما ترغب حقاً بسماعه، ولكنَّ هذه المحادثات يمكن أن تخبرك بالكثير، ويمكن لسماع تأثير تأخُّرك في الآخرين أن يكون دافعاً قوياً إلى التغيير.
4. 2. بالنسبة للمدراء:
- ذكِّر الشخص المتأخِّر أنَّ تأخُّره يجعل الآخرين الذين التزموا بالموعد المحدَّد يشعرون بالاستياء والغضب. يمكن أن يتسبَّب تأخره المتكرِّر بإزعاج الآخرين، وإلحاق الضرر بالعمل الجماعي.
5. التعامل مع الأسباب الطبية:
5. 1. بالنسبة للموظفين:
- إن اعتدت أن تكون دوماً في الوقت المحدد في العمل بأريحية، ولكنَّك الآن تُجبرُ نفسك للعمل في الوقت المحدَّد كلَّ يوم؛ فمن الهامِّ التأكُّد من عدم وجود مشكلةٍ صحيةٍ غير ظاهرة، هل كنت تشعر بالتعب أو الاكتئاب مثلاً؟ إن كان الأمر كذلك، فيجب أن ترى طبيبك.
- حاول الذهاب إلى الفراش في وقتٍ مُبكرٍ وشرب مزيدٍ من الماء، حيث أنَّ قلَّة النوم والجفاف يمكن أن يسبِّبا شعوراً بالتعب والاكتئاب.
5. 2. بالنسبة إلى المدراء:
إن كنت تشكُّ بوجود مشكلةٍ طبيةٍ، فحاول مساعدة الفرد في فريقك في عمله، وامنحه بعض الوقت للراحة والتعافي. وجرِّب ما إذا كان يمكن للعمل عن بعدٍ لبضع أيامٍ في الأسبوع أن يُشعرِه بالتحسُّن.
أضف تعليقاً