الجانب السلبي من التَّعاطف:
التَّعاطف هو عاطفة أساسية مهمَّة للتَّواصل البشري؛ حيث إنَّها الشرارة التي يمكن أن تشعل الرحمة، لكنَّ التعاطف وحده - من دون شفقة - يشكِّل خطراً على القادة، وبقدر ما قد يبدو هذا مثيراً للجدل؛ فإنَّ تفسيره بسيط: التعاطف هو ميل الدماغ إلى التعرف إلى المقرَّبين منا - المقربين من ناحية المسافة أو الألفة أو القرابة - وعندما نتعاطف مع المقرَّبين منا، يبدو أنَّ أولئك الذين ليسوا قريبين أو مختلفين يمثلون تهديداً، وعندما لا يتم ضبط التعاطف، يمكن أن يخلق انقساماً أكثر من الاتِّحاد.
التعاطف والشَّفقة مختلفان تماماً، ومناطق الدماغ التي تنشطهما مختلفة اختلافاً تامَّاً، فبالتعاطف، ننضمُّ إلى الآخرين في معاناتهم، لكنَّنا فعليَّاً نقف عاجزين عن مساعدتهم، أمَّا بالشَّفقة، فنبتعد عن مشاعر التَّعاطف ونسأل أنفسنا "كيف يمكننا المساعدة؟"، وبالنسبة إلى القادة، فإنَّ إدراك الاختلافات بين التعاطف والشفقة أمر بالغ الأهميَّة لإلهام الآخرين وإدارتهم بفعالية، تذكَّر هذه النقاط الأربع الرئيسة عند تجاوبك مع الأشخاص بشفقة بدلاً من التَّعاطف.
1. التعاطف سلوك عفوي، أما الشفقة فهي سلوكٌ مدروس:
يُعدُّ التعاطف الجزء الانعكاسي والتلقائي من نفسيتنا، والتي تتخذ من مراكز العاطفة في الدماغ مركزاً لها، تنشأ المشاعر والأفكار والقرارات الوجدانية غالباً على مستوى اللاوعي؛ مما يعني أنَّنا أقل وعياً وأقل انتباهاً بشأن تلك القرارات.
تُعدُّ الشفقة جزءاً انعكاسياً ومدروساً في نفسيتنا، والتي تتخذ من المراكز المعرفية في الدماغ مركزاً لها، تمرُّ المشاعر والأفكار والقرارات الرَّحيمة عبر بوابات الوعي؛ مما يعني أنَّه يمكننا التشاور والتفكير وتحسين القرارات.
2. التعاطف يثير التفكُّك، والشفقة تحفِّز الاتِّحاد:
التعاطف هو الميل للإحساس بمعاناة الآخرين، وخاصة أولئك المقربين منا، لكنَّ التَّعاطف محدود، فعندما يتعلَّق الأمر بمساعدة "الغرباء" الذين يعانون، فإنَّ أدمغتنا تَعدُّ ذلك عملاً شاقاً وترفض الجهد المبذول، في حين أنَّ غريزتنا هي دعم وحماية المجموعة التي ننتمي إليها، يمكننا أن ننظر إلى الغرباء كجزء من مجموعة خارجيَّة وتهديد لهويتنا الاجتماعية، وجدت دراسة حديثة أنَّ التعاطف الناجم عن التواصل الاجتماعي، يزيد من احتمالية تجريد الأفراد الذين يُنظر إليهم على أنَّهم ينتمون إلى مجموعة خارجية من إنسانيتهم، ففي أكثر أشكاله تطرفاً، يغذِّي التعاطف الكراهية تجاه أولئك الذين يختلفون عنا.
الشفقة هي الإحساس في معاناة الآخرين، بغض النظر عن هويَّتهم الاجتماعية أو الشخصية، إنَّها التفكير في أنَّه في معاناة أي شخصٍ ثمَّة ما يوحد البشر، وهو الاعتراف بأنَّه بغض النظر عن الخلفية الثقافية للشخص أو العمر، فأنت مثل غيرك في تلك اللحظة؛ حيث يعمل القادة المتعاطفون على رفع أنفسهم فوق تحيزاتهم اللاواعية لرؤية جميع الأشخاص في المنظَّمة بالقيمة نفسها، ومن خلال القيام بذلك، يشجع القادة على النَّزاهة وحبِّ الآخرين في جميع أنحاء المنظَّمة.
3. التعاطف سلوك غير فعَّال، على عكس الشَّفقة:
على الرغم من أنَّ التعاطف يمكن أن يكون جيداً في البداية، إلا أنَّه قد يجعلك أيضاً تشعر بأنَّك عاجز؛ نظراً لأنَّك تشعر بمعاناة الآخرين، ولكنَّك لا تتخذ أي إجراء لحل المشكلة أو علاجها، يمكن أن يتحول تعاطفك إلى اجترار المشكلة، الأشخاص الميَّالون للاستجابة استجابةً عاطفية هم أيضاً أكثر عرضة للإصابة بأعراض الاكتئاب.
من ناحية أخرى، فإنَّ الشفقة أكثر إيجابية؛ حيث إنَّها تبدأ بالتَّعاطف ثم تُوجَّه للآخرين بقصد المساعدة؛ فمن خلال الشفقة، يتَّخذ القادة قراراً واعياً لتحويل المشاعر إلى أفعال؛ وبذلك يُنظر إلى القادة العطوفين على أنَّهم أقوى وأكثر كفاءة، وأنَّهم قادرون على اتخاذ القرارات وإنجاز الأمور، كما تؤدي الشفقة في أي منظَّمة إلى نتائج إيجابية أخرى، مثل تحسين التعاون والثقة وولاء الفريق.
4. التَّعاطف قابل للنَّفاد، أما الشَّفقة فهي متجدِّدة:
الشُّعور بمعاناة شخص آخر يتضاءل بمرور الوقت، فعندما يُنشَّط التعاطف في مواجهة صراعات شخص آخر، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تدفق شديد للمشاعر والتجارب السلبية التي - بمرور الوقت - يمكن أن تستنزف مواردنا المعرفية وتؤثر في صحتنا النَّفسية.
لأنَّ الشفقة موجهة ومركَّزة على الحلول - تتمحور حول كيفية مساعدة شخص آخر في أثناء التفكير بنشاط في الخيارات المختلفة - فهي متجددة مقابل الاستنزاف، وعندما نقدم هذه المساعدة، نحصل على فائدة إضافية تتمثَّل في جرعة الدوبامين، فالمساعدة تُشعر الإنسان بالرِّضا، وتُحمِّسنا للقيام بذلك مرة أخرى في المستقبل.
شاهد بالفيديو: 8 أمور عليك فعلها لتشعر بالرضا التام عن نفسك
تطوير الشفقة:
بالنسبة إلى القادة، من الواضح أنَّ الشفقة هي خيار أفضل من التعاطف، ولأنَّ الشفقة ليست استجابة غريزيَّة وعاطفيَّة بحتة؛ فمن الممكن التدريب عليها وتطويرها، تماماً مثل أي مهارة قياديَّة أخرى، لقد رأينا أمثلة رائعة للقيادة المتعاطفة في المنظمات العالميَّة مثل "إيكيا" (IKEA) و"يونيليفر"(Unilever) و"سيسكو" (Cisco) و "ماريوت" (Marriott).
لقد جُمعت بيانات عن الشفقة من 15000 من القادة حول العالم، وهي أكبر عيِّنة عالمية حتى الآن حول القيادة الرحيمة، وتشمل البيانات المواقف المُبلَّغ عنها ذاتياً والحالات الداخليَّة لقادة من حوالي 100 دولة وأكثر من 5000 شركة.
أحد أهم ما كُشِف عنه في البيانات، هو أنَّ وجود روتين منتظم من التأمُّل الواعي أو بعض الممارسات التأملية الأخرى هو أحد أفضل الطرائق لزيادة الشفقة، فاليقظة الذهنية عموماً تجعل الناس أكثر وعياً بأنفسهم، مع زيادة الوعي الذاتي، وقد يكون القادة أكثر عزماً حول كيفية تعاملهم مع قضية ما، وأكثر تفكيراً حول كيفية استجابتهم للآخرين، فالذهن يدعم اتخاذ القرار المدروس والبنَّاء الذي يميِّز الشَّفقة عن التعاطف.
هل تتساءل عن وضعك مقارنةً بالقادة الآخرين؟ خذ هذا التقييم القصير للقيادة الرَّحيمة لمعرفة الإجابة؛ إذا وجدت أنَّ لديك مجالاً لمزيد من الشفقة في قيادتك، فإليك بعض الأشياء التي يمكنك القيام بها:
- كن مُشفقاً على نفسك: تبدأ الشفقة الحقيقية على الآخرين بالشفقة مع نفسك، فإذا كنت مرهقاً وغير متوازن، فمن المستحيل مساعدة الآخرين على العثور على توازنهم؛ إذ تشمل الشفقة على الذات الحصول على نوم جيِّد وأخذ فترات راحة في أثناء النهار، بالنسبة إلى العديد من القادة، فأن تكون رحيماً بنفسك؛ يعني التخلِّي عن الهوس بانتقاد الذات؛ لذا توقف عن انتقاد نفسك لما كان يمكنك فعله فعلاً مختلفاً أو أفضل، وبدلاً من ذلك نمِّ الحديث الذاتي الإيجابي، ثم تقبَّل النكسات كتجربة تعليمية، ما الذي ستفعله فعلاً مختلفاً في المستقبل؟
- تأكَّد من نيَّتك: اعتد على التأكُّد من نيتك قبل مقابلة الآخرين وضَع نفسك في مكانهم، مع أخذ واقعهم في الحسبان، اسأل نفسك: كيف يمكنني أن أساعد هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص أكثر ما يمكن؟
- مارس الشفقة يومياً: الشفقة مهارة يمكن التدرب على اكتسابها، تتمتع أدمغتنا بمستوى مذهل من المرونة العصبية؛ مما يعني أنَّ الحالات العقلية التي تطوِّرها، يمكن أن تصبح أقوى وأكثر بروزاً.
بينما تُرسَم ملامح القيادة الجديدة هذه خلال الأشهر المقبلة، تذكر أن تكون متأنِّياً، وموحِّداً، وفعَّالاً، ومتجدِّداً؛ ففي عالمٍ مليء بالاضطراب والانقسامات، يعد التعلُّم والاختيار وممارسة الرَّأفة ممارسةً فاعلة، وسيلة للمضي قدماً وإعلاناً فعالاً يبين القيم التي تدافع عنها، وصورةً مرئيَّة للعالم الذي تريد أن تعيش فيه.
أضف تعليقاً