ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة سيسيليا ميس (Cecilia Meis)، والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها في بناء روتين مسائي.
استند مالتز في مقولته هذه إلى الدراسات الرصدية التي أجراها على نفسه ومرضاه، ممَّا أدى إلى عدِّها حقيقة مسلَّمة لدى بعضهم، وهو أنَّ الأمر يستغرق 21 يوماً لاكتساب عادة أو التخلص منها، ولكن في الواقع، أثبتت الأبحاث أنَّه لا توجد مدة محددة لذلك، وأنَّ الأمر قد يتراوح من 18 إلى 254 يوماً لتصبح العادة راسخة، ولا عجب في هذا؛ حيث يختلف أسلوب ومدة اكتساب العادات وإنشاء الروتين من شخصٍ لآخر.
العادة والروتين والفرق بينهما:
يُعدُّ اكتساب العادات موضوع بحث أكثر شيوعاً من الروتين؛ لذا فمن المهم فهم الاختلافات بينهما؛ حيث تتطلب العادات بعض الإشارات لتصبح مع مرور الوقت جزءاً من الروتين، على سبيل المثال، إنَّ غسل يديك بعد الخروج من الحمام هو عادة؛ وذلك لأنَّ استخدام الحمام يُعدُّ بمنزلة دافع لغسل يديك، ومن ثمَّ هو سلوك تلقائي تعلمناه من آبائنا ومعلمينا، ومن اللافتات المنشورة في الحمامات العامة.
غسل اليدين في حد ذاته عادة، ولكن حين يصبح جزءاً من مجموعة عادات أخرى؛ يغدو روتيناً، على سبيل المثال، ربما يبدأ روتينك الصباحي بأول خطوة وهي رنين المنبه، وبعد ذلك، شرب القهوة، وقراءة الجريدة، والاستحمام، وارتداء الملابس، والذهاب إلى العمل، كلٌّ من هذه النشاطات على حدة هي عادة في حد ذاتها، أمَّا معاً فيشكلون روتيناً.
الروتين الهادف:
كلٌّ منَّا لديه روتين يومي، سواءً كان هذا الروتين هادفاً أم لا؛ حيث اخترنا لأنفسنا بعض العادات، الجيدة منها والسيئة، لتشكل هذا الروتين اليومي، على سبيل المثال بالنسبة إلي، لديَّ شغف بتناول الحلويات بعد الانتهاء من وجبات الطعام أيَّاً كانت؛ لذا أصبحت هذه العادة مرتبطة بوقت تناول الطعام، ومن ثم على مر السنين أصبحت عادة شبه تلقائية.
هدفي إذن هو إعادة تشكيل الروتين، ليسهل عليَّ تحسين بعض الأمور كالإنتاجية، والنوم المريح، والصحة العامة، وغيرها الكثير، وهذا يعني أيضاً محاولة إيجاد طرائق للتخلص من العادات السيئة، كتناول الحلوى بعد تناول الطعام، وهذا يتطلب اهتماماً يومياً بأفعالي، للعمل على تحقيق أهدافي.
هل الروتين الصباحي أهم من المسائي؟
الروتين الصباحي موضوع شائع، لكن يجب أن يكون الروتين المسائي أساساً ضرورياً ووسيلة للاستفادة من الصباح الذي يليه، فكلما كانت الليلة أفضل، كان الصباح الذي يليها أفضل؛ فلنفترض أنَّك تقضي أمسياتك تستمتع بتناول الحلويات أمام التلفاز؛ كيف ستشعر في صباح اليوم التالي؟ في حين أنَّك لو قضيت أمسياتك في ممارسة التأمل، وكتابة اليوميات، والحديث مع أحبَّائك، ستستقبل صباح اليوم التالي بنشاط وبهجة.
إنَّ روتينك الصباحي والمسائي مرتبطان بعضهما ببعض، وكلاهما على القدر نفسه من الأهمية، وفي هذا المقال، سنتحدث عن الروتين الليلي تحديداً.
11 خطوة لتبني روتينك المسائي:
أهم شيء يجب تذكُّره هنا، أنَّ الروتين يختلف كثيراً من شخص إلى آخر، فقد يكون روتين ما مناسباً لأحدهم من دون الآخر، فإذا أجبرت نفسك على النشاط في الليل وكنت متعباً، فسيؤدي ذلك إلى الشعور بالإحباط والفشل.
1. تحديد الروتين الحالي:
هذه الخطوة بالغة الأهمية؛ إذ من المحتمل أن تكون لديك عشرات العادات اليومية، لدرجة أنَّك قد لا تدرك بأنَّك تقوم بها؛ لذا ابدأ تعديل ذلك الروتين عن طريق الاحتفاظ بمفكرة صغيرة معك، واكتب كل فعل تنتبه أنَّك قمت به في ذلك اليوم، فإن كنت، على سبيل المثال، تستيقظ دائماً قبل دقيقتين من رنين المنبه، أو تضيف دائماً ملعقة سكر إضافية في قهوتك، فاكتب ذلك في يومياتك، وعلى الرغم من أنَّ هذه الأفعال تبدو غير ضارة، إلا أنَّها مرتبطة بسلوكات لا واعية تشكِّل هويتنا؛ لذا فإنَّ إدراكها هو الخطوة الأولى في تحديد العادات التي تريد الاحتفاظ بها أو استبدالها.
2. إنشاء الدوافع المناسبة:
إن كنت ترغب في بناء عادة، فامنح نفسك دافعاً لذلك، فهذا ما يجعل التذكيرات اليومية في تطبيقات النظام الغذائي والتمرينات الشائعة فعَّالة للغاية؛ حيث إنَّها أمور تدفعنا إلى الخروج من الروتين اليومي اللاواعي، وتذكِّرنا بالإجراء الذي نحاول إضافته إلى روتيننا الجديد؛ لذا حاول أن تجعل هذه الدوافع طبيعية قدر الإمكان؛ على سبيل المثال، إذا كنت تحاول تناول الفواكه والخضروات الطازجة كوجبات خفيفة بدلاً من رقائق البطاطس أو البسكويت، فضع صحوناً منها على طاولات عدة في جميع أنحاء منزلك، أو أكياس خضار مقطعة بحجم الوجبات الخفيفة، لتسهيل أخذها عندما تكون في عجلة من أمرك.
3. تبنِّي أسلوب حياة مناسب:
لا تحاول أن تتبنَّى أسلوب حياة لا يناسب حياتك، فعلى سبيل المثال، إن كنت تجد صعوبة في تناول وجبة الإفطار، وتناول ما يلزمك من الفواكه والخضروات، فسيكون العصير الطازج فكرة جيدة بالنسبة إليك، وربما تضع الخلاط على المنضدة كجزء من روتينك المسائي ليكون دافعاً إلى اكتساب هذه العادة، وتجهِّز جميع مكونات العصير مسبقاً، وإن لم تفعل ذلك، فربما لن يكون لديك الوقت الكافي لتقطيع الفواكه أو إخراج الخلاط من خزانة مطبخ في الصباح الباكر.
4. عدم التقيد بمدة معيَّنة لاكتساب العادة:
الروتين الهادف تغييراتٌ في نمط الحياة، لاحظ كلمة "الحياة" في تلك الجملة؛ حيث يمكن أن يستغرق بناء العادة من 18 إلى 254 يوماً؛ وذلك لأنَّ الوقت لا يختلف باختلاف الأشخاص فحسب؛ بل باختلاف العادات أيضاً، فربما يكون شرب ثمانية أكواب من الماء يومياً أسهل من الجلوس لكتابة 1000 كلمة من كتاب يومياً.
لقد كان اكتساب عادة شرب العصائر اليومية أمراً سهلاً للغاية بالنسبة إلي، وقد استغرق الأمر حوالي 30 يوماً حتى أصبح ذلك جزءاً من روتيني، لكنَّ ممارسة التمرينات اليومية لم تكن بتلك السهولة؛ حيث يتطلب ذلك العديد من الدوافع، ولا يزال أمامي طريق طويل لأكتسب هذه العادة.
5. تقليل الخيارات:
من الصعب بناء الروتين؛ وذلك لأنَّ العادات يصعب تكوينها، وجزء من الروتين المسائي الذي أحاول بناءه، هو تقليل وقت مشاهدة التلفاز من أجل القراءة مدة ساعة قبل النوم، لقد اكتشف الباحثون أنَّ أدمغتنا تعمل على حل مشكلاتنا الكبيرة والأفكار المعقدة في أثناء النوم؛ لذا ارتأيت أنَّني إذا قرأتُ ما يحفز تفكيري قبل النوم، فسيعمل عقلي على إنتاج أفكار ذات مغزى من شأنها تحسين حياتي، وبقدر ما أرغب في مشاهدة حلقة من مسلسلي المفضل، غير أنَّ ذلك ليس نوع الأفكار الذي أود أن أغذي به عقلي.
أتجنب خيار مشاهدة التلفاز حتى أقرأ أكثر، وذلك عن طريق "إخفاء" جهاز التحكم عن بُعد في درج، ووضع القارئ الإلكتروني أو الكتاب في مكان واضح كالطاولة مثلاً؛ حيث يعمل هذا كدافع يحفزني على ممارسة العادة الجديدة واتخاذ القرار المناسب.
6. تجنُّب ما يؤدي إلى العودة للعادات السابقة:
هذه النصيحة مهمة وبديهية في الوقت نفسه؛ إذ تتشكل العادات من خلال الدوافع، فإن كنت معتاداً على شرب المياه الغازية مساءً، فاستبدل تلك العلب بزجاجات من الماء.
7. تخصيص وقت محدد للتكنولوجيا:
تُظهر مجموعة متزايدة من الأبحاث أنَّ التكنولوجيا يمكن أن تؤثِّر فينا سلباً في الليل؛ حيث تعمل الأضواء الزرقاء الصادرة عن الشاشات على إبقاء أذهاننا مشغولة، ويمكن أن تؤثِّر سلباً في النوم المريح والمزاج وحتى في حالتنا الجسدية، ناهيك عن أنَّ غالبية ما نشاهده في التلفاز غير هادف؛ هذا لا يعني أنَّك بحاجة إلى بيع جهاز التلفاز الخاص بك، والبقاء منعزلاً عن العالم الخارجي، وإنَّما يعني أنَّه يمكنك السيطرة على ذلك من خلال تحديد موعد نهائي صارم لمشاهدته كل ليلة، ويتيح لك ذلك الاسترخاء استرخاءً طبيعياً، وتخصيص ساعات المساء لأشياء مفيدة، كالتواصل مع أصدقائك أو تسجيل الأمور التي تشعر بالامتنان لوجودها في حياتك في دفتر يومياتك.
شاهد بالفديو: 6 نصائح لتحقيق الامتنان في حياتك
8. الاسترخاء:
نحن نواجه أحياناً مشكلة في جعل أدمغتنا تتوقف عن التفكير ليلاً، ولقد وجدتُ أنَّ بعض تمرينات الشد البسيطة، أو جلسة يوغا قصيرة، تساعد على الشعور بالاسترخاء والغرق في النوم، بالنسبة إلى الآخرين، تكفي قراءة فصل قصير من روايتهم المفضلة لمساعدتهم على النوم، المهم ألَّا يكون ما تقوم به، نشاطاً شاقاً يدب النشاط في جسدك وعقلك، فهذا ليس ما ننشده في هذا الوقت.
9. عدم الخوف من بعض التقصير:
وجد البحث جانباً آخر مثيراً للاهتمام، وهو أنَّ اكتساب العادة ليس أمراً بحاجة إلى التزام تام كما كنَّا نظن، وكانت قد أفادت دراسة أجريت عام 2010 أنَّ المشاركين الذين قصَّروا يوماً في ممارستها، انخفضت رغبتهم في ترسيخ العادات أكثر من المشاركين الذين التزموا العادة يومياً.
في نهاية الأمر، إنَّه تغيير في نمط الحياة، وهذا لا يعني أن تلوم نفسك على يوم لم تلتزم فيه، وفي الواقع، يمكن أن يجعلنا هذا النوع من الاستجابة السلبية نقاوم التغيير عموماً.
10. التخطيط لصباح اليوم التالي:
من واقع خبرتي، فإنَّ أفضل جزء من روتيني المسائي هو التخطيط لصباح اليوم التالي؛ إذ إنَّه جزء من عملية الاسترخاء التي ساعدتني على الشعور بأنَّ يومي قد اكتمل، وكما نفعل عادة عند إغلاق المطعم أو المتجر، أقيِّم أحداث يومي، كالأمور التي سارت على ما يرام وما أنجزته، وما لا يزال يتعيَّن عليَّ القيام به؛ حيث يساعدني ذلك على وضع خطة أسير عليها في صباح اليوم التالي، وعندما أستيقظ، يمكنني الانطلاق في يومي وأنا أحمل هدفاً في جعبتي، بدلاً من قضاء الساعات القليلة الأولى - التي اكتشفت أنَّها أفضل ساعات اليوم - في القيام بمهام لا معنى لها أو مُشتِّتة للانتباه.
11. متابعة التقدم:
على غرار إنشاء مفكرة لتسجيل مهامك في بداية كل يوم، احتفظ بدفتر يوميات خلال اكتساب مجموعة عادات جديدة، واكتب ما نجحت في تبنِّيه، وما كان سهلاً أو صعباً؛ حيث يتيح لك ذلك الاستمرار في تخصيص روتينك الجديد بما يناسبك أكثر.
وتذكَّر أنَّ الروتين ليس عقاباً أو تحدياً لمدة 30 يوماً، من شأنه أن يحل مشكلاتك حلَّاً سحرياً؛ بل هو طريقة لتحقيق الهدف وتعزيز الإنتاجية.
أضف تعليقاً