10 إجراءات لتغيير حياة الأشخاص شديدي الحساسية

يُنظَر غالباً إلى الناس شديدي الحساسية على أنَّهم أشخاص ضُعفاء أو مُنهارون؛ لكنَّ الانفعال والمشاعر القوية ليسَت علامة ضعفٍ؛ بل إنَّها ميزةٌ للإنسان الحنون والمتعاطف والمُفعَم بالحيوية الصادقة؛ فالشخصُ الحساس ليس مُنهاراً أو مُحطَّماً؛ وإنَّما تكمن المشكلة في فهم المجتمع لطبيعة هؤلاء الأشخاص، ونظرتهم التي أصبحَت مضطربة وعاجزةً وضعيفة من الناحية العاطفية، فلا عيبَ إطلاقاً في التعبير عن مشاعرك الحقيقية والصادقة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "إنجل كرونوف" (ANGEL CHERNOFF)، وتُحدِّثنا فيه عن أهم الإجراءات التي يمكن للأشخاص شديدي الحساسية اتخاذُها في حياتهم للوصول إلى النجاح وتحقيق أهدافهم.

أهمية وجود الأشخاص شديدي الحساسية في المجتمع:

إنَّ الأشخاص الذين يُوصَفون أحياناً بأنَّهم عاطفيون أو مُعقَّدون للغاية هم النسيج أو البنية الاجتماعية التي تحافظ على حُلمنا وتُبقيه حيَّاً؛ والذي يتمثل بالعيشِ في عالمٍ أكثر تعاطفاً ومراعاةً للمشاعر واهتماماً وإنسانية؛ لذا لا تخجلْ أو تشعر بالإحراج أبداً من ترك مشاعرك ودموعك وابتساماتك تظهر للعلَن وتشعُّ في عالمنا هذا.

لكن ليس الأمر بهذه السهولة؛ لأنَّ السماح بإظهار مشاعرنا وأحاسيسنا يمكن أن يكون مُربِكاً وشائكاً؛ فربَّما تتساءل أحياناً عن السبب الذي يجعل المهام العادية، والتي يتقبَّلُها الآخرون ويتعاملون معها بكلِّ هدوء تُثقل كاهلك وترهقك، أو عمَّا يجعلك تفكر ملياً في الإهمال والإهانات التي تعرَّضتَ لها، لكن يجب عليك نسيانُها، أو عمَّا يدفعُك إلى تضخيم التفاصيل الدقيقة للغاية، والتي لا تكون مفهومةً بالنسبة إلى الآخرين، ومع ذلك؛ فالأمر أشبه بولادتك دون طبقة حماية مُعيَّنة تحميك من الصدمات، والتأثُّر المفرِط بما حولك، والتي يبدو أنَّ الآخرين يمتلكونها.

على الرَّغم من محاولاتك العديدة لإخفاء تأثُّرك ومشاعرك الجياشة أو تخديرها أو تجاهلها وعدم الاهتمام بها، إلَّا أنَّ تعليقات الآخرين وملاحظاتهم المتعلقة بتفكيرك الزائد بالأمور وحساسيتك المُفرِطة ووجوب تحوُّلك إلى شخصٍ قاسٍ وصارم تستمرُّ باختراق الدرع الذي أنشأتَه وأحطتَ نفسَك به، مما يُدخلُك في حالة من التعجُّب والدهشة، ويجعلك تتساءل عن العيب الذي لديك.

أنا أعلم ذلك جيداً لأنَّني اكتشفتُ بالصدفة مُصطلَح "الأشخاص شديدي الحساسية" (highly sensitive people) حين كنت في منتصف الأربعينيات من عمري، مما قادَني إلى اكتشاف لذة ومتعة أن تكون واحداً من آلاف الأشخاص الذين يكتشفون شخصياتهم شديدة الحساسية، ويتشاركون ميزاتهم ومعاناتهم كذلك فيما بينهم.

لقد تعلمتُ منذ ذلك الحين أنَّ معظم الأشخاص شديدي الحساسية يشعرون بالوحدة والعزلة عن الآخرين، إضافة لإحساسهم بالاختلاف الدائم وتعرُّضهم لسوء الفهم مراتٍ عديدة دون أن يعلموا السببَ الكامن وراء ذلك عادةً؛ لكنَّهم لا يُدركون أنَّهم يتمتعون بصفة أو ميزة بسيطة تفسِّر مجموعة الأعراض والصفات الفريدة المُربكة والغامضة لديهم.

حساسية المعالجة الحسية:

يوجد مُصطلَح علمي لشرح ذلك وهو "حساسية المُعالجة الحسية" (Sensory Processing Sensitivity)؛ إذ تتوقع المُعالِجة النفسية والباحثة "إلين آرون" (Elaine Aron) تقديرياً أنَّ 15-20% من الأشخاص يمتلكون أجهزةً عصبية تعالج العوامل المنبهة أو المحفِّزة لها بقوةٍ وحِدَّةٍ؛ إذ يتمتعون بتفكير أعمق، إضافة إلى مشاعر وأحاسيس أعمق وأشدَّ من غيرهم من الناحيتَين الجسدية والعاطفية، كما يَسهُل تحفيزهم وزيادة انفعالهم إلى درجة كبيرة.

صفات الأشخاص شديدي الحساسية:

وفقاً للأبحاث التي أجريتُها، فبعض الشخصيات التاريخية الناجحة تنتمي إلى فئة الأشخاص شديدي الحساسية؛ ومنهم عالم الفيزياء "ألبرت أينشتاين" (Albert Einstein)، والزعيم الأمريكي "مارتن لوثر كينغ" (Martin Luther King)، والمخترِع "ستيف جوبز" (Steve Jobs)، وهو ما أجدُه خبراً عظيماً لأنَّه يعني أنَّ الأشخاص شديدي الحساسية لا يُعانون عيوباً أو لديهم صفات سلبية فطرية بطبيعتهم؛ إلَّا أنَّهم حين لا يدركون كيفية التعامل مع حساسيتهم وتولِّي أمرها، ينتهي بهم الأمر بالضغط على أنفسهم بشدة محاولين مجاراة المُجتمَع حولهم، والبقاء على مستوى تفكيره وعاداته، ويحاولون فعل الأمور التي يبدو أنَّ الآخرين يفعلونها ويتعاملون معها بسهولة، كما يحرصون على فعلها بطريقة أفضل ممَّنْ حولهم حتَّى، مما يُوقعهم في المشكلات.

يستثمر الأشخاص شديدو الحساسية المواهب لبعض الوقت، والتي يمتلكونها بطريقة ممتازة فنجدُهم طلاباً مُبدِعين ومُوظَّفين مُجتهدين ومتقنين لعملهم وأفرادَ أسرة أوفياء يكرِّسون حياتهم لتحقيق سعادة عائلاتهم؛ إلَّا أنَّهم حين يسترسلون في ذلك بما يفوق قدراتهم، فإنَّ سلوكَهم السابق سيؤثر سلباً في حياتهم في النهاية، ويظهَر ذلك الأثر السلبي في هيئة أمراض ومشكلات صحية متواصلة، وشدٍّ عضلي لا يستطيعون التخلص منه بأيِّ طريقة، إضافة إلى شعورهم بالتعب المستمر بلا نهاية والعصبية والتوتر دون أي سببٍ وجيه لذلك.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح للتعامل مع صاحب الشخصيّة الحساسة

إليك 10 إجراءات يمكنك اتخاذُها لتتوقف عن معاناتك، وتبدأ بالنموِّ والازدهار في حياتك:

1. التوقُّف عن البحث عن أشخاص أو أشياء لمساعدتك وإصلاح حياتك:

الحساسية سمةٌ من سمات الحالة المزاجية، وليسَت مرضاً أو اضطراباً طبياً؛ لذا فإنَّك لا تعاني أيَّ عيبٍ أو مشكلة فطرية بطبيعتك، غير أنَّ معظم الأطباء المُجازين للأسف لا يفهمون ذلك بسبب عدم اطِّلاعهم على حساسية المعالجة الحسية، والتي تُعدُّ مجالاً حديثاً في البحوث الصحية؛ وبالفعل، فمن المُرجَّح أن يُصاب الأشخاص شديدو الحساسية بصورة أكبر بالأرجية أو الحساسية تجاه الطعام أو المواد الكيميائية أو الأدوية وغيرها، كما أنَّهم أكثر عرضةً لفرط التنبيه؛ ومن ثَمَّ يشعرون بالضغط النفسي والتوتر بصورة أسرع، مما يمكنه أن يسبب لهم مشكلات صحية أخرى؛ لكنَّ الحساسية النفسية بحدِّ ذاتها لا تحتاج إلى علاج.

يُدرك الأشخاص الحساسون الناجحون بأنَّهم ليسوا مُحطَّمين نفسياً؛ لذا إن كان عقلُك مُنهَكاً في البحث بنشاط عن حلٍّ آخر للتخلص من عيوبك وسلبياتك، فاعلمْ أنَّ الحلَّ للعيشِ بتناغم وانسجام مع طبيعتك الحساسة يكمن في داخلك.

2. إخبار نفسك بأنَّك لستَ مُحتالاً أو مخادعاً كلَّما دعت الحاجة إلى ذلك:

ليسَت "متلازمة المحتال" (Impostor syndrome) حصريةً أو خاصةً بالأشخاص شديدي الحساسية؛ بل نجدُها عند غيرهم من الناس أيضاً؛ إذ يقع معظم الأشخاص المُجتهدين والمُتقنين لأعمالهم وذوي الإنجازات والتحصيل العالي ضحيةً لهذا الخوف المُزعِج والمقلِق؛ لكنَّ الانزعاج الشديد من اكتشافهم ومعرفة الآخرين بأمرهم غالباً ما يكون مستمراً ودائماً لدى الشخص الحساس، وهو ما يُعَدُّ أمراً طبيعياً؛ لأنَّ الشخص الحساس يقضي حياتَه وهو يشعر بالاختلاف عن الآخرين محاولاً الانسجام معهم والاندماج في المجتمع؛ فربَّما - بصفتك شخصاً حساساً - تعزو السبب في دموعك إلى الغبار الذي دخل في عينَيك وأنت تشاهد إعلاناً تلفزيونياً سخيفاً كان السببَ الحقيقي في إثارة مشاعرك وبكائك.

ربَّما توافق على التسجيل في السباق الممتع الذي تُجريه شركتك على الرَّغم من كُرهك للركض ومعرفتك جيداً بأنَّك ستشعر بالخجل والإحراج من المدة التي يستغرقُها جسمك للتعافي بعد ذلك؛ لكنَّك حتَّى إن كبُرتَ مُعتاداً على التباهي بحساسيتك بفخر واعتزاز، فمن غير المُرجَّح أن تكون قد أفلتَّ من الضغط الثقافي الذي يحثُّك على التنكُّر وإخفاء ذاتك وشخصيتك الحقيقية كي تتناسب مع المعايير السائدة.

يحترم الأشخاص الحساسون الناجحون حقيقةَ أنَّ أجهزتهم العصبية مجبولةٌ فطرياً بصورة مختلفة عن 80-85% من الناس؛ ومن ثَمَّ إن كنتَ تفكر باستمرار بتغيير شخصيتك وبالأمور التي يجب عليك فعلُها؛ لكنَّك لا تستطيع، عليك أن تفهم أنَّ تقدير إنجازاتك ونقاط قوتك المُميَّزة يسمح لك بإظهار نفسك على حقيقتها بسهولةٍ أكبر، حتَّى عندما تكون الشخص المُختلف عن مجموعة الناس المحيطين بك والذي لا ينتمي إليهم.

إقرأ أيضاً: 5 أنماط لمتلازمة المُحتال و6 نصائح للتخلص منها

3. البحث عن الأشخاص أو الأرواح المشابهة لك في الميول والروح والأفكار كي تعلم أنَّك لستَ وحيداً:

لعلَّك تشعر بالاختلاف والوحدة؛ لكنَّك لستَ كذلك في الحقيقة؛ فقد عانى معظمهم شعور الارتباك والحيرة في عزلتهم قبل أن يكتشفوا العدد الهائل من الناس الذي يملكون فكرةً عن شعور الشخص شديد الحساسية ويفهمون طبيعته وأحاسيسه، مما جعلهم يشعرون بإحساسٍ غامر من القوة ينبع من الدعم الذي يتلقَّونه من الأشخاص المشابهين لهم بأرواحهم، ولا بدَّ من أنَّهم يريدون ردَّ الجميل ودعمَك بالمقابل.

لذا فالحلُّ هو قضاء الوقت مع أشخاصٍ حساسين ناجحين ومزدهرين من قبل، أو الانفتاح والاستعداد لإمكانية فعل ذلك على الأقل، فهم لا يعرفون فقط كيفية التحكُّم بحساسيتهم وضبطها؛ بل يعلمون أيضاً كيفية استثمار قواها الخارقة والتمتُّع بها، ويعلمون كذلك ماهيةَ شعورك بالعجز، ويمكن أن يقدموا لك خبرتَهم وحكمتهم ومعرفتهم مباشرةً لمساعدتك على الاستفادة من حساسيتك ومشاعرك المُرهَفة وجعلها تعمل لمصلحتك.

يقدِّر الأشخاص الحساسون الناجحون قوة الحساسية لديهم ولدى الآخرين ويستمتعون بها؛ لذا إن كنتَ تشعر بأنَّك لا تحصل على دعمٍ أو مساعدة كافية أو يُساءُ فهمُك بين الحين والآخر، فاعثرْ لنفسك على كوتش أو منتور أو جماعة ذوي معرفةٍ ودراية وخبرة بموضوع الحساسية، والذين يمكنهم فهمُك وتقدير طبيعتك؛ ومن ثمَّ عزِّزْ علاقتك وتواصلك معهم.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح تساعدك لتصبح اجتماعياً أكثر

4. البحث عن الإيجابية الخفيَّة أو الكامنة في كل موقفٍ تتعرض له واستيعابُها والاستمتاع بها:

يُعَدُّ العقل أداةً تصوغ التجارب والخبرات والمفاهيم وتطورها انطلاقاً من الواقع الذي نعيشُه؛ فإن كنت تظنُّ أنَّ العالم الخارجي مكان خطير، فإنَّ عقلَك سيكون مجبولاً بطبيعته للبحث عن دليل على الخطر؛ أمَّا إن آمنتَ بأنَّ العالم مكان مليءٌ بالحب والحنان، فستتمكن من رؤية المزيد من فرص الحب واقتناصها؛ إذ تحصل دائماً على المزيد من أمرٍ ما عندما تركز عليه.

بالنسبة إلى الأشخاص شديدي الحساسية، فكلَّما كانت البيئة المحيطة بهم أكثر سلبية، زادت معاناتُهم ومشقَّتهم؛ لكنَّ خلاف ذلك صحيحٌ أيضاً؛ فكلَّما زادَت إيجابية البيئة التي يعيش فيها الشخص شديد الحساسية، زاد ازدهاره وتطورت نجاحاته وفاقَت نجاحات الآخرين حتَّى.

تحفز الأفكار جهازك العصبي، وتعمل بوصفها منبهاً له، ويُعَدُّ الاعتراف بوجود السلبية؛ ومن ثمَّ نسيانُها والتخلُّص منها بعدَ ذلك أحد أهم الأمور التي يمكن للشخص الحساس فعلُها، مع ضرورة التحذير هنا من تجاهل السلبية أو صرف النظر عنها؛ لأنَّ ما تقاومه سيستمر بالبقاء في حياتك؛ لذا اغمرْ نفسَك بالأفكار والمواقف الإيجابية التي تبعثُ لديك شعوراً بالرضى أو على الأقل تمنحك إحساساً مُطَمئِناً بالراحة والهدوء.

يختارُ الأشخاص الحساسون الناجحون بقرارٍ منهم رؤية العالم حولهم فائضاً أو مُفعَماً بالفُرَص التي يمكنهم الشعور بالامتنان والشكر لأجلها، إضافة إلى قضاء وقتهم مُطوَّلاً في الأجواء الإيجابية؛ لذا إن كنتَ تشعر بأنَّك مغلوبٌ على أمرك تحت رحمة عواطفك وظروفك المحيطة، فعليك أن تفهمَ أنَّ أفكارك والشحنات العاطفية التي تُثيرُها كذلك دائماً ما تكون تحت سيطرتك.

إقرأ أيضاً: 8 طرق لتدريب العقل على التحلي بمزيدٍ من الإيجابية

5. إيجاد وجهات نظرٍ جديدة لِما تعدُّه عيوبك القديمة:

تشمل هبات أو عطايا حساسيتك الشديدة التفكيرَ العميق والموهبةَ الفطرية لرؤية جميع وجهات النظر والآراء والعواقب والنتائج المترتبة على أمر ما؛ لكنَّك تصبح مُستنزَفاً ومُنهَكاً بسهولة نتيجة التنبيه الدائم والثابت عندما تكون منتبهاً ومتابعاً بشدة لجميع التفاصيل؛ وحين لا تفهم السبب الكامن وراء شعورك وتصرُّفاتك على ذلك النحو، يسهُل للغاية وضعُها خطأً ضمن إطار العيوب وعدُّها سلبياتٍ أو نقاط ضعف في شخصيتك.

لكنَّ الحقيقة هي أنَّ نقاط الضعف تلك ببساطة هي عبارةٌ عن حاجاتك غير الملبَّاة ومواهبك الفريدة التي عليك تعزيزُها والاستفادة منها؛ ومن خلال إعادة صياغة ماضيك ورعاية حاضرك وتعزيزه، فإنَّك تهيِّئ نفسَك للنجاح في المستقبل.

يعيد الأشخاص الحساسون الناجحون التفكيرَ أو النظر في مفاهيمهم وتصوُّراتهم القديمة نظراً لمعلوماتهم ومعرفتهم العميقة بحساسيتهم؛ لذا إن كانت الأجزاء شديدة الحساسية والمُهمَلة والمكروهة حتَّى من نفسك تُثقِل كاهلك وتُرهقك، فاسعَ إلى اكتشاف الوجه الآخر المُشرِق من نفسك؛ إذ ستجد بعضاً من أعظم نقاط قوتك من حَدسٍ وبصيرة وضميرٍ حي وغيرها ميزات حميدة كثيرة.

6. معاملة نفسك بعطفٍ وحنان:

لا بدَّ أنَّك شخصٌ حنون ومتعاطف للغاية بصفتك من الناس شديدي الحساسية إلى درجة أنَّ منح راحة الآخرين واحتياجاتهم الأولوية وتقديمَها على راحتك وحاجاتك شيءٌ غريزي بالنسبة إليك؛ لإضافة إلى هذا، غالباً ما تكون أكبر ناقدٍ لنفسك؛ إذ إنَّك تضغط نفسك كثيراً للوصول إلى أهدافك؛ ومن ثمَّ تشعر بالذنب والسوء الشديد وتنتقد نفسك بدرجة كبيرة حين تُخطئ الهدف ولا تحقق غايتك المنشودة إلى درجة أنَّك تنتقد نفسَك بطرائق لم تتصورْ أبداً أن تستخدمَها لانتقاد الآخرين أو إطلاق الأحكام عليهم.

يُعَدُّ التحكم بالناقد المُزعِج بداخلك أمراً ضرورياً وأساسياً للتعاطف مع نفسك، لكن على النقيض من الاعتقاد الشائع، ينبغي ألا تفعل ذلك بتجاهله وعدم الاكتراث الشديد له؛ بل يمكنك انتهاز الفرصة واستثمار قوتك وموهبتك في التفكير العميق للتحكم به والسيطرة عليه من خلال الاستماع لأفكارك دون إطلاق الأحكام والانتقادات عليها، فقد تحمل تلك الأفكار درراً من الحكمة المُخبَّأة عميقاً؛ ومن ثمَّ تحويل تركيزك إلى الأفكار التي تُثير مشاعر وأحاسيس أكثر لطفاً ومحبة لديك؛ إذ ستصبح قدرتك أفضل على اختيار التصرُّفات والإجراءات اللازمة لتقديم الحب والرعاية لنفسك وللآخرين من حولك في حياتك المليئة بمشاعر أفضل.

يُظهِر الأشخاص الحساسون الناجحون لأنفسهم التعاطف والحب نفسَهما الذي يُجيدون للغاية تقديمَه للآخرين بصورة طبيعية، وربَّما يبدو هذا نوعاً من الأنانية أو الغرور أو الإعجاب بالنفس بدايةً، إلَّا أنَّه ليس كذلك؛ لذا إن كان صوتُك الداخليُّ الناقد لشخصيَّتك يُهينك أو يقلل من شأنك، ردَّ عليه بإظهار اللطف والاحترام تجاه نفسك لأنَّه الترياق أو العلاج المناسب لذلك.

7. إنشاء حدود صحية لا جدراناً عاطفية عالية:

نحن نعيشُ اليومَ في حضارةٍ تقدِّر تسكين الآلام النفسية مؤقَّتاً والضغط على النفس للمواظبة والاستمرار أكثر بكثير ممَّا تقدِّر الحساسية في شخصية الإنسان، فقد سمعنا أقوالاً كثيرة مأثورة في أثناء نشأتنا من مثلِ (مَنْ طلب العلا سهر الليالي) أو (لا مكسَب من غير ألم) أو (البقاء للأقوى) أو (الحياةُ ليسَت عادلةً، فاعتَدْ على ذلك)، كما أنَّنا نحترم الأشخاص الذين يُظهِرون العزم والتصميم للتغلُّب على مآزقهم الشديدة ومِحَنهم المخيفة.

بصفتك شخصاً شديد الحساسية، ربَّما يكون ردُّ فعلك التلقائي أو الذاتي في الورطات والمآزق هو التوقُّف عن الكلام أو الحركة نتيجة الخوف والتوتر أو المكافحة والنضال كي تزداد صلابةً وقوة، وتلجأ كذلك إلى بناء جدرانٍ حول نفسك لحمايتها من الأذية، والتي قد تكون جدراناً عاطفيةً مثل قمع مشاعرك أو كبتِها أو إحداث اضطراب درامي كبير لصرف الانتباه عن أسباب الألم الحقيقية، أو جدراناً جسدية مثل تكدُّس طبقاتٍ من الوزن الزائد للاختباء خلفَها، أو جدراناً ذهنية مثل فقدان التركيز بطريقةٍ ما.

ربَّما تدعُ كلَّ الحدود التي أنشأتَها تنهار وتسقط دفعةً واحدة؛ وبذلك تمتصُّ طاقات الآخرين من حولك، وتنهل منها لا شعورياً وتشعر بالخراب الداخلي بسبب الأحداث والمشاعر غير المتوقَّعة، وتحاول الهرب من تلك المشاعر وتفاديها من خلال الاستغراق في التفكير المُفرِط بشأن كل شيء؛ مثل التخطيط والبحث والتحليل بلا نهاية فيما تفقد الاتصال مع حدسك بصورة كاملة، وتخلط من خلال ذلك بين الاجتهاد والعمل الكثير إلى درجة الإرهاق والتعب، وبين التقمُّص الوجداني والتماهي المُفرِط، وبين التعاطف والتسامح المُفرِط؛ لذا تشعرُ بالذنب وتجلد ذاتك؛ لأنَّك لم تضع حدوداً أفضل؛ فالأمر عبارةٌ عن حلقة مُفرَغة.

يجمع الأشخاص الحساسون الناجحون بين الحزم واللُّطف في الحدود الشخصية التي يبنونها لأنفسهم؛ فإن كنتَ تواجه صعوبات لإعطاء الأولوية لاحتياجاتك الخاصة - وهو ما لا يُعدُّ أمراً فطرياً لدى الشخص مُفرِط الحساسية - لذا اتَّخذْ قراراً واعياً بممارسة مهارة قول كلمة (لا) بكلِّ حبٍّ ورُقيٍّ أو خصِّصْ لنفسك وقتاً تكون فيه وحدك للاسترخاء وإعادة شحن طاقتك وقرِّرْ أن تشعر بالرضى عن ذلك.

8. الانتباه لجسدك جيداً لتجنُّب التأرجح العاطفي:

يتعلم معظم الأشخاص شديدي الحساسية تجاهلَ الرسائل التي تبعثُها أجسادهم إليهم، فقد يتوقفوا عن التركيز عليها نهائياً لتجنُّب الإرهاق الذي قد يطغى على حياتهم بسببها، أو يركزوا بانتباه شديدٍ على احتياجات الآخرين ومُتطلَّباتهم، بدلاً من حاجاتهم ليكونوا على قدر توقعات الآخرين بشأنهم، مما يجعلهم يتشددون في كل أمور حياتهم ولا يعرفون معنى الاعتدال؛ بين الكثير جداً والقليل للغاية، والسرعة الكبيرة والبطء الشديد، جيئةً وذهاباً، بين حالةٍ من النشاط والتحفيز المُفرِط، وحالةِ الملل القصوى لدرجة البلادة والضجر الشديد، أو اتباع حمية ونظام غذائي صحي؛ ومن ثمَّ الإصابة باضطراب نهم الطعام، أو ممارسة تمرينات رياضية قاسية وحاجتهم إلى أيام عدة بعد ذلك للتعافي، وهكذا دواليك.

لكنَّ الأشخاص الحساسين الناجحين ينتبهون جيداً إلى الأحاسيس الطبيعية في أجسامهم، ويتقبلون حقيقةَ أنَّها ليسَت باعثةً على الراحة دائماً؛ لكنَّهم يثقون بأجسادهم لتدلَّهم على المسار والتصرف الصحيح؛ فإن كنتَ مُعتاداً على الاختباء من مشاعرك أو تجاوز مرحلة الإرهاق، تعلَّمْ أن تتعرف إلى العلامات الخفيَّة والدقيقة التي يُرسلها جسمك لك ليُنذرَك بشأن تعرُّضه للتحفيز المُفرِط، حتى تتمكن من تحقيق التوازن العاطفي.

شاهد بالفيديو: كيف تتحلَّى بالاتزان العاطفي وتطبقه في الحياة اليومية؟

9. تصميم عادات صحية تناسب حاجاتك الفريدة:

ستدفعُ في النهاية ثمنَ أفعالك كافةً، فساعات العمل الشاقة ويليها التعرُّق الشديد في النادي الرياضي والسيطرة على الفوضى التي تعمُّ أرجاء المنزل، وما يؤجج ذلك كلَّه من اتباع أنظمة غذائية سيئة والحصول على الحد الأدنى من النوم أو الاستراحة، يسهُل الوقوع في هذا الفخ؛ لأنَّك ببساطةٍ تعيشُ حياتك بالطريقة التي يعيش بها الآخرون حياتهم.

إضافةً إلى ذلك، تؤثِّر بعضُ العادات التي يبدو أنَّها صحية في الجهاز العصبي للأشخاص شديدي الحساسية، مثل تناول الأطعمة التي يدَّعي بعضُهم أنَّها صحية؛ لكنَّها مُعالَجة بدرجة كبيرة ومُشبَعة بالسكر والإضافات الغذائية المُصنَّعة، أو ممارسة التمرينات الرياضية الشديدة التي تحتاج إلى وقت طويل للتعافي من آثارها.

إن سمحتَ لنفسك بالتعرُّض لكثير من التحفيز والتنبيه المُفرِط الذي يتبعُه تجديد طاقتك ومواردك بطريقة سيئة، ستعرِّض نفسَك لخطر الإصابة بالأمراض المزمنة، وهو ما تعلَّمه معظم الأشخاص شديدي الحساسية بعد معاناة وتجارب صعبة؛ لكنَّك في الوقت ذاته إن بالغتَ في حماية نفسك، فلن تُعبِّر عن عبقريَّتك ومواهبك، مما يمكنه أن يؤدي أيضاً إلى الإصابة بالضغط النفسي واعتلال الصحة.

يمارس الأشخاص الحساسون الناجحون العادات التي تُفيدهم؛ لذا إن كنتَ تواجه صعوبات ومشكلات في طاقتك وعافيتك، فعليك أن تمنح الأولوية في حياتك لممارسة العادات التي تنمِّي وتعزز هذه الجوانب من حياتك، مثل الحصول على قسطٍ أكبر من النوم، والبقاء وحدك لمدة أطول، وكذلك أن تحدَّ من العادات التي تؤدي إلى تحفيزك المُفرِط أو استنزاف طاقاتك وإجهادك مثل النشاطات التي تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم لديك، حتَّى إن كان بعضُهم يزعم أنَّها عادات صحية.

إقرأ أيضاً: 6 عادات صحيّة يجب أن تمارسها في حياتك اليوميّة

10. التوقُّف عن كبح حساسيتك وقمعها:

بعد قضاء حياتك وأنت تُمطَر بوابلٍ من عوامل التحفيز والتنبيه، يُصبح دفع الحساسية بعيداً عن الإدراك الواعي شيئاً غريزياً، مثل تجاهل أحاسيسك المستمرة مثلاً للتظاهر أو الادِّعاء بأنَّك لا تكترث لها، أو التخفيف من حدَّة المشاعر القوية - سواء أكانت سيئة أم جيدة - كي لا تشعر بأنَّ حياتك غير مستقرة، أو كبتُ المشاعر كي تحظى باستراحةٍ من الشعور بأي شيءٍ على الإطلاق.

قد تخدعُ هذه الآلية الدفاعية الذاتية عقلَك الواعي؛ لكنَّها لن تستطيع خداع جسدك الحساس، ويتسرب ذلك إلى صحتك وعلاقاتك بالآخرين ومهنتك وجميع جوانب حياتك، أو يساهم بمراكمة التوتر في داخلك حتَّى تضطر إلى تقديم تنازلات.

كما يتخلى الأشخاص الحساسون الناجحون عن التشبُّث بالسيطرة والتحكم؛ لذا فعندما تُطلق سراح الطاقة التي كنت تستخدمها لضبط نفسك والتحكم بها بحزم، فإنَّك تحرر مواهب حساسيتك وعطاياها، والتي ضلَّت منك من تعاطف وإبداع وغبطة على سبيل المثال لا الحصر، وتسمح كذلك لإمكاناتك ومواهبك الحقيقية بالظهور والتألق.

في الختام:

فيما تتعامل مع الإجراءات أعلاه، تذكَّرْ أنَّ سرَّ نجاحك وازدهارك بصفتك شخصاً شديد الحساسية هو الاعتراف بأنَّه من المقبول تماماً أن تكون كذلك أكثر من أي شيءٍ آخر، مع كلِّ ما يمكن أن تمرَّ به من تحديات وصعوبات وكلِّ ما تمتلكه من نقاط قوة.

أنصحك باستثمار ذهنك وموهبتك في التفكير العميق لمعرفة المعلومات والعلوم الخفية، وتعمُّد إعادة التركيز بكلِّ تأنٍّ على الإيجابية والإمكانات المتاحة أمامك؛ واستثمر جسدَك ذا المشاعر العميقة لسماع أحاسيسك ومشاعرك والانتباه لها جيداً، وابقَ ضمن نطاق الإثارة والتحفيز الأمثل لجهازك العصبي قدرَ الإمكان؛ واستخدِمْ وعيَك الكبير وإدراكك العالي لتقبُّل جميع المواقف التي تعترضُك في حياتك، وإن بدا ذلك غريباً لمعظم الناس؛ فمعظم الأشخاص يعيشون ظروفاً مشابهة في مكان ما من العالم.




مقالات مرتبطة