10 أشياء يريدها كثير من الأشخاص التعساء أكثر من السعادة

في قديم الزمان، استيقظَت فتاةٌ صغيرة وهي تشعر بالجوع والعطش؛ إذ لم تتناول طعاماً أو شراباً منذ مدةٍ طويلة جداً لدرجةٍ لا تستطيع تذكُّرها، وقد كانت تائهةً في طفولتها المُعذَّبة دون طعامٍ أو ماءٍ أو مأوى أو أي نوعٍ من أنواع الرعاية، إلَّا أنَّها لم تكن خائفةً؛ بل مستعدة وجاهزة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مارك كرنوف" (MARC CHERNOFF)، ويُحدِّثنا فيه عن أهم العوامل المُلهية للإنسان والتي تشتِّت تركيزه عن سعادته الحقيقية.

لقد كان الكون شديد الوضوح معها خلال حياتها القصيرة؛ ففي الوقت الذي مُنِحَ فيه الأطفال الآخرون حياةً أسهل في منازل أكثر سعادة مع آباءٍ محبِّين وأشجار عيد الميلاد وحفلاتٍ لأعياد ميلادهم، كان مصيرها مختلفاً جداً؛ إذ كان مُقدَّراً لها أن تذوق طعم المعاناة وتعرفها كي تتمكَّن في النهاية من إيجاد طرائق لتخفيف معاناة الآخرين.

لقد اعتاد قلبُ الطفلة الصغيرة على الخفقان بقوة في أثناء مشاهدتها لشروق الشمس في الأفق البعيد، وكثيراً ما تساءلت كم يمكن لجسدها وعقلها الصغيرين المحرومَين أن يتحمَّلا مزيداً من الأسى والفقر. ومع أنَّها كانت تناضل بشتَّى الطرائق الممكنة وتحاول وتسعى بكل قوتها، فإنَّها أخبرت نفسها في كثيرٍ من الأحيان بأنَّه إن كان اليوم هو اليوم المنشود لوفاتها، فلا مانع لديها، ولكنَّها لم تكُن لتستسلم دون كفاح ونضال.

لقد وقفت تلك الفتاة الصغير بقوة، وواجهت وحدتها ومعاناتها وآلامها ومعاركها الداخلية، وخرجت من طفولتها المُعذَّبة نحو سن الرُّشد تدريجياً دون خوفٍ من المُستقبل، لتصبح امرأةً ناضجة، وتلاحظ عندها وجود كثير من المعاناة والمصاعب التي لا تُصدَّق في العالم المحيط بها والتي يمكنها المساعدة على تخفيفها والقضاء عليها.

لقد وجدت كثيراً من الناس الذين يشقُّون طريقهم بصعوبة بلا هدفٍ أو وجهة، ويتعثَّرون خلال حياتهم المعذَّبة أيضاً دون حصولهم على أيٍّ من احتياجاتهم الأساسية فيها؛ لكن بدلاً من البحث عن حلولٍ لمعاناتهم تلك أو وسيلةٍ للهرب من حياتهم المُعذَّبة، كانت الغالبية العُظمى منهم تتبنَّى أسلوباً مشوِّقاً ومثيراً للاهتمام للتعامل مع المآزق والورطات التي تعترضهم.

لقد كانوا يدَّعون أنَّهم لا يعيشون في تلك الحياة ولا يعانون الحرمان من أدنى مُتطلَّباتها، وكانوا يمارسون حياتهم اليومية ببساطة مُشتِّتين انتباههم عن احتياجاتهم الأساسية، ومُلهين أنفسهم عن الألم غير المنقطع الذي شعروا به.

وقد لاحظت أحياناً أنَّ تلك المُلهيات والأمور المُشتِّتة للانتباه التي لجؤوا إليها من أدوات مُبتكَرة ونميمة ووقت فراغٍ وأفلام وطعامٍ غير صحي، بدت غير ضارة أو مؤذية نسبياً، ولكنَّها كانت تبدو في أوقاتٍ أخرى مدمِّرةً بصورة أكبر بكثير في حياتهم كما عندما يلجؤون إلى الإنكار أو الغيظ والنكاية أو الغيرة أو الاشمئزاز من النفس أو التضليل أو التسويف أو الندم أو اللامبالاة وفتور الشعور والتي تُعَدُّ ربَّما الأكثر شيوعاً بينها.

لقد تعلَّمت أنَّه مع أنَّ تلك المُلهيات مسبِّبةٌ للإدمان وتبدو غير ضارَّة على الأمد القريب، فإنَّ مُعظم تلك المُلهيات التي شهدتها في حياة الناس كانت موجودةً لديهم لأسباب خاطئة تماماً، تمثَّلت بإخفاء الحقائق المؤذية وطمسها؛ إذ كانت تلك الحقائق فعلياً مُجرَّد اختلافات طفيفة لحقيقة مشتركة واحدة دائمة وصعبة؛ وهي أنَّ المعاناة لا تتوقف حين نلجأ بوصفنا بشراً إلى إلهاء أنفسنا وصرف انتباهنا عنها؛ بل إنَّها تتفاقم وتحتدم جداً بدلاً من ذلك، وهذا ما يجعلنا نتقيَّد ونلتزم بعمرٍ كاملٍ مليءٍ بالأشياء التي تُلهينا وتشتِّت انتباهنا وتركيزنا دون معنى أو هدف، والتي كثيراً ما تُلحق الضرر والأذى بنا، وهو ما ندعوه بكل أسفٍ الحياة.

المُلهيات مقابل السعادة:

إنَّ الطفلة الصغيرة التي تحدَّثنا عنها في القصة أعلاه والتي كبُرَت لتصبح امرأةً ناضجةً حكيمة ومُميَّزة هي جدَّتي التي تُدعى "زيلدا" (Zelda)، وفي حين أروي مقتطفاتٍ من قصة حياتها هنا وأسردها بصورة قصة تعليمية وجيزة، فإنَّ جدَّتي كانت إنسانةً حقيقيةً ومُميَّزةً ومذهلة، والتي بذلت جهداً جهيداً لاكتساب العِبَر والدروس من التجارب التي عاشتها في حياتها الشخصية، ومن ثمَّ تلخيصها في قصصٍ يسهُل فهمها بالنسبة إليَّ حين كنتُ مُجرَّد مراهقٍ فقط، كما أمضت مُعظم حياتها في مساعدة الأشخاص المحتاجين.

لكنَّ الدرس الذي ذكرته في القصة أعلاه عن المُلهيات هو أمرٌ أراه وزوجتي "إنجل" باستمرار يؤثر في حياة الناس بصورة يومية، وقد تذكرته مرةً أخرى هذا الصباح حين تلقَّيتُ بريداً إلكترونياً من أحد المتدرِّبين الجُدُد، وقد اقتصر موضوعُه على سؤال ذلك الطالب عن السبب الذي يجعله يحبُّ إلهاء نفسه وصرف انتباهها عن الأشياء الأكثر أهمية في حياته.

لذا؛ فإنَّني أرغبُ اليوم تكريماً لجدَّتي وعلى شرف الاستفسار الأخير لطالبنا الجديد، بالكشفِ عن عشرة عوامل تشتيت مُحدَّدة، والتي رأيتُها وزوجتي "إنجل" تضايق المئات من متلقي الكوتشينغ الذي نقدِّمه والمتدربين وجمهور مؤتمراتنا خلال العقد الماضي.

يُغذَّى أصل أو جذر كلٍّ من تلك العوامل عموماً برغبة لاشعورية في تجاوز نوعٍ من المعاناة والعثور على طريق مُختصرة وسريعة للوصول إلى السعادة؛ فإنَّ ذلك دوماً ما يُعطي نتائج مناقضة؛ وذلك لعدم وجود طرائق مُختصرة للخطوات الصعبة التي ينبغي اتخاذها في سبيل الهروب من المعاناة والصعوبات نحو مكانٍ يغذِّي الروح البشرية، ومع ذلك - ورغم المنطق - يظنُّ معظم الأشخاص التعساء أنَّهم يريدون عوامل التشتيت الآتية؛ بل ويحتاجون إليها أيضاً:

1. يومٌ آخر مريح دون استعجال:

يبدو الاستمتاع بيومٍ مريح دون استعجال أمراً لطيفاً للحظة، ولكنَّه لن يكون من نوع الأيام التي تستذكرها وتشعر بالامتنان لِما حققته خلالها من تقدُّم ونجاح؛ إذ إنَّ الإلهاء الأكثر شيوعاً وتدميراً في العالم هو استقطاب الراحة أو جذبها، فلا داعي للسعي إلى تحقيق التقدُّم والتطور بوجود ما يُقارب 500 قناة تلفزيونية وموقع "يوتيوب" (YouTube) والكرسي الذي ينحني للوراء في حياتنا أصلاً، فما عليك إلَّا أن تجلس خلف جهازك كي تشعر بنشوة غامرة تفقد نفسك فيها وتنسى جميع أهدافك وأحلامك، لكن من الخطأ تسمية ما سبق بالعيش على قيد الحياة، وإنَّما هو مُجرَّد وجود دون حياة.

إذ يقتصر العيش على قيد الحياة على التعلم والتطوُّر من خلال الحماسة وعدم الراحة، كما يتعلَّق بطرح الأسئلة والبحث عن الإجابات، فالحياة مليئة بالأسئلة التي لا يملك مُعظمها إجابات واضحة أو فورية، ومن ثمَّ يقتصر العيش على قيد الحياة على رغبتك أو استعدادك لطرح تلك الأسئلة، وشجاعتك للسير بجرأة نحو المجهول بحثاً عن الإجابات بصورة يومية، وهو ما يمنح لحياتنا معنىً وأهمية.

يمكنك أن تمضيَ حياتك شاعراً بالأسى على نفسك ومتسائلاً عن سبب كثرة المشكلات في العالم الخارجي وأنت جالسٌ على كرسيك القابل للانحناء وتُرجِع ظهرك للوراء براحةٍ تامة، أو يمكنك أن تكون شاكراً وممتناً لكونك قوياً بما يكفي للصمود في وجه تلك المشكلات وتجاوزها.

يعتمد قرارك في ذلك على عقليتك وطريقة تفكيرك فقط، غير أنَّ الخطوات الأولى الواضحة في هذا المجال تتمثَّل بإقناع نفسك بالتوقُّف عن إلهاء نفسك وتشتيت انتباهك من أجل استجماع قوتك للنهوض وتنفيذ الواجبات غير المريحة التي يتحتَّم عليك فعلها.

إقرأ أيضاً: تحدي الـ 66 يوماً: طريقة بسيطة وفعالة تغير طريقة تفكيرك تماماً

2. طريقة أسرع لإنجاز المهام:

كلَّما نضجت وازددت حكمة، زاد دهاؤك وأصبح من الصعب خداعك، فلا تنطلي عليك حيل الحلول المؤقتة أو العاجلة؛ إذ تصبح مؤمناً بأنَّ أيَّ إنجازٍ جديرٌ بالتحقيق يتطلَّبُ تكريس مجهود يومي مُخصَّص له، ومثل كثير من الناس، فقد اعتدتُ على الظنِّ بأنَّ التمنِّي والصلاة قادرةٌ على تغيير مجرى حياتي وحدها دون بذل أي مجهود أو عمل، في حين أصبحتُ مؤمناً وموقناً الآن بأنَّ الأمنيات والصلاة تغيِّرنا بوصفنا بشراً، ونحن مَن يغيِّر الأشياء من حولنا.

حين يتعلَّق الأمر بإحداث تغيير هام وجوهري في حياتك - كإنشاء مشروعك التجاري الخاص، أو الحصول على شهادة جامعية، أو الرغبة بتعزيز علاقةٍ جديدة في حياتك مع أحدهم، أو الزواج وبناء أسرتك الخاصة، أو رفع مستوى اليقظة والانتباه لديك، أو أي تغييرٍ شخصي في حياتك يتطلَّب وقتاً والتزاماً فثمَّة أمرٌ واحدٌ عليك أن تسأله لنفسك وتفكِّر به للحظةٍ.

يتمثَّل هذا الأمر في استعدادك الفعلي لقضاء بعض الوقت في العمل على تلك التغييرات يومياً على عكس عديد من الناس؛ وذلك حتَّى تتمكن من قضاء أفضل فترات حياتك بالطريقة التي يعجز عنها أولئك الناس؛ إذ نصبح في النهاية على هيئة أفعالنا التي نمارسها مراراً وتكراراً.

على سبيل المثال، لا يعني اكتسابك لمزيد من المعرفة وحصولك على فرصٍ أكثر أنَّك تتطوَّر أو تتقدَّم في حياتك؛ بل يتحقق التقدُّم والتطور فقط عندما تغيِّر معارفك وعلومك من طريقة تعاملك بفاعلية وحيوية مع الفرصة المُتاحة أمامك مباشرةً بصورة يومية.

3. جهود ونتائج مثالية:

يخشى معظمنا من أنَّ عيوبنا ستعوقنا وتمنع تطوُّرنا وتقدمنا بطريقة أو بأخرى، ولكنَّ خلا ذلك تماماً هو الصحيح؛ لأنَّ تقبُّلنا الكامل لعيوبنا والنقص الذي فينا هو ما يحرِّرنا في النهاية؛ إذ يُعَدُّ فهم الفرق بين السعي المنطقي المعقول والكمالية بالغَ الأهمية في التخلُّص من المُلهيات وتحسين حياتنا.

إذ تسبِّب الكمالية بجميع أشكالها ودرجاتها إصابتك بالقلق والضغط النفسي غير الضروريَّين، الناجمين عن الحاجة السطحية لإتقان الأمور وفعلها بالطريقة الصحيحة على الدوام، إضافة إلى أنَّها تمنعك من تحقيق أي إنجاز يستحقُّ التعب والمجهود.

لذا عليك أن تفكِّر بالتقدُّم والتطور وليس بتحقيق الكمالية، فالعالم لا يُكافئ مَن يسعى إلى الكمالية، وإنَّما يكافئ الأشخاص الذين يُنجزون أشياء جيدة، والطريقةُ الوحيدة لإنجاز الأشياء الجيدة هي بأن تكون مليئاً بالعلل والعيوب وبعيداً عن الكمالية معظم الوقت.

شاهد بالفديو: 10 أفكار مدهشة تساعدك على تطوير ذاتك

4. الرسائل النصية والتحديثات على مواقع التواصل الاجتماعي والميمز والصور الرائعة على تطبيق "إنستغرام" (Instagram):

إنَّ أيَّ أمرٍ يسلِّيك ويجلب لك المتعة والبهجة في الوقت الحالي ولكنَّه سيؤذيك أو يُضجرك يوماً ما هو أمرٌ مشتِّت؛ لذا ابتعد عن التنازلات، ولا ترضَ بالقليل، ولا تستبدل الأشياء الأكثر أهمية في حياتك والتي ترغب بها أكثر من أي شيءٍ آخر بأمورٍ تريدها إلى حدٍّ ما لتسليتك وإلهائك في اللحظة الراهنة.

لذا عليك البحثُ في عاداتك ومراجعتها بدقة ومعرفة كيفية قضاء وقتك بدقة للتخلُّص من المُلهيات والأمور التي تشتِّت تركيزك، فقد حان الوقت للتركيز على الأمور الأكثر أهمية في حياتك.

إن رغبتَ بنقطة انطلاقٍ جيدة كي تبدأ ذلك منها، تعلَّم من جديد أن تكون أكثر إنسانية؛ من خلال الحرص على التواصل البصري مع الآخرين، والنظر في أعينهم مباشرةً عند الحديث معهم، والإكثار من الابتسام، والابتعاد عن الاختباء خلف الأجهزة الحديثة، وكذلك عليك أن تسأل الناس عن قصصهم وأحداث حياتهم وتحرص على الاستماع إليهم.

إذ لا يمكنك أن تتواصل مع أي شخصٍ أو مع نفسك حتى إلَّا عندما تكون حاضر الذهن بكامل تركيزك بعيداً عن جميع المُلهيات، وهو ما لا يمكنك تحقيقه إن كنتَ تهدر حياتك بتصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي من "فيسبوك" (Facebook)، و"إنستغرام" (Instagram)، وغيرها.

إن كنتَ متعلِّقاً بهاتفك الذكي ومرتبطاً به باستمرار وتستمع إلى الآخرين بأذنيك فقط دون تواصل بصريٍّ معهم فيما تبحثُ بعينَيك عن آخر الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي باستمرار، فإنَّك تخدع نفسك وتسلبها تجربة الاستمتاع بعلاقات اجتماعية وحياة حقيقية في الواقع.

ينطبقُ الأمر نفسه على الرسائل النصية أيضاً؛ ففي يومٍ من الأيام، ستُصعق بحقيقة أنَّ إضاعة ذكرياتك مع الآخرين وتفويتها أكثر إثارةً للقلق والإزعاج من ضياع الرسائل النصية.

5. المزيد من الدعم والتأييد من حشود الناس المُحيطين بالشخص:

نقلق بشأن ما يظنُّه الأشخاص من حولنا، أو بخصوص مظهرنا أمامهم، أو محبتهم وإعجابهم بنا أو بغيرنا، كما نقلق من أنَّنا لا نحقق كلَّ ما علينا إنجازه، أو من الفشل المُحتمل في مُستقبلنا، أو من كوننا لا نبذل قصارى جهدنا بما يكفي لتحقيق أهدافنا، بالإضافة إلى قلقنا بالطبع بشأن الكلام الأحمق وغير اللائق الذي قاله أحدٌ ما عنَّا في الماضي.

إنَّ مواقع التواصل الاجتماعي تزيد من حدَّة هذه المشكلة بسبب ثقافتها التي تدفعنا للبحث الدائم عن قبول الآخرين ودعمهم لنا، من خلال تسجيلات الإعجاب والحب الافتراضية، مع تشديد الاهتمام وتسليط الضوء المتواصل في تلك المواقع على الأجسام المثالية التي ينبغي لنا السعي إلى بنائها والرحلات المذهلة التي يجدُر بنا إجراؤها؛ لذا عليك أن تقتنعَ تماماً وتُدرك بأنَّك لا تحتاج إلى نيل استحسان الآخرين على مواقع التواصل الاجتماعي في حياتك، فهو مُجرَّد إلهاء يصرف انتباهك عن الأمور الأكثر أهمية في الحياة.

6. جدول أعمال مكتظ ومليء بالأشغال:

يبدو الانشغال بكثير من الأمور وجدول المواعيد المزدحِم مشوِّقاً ومثيراً للحماسة لبعض الوقت، لكن لا تنخدِع بالمظاهر، وكُن حذراً، وتأكَّد بأنَّ الانشغال لمُجرَّد رغبتك بملء وقتك دون تحقيق أي أهداف ذات قيمة هو مُجرَّد إلهاء مؤقَّت يُبعدنا أكثر فأكثر عن السعادة طويلة الأمد والطمأنينة وراحة الضمير، وهو درسٌ أو عبرةٌ سنتعلَّمها جميعاً في النهاية، ولكنَّ بعضنا يتعلَّمها بعد معاناة وتجارب صعبة.

تميل الحياة إلى جعلنا نشعر بالتواضع تدريجياً مع تقدُّمنا بالعمر، لنبدأ بإدراك مقدار الهراء والكلام معدوم المعنى الذي أهدرنا وقتنا فيه، كما أنَّ الإفراط في الالتزام هو بصدقٍ الخطأ الأكبر الوحيد الذي يرتكبه مُعظم الناس، والذي يحوِّل حياتهم لحياةٍ مليئة بالتوتر والضغط النفسي والإرهاق على الأمد البعيد.

من المُغري جداً ملء كل لحظة من يومك تكون مستيقظاً فيها بمهام من قوائم المهام الخاصة بك وأحداث والتزامات وإلهاءات، لكن لا تفعل ذلك بنفسك، فلا يستطيع أيٌّ منَّا فعل تلك الأمور جميعها؛ لذا عليك أن تنسى ذلك وتركِّز على الأمور الأكثر أهمية وتترك مجالاً في حياتك كوقت فراغٍ لك.

ستتعلَّم مع مرور الوقت أنَّ معظم الإنجازات العظيمة تحدث بلا تخطيط، في حين يُصيبك الندم الكبير أحياناً بسبب عدم تحقيق ما كان مُخطَّطاً له بصورة تامَّة، ومن ثمَّ عليك أن تحافظ على ترتيب حياتك وتنظيمها وقلَّة الأشغال والواجبات في جدول أعمالك.

لذا أنشِئ لنفسك أساساً متيناً مع مساحة هادئة ولطيفة للاستقرار والراحة، واترك هامشاً واسعاً من حياتك تسمح لنفسك فيه بالخطأ وإعادة المحاولة من جديد، ومجالاً لأخذ نفسٍ عميق والتفكير في كل خطوة تتخذها. 

7. المآسي اليومية التي تبدو هامَّة جداً:

إنَّ 99% من المآسي الموجودة في حياتنا ليست هامَّة على الأمد الطويل؛ وذلك لأنَّها ليست حقيقية حتى، فهي عبارةٌ عن أوهام ومشاعر قلق داخل رؤوسنا؛ بل هي مُجرَّد ارتفاع سريع في ضغط الدم في أجسامنا لأسباب خاطئة تماماً.

فإنَّ مُعظم المآسي في حياتنا هي نتيجة مقاومتنا الداخلية للحوادث والمشكلات التي تواجهنا في العالم الخارجي؛ وهكذا لديك احتمال قوي بأنَّ المآسي التي تمرُّ بها أو تعاني منها في لحظةٍ مُعيَّنة ليست ناجمةً عن كلمات الآخرين أو أعمالهم أو أي مصادر خارجية؛ بل يغذِّيها ويؤجِّجها بصورة رئيسة عقلك الذي يمنحها أهميةً في المقام الأول.

8. التحوُّل لشخصٍ مختلفٍ كلياً:

تدفعنا الطبيعة البشرية إلى محاولة تقليد الأشخاص الذين نحترمهم ونتَّخذ منهم مثالاً في حياتنا، كأحد المشاهير أو نجوم الرياضة، ولا سيَّما حين نشعر بتزعزع ثقتنا بأنفسنا وانعدام الأمان والاستقرار في داخلنا، ولكنَّ محاولتنا بأن نكون مشابهين لشخصٍ آخر مختلفٍ عنَّا تماماً ستجعلنا نشعر بفراغٍ داخلي على الدوام؛ لأنَّ ما نقدِّره في الأشخاص الذين ينالون إعجابنا واحترامنا هو فرديَّتهم، أو الصفات التي تجعل منهم أشخاصاً فريدين واستثنائيين، ولكي نقلِّدهم فعلاً، علينا أن نعمل على تطوير الفردية داخل كلٍّ منَّا وتحسينها، وسنصبح بهذه الطريقة أقلَّ شبهاً بهم في الواقع وأكثر شبهاً بذواتنا الحقيقية.

جميعُنا نملك غرابةً وميزات فريدة تتعلَّق بنا، وكلَّما زاد تقبُّلك لاختلافاتك الخاصة وراحتك بالتعامل معها، بدأتَ بالشعور براحة أكبر بكونك على سجيَّتك فقط؛ لذا لا تصرف نظرك ولا تُلهِ نفسك عن معرفة ذاتك الحقيقية، واحتفِ بكونك مختلفاً أو غريباً بعضَ الشيء أو تسلك مساراً غير اعتيادي في حياتك.

كلُّ ذلك عبارةٌ عن إبداعك الذي بنيتَه بنفسك، وإن وجدتَ في يوم من الأيام أنَّك تحسُّ بشعور غير مألوف أو تشعر وكأنَّك في غير محلِّك، ابحث لنفسك عن مجالٍ جديد تستطيع معرفة ذاتك الحقيقية من خلاله والتصرُّف على طبيعتك.

لا تغيِّر من طبيعتك الحقيقية أبداً؛ بل حاوِل أن تكون على سجيَّتك فقط، فلا ترغبُ بالتأكيد بالوصول إلى نهاية حياتك لتجدَ نفسك بأنَّك قد عشتَ أياماً فارغةً فحسب؛ لذا عليك أن تستمتعَ بكل دقيقةٍ وتستثمرها في تحقيق كل ما ترغب به وعيش حياتك بحلوها ومرِّها.

حين يتعلَّق الأمر بالعيش بصفتك إنساناً سليماً أصيلاً دون أي تزييف أو تزوير، فإنَّ التحدي الوحيد الأعظم من تعلُّم عيش حياةٍ مشابهةٍ لحياة الآخرين لمدة قصيرةٍ من الوقت، هو تعلُّم عيش حياتك الخاصة براحة كبيرة ووحدك دون مساعدة الآخرين، وحين تصبح واثقاً من قدراتك ومنسجماً مع نفسك بصدق، لن يحبَّك جميع الناس من حولك، لكنَّك لن تهتم لذلك ولو قليلاً.

9. المزيد من الثقة بالنفس:

الثقةُ هي قصور أو جمود داخلي يدفعنا إلى تجاوز مخاوفنا معدومة القيمة والارتياب والتشكيك الذي نعاني منه تجاه أنفسنا، وفي طريق أو مُعترَك الحياة، ندرك أنَّنا نادراً ما نملك الثقة حين نبدأ من جديد في مجالٍ ما، ولكنَّنا نبني ثقتنا تدريجياً في حين نمضي قدُماً في الحياة ونستفيد من قدراتنا الداخلية والخارجية ونسخرها لمصالحنا وفائدتنا.

أمَّا الخطأ الشائع الذي يرتكبه مُعظَم الناس باستمرار فهو الرغبة بالشعور بثقةٍ عارمةٍ في النفس وزيادة تلك الثقة قبل بدئهم بأي أمر جديد، كالبدء بوظيفة جديدة، أو الدخول في علاقةٍ جديدة مع أحدهم، أو الانتقال للعيش في مدينة جديدة، أو إتقان مهارةٍ جديدة.

لكنَّ هذه الرغبة بمزيد من الثقة ما هي إلَّا إلهاء أو تشتيت للذهن؛ لأنَّ الأمور لا تتحقَّق بهذه الطريقة في الحياة؛ بل عليك أن تخطوَ خارج منطقة راحتك وتجازفَ بكبريائك وغرورك وتتعرَّض للمخاطر؛ وذلك كي تنال شرف اكتساب الثقة بالنفس بوصفها مكافأة على المجهود الذي بذلته والصعوبات التي اجتزتها.

لذا؛ توقَّف عن الاعتقاد بأنَّك يجب أن تشعر بمزيد من الثقة العارمة في النفس قبل أن تتَّخذ الخطوة التالية في حياتك، وذكِّر نفسك بأنَّ اتخاذ كلِّ خطوة جديدة في حياتك هو ما يساهم ببناء ثقتك بنفسك.

شاهد بالفديو: 25 نصيحة فعالة لتعزيز الثقة بالنفس

10. المزيد من المُقتنيات والأغراض:

يشتري معظم الناس مُقتنياتٍ وأغراض مادية لا يحتاجون إليها وبأموالٍ لا يملكونها حتى؛ وذلك لإثارة إعجاب أشخاصٍ لا يعرفونهم؛ لذا لا تكن واحداً من هؤلاء، ويمكنك فعل ذلك من خلال ملء حياتك بعديد من التجارب والمعارف والأفكار المُميَّزة، وليس بعديد من الأمور التي تصرف انتباهك وتشتِّت تركيزك عن الأشياء الأكثر أهميةً في حياتك، واسعَ كذلك إلى اكتساب الدروس والعِبَر المذهلة وامتلاك قصصٍ رائعة كي تشاركها مع الآخرين بدلاً من تكويم أشياء وبعثرتها داخل خزانتك.

سأذكر فيما يأتي اقتباسان من كتاب "المزيد من القليل"(The More of Less)، لصديقنا الكاتب الأمريكي "جوشوا بيكر" (Joshua Becker)؛ وذلك لأنَّني أحبُّ إحساسه وآراءه، وأظنُّ أنَّه يُثني تماماً على أفكاري هنا:

  • "إنَّ ممتلكاتنا المادية الفائضة لا تجعل منَّا أشخاصاً سعداء؛ بل الأسوأ من ذلك أنَّها تُبعدنا عن الأمور التي تُشعرنا بالسعادة، وبمُجرَّد أن نتخلى عن الأشياء غير الهامَّة في حياتنا، نصبح أحراراً في السعي وراء جميع الأشياء الهامة حقاً".
  • "أحياناً ما يعني تقليل ممتلكاتنا المادية إلى الحدِّ الأدنى حتميةَ موت أحد أحلامنا القديمة وانتهائه، ولكنَّ ذلك لا يُعدُّ أمراً سيئاً دوماً، ويتطلَّب الأمر في بعض الأحيان التخلِّي عن الشخص الذي أردنا أن نكون عليه في سبيل تقدير الشخص الذي يمكننا أن نصبح عليه في الواقع تقديراً كاملاً".
إقرأ أيضاً: أشياء بسيطة تُشعرك بالسعادة

الآن لنركِّز من جديد ونتدرَّب معاً:

أنا لست محصناً تجاه أي من عوامل التشتيت المذكورة أعلاه، ولا أُستثنى من تلك العوامل بصورة كاملة، فحتى جدَّتي اعترفت بصراحة حين كانت في التسعين من عمرها بأنَّها لا تكون على مستوى التحديات من حينٍ لآخر، فجميعنا بشرٌ في النهاية، ونسمح لدوافعنا الضعيفة بأن تهزمنا وتتغلَّب علينا أحياناً، ويتطلَّب الأمر تدريباً وممارسة في سبيل إدراك ذلك فقط، ومن ثمَّ المزيد من التدريب لاستعادة نشاطنا وتركيزنا والعودة إلى وضعنا السوي.

آمل فعلاً أن تقتنع بكلامي وتتدرَّب معنا على ذلك، وتستمرَّ بتذكير نفسك بما يأتي:

  • اعلم أنَّ الأمور التي تسلِّيك في الوقت الحالي، ولكنَّها ستؤذيك أو تُضجرك يوماً ما، هي عبارةٌ عن مُلهيات وعوامل تشتيت ذهني.
  • لا تقبَل بالحلول الوسطية ولا ترضَ بالقليل.
  • لا تستبدل الأشياء الأكثر أهمية في حياتك والتي ترغب بها أكثر من أي شيءٍ آخر بأمورٍ تريدُها إلى حدٍّ ما لتسليتك وإلهائك في اللحظة الراهنة.
  • ابحَث في عاداتك وطقوسك اليومية، واكتشف الأمور التي تقضي وقتك في فعلها وتصرف طاقتك عليها، وتخلَّص من الإلهاءات والأمور المشتتة في حياتك.
  • ركِّز من جديد على الأمور الأكثر أهمية في حياتك.
  • تقبَّل الواقع وابتعد عن التسويف.
  • فكِّر بالأمور التي ترغب بتغييرها أو ابتكارها في حياتك.



مقالات مرتبطة