عافية الأطفال وتعليمهم أهم بالنسبة إلى معظم الآباء من أي شيء آخر، من الرعاية الصحية وتكلفة المعيشة، والسلامة العامة، وحتى عافيتهم الشخصية، لكن حتى الأشخاص الذين لا يمتلكون أطفالاً يقولون إنَّهم قلقون بشأن عافية شباب المجتمع ونموهم الفكري؛ إذ يبدو أنَّ هذا القلق غير محدد بالجنس أو العرق أو العمر أو الدخل أو الانتماء السياسي.
نستعرض في هذا المقال 10 نصائح مثبتة لتربية طفل أذكى وأسعد:
1. كن قدوة حسنة:
ليس ما تقوله هو الهام؛ بل كيف تعيش حياتك كل يوم، ولا تخبر أطفالك كيف يجب أن يعيشوا؛ بل تصرف كما تعظهم ودعهم يرونك وأنت تطبق نصائحك، ومارس ما تخبرهم بفعله، وإلا لا تتحدث عنه على الإطلاق، سيتطلع أطفالك إليك وسيقلدون أفعالك ويسعون ليصبحوا مثلك؛ لذا كن من تريدهم أن يكونوا.
بمعنى آخر، غيِّر في نفسك ما تريد أن ترى طفلك يغيِّره في نفسه، وافعل ما تتوقعه منهم وما تريدهم أن يفعلونه، اعمل وفق المبادئ التي تحترمها وتحبها كل يوم.
أطفالك هم أعظم هدية تمنحك إيَّاها الحياة، وأرواحهم هي أكبر مسؤولية تضعها بين يديك، اقض وقتك معهم، وعلمهم أن يؤمنوا بأنفسهم من خلال كونهم شخصاً يمثل القيم التي يؤمنون بها، شخصاً يمكنهم الوثوق به بالمطلق، عندما تصبح كبيراً في السن، سيكون هذا أهم شيء فعلته.
2. خفِّف من قلقك لتخفيف مستوى التوتر ضمن الأسرة:
ليس ذلك سهلاً، لكن صدِّق أو لا تُصدِّق ما يريده الأطفال من والديهم أكثر من أي شيء آخر هو أن يكونوا سعداء وأقل توتراً.
في استطلاع شمل ألف أسرة نوقش فيه كتاب "أسرار العائلات السعيدة" (The Secrets of Happy Families)، سأل أحد الباحثين الأطفال: "إذا كان لديك أمنية واحدة عن والديك، فماذا ستكون؟" توقع معظم الآباء أن يتمنى أطفالهم قضاء مزيد من الوقت معهم؛ لكنَّهم كانوا مخطئين، كانت أمنية الأطفال الأولى هي أن يكون آباؤهم أقل تعباً وتوتراً، أرادوا أن يكون جو المنزل أقل توتراً.
يتابع الكتاب في مناقشة معظم الدراسات التي تثبت أنَّ توتر الوالدين يضعف أدمغة الأطفال، ويضعف جهاز مناعتهم ويزيد من خطر إصابتهم بأمراض ذهنية وجسدية أخرى.
3. ثق بأطفالك:
أعظم مديح للطفل هو أن تؤمن به وتوضح له أنَّك تهتم به، عندما ترى فيه شيئاً جيداً وجميلاً، فلا تتردد في التعبير عن إعجابك، وعندما ترى شيئاً غير صحيح وغير جيد وغير جميل فيه، لا تهمل مسؤوليتك في مساعدته وإرشاده بصدق، إنَّ مجرد الاعتقاد بأنَّ طفلك قادر وجدير بالثقة يُحدث فرقاً كبيراً في نفسيته؛ إذ يمده بالثقة، ويُشعره بأنَّه يستطيع فعل أشياء عظيمة.
يناقش كتاب "صميم علم النفس الاجتماعي" (The Heart of Social Psychology) دراسة بحثية قالوا فيها لمعلمي المدارس الابتدائية أنَّ لديهم طلاباً معينين في أحد الفصول مستواهم أعلى من المتوسط، لكن في الواقع، اختُير الطلاب عشوائياً، ولم يكن مستواهم بالضرورة أعلى من المتوسط بأي شكل من الأشكال، ولم يختر الباحثون أياً من هؤلاء الأطفال، ومع ذلك بحلول نهاية العام الدراسي، ارتفع معدل ذكاء 30% منهم بمتوسط 22 نقطة، وكسبوا جميعهم تقريباً 10 نقاط على الأقل في معدل الذكاء.
بعبارة أخرى عندما صدَّق المعلمون أنَّ بعض الأطفال كانوا "أفضل"، كان أداء هؤلاء الأطفال أفضل في المدرسة؛ أي عندما يؤمن بك شخص تحترمه، سيساعدك هذا على أن تكون أفضل.
شاهد بالفيديو: 10 طرق لتنمية الذكاء والقدرات العقلية عند الأطفال
4. امدح أطفالك على الجهد الذي بذلوه لا على ذكائهم:
بعد قراءة الفقرة السابقة قد يبدو هذا غير منطقي بعض الشيء، لكن عندما تمدح جهود الطفل، فإنَّك تلفت الانتباه إلى شيء يمكنه التحكم به بسهولة، والذي هو مقدار الجهد الذي يبذله، وهذا هام للغاية لأنَّه يشجعه على أن يستمر في ذلك، وأنَّ النمو الشخصي من خلال العمل الجاد ممكن، وهكذا تتكون لديهم فكرة أنَّهم يتحكمون في نجاحهم بالحياة.
إنَّ التأكيد على الذكاء الذي يهبه الله يسلب طفلك التحكم بتقدمه، ولا يعلمه طريقة سليمة للتعامل مع الفشل؛ لأنَّ طفلك إذا اعتقد بأنَّه يفتقر إلى الذكاء، وأنَّ هذا ما ستكون عليه الحال دائماً سيتجاهل أهمية بذل الجهد للتعلم والنمو.
لكن لا تبالغ في مدح أطفالك دون سبب، تأكد من أنَّ للمديح مبرر، فإذا كان كل ما يفعله طفلك يعتمد فقط على المكافآت مثل الثناء المستمر، سيتوقف عن العمل عندما يتوقف الثناء، وهذا ليس جيداً لأنَّه يعني أنَّه لن يكون قادراً على تقديم أداء جيد عندما لا تكون معه لتثني عليه.
أفضل شيء يمكنك أن تفعله هو أن تمتدح الطفل عندما يكون لذلك مبرر حقاً، وعندما تجد أنَّه يواجه صعوبة امنحه فرصة لتعلم أنَّه يمكن حل المشكلات المُحبطة.
5. لا تقرأ لأطفالك؛ بل اقرأ معهم:
إذا كان لديك طفل يتعلم القراءة، فلا تتركه يحدق في الصور الموجودة في الكتاب، بينما تقرأ أنت كل كلمة له، بدلاً من ذلك، الفت انتباهه إلى الكلمات، أشر إليها ثم أشر إلى الصور التي توضحها، اقرأ معه وليس له.
تُظهِر الأبحاث أنَّ هذا التكتيك يساعد على تعزيز قدرات الطفل على فهم عملية القراءة، عندما تركز قراءة الكتب على تنمية مهارات القراءة لدى الطفل تصبح وسيلة فعالة لتعزيز التعلم في وقت مبكر، والأهم من ذلك أنَّها تجعل التعلم أكثر متعة، وبالطبع الأوقات الممتعة هي أوقات سعيدة في ذهن الطفل.
6. تناولوا العشاء معاً بصفتكم عائلة:
تناول العشاء معاً يُحدث فرقاً، ووفقاً لكتاب "أسرار العائلات السعيدة" (The Secrets of Happy Families)، فإنَّ الأطفال الذين يتناولون العشاء مع عائلاتهم يحققون نتائج أفضل في كل المجالات تقريباً: "تظهر موجة حديثة من الأبحاث أنَّ الأطفال الذين يتناولون العشاء مع عائلاتهم هم أقل عرضة لشرب الكحول والتدخين وتعاطي المخدرات والاكتئاب والإصابة باضطرابات الأكل".
تشير الأبحاث الإضافية أيضاً إلى أنَّ الأطفال الذين يستمتعون بالوجبات العائلية لديهم مفردات أوسع وآداب أفضل ويتبعون أنظمة غذائية صحية أكثر، وأنَّهم أكثر ثقة بأنفسهم على الأمد الطويل، واكتشفت أكبر دراسة أُجريت عن هذا الموضوع، وهي تقرير صادر عن "جامعة ميشيغان" (University of Michigan)، والتي فحصت كيف كان يقضي الأطفال الأمريكيون وقتهم بين عامي 1981 و1997 أنَّ: "مقدار الوقت الذي يقضيه الأطفال في تناول وجبات الطعام في المنزل كان أكبر مؤشر على تحصيل دراسي أفضل ومشكلات سلوكية أقل، وكان وقت تناول الطعام أكثر تأثيراً من الوقت الذي تقضيه في المدرسة أو الدراسة أو حضور المناسبات الدينية أو ممارسة الرياضة".
حتى إذا كان تناول العشاء معاً كل ليلة غير ممكن، يجب أن تخصص الوقت لتناول الطعام معاً بصفتكم عائلة مرة واحدة على الأقل في الأسبوع.
7. ضع قواعد وحدوداً منطقية ومعقولة لأطفالك:
لا يبلي الأطفال بلاءً حسناً في بيئة ليس فيها قواعد، تلك أسطورة مفادها أنَّ التشدد الشديد يؤدي إلى التمرد، وأنَّ التساهل يقود إلى سلوك أفضل، لكن من الواضح وفقاً للأبحاث أنَّ الأطفال الذين يعبثون ويواجهون المشكلات غالباً ما يكون لديهم آباء لا يضعون قواعد وحدوداً معقولة، لكن إذا كان آباؤهم محبين، وتقبَّلوا أيَّ شيء يفعلونه حتى عندما يكونون غير منضبطين، سيعدُّ الأطفال عدم فرض والديهم للقواعد بوصفها علامة على أنَّهم لا يهتمون بهم حقاً، وأنَّهم لا يريدون حقاً الاعتناء بهم.
من ناحية أخرى، غالباً ما يكون الآباء والأمهات الذين يطبقون القواعد بانتظام من أقرب الأهالي إلى أطفالهم، ووفقاً لدراسة أجرتها الدكتورة نانسي دارلينج (Nancy Darling) والدكتورة ليندا كالدويل (Linda Caldwell)، فإنَّ الآباء الذين وضعوا قواعد منطقية تتعلق بالمبادئ الرئيسة، وشرحوا سبب وجودها، وتفاعلوا عن كثب مع الأطفال شكلوا في نهاية المطاف علاقة أكثر سعادة وصحة معهم.
بالطبع، لا يعني هذا أنَّه يجب عليك المبالغة في اتباع القواعد، أو وضع القواعد فقط من أجل وضع القواعد؛ إذ يؤدي الإفراط في فرض القواعد إلى تربية أطفال مكبوتين يشعرون بالملل، ومن المرجح أن يتمرد هذا النوع من الأطفال.
تقول الدكتورة ليندا: "حتى الأطفال الذين لديهم ما يشغلهم يشعرون بالملل لسببين شائعين، أولاً، يقومون بأنشطة كثيرة فقط لأنَّ والديهم وافقوا عليها وليس لديهم دافع جوهري، ثانياً، لقد اعتادوا جداً على أن يملأ آباؤهم وقت فراغهم لدرجة أنَّهم لا يعرفون كيف يملؤونه بأنفسهم بطريقة منتجة"؛ ومن ثَمَّ غالباً ما يلجؤون إلى الشغب أو حتى تعاطي المخدرات عندما ينشغل آباؤهم أو لا يكونون في الجوار.
شاهد بالفيديو: كيف تزيدين من الثقة بالنفس عند طفلك؟
8. امنح أطفالك فرصة تكوين علاقات صحية مع أقرانهم:
مجموعة الأقران التي يتواصل معها أطفالك لها تأثير هائل في سعادتهم على الأمد الطويل وتطلعاتهم التعليمية، وقد يناقش الآباء مع أطفالهم فكرة ضغط الأقران عندما يكون سلبياً، لكن في أغلب الأحيان يكون إيجابياً، والعيش في حي لطيف ومناسب للأطفال، والذهاب إلى مدارس جيدة، والتأكد من أنَّ أطفالك لديهم أصدقاء مناسبين يمكن أن يُحدث فارقاً كبيراً.
في كتاب ميزة السعادة (The Happiness Advantage) يوضح المؤلف شون أكور (Shawn Achor) أنَّ أسهل طريقة للطفل لتحسين متوسط درجاته، وثقته بنفسه في المدرسة هي ببساطة اختيار زميل ذكي بوصفه صديقاً، ووجد أنَّه عندما يسكن الطلاب ذوي الدرجات المنخفضة مع الطلاب الحاصلين على درجات أعلى، فإنَّ متوسط درجاتهم يرتفع، ووفقاً للباحثين يبدو أنَّ هؤلاء الطلاب يتعلمون من بعضهم بعضاً العادات الجيدة والسيئة؛ أي إنَّ الطالب الذي يحقق درجات مرتفعة يرفع معدل درجات زميله في الغرفة ذي معدل الدرجات الأقل.
بصفتك إنساناً، فأنت تتأثر إلى حد كبير في الأشخاص الذين تقضي معظم وقتك معهم، ولهذا فإنَّ مكانك في الحياة ليس دائماً الأهم؛ بل من يقف بجانبك، وينطبق الشيء نفسه على أطفالك.
9. احرص على حصول أطفالك على قسط كافٍ من النوم كل ليلة:
نادراً ما يكون الذهن المتعب سعيداً ومنتجاً، وهذا أسوأ بالنسبة إلى الأطفال مما هو عليه بالنسبة إلى البالغين، وفقاً لكتاب "صدمة التنشئة: أفكار جديدة عن الأطفال" (NurtureShock: New Thinking about Children)، فإنَّ خسارة ساعة من النوم تحول دماغ طالب الصف السادس إلى دماغ طالب بالصف الرابع؛ أي إنَّ فقدان ساعة واحدة من النوم يعادل فقدان عامين من النمو المعرفي للطفل العادي.
توجد أيضاً علاقة مباشرة بين الدرجات الجيدة ومتوسط مقدار النوم الذي يحصل عليه الطفل؛ فالمراهقون الذين حصلوا على درجات ممتازة حصلوا بشكل متوسط على نحو خمسة عشر دقيقة نوم أكثر من أقرانهم الذين حصلوا على درجات جيدة، والذين بدورهم حصلوا على متوسط خمسة عشر دقيقة أكثر من الطلاب الذين حصلوا على درجات ضعيفة.
كانت البيانات من الكتاب تقريباً مشابهة تماماً لنتائج دراسة سابقة شملت أكثر من 3000 طالب في المرحلة الثانوية، والتي أُشير إليها في الكتاب، بالتأكيد هذه الأرقام هي متوسط؛ لكنَّ التوافق بين نتائج الدراستين يشير إلى نتيجة واحدة، وهي أنَّه بالنسبة إلى الأطفال، كل خمس عشرة دقيقة إضافية من النوم تُحدِث فرقاً.
10. ساعد أطفالك على التدوين في دفتر للامتنان:
في كتاب صدمة التنشئة: "في أحد الأمثلة الشهيرة، طلب الدكتور روبرت إيمونز (Robert Emmons) من "جامعة كاليفورنيا" (University of California) من الطلاب المراهقين الاحتفاظ بدفتر امتنان، وطيلة عشرة أسابيع كتب الطلاب اليافعون خمسة أشياء حدثت في الأسبوع الماضي كانوا ممتنين لها، وكانت النتائج مدهشة؛ فالطلاب الذين احتفظوا بدفتر الامتنان كانوا أكثر سعادة بنسبة 25%، وأكثر تفاؤلاً بشأن المستقبل، ومرضوا أقل في أثناء التجربة الخاضعة للرقابة، حتى إنَّهم تمرنوا أكثر".
إنَّ الأطفال الذين يحتفظون بدفتر امتنان هم أكثر سعادة وتفاؤلاً وصحة؛ لذا بمجرد أن يبلغ طفلك من العمر ما يكفي، ساعده على البدء بالتدوين.
في الختام:
من الواضح أنَّ الأطفال السعداء حقاً والذين يُربَّون جيداً يصبحون أشخاصاً ناجحين تلقائياً تقريباً، بعبارة أخرى، التنشئة السليمة تنتح أطفالاً أسعد من المرجح أن يتحولوا إلى بالغين ناجحين ومتميزين على الأمد الطويل.
أيضاً، السعادة بحد ذاتها هي ميزة هائلة في مجتمع يركز على الأداء العالي، ووسطياً يكون الأشخاص السعداء أنجح من نظرائهم التعساء في جميع مناحي الحياة، ونظراً لأنَّهم يشعرون بالرضى؛ فإنَّهم يبذلون مستويات أعلى من الجهد ويحصلون على تقييمات أداء أفضل، ويتمتعون بمهن مرموقة، ويكسبون رواتب أعلى كما أنَّه من المرجح أن يحافظوا على علاقات أكثر سعادة وصحة.
أضف تعليقاً