"روبيرت إيمونز" (Robert A. Emmons)، أستاذ علم النفس في "جامعة كاليفورنيا ديفيس" (University of California, Davis)، والخبير المشهور في أبحاث الامتنان، يصف الامتنان بأنَّه الاعتراف بالخير في حياتنا أو ما قد نَعدُّه أمراً مسلماً به.
يمكنك أن تتعلم كيف تعيد ربط دماغك عبر "الامتنان الناضج"؛ وذلك من أجل التفكير بطريقة إيجابية، وأن تحصد فوائد تطوير تفكيرك الخاص.
المرونة العصبية وإعادة ربط الدماغ:
تُعرَف المرونة العصبية بأنَّها قدرة الدماغ على تشكيل اتصالات عصبية جديدة. ويمكن أن يؤدي تأثير "إعادة الربط" هذا إلى النمو والتغيير الإيجابي. عندما ينغمس دماغك في الأمور السلبية، قد تنحرف أفكارك نحو السلبية، وقد تكون هناك بعض الأسباب لذلك.
التحيُّز السلبي:
يُقصَد بالتحيز السلبي، ميلنا إلى الانجذاب نحو المحفزات السلبية أكثر من الانجذاب إلى المحفزات الإيجابية، وهو ما يتضح في الطريقة التي ننجذب بها إلى العناوين الرئيسة السلبية أكثر من الإيجابية.
يوضح "مارك هولتر هوف" (Mark Hoelterhoff)، الخبير في علم النفس الإيجابي من "جامعة أدنبرة" (University of Edinburgh)، أنَّ الدماغ، من منظور تطوري، اكتسب إحساساً قوياً بالوعي بالتهديدات أو المخاطر المحتملة، لكي يُبقي نفسه آمناً.
يقول "مارك": "ولكن يمكننا أن نتجاوز هذا التحيز السلبي، ونبدأ بإعطاء المزيد من الاهتمام للجوانب الإيجابية في حياتنا".
ووفقاً لـ "مارتن سليغمان" (Martin Seligman)، مُنظِّر علم النفس الإيجابي الشهير ومدير مركز "بن" (Penn) لعلم النفس الإيجابي في "جامعة بنسلفانيا" (University of Pennsylvania)، فإنَّ إحدى الطرائق لتغيير عقليتك تتلخص في الاستمتاع بالأمور.
عندما نسمع قصة إخبارية إيجابية، أو تخطر في بالنا فكرة إيجابية، أو نتلقَّى تغذية راجعة إيجابية، ينصح "مارتن" بأن نستثمر الوقت في التأمل فيها.
شاهد بالفيديو: كيف تتخلص من الأفكار السلبية إلى الأبد؟
التعويض الإيجابي:
وعلى النقيض من ذلك، يحدث التعويض الإيجابي عندما نفسر المواقف الحيادية على أنَّها إيجابية إلى حدٍّ ما. إذا كان معظم الناس يشعرون بالإيجابية في ردهم على المواقف الحيادية، يمكننا الاستفادة من ذلك في مواجهة المواقف السلبية، ومحاولة تحويل تركيزنا نحو شيء إيجابي.
يقول "مارك": "في الواقع، إنَّ أبسط الطرائق وأكثرها عملية لإعادة ربط دماغك بالتفكير الإيجابي، هي تخصيص الوقت للتفكير والامتنان، وتقدير الأمور الإيجابية في حياتك".
ما هو "الامتنان الناضج"؟
تشير دراسة حديثة إلى أنَّ ممارسة الامتنان الناضج، والتي تشمل اللطف والامتنان للحياة والتمتع بالأشياء الصغيرة، يمكن أن تساعدنا في التغلب على الأزمات في أوقات الشدة، مثل جائحة "كوفيد-19" (Covid-19).
فيما يأتي طرائق تساعدك على تنمية الامتنان الناضج:
1. الأعمال اللطيفة:
تقول "لويزا جويل" (Louisa Jewell)، مؤسِّسة ورئيسة الجمعية الكندية لعلم النفس الإيجابي، إنَّ أداء الأعمال اللطيفة ومشاهدتها يشعراننا بالرضى؛ إذ إنَّ اللطف مع الآخرين يلهمك في المقابل على أن تُظهر اللطف عموماً. تقول "لويزا": "إنَّ اللطف يعزز السلوك الاجتماعي الإيجابي والتعاوني".
ثم إنَّ السلوك الاجتماعي الإيجابي هو أيضاً جيد لصحتنا العقلية، وفقاً لمصدر موثوق للبحوث المنشورة في "مجلة المكتبة العامة للعلوم" (Public Library of Science journal)
لا يجعل اللطف الشخص الآخر يشعر بالرضى فحسب؛ بل يجعلك أيضاً تشعر بأنَّك شخص طيب.
2. تقديم الشكر:
تقول "تارا نيكول كيرك" (Tara-Nicholle Kirke)، المؤلفة والكوتش: "الشكر هو حالة ذهنية، في حين أنَّ الامتنان هو ممارسة، وهو عمل يمكننا التحكم فيه؛ إذ إنَّ الناس الممتنين للأشياء يشعرون بأنَّهم أكثر تركيزاً وثباتاً وحضوراً، وقدرة على مواجهة تحديات الحياة".
وفقاً لـ "تارا"، إنَّ مفتاح تقديم الشكر هو التركيز على الأشياء الجيدة في الحياة؛ إذ تقول إنَّ الجائحة أيقظتنا على حقيقة أنَّ بعض الأشياء التي كنَّا نعمل بجد من أجلها ربما لم تكن هامة كما كنَّا نعتقد.
بدلاً من ذلك، إنَّها الأشياء السهلة، مثل قضاء المزيد من الوقت مع عائلاتنا، أو قضاء وقت هادئ في الطبيعة التي يمكن أن نشعر بالامتنان حقاً لها.
3. التمتع بالأشياء الصغيرة:
توضح "سونيا ليوبوميرسكي" (Sonja Lyubomirsky)، المؤلفة والباحثة في السعادة، والأستاذة في "جامعة كاليفورنيا، ريفرسايد" (University of California, Riverside) أنَّ ما نوجِّه انتباهنا إليه هو نتاج تجاربنا الحياتية.
تقول "سونيا": "إنَّ ما نختار أن نلفت الانتباه إليه هام جداً لسعادتنا؛ إذ إنَّ أيَّ شيء نستطيع أن نفعله لزيادة سعادتنا، يرتبط بتعلُّم كيفية إعادة توجيه اهتمامنا".
تصف سونيا ممارسة الامتنان بأنَّها عملية تركيز اهتمامك على الجيد في حياتك وعلى الأشخاص الموجودين فيها؛ ولكنَّ المفتاح الرئيس هنا يتلخص في البدء على نطاق صغير.
لذا، تمتع بالأشياء الصغيرة، مثل الطريقة التي تنعكس فيها الشمس على وجهك، أو رائحة أوراق الخريف؛ فيمكن أن يساعد هذا على إعادة توجيه انتباهك إلى الأمور الإيجابية. يمكن أن يكون الإدراك أداة مفيدة لتنمية الوعي والامتنان في تلك اللحظة.
لماذا تُعَدُّ ممارسة الامتنان شيئاً هاماً؟
تُظهر الأبحاث أنَّ ممارسة الامتنان يمكن أن تكون مفيدة لصحة القلب، وتلهم السعادة والرضى، وتعزز السلامة العامة.
هناك عدد من الطرائق التي يمكنك ممارسة الامتنان بها اعتماداً على ما هو الأفضل بالنسبة إليك؛ إذ قد تتدرب على الامتنان في الصباح أو ليلاً قبل النوم إذا كنت مشغولاً، كما أنَّ الوقت الذي تقضيه في طريقك إلى العمل قد يكون الوقت المثالي للتفكير.
إليكم بعض الأفكار الأخرى التي يجب أخذها في الحسبان:
- كتابة الأمور التي تشعر بالامتنان لوجودها في حياتك في دفتر يوميات.
- التعبير عمَّا أنت شاكر له على مواقع التواصل الاجتماعي.
- إرسال رسالة نصية إلى أحدهم لإعلامه بتقديرك لوجوده.
- تدوين ثلاثة أشياء أنت شاكر لها.
- صنع "مرطبان الامتنان".
- كتابة مجموعة من الأشياء التي تشعر بالامتنان لها.
شاهد بالفيديو: 6 نصائح لتحقيق الامتنان في حياتك
التطلع إلى المستقبل:
تذكَّر أنَّ الامتنان ممارسة، وليس حلاً سريعاً؛ لذا فإنَّ تخصيص الوقت كل يوم للتفكير والانتباه، والتمتع بالقصص والتجارب الإيجابية من حولنا، يمكن أن يساعد على إعادة ربط الدماغ بالتفكير الإيجابي.
عندما نمارس السلوكات الاجتماعية الإيجابية ونعزز العلاقات الهامة مع الآخرين، فإنَّنا نخلق تأثيراً من اللطف الذي من المحتمل أن يشعر به الناس لأجيال قادمة.
لا تكون قوة التفكير الإيجابي فعَّالة إلا عندما نحول هذه المشاعر الإيجابية إلى الخارج، فالامتنان في زمن "كوفيد" (Covid) وما بعده، هو ممارسة مدى الحياة على اللطف مع أنفسنا ومع بعضنا بعضاً، وأن نُقدِّم الشكر على ما لدينا، ونأخذ الوقت للتمتع بالأشياء الصغيرة في الحياة.
إذاً، فالامتنان الناضج لا يساعدنا على التأقلم في الأوقات العصيبة فحسب؛ بل يساعدنا أيضاً على تحقيق المزيد من السعادة والاكتفاء والرفاهية.
أضف تعليقاً