نادراً ما نفكِّر صراحةً في معاييرنا الأخلاقية وفي كيفية تأثيرها في شخصيَّتنا وحياتنا، ولكن ماذا لو علمنا أنَّ القيم الشخصية كانت موجودةً قبل أن يبدأ الجميع تحديد الأهداف، وقبل اختبارات مايرز بريجز (Myers-Briggs) للشخصية، وقبل تحديد الوعي الذاتي كطريقٍ لفهم ما يجعلنا مميَّزين، وكيف يمكننا استخدام هذا الاكتشاف لنحقِّق نجاحاً.
لذلك، دعونا نلقي نظرةً تحت هذا القناع، ونرى كيف يمكنك اكتشاف مبادئك الإرشادية، والاستفادة منها في تحسين علاقاتك ووظائفك، وكلِّ ما بينهما.
ما هي القيم الشخصية؟
القيم الشخصية جزءٌ من النظام الأخلاقي الذي يوجِّه أعمالنا ويحدِّد من نكون، إنَّها الأشياء التي نعتبرها هامَّةً لرفاهنا وسعادتنا؛ وأبسط طريقةٍ لوصف ماهية القيم الشخصية هي أن تفكِّر فيما يخصُّ شخصيَّتك وسلوكاتك؛ ففي النهاية، تصبح قيمك متأصلةً في شخصيتك، وتصبح جزءاً منك، وقد يكون بعضها أكثر من قاعدة سلوكٍ عامة، ثمَّ إنَّ هناك بعض القيم التي يقرِّر كلٌ منا اعتمادها، وذلك بناءً على ما نعتزُّ به في حياتنا، وعلى ما نريد تحقيقه، وما نريد أن نكون عليه. على سبيل المثال: قد يُفضِّل شخصٌ ما اللطف والرحمة على الشهرة.
سنقدِّم هنا لائحةً جيدةً لإعطائك فكرةً عن "بعض القيم" الشخصية التي قد تمتلكها:
- الأصالة.
- الإنجاز.
- المغامرة.
- الجمال.
- الجرأة.
- التراحم.
- التحدي.
- الفضول.
- التصميم.
- الإنصاف.
- الصدق.
- اللطف.
- التعلُّم.
- الولاء.
- العمل الهادف.
- الانفتاح.
- التفاؤل.
- الاحترام.
- احترام الذات.
- الحكمة.
وكما يمكنك أن تتخيَّل، يمكن أن يؤثِّر ما سبق بشكلٍ مختلفٍ في كلٍّ منا؛ فهناك تركيباتٌ وأولوياتٌ متنوعةٌ نستخدمها لتبنِّي هذه القيم، والسؤال هو: ما هي المحصلة؟ يخبرنا الكاتب والشاعر "روبرت زيند" (Robert Zend) عن ذلك قائلاً: "لدى الناس شيءٌ واحدٌ مشترك: هو أنَّهم كلُّهم مختلفون".
هناك شيءٌ آخر هامٌّ يجب تذكُّره قبل الخوض في مزيدٍ من التفاصيل حول مبادئنا الأخلاقية؛ فغالباً ما تكون القيم واضحةً إلى حدٍّ ما للآخرين، ويُعبَّر عنها من خلال أفعالنا وكلماتنا وسلوكنا الحالي، ولكنَّ الأكثر أهميَّةً من ذلك أنَّهم يشكِّلون الشخصيات التي نسعى جاهدين إلى امتلاكها في المستقبل، أي أنَّ قيمنا الشخصية ليست امتداداً لأنفسنا فحسب، بل إنَّها تشكِّل شخصياتنا أيضاً؛ إنَّها نحن وما نمثِّله.
لماذا تعدّ القيم الشخصية هامَّة؟
القيم الشخصية هي المحرك الرئيس وراء شخصيَّاتنا وأفعالنا، ويجب الاستفادة من مبادئنا الأخلاقية الحالية في تحقيق أيِّ طموحٍ لإعادة تشكيل أنفسنا، وبالتالي منحَ أنفسنا فرصةً لنحيا حياةً أكثر إنجازاً. يمكن لمعرفة مبادئنا الأخلاقية أن يساعدنا بطرائق مختلفة، كما يمكن أن يساعدنا في إيجاد هدفنا وتسهيل اتخاذ القرار وزيادة ثقتنا، كما يمكنه توجيهنا في المواقف الصعبة.
إليكَ بعض الفوائد الأخرى التي تبيِّن كيف أنَّ معرفة قواعد سلوكنا الخاصة يمكن أن يساعدنا في قلب حياتنا:
1. تساعد القيم الشخصية في تنمية الوعي الذاتي:
حاز الوعي الذاتي على الكثير من الاهتمام في السنوات الأخيرة، ولا يمكن في الواقع إنكار مزاياه؛ وقد رُبِط بتنمية التطور الشخصي وتعزيز علاقاتٍ أفضل، بالإضافة إلى عددٍ كبيرٍ من المكاسب الأخرى، وهو ما يساعدنا في اتخاذ قراراتٍ أسلم، والتواصل بفعاليةٍ أكبر، والحصول على مزيدٍ من الترقيات، وميلٍ أقلَّ للكذب أو الغش أو السرقة. إنَّ معرفة الذات مهارةٌ يجب أن نمتلكها جميعاً.
الوعي الذاتي هو في الأساس معرفة شخصيتك، بالتأكيد، هناك قيمةٌ يجب تبنِّيها شخصياً ومهنياً، وبالطريقة التي علَّمنا إياها العظماء بحكمة: اعرف نفسك.
كيف يمكنك معرفة ما تريد تحقيقه، أو ما أنت قادرٌ عليه، أو إلى أيٍّ مدىً يمكنك دفع نفسك إذا لم يكن لديك فكرةٌ عمَّن هو بالفعل الشخص الذي يحدِّق إليك في المرآة؟ يبدأ فهم من نكون بمعرفة ما يدفعنا وما يجعلنا مميَّزين وما نعتزُّ به؛ أي أنَّه يبدأ بمعرفة قيمنا الشخصية.
2. تؤثِّر القيم الشخصية في مخرجاتنا:
إذاً، ماذا تستفيد من معرفة الذات؟
غالباً ما ينصح المدربون والمعلمون بذلك من أجل تحقيق النجاح والحصول على كلٍّ شيءٍ نرغب به في الحياة، فنحن بحاجةٍ إلى التركيز على نقاط القوة لدينا. يمكن لاستخدام طاقاتنا بدلاً من الخوض في جوانب ضعفنا أن يساعد كي نكون أكثر سعادةً وأقلَّ اكتئاباً، وهذا بالطبع يعني أن نعرف ما هي هذه النقاط لنبدأ بها. هناك جانبٌ آخر لا يقلُّ أهميةً عن أنَّ معرفتنا لأنفسنا وما له قيمةٌ في الحياة، يمكن أن يكون ذو فائدة.
صحيحٌ أنَّ التجديد الشخصي وتحسين الذات وتعزيز الحياة وجميع المفاهيم المماثلة الجديرة بالانتباه قد ظهرت في الآونة الأخيرة؛ ولكنَّ كلَّ ذلك يعود إلى التغيير، ولا يمكنك بصراحةٍ تغيير ما لا تعرف. عندما نتحدَّث عن التجديد الشخصي، فإنَّنا عادةً ما نعني خلق عاداتٍ وسلوكاتٍ وطرائق جديدةٍ في التفكير؛ وبالطبع، تبنِّي قيمٍ شخصيةٍ جديدة. نحتاج إلى تغيير أفعالنا وعقليَّاتنا لتغيير محصِّلاتنا، وبالنتيجة حياتنا؛ ونحتاج من أجل القيام بذلك إلى التخلُّص من التفاهات وتحديد ما هو هامٌّ حقاً.
كيف تجد وترعى قيمك الشخصية؟
هناك أسئلةٌ وتقنياتٌ يمكنك استخدامها لاكتشاف ما هي بالضبط قيمك الشخصية. سنقدِّم هنا حفنةً من هذه الأسئلة والتقنيات لمساعدتك في البدء.
1. اسأل نفسك "من أنا اليوم"؟
لدينا جميعاً كبالغين مجموعةٌ معينةٌ من القيم التي نتبنَّاها عن معرفةٍ أو عن عدم معرفة، والتي توجِّه أعمالنا وتحدِّد الأشخاص الذين نحن عليهم اليوم. لذا ابدأ إعداد قائمةٍ من 10 إلى 15 قيمةٍ تعتقد أنَّك تعيش بها، واستعمل هذه القائمة التي أعددتها في البداية؛ أو جِد قائمةً أكثر تفصيلاً عبر الإنترنت، واختر تلك التي تحدِّد من أنت بأفضل طريقة، وكن صادقاً مع نفسك.
طبِّق التمرين نفسه مع عائلتك وأصدقائك لتحصل على فكرةٍ شاملة، واعرض لهم القائمة الكاملة، واطلب منهم اختيار القيم التي يعتقدون أنَّها تناسب شخصيتك، هل تتطابق القائمتان؟ الهدف من هذا النشاط هو رسم صورةٍ واقعيةٍ عن هويَّتك، إنَّها نقطة البداية في مساعي البحث الأكبر عن معرفة الذات وإعادة تشكيلها، وتوجيه حياتك بحيث تكون أكثر إنجازاً.
2. أعطِ الأولوية لقيمك:
لا يملك كلُّ ما نراه هامَّاً درجةَ الأهمية نفسها في أذهاننا؛ أي أنَّ بعض القيم أكثر أهميةً بالنسبة إلينا من الأخرى، وهذا ما يحدِّد سلوكاتك الأساسية والثانوية. على سبيل المثال: قد تقدِّر العائلة والعمل، ولكنَّنا نعرف جميعاً بأنَّه من الصعب تحقيق التوازن، إذ يتصدَّر أحدهما الآخر في ذهنك؛ لذلك ستتخذ دائماً إجراءاتٍ لجعل ما هو أعزُّ بالنسبة إليك أولوية.
إنَّ حياتنا الحالية والسلوكات التي نوجِّهها مبنيةٌ على أساس قيمنا وترتيبها في قائمة قواعدِ سلوكاتنا؛ لذلك، يوجد طريقةٌ واحدةٌ لتغيير محصِّلاتنا وصياغة نسخةٍ مختلفةٍ من أنفسنا: وهي إعادة ترتيب القائمة.
إذا كنت تريد قضاء مزيدٍ من الوقت مع العائلة، فضعها في أعلى القائمة قبل أيِّ شيءٍ آخر. أعِد قراءة قائمتك مراراً، فهذه أيضاً طريقةٌ لتعزيز هويتك. كما يمكنك أحياناً التعرُّفَ إلى أشخاصٍ عالقين في شبكتك اليومية المزدحمة، بحيث تنسى التركيز على الشخص الأكثر أهميَّةً في حياتك، وهو: أنت. تعرَّف على نفسك حتَّى تتمكَّن من الإعجاب بنفسك، ومِنْ تجنُّبِ تخريب مساعيك لتغيير الأشياء التي تريدها.
3. أكمِل عملية مراجعة قيمك:
الشيء الجميل في القيم الشخصية هو أنَّنا نملك جميعنا الكلمة والخيار لنصبح الأشخاص الذين نتطوَّر لنصبحهم، هذا ما يقوله المعلمون دائماً، فإذا كنت لا تحب حياتك، فغيِّرها؛ ومن الطبيعي أن يكون قول ذلك أسهل من القيام به. نقطة البداية الجيدة هي أن يكون لديك قائمةُ قيمٍ مرتبةٍ حسب الأهمية، وإعادة تقييمها بانتظام، بل لنقل إعادة تقييمها بشكلٍ نصف سنويٍّ أو سنوي.
وبما أنَّ ظروف حياتنا تتغيَّر، فقد تتغيَّر أيضاً الأشياء التي نعتبرها هامَّةً بالنسبة إلينا؛ على سبيل المثال: قد لا يكون الأمان المالي في قمة مبادئك التوجيهية -عندما تكون حديث التخرج من الجامعة- كما هو بالنسبة إلى شخصٍ متزوجٍ ولديه أطفال.
اقرأ قائمتك الحالية مراراً وغيِّرها حسب الحاجة، إذ ستتبِع سلوكاتك الأساسية ما تجده هامَّاً؛ ولكنَّ هناك جانبٌ آخر لهذا الأمر، إنَّها عملية إضافة قيمٍ جديدةٍ واعتناقها وجعلها جزءاً من حياتك.
هناك طريقةٌ واحدةٌ لإيجاد مثل هذه القيم الجديدة، وهي: بالنظر إلى الأشخاص الذين نحترمهم ونريد أن نكون مثلهم، فأصغِ إليهم وراقبهم جيداً (ما المبادئ التي يعيشون بها؟ وهل يمكنك محاكاتها؟)، وحالما تعثر على قيمةٍ إرشاديةٍ جديدةٍ تريد اعتمادها، فيجب أن تتبنَّاها.
كتب الكاتب ورجل الأعمال الشهير "مارك مانسون" (Mark Manson): "إذاً، هذا هو الأمر، فالجلوس والتفكير في القيم الأفضل لتبنِّيها هو أمرٌ جيد، لكن لن يتحسَّن أيُّ شيءٍ حتَّى تخرُج وتجسِّد تلك القيمة الجديدة؛ لأنَّ القيم تُكتسب من خلال تجربتها في الحياة، وليس من خلال المنطق أو المشاعر أو المعتقدات حتَّى؛ إذ يجب أن تُعاش القيم وتُختَبر لتترسَّخ؛ وهذا يتطلَّب الشجاعة في كثيرٍ من الأحيان".
لذلك، فإنَّ مراجعة القيم هو جزءٌ أساسيٌّ من العملية، سواءً في إعادة النظر في أولوياتنا الحالية أم في العثور على قيمٍ جديدةٍ لتبنِّيها. هناك قاعدةٌ تقول: "إذا قمت بما قمت به دائماً، فستحصل على ما حصلت عليه دائماً"؛ لذا، فالتغيير جزءٌ من عملية إعادة التشكيل.
أفكارٌ أخيرة:
في النهاية، قيمنا الشخصية هي بوصلتنا الأخلاقية لما نقول ونتصرَّف، وكيف نعامل أنفسنا والآخرين، وخيارات الحياة التي نتخذها. يمكن أن تساعدك معرفة ما يجده شخصٌ ما هامَّاً في رسم صورةٍ دقيقةٍ لمعالمه الداخلية، ويمكنها أيضاً توجيهك إلى كيفية معاملته أو التحدُّث معه أو الانجذاب إليه أو إقناعهم بما هو في مصلحتك؛ إنَّها رؤيةٌ قيِّمةٌ لامتلاكها.
يؤكِّد المقال ما يلي: "تعكس القيم الشخصية ما يفكِّر فيه الناس وتتحدِّث عنه، إذ إنَّ فهم القيم الشخصية يعني فهم السلوك البشري". ما نعتقد أنَّه هامٌّ في حياتنا هو ذاتيٌّ للغاية، ودقيق، وأحياناً يتعارض مع الذات، وهذا يشبه شخصياتنا؛ كما أنَّه ديناميكيٌّ ويتبع إلى حدٍّ كبيرٍ مسار حياتنا، ويمكن تلوينه أكثر من قبل الأشخاص الذين نلتقي بهم، والأهداف التي نضعها، والأحداث التي تحدث في حياتنا.
في النهاية، ما نؤمن به وقيمنا الشخصية، هما ما يُشَكِّلُنا كأفراد؛ فإذا كنت ترغب بإجراء أيِّ نوعٍ من التغيير، فيجب أن تقرِّر ما الذي تريده، وأين تكمن أولوياتك.
هذه هي الطريقة الأنجع لتجديد الذات.
أضف تعليقاً