وقد قامت جامعة كولومبيا وجامعة كينت ستيت في الولايات المتحدة الأمريكية بإحداث تخصص إدارة المعرفة بدرجة الماجستير لِما لها من أهمية، كما خصصت الشركات والمنظمات غير الربحية الموارد اللازمة من أجل تفعيل إدارة المعرفة في عملها.
لذا سنتحدث في مقالنا هذا عن إدارة المعرفة كمفهوم، كما سنقوم بتعريفها تعريفاً دقيقاً، وسنذكر خلال مقالنا هذا أهمية إدارة المعرفة، وما هي مكوناتها، وكذلك سنذكر أهم أهدافها، وما هي الفوائد التي تحملها لنا هذه الإدارة.
مفهوم إدارة المعرفة:
لطالما كان الوصول إلى المعلومات من أصعب الأمور التي عانى منها البشر، إلى أن جاء العالِم جوهانيس جتنبيرج في منتصف القرن الرابع عشر ميلادي ومعه آلة تُسمى الطابعة قد اخترعها نتيجة الحاجة، فليس الوصول إلى المعلومة كان صعباً فحسب، بل كان القيام بالبحوث يُعدُّ من المهام الصعبة جداً آنذاك.
بدأت بعدها ثورة المعلومات تتطور شيئاً فشيئاً، إلى أن وصلت البشرية إلى القرن العشرين حيث سُمي هذا العصر بعصر ثورة المعلومات والتكنولوجيا، وفيه أصبحت المعلومة ذات أهمية كبيرة ولها قيمة مُضافة، وأصبحت البيانات تأتي وتُعالج لتصبح معلومات بشكل خيالي.
توجد إحصائية تُشير إلى أنَّ ما يقارب الـ 90% من المحصلة الإجمالية للبحوث والمعلومات منذ نشأة البشرية قد عُمِل بها خلال ثلاثة عقود فقط، وهذا يعني أنَّ الأمر سيزيد خلال السنوات القادمة من نسب وأرقام خيالية بما يخص كمية البحوث والمعلومات؛ لذا أدى وجود الكمية الهائلة من المعلومات إلى ظهور إدارة جديدة تُسمى إدارة المعرفة.
ولكي نفهم ما المقصود بإدارة المعرفة علينا أولاً معرفة أركانها وركائزها، وهي:
1. البيانات والمعلومات:
تُعدُّ البيانات المادة الخام التي تنتج عنها المعلومة؛ حيث تُجمَع وتُرتب وتُعاد صياغتها كي تُصبح معلومة، ولكي نفهم الصورة فهماً صحيحاً سنطرح مثالاً بسيطاً يُبيِّن الفرق بين المعلومات والبيانات، مثلاً لو كانت أمامنا هذه الكلمات (تفاح، أحمد، أكل، يحب)؛ فمن خلال هذا الكلمات المُبعثرة نستطيع - بعد عملية الجمع والترتيب وإعادة الصياغة - أن نكوِّن معلومة مفادها أنَّ: أحمد يحب أكل التفاح.
من خلال هذا المثال أوضحنا الفرق بين المعلومة والمادة الخام لها وهي البيانات، حيث كان هناك عدد من الكلمات المُبهمة ولكن بعد الجمع والتنظيم ظهرت بالشكل الصحيح والمفهوم من خلال معالجة تلك البيانات.
2. المعرفة:
وهنا بيت القصيد، بعد معالجة البيانات (المواد الخام) لتصبح على شكل معلومة، يأتي دور المعرفة؛ حيث تُعرف على أنَّها بيانات أو معلومات تُعالج وتُنظَّم وتُرتَّب لكي تصبح مفهومة وواضحة لدى مستقبِلها، حيث توصف المعرفة بأنَّها تأتي لحل مشكلة ما، بالاعتماد على المعلومات والخبرات.
كما أنَّ ما بعد المعرفة تأتي الحكمة التي يصل إليها المرء بعد الخبرات المُتراكمة نتيجة معالجة البيانات وفهم المعلومات فهماً صحيحاً لتصبح على شكل معرفة، وبتكرار هذه الدائرة يصبح المرء على درجة من الحكمة التي تؤثر على قراراته وأحكامه وطريقة معالجة المشاكل من نظرة ثاقبة.
بعد الوصول إلى هذه المرحلة يؤثِّر هذا الأمر على تفكير المرء بعد سنوات طويلة من الخبرة لينتج عنه تفكير إبداعي وابتكاري ويكون المرء بذلك لديه القدرة على التحليل والتفكير خارج الصندوق، لذلك نرى في كثير من الأحيان أنَّ هناك أشخاص يسمعون نفس المعلومات (مدخلات) ولكن تختلف معالجتها في الدماغ لتصبح المخرجات مختلفة ويكون ذلك بسبب تفكير الشخص والخبرات المُتراكمة بما يخص التحليل والتفكير خارج الصندوق.
تعريف إدارة المعرفة:
يُمكن تعريف إدارة المعرفة بأنَّها عبارة عن دمج بين نظم المعلومات وخبرات العمل التي بدورها تُساعد المنظمة على تنظيم وتحليل وابتكار المعلومات بصورة أفضل.
أهمية إدارة المعرفة:
لإدارة المعرفة أهمية كبيرة جداً، مثل:
- تساهم مساهمةً كبيرةً في مساعدة المنظمات والمؤسسات على الاستفادة والتعلم من الدروس والتجارب السابقة.
- تساهم في تطوير وتنمية قدرة المنظمة أو المؤسسة على الإبداع والابتكار، وتعزز من قدرة المنظمات والمؤسسات على الاحتفاظ بالمعلومات والخبرات الموجودة لديها.
- تساهم في تحديث المعلومات القديمة التي لم تعد تنفع في وقت ما.
- كما أنَّها تساعد في الاستمرار بتطوير المهارات واكتساب الخبرات، ومعرفة كيفية إدارة زخم المعلومات المتدفقة واستغلالها استغلالاً صحيحاً وإعادة نشرها كي يُستفاد منها.
- كما تساهم إدارة المعرفة بخفض التكاليف العامة للمنظمة أو الشركة مع إمكانية زيادة الإيرادات الجديدة.
- تساهم إسهاماً كبيراً في تنسيق الأنشطة بما يتماشى مع الأهداف.
- كما أنَّها تُعدُّ أداة مهمة للتحفيز وتشجيع أصحاب القدرات الإبداعية، وتوفِّر الفرصة المناسبة للدخول في المنافسة الدائمة للمنظمة أو المؤسسة.
- تساعد على التقليل والحد من المخاطر المتوقعة للشركة أو المنظمة، كما أنَّها تساعد المنظمة في التميز عند وجود الأزمات من خلال طرح الحلول الإبداعية.
مكونات إدارة المعرفة:
تتكون المعرفة من عدة مكونات تساعد على اتخاذ القرارات السليمة لصالح المنظمة أو المؤسسة، ومن هذه المكونات:
1. الأشخاص:
تهتم إدارة المعرفة وتركز على الأشخاص والعلاقات، من خلال تكوين مجتمعات مهتمة بالتعلم ولديها الدافع لذلك، كما أنَّها تعزز من نقل المعرفة من خلال إحدى الطرائق الرسمية وغير الرسمية.
2. التكنولوجيا:
للتكنولوجيا أهمية كبيرة جداً في إدارة المعلومات، وذلك من خلال الطرائق التي تساعد في تخزين المعرفة وعملية نقلها، وأساليب مشاركتها مع الآخرين.
3. العملية:
تهتم العملية بمواءمة أمرين، وهما: ثقافة الشركة أو المنظمة وسياستها وهيكلها التنظيمي وتسلسلها الهرمي، وعملية الإنتاج، كما أنَّها تؤيد وتشجع على تبادل المعرفة بين الطرفين والحث على التعلم.
أهداف إدارة المعرفة:
- استقطاب رأس المال الفكري من أجل إيجاد الحلول المناسبة للمشكلات التي يمكن أن تواجه الشركة أو المنظمة عند حدوث ظرف ما.
- تشجيع الأفراد والعاملين في المنظمة أو الشركة من خلال خلق بيئة تنظيمية على مشاركة المعرفة من أجل رفع مستوى الكفاءة لدى الأفراد.
- من أهداف إدارة المعرفة خلق قيمة للأعمال التي تُنجز من خلال التخطيط الجيد لها وإدارة وتطوير العاملين في المنظمة من أجل إدارة الزبائن وتقييم ما يُنتج من أعمال.
- تعدُّ إدارة المعرفة أداة جيدة من أجل معرفة والتأكد من عملية التطوير الحاصلة في منظمة أو شركة ما.
فوائد إدارة المعرفة:
لإدارة المعرفة فوائد عديدة، لكن سنذكر أهمها:
- من فوائد إدارة المعرفة تقديم الخدمات التي تتصف بالتميُّز والتي بدورها تؤدي إلى إرضاء العميل.
- تساعد في التحسين والقدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة.
- زيادة فاعلية وكفاءة العاملين في الشركة.
- تساعد إدارة المعرفة على التقليل من الوقت والجهد.
- تساعد في استخدام واستغلال موارد المنظمة أو الشركة بما يحقق أهدافها.
- تساعد في شرح التجارب السابقة والاستفادة منها في العمل.
أنواع إدارة المعرفة:
هناك نوعين للمعرفة وهما المعرفة الضمنية والمعرفة البيِّنة، وسنشرح كل واحدة بالتفصيل على الشكل التالي:
1. المعرفة الضمنية:
وهي النوع الأول من أنواع المعرفة، حيث تُعدُّ كُل ما يُخزن ولا يُرى بالعين وغير ملموس من خبرات متراكمة وخرائط عقلية ومهارات مكتسبة، كما أنَّها تمثل الحدس والحنكة لدى الأفراد في المنظمات أو الشركات، وكذلك تُعدُّ من الأصول غير الملموسة للشركات.
كما أنَّها تُصنف من أغلى أصول الشركة وذلك بسبب اعتماد الشركة أو المنظمة على تلك الخبرات والمهارات، حيث يُعزى نجاح المنظمة أو الشركة من نجاح أفرادها، ونجاح هؤلاء الأفراد مرتبط ارتباطاً وثيقاً في معرفتهم الضمنية، ومن الأمثلة التي يجب ذكرها من أجل إيضاح الصورة؛ مهارة وخبرة رجل المبيعات وقدرته على إقناع الزبون، ومهارة القيادة لدى مدراء الشركات.
2. المعرفة البيِّنة:
وهي عكس النوع الأول؛ حيث إنَّها ملموسة وواضحة لدى الآخرين مثل التصميم الهندسي وتقارير العمل والمهام والأهداف التي وُثِّقت وحُفِظت من أجل سهولة الرجوع إليها من أجل الاستفادة العامة وذلك بمشاركتها مع الآخرين، ومن الأمثلة على المعرفة البيِّنة؛ تدوين كُل الخبرات على هيئة كتاب ونشره بحيث يتحول من المعرفة الضمنية إلى المعرفة البيِّنة.
في الختام:
لإدارة المعرفة أهمية بالغة في عصرنا الحالي وتعتمد قوة الدول سياسياً واقتصادياً اعتماداً رئيساً على إدارتها للمعرفة؛ لذا تحدثنا خلال مقالنا هذا عن مفهوم إدارة المعرفة من خلال شرح البيانات والمعلومات والمعرفة، كما عرَّفنا إدارة المعرفة تعريفاً دقيقاً، وأسهبنا في شرح أهمية إدارة المعرفة ومكوناتها من أشخاص، وتكنولوجيا، وعملية؛ وكذلك عددنا أهداف إدارة المعرفة وكيف تؤثر في تحقيق أهداف المنظمات والشركات، وما هي الفوائد التي تستطيع المنظمة أو الشركة الاستفادة منها، كما عددنا في آخر المقال أنواع إدارة المعرفة والتي تتضمن نوعين فقط وهما المعرفة الضمنية والمعرفة البيِّنة.
أضف تعليقاً