سنناقش في هذا المقال، أسبابَ التفكير المحدود وسلبياتِه، وكيف يمكننا تجاوزَها وتطويرها نقدياً وإبداعياً؟ وسنعرض بعضَ الأمثلةِ التي توضح تأثيرَ التفكير المحدود في الفرد والمجتمع، وبعض النصائحِ والتقنيات للتغلب عليه وتوسيع آفاقه.
ما هو التفكير المحدود؟
التفكير المحدود هو نوع من التفكير يقتصر على مجموعة محدودة من الخيارات أو الحلول أو الأفكار، دون البحث عن بدائل أو احتمالات أخرى، ويُعدُ عائقاً للإبداع والابتكار والتطور، ويمكن أن يؤدي إلى الجمود والتكرار والتقليد.
فمن أمثلته:
- الظن أنَّ ثمة حلاً واحداً لأي مشكلةٍ، وهذا ما يسمى بالتفكير المتقارب.
- الظن أنَّ الأشياء لا يمكن تغييرُها أو تحسينُها أو تطويرُها، وهذا ما يسمى بالتفكير الثابت.
- الظن أنَّ الأشياء يجب أن تكون بطريقة معينة لأنَّها كانت دائماً كذلك، وهو ما يسمى بالتفكير التقليدي.
- الظن أنَّ الأشياء يجب أن تكون بطريقةٍ معينةٍ لأنَّها تتوافق مع القواعد أو العادات أو الأعراف، وهذا ما يسمى بالتفكير النمطي.
للتغلب على التفكير المحدود، يمكن استخدام بعض الأساليب والتقنيات التي تساعد على توسيع الأفق والرؤية والتفكير خارج الصندوق مثل:
1. التفكير المتباين:
يهدف إلى إنتاج أفكار جديدةٍ ومختلِفةٍ ومُبتكَرةٍ.
2. التفكير النقدي:
يهدف إلى تقييمِ وتحليلِ ومناقشةِ الفِكَرِ والحججِ والمعلوماتِ منطقياً وموضوعياً.
3. التفكير الجانبي:
يهدف إلى تغيير المفاهيم والإدراكات والنظريات الموجودة بطرائق غير تقليدية وغير مباشرةٍ.
4. التفكير الإبداعي:
يهدف إلى استخدام الخيال والتجريب والمرح لإنشاء شيءٍ جديدٍ أو مفيدٍ أو جميلٍ.
سلبيات التفكير المحدود:
سلبيات التفكير المحدود كثيرةٌ ومتنوعةٌ، وتؤثر في الصحة النفسية والجسدية والاجتماعية للفرد، فمن أهم هذه السلبيات:
- تضييع الوقت والطاقة في الأمور التي لا يمكن تغييرها أو التي لا تستحق الاهتمامَ.
- تقليل الثقة بالنفس والقدرات والإمكانات، والشعور بالنقص والضعف والخوف.
- عدم الاستفادة من الفرص والمواهب والموارد المتاحة، وعدم التقيد بالروتين المألوف.
- تعطيل الإبداع والابتكار والتطور، والتخلف عن التغيرات والتحديات في العالم المعاصر.
- تكرار الأخطاء والسلوكات السلبية، وعدم التعلم من التجارب والنتائج.
- الإصابة بالقلقِ والاكتئابِ والتوتر والضغطِ النفسي، والتأثير في الصحةِ العامةِ والمناعةِ.
- إضعافُ العلاقات الاجتماعية والعزلة، والتعرض للنقد والرفض والاستهزاء.
لذلك يُنصح بالتخلص من التفكير المحدود، وتبنِّي التفكير الإيجابي المنفتح والمرن، الذي يساعد على تحسين جودة الحياة والسعادة والنجاح.
شاهد بالفديو: 8 طرق تفكير ستضعك على طريق النجاح
سمات الشخص ذي التفكير المحدود:
هو الذي لا يقبل الآراءَ والمعلوماتِ المختلفةَ عما يظنه أو يفضله، ويتمسك بمعتقداته ومواقفه دون تحليلها أو مراجعتها بناءً على الحقائقِ والأدلةِ، ويتميز ذو التفكير المحدودِ ببعض السماتِ مثل:
1. الانغلاق:
يرفض التعرض للتجارب والأفكار الجديدة، ويفضل الالتزامَ بالروتين والتقاليد، ولا يحبُ التغييرَ أو المغامرةَ.
2. العناد:
يصرُ على رأيه ولا يستمع إلى وجهات نظر الآخرين، ويعدهم مخطئين أو أقل منه، ويتجاهل النقد والنصيحة ويتفادى الحوار والنقاش البناء.
3. الحكم المسبق:
يحكم على الأشخاص والأمور بناءً على المظهر أو السمعة أو الانتماء، دون التعمق في معرفتها أو فهمها، ويعتمد على النماذجِ الجاهزةِ أو الأحكام السطحيةِ.
4. الخوف:
يشعرُ بالخوفِ من المجهول أو المختلف، ويتجنبُ مواجهةَ التحديات أو الصعوبات ويبحث عن الأمان والراحة، ويتبع السلطةَ أو الجماعة دون تفكيرٍ مستقلٍ.
كيف تتخلص من التفكير المحدود؟
التفكير المحدود عائقٌ للتطور والنجاح، وكي نتخلص منه يمكن اتباع بعضِ الخطواتِ والنصائح مثل:
- تحديد الهدف أو القرار الذي تريد اتخاذَه، ووضعُ مهلةٍ زمنيةٍ للتفكير فيه والتحرك باتجاهه.
- البحثُ عن معلوماتٍ وحقائقَ موثوقةٍ تساعدك على تقييم الوضع موضوعياً ومنطقيا، وتجنب التخمين أو التكهن.
- الاستماعُ إلى آراءِ ونصائحَ الآخرين الذين لديهم خبرة أو معرفة بالموضوع، ولكن دون الاعتمادِ عليهم اعتماداً كاملاً أو تقليدِ ما يفعلونه.
- الابتعادُ عن السلبية والتشاؤم والتركيز على الإيجابيةِ والتفاؤل، وتذكر النجاحات والإنجازاتِ التي حققتها في الماضي.
- تنمية مهارات التفكير الإبداعي والنقدي والجانبي، وتجربةُ أشياءَ جديدةٍ ومختلفةٍ ومُبتكَرةٍ، والاستفادة من الفرص والموارد المتاحة.
- التأمل والاسترخاء والتنفسُ بعمقٍ، والتخلصُ من القلق والتوتر والضغط النفسي، والاهتمامُ بالصحة الجسدية والعقلية.
- ممارسة الرياضات والهوايات والنشاطات التي تحبها وتُسعدِك، وتحسين العلاقات الاجتماعية والتواصل مع الآخرين بثقة واحترام.
الفرق بين التفكير المحدود والتفكير الإبداعي:
التفكير المحدود والتفكير الإبداعي نوعان مختلفان من أنواع التفكير، ولكل منهما مميزات وعيوب، ويمكن تلخيص الفرق بينهما كالآتي:
1. التفكير المحدود:
يقتصر على مجموعة محدودة من الخيارات أو الحلول أو الأفكار، دون البحث عن بدائل أو احتمالات أخرى، ويعتمد على القواعد والمسلَمات والتقاليد، ويهدف إلى الوصول إلى حل واحد أو نتيجة محددة، ويُعدُ عائقاً للإبداع والابتكار والتطور، ويمكن أن يؤدي إلى الجمود والتكرار والتقليد.
2. التفكير الإبداعي:
يسعى إلى إنتاج أفكار جديدة ومختلِفة ومبتكَرة عن طريق التأليف والدمج والتغيير والتجريب ويتجاوز القواعد والمسلَمات والتقاليد، ويهدف إلى الوصول إلى حلول متعدِدة أو نتائج مفتوحة ويُعدُ مُحرِكاً للإبداع والابتكار والتطور، ويمكن أن يُؤدِي إلى التميز والتنوع والتجديد.
شاهد بالفديو: أساليب للتدرب على التفكير الإبداعي
تأثير التفكير المحدود في المجتمع:
التفكير المحدود له تأثير سلبي في المجتمع، فهو يُقلِّل من التنوع والتسامح والتعاون بين الأفراد والجماعات، ويزيد من الصراعات والتوترات والعنف.
بعض الأضرار التي يسبِبها في المجتمع:
- يُعرقِل التقدمَ والتطور العلمي والثقافي والاقتصادي للمجتمع، فهو يَحِدُّ من الابتكار والاكتشاف والإبداع، ويمنع الاستفادة من الخبرات والمعارف المتنوعة.
- يَنشر التفكير المحدود الجهلَ والتعصب والتطرف في المجتمع، فهو يُقوِّض الحوار والنقاش البنَّاء، ويُغلق الأبواب أمام التعلم والتحصيل والتنوير، ويؤدي إلى تكريس الأحكام السابقة والنماذج الجاهزة.
- يُهدِد السِلم والأمن والاستقرار في المجتمع، ويُولِّد العداء والكراهية والتمييز بين الأشخاص والجماعات، ويُشجِع على العنف والإرهاب والحروب، ويُقوِض القيم الإنسانية والأخلاقية.
هل وُجِّه الإنسان إلى التفكير المحدود طبيعياً؟
هذا سؤال معقد ومثير للنقاش ولا توجد إجابة واحدة أو نهائية عنه، فيرى بعض الفلاسفة والعلماء أنَّ الإنسان وُجِّه إلى التفكير المحدود طبيعياً بسبب عوامل مثل: الغرائز والعادات والتقاليد والتأثيرات الاجتماعية والثقافية والدينية، وإنَّ هذا التفكير المحدود يساعد على البقاء والتكيُف والانتماء.
يرى بعضهم الآخر أنَّ الإنسان وُجِّه إلى التفكير الإبداعي والمُنفتِح طبيعياً بسبب عوامل مثل: الفضول والتعلم والتجريب والتحدي والتغيير والتطور، وأنَّ هذا التفكير الإبداعي يساعد على النمو والتميُز والسعادة.
قد يكون الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، فربما يكون الإنسانُ قادراً على التفكير بطرائقَ مختلفة حسب الظروف والحاجات والأهداف والمصالح، وربما يكون لديه توازن بين التفكير المحدود والتفكير الإبداعي، وربما يكون ثمة تفاوت بين الأفراد والجماعات في المستوى ونوع التفكير الذي يُمارس.
إقرأ أيضاً: التفكير: المفهوم وأنواعه
ما هو دور المحيط في نوع تفكيرك؟
للمحيط دور هام ومؤثِر، فيشكل المحيط الذي تعيش فيه وتتفاعل معه جزءاً من هويتك وشخصيتك وثقافتك، وينعكس على طريقة تلقيك ومعالجتك للمعلومات والأفكار والمشكلات.
يمكن تقسيم المحيط إلى: داخلي خارجي.
1. المحيط الداخلي:
مجموعة العوامل النفسية والعاطفية والجسدية التي تؤثر في حالتك الذهنية ومزاجك ومستوى تركيزك وحماستك.
2. المحيط الخارجي:
مجموعة العوامل الاجتماعية والثقافية والتربوية والاقتصادية والسياسية التي تؤثر في موقفك ودورك وفرصك وتحدِّياتك في المجتمع.
يؤدي المحيطان كلاهما دوراً في تحديد نوع تفكيرك، فقد تكون معتاداً التفكير بطريقة معينة؛ بسبب تأثير البيئة التي نشأْت فيها أو تعمل فيها أو تتعلمها، وقد تكون محدوداً في خياراتك أو حلولك أو أفكارك بسبب تأثير القيم أو العادات والأعراف التي تتبِعها، وقد تكون مبدعاً أو ناقداً أو محايداً في تفكيرك بسبب تأثير النماذج أو الأمثلة أو الحوافز التي تُحفِزك.
لذلك، ينصح بأن تكون واعياً ومُدرِكاً لدور المحيط في شكل ونوع التفكير لديك، وأن تحاول تطوير مهارات التفكير لديك بما يتناسب مع احتياجاتك وأهدافك ومصالحك، كما يُنصَح بأن تكون مُنفتِحاً ومُستعِداً للتعلم من المحيطات المختلفة التي تواجهها في حياتك، وأن تستفيد من الفرص والموارد المتاحة لتوسِع أفقك ورؤيتك وتفكيرك.
في الختام:
نستطيع أن نقول إنَّ التفكيرَ المحدودَ عائقٌ كبيرٌ أمام تحقيق الإنسان لإمكاناته وطموحاته، وأمام تطور وازدهار المجتمع، لذلك يجب علينا أن نسعى إلى تجاوز التفكير المحدود وتطوير التفكير النقدي والإبداعي الذي يُمكِّنِنا من رؤية الأمور بمنظور أوسع وأعمق، ومن التعامل مع التحديات والمشكلات بطرائق فعالة ومُبتكَرة.
أضف تعليقاً