أسئلة كثيرة نطرحها عن قدرتنا على تحويل روتين يومنا الوظيفي إلى مغامرة مستدامة من التعلم والنمو وتجربة غنية بالمعرفة والتحفيز.
بات البحث عن النجاح المهني والشخصي ليس مقتصراً على تحقيق المهام الروتينية في بيئة العمل، بل يتعدى ذلك ليمتد إلى السعي نحو التطوير والارتقاء المستمر، ففي ظل التحولات السريعة في ساحة العمل وتطور الاحتياجات الوظيفية، يبرز مفهوم "الإثراء الوظيفي" بوصفه أداة أساسية لتحقيق النجاح الشامل، إنَّها رؤية جديدة للعمل، تمنح الأفراد فرصة للمشاركة في تطوير الوظائف بما يتيح لهم الازدهار وتحقيق أهدافهم المهنية بطرائق ملهمة ومحفزة، فالحياة لا تقف عند حدود الروتين، بل تنمو وتتطور مع كل لحظة نتعلم فيها شيئاً جديداً.
ما هو الإثراء الوظيفي؟
ينطلق مفهوم الإثراء الوظيفي من حكمة مفادها "عندما يتم تمكين الموظفين، يكون النجاح لا محدوداً"، يُستخدَم هذا المفهوم في إدارة الموارد البشرية بوصفه أداة لتغيير وتحسين طبيعة العمل وبنية المهام في بيئة العمل، فيركز على إعادة تصميم الوظائف وإضافة مسؤوليات وأعباء جديدة بالشكل الذي يقضي على الملل ويجعل العمل أكثر إثارة وأقل تكراراً، كما يسعى إلى تطوير مهارات العاملين بشكل شامل وتعزيز دافعيتهم وتحفيزهم للسعي إلى التقدم والتطوير في سلم الترقيات الوظيفية.
يُظهر هذا النهج أيضاً رغبته في تفويض الصلاحيات للعاملين، وهذا يمكِّنهم من اتخاذ القرارات المتعلقة بتنظيم وتنفيذ مهامهم بشكل ذاتي، فهو يتيح لهم الحصول على حرية واستقلالية أكبر في سياق العمل، ويركِّز بشكل أساسي على تحسين رضاهم الوظيفي وإشعارهم بالمسؤولية التي تكون السبيل إلى تنمية ذواتهم وتحقيق النمو الشخصي.
أهمية الإثراء الوظيفي:
يعكس الإثراء الوظيفي الجهود المبذولة لإيجاد بيئة عمل محفزة وملهمة تعزز من أداء الفرد وتطوير مهاراته وقدراته الشخصية والمهنية، تحظى هذه المنهجية بأهمية كبيرة نظراً لتأثيرها المباشر في أداء الموظفين والمؤسسات على حد سواء، وتتجلى أهميتها فيما يأتي:
- تقلل من معدل غياب العاملين في العمل.
- تقدم تحديات تشد العاملين وتعزز تطورهم.
- تقلل من الملل ويخلص العاملين من الروتين.
- وسيلة لتطوير مرونة الموارد البشرية داخل المنظمة.
- تساهم في زيادة رضى وسعادة العاملين من خلال توفير فرص التطوير المهني والشخصي.
- عامل هام في الاحتفاظ بالكفاءات والمواهب داخل المنظمة.
- تساهم في زيادة إنتاجية العاملين وجودة العمل وانخفاض تكلفته أيضاً.
- إحداث بيئة تنافسية إيجابية داخل المنظمة، وهذا يحفز العاملين على تحقيق أفضل أداء والسعي نحو التفوق.
- تشجع على التفكير الإبداعي والابتكار من خلال توفير فرص للتجارب والتعلم الجديد.
- تشجع على تعدد الآراء والمهارات داخل الفريق.
- تساهم في زيادة ارتباط العامل بمنظمته.
- يساعد الارتباط بثقافة الإثراء الوظيفي الإيجابية على جذب المواهب الجديدة وتحسين سمعة المنظمة بوصفها وحدة تهتم بتطوير وتقدم موظفيها.
مبادئ الإثراء الوظيفي:
1. إزالة القيود:
يشير هذا المبدأ إلى تحرير العاملين من القيود والحواجز وإزالة العوائق التقليدية التي قد تكبِّل إبداعهم وتقيِّدهم عن تحقيق إمكاناتهم الكاملة داخل بيئة العمل أو تحد من قدرة العامل على تحقيق الأداء المتميز، من بين تلك القيود: وجود هياكل تنظيمية صارمة وصفوف وظيفية محددة، وثقافة الخوف من الفشل وعدم قبول التجارب الجديدة، والإجراءات الصارمة والبيروقراطية.
2. تكوين وحدة عمل متكاملة:
يركز على منح الموظفين مسؤولية كاملة عن وحدة العمل التي يتبعونها أو يعملون فيها، يتعلق هذا المبدأ بتفويض سلطة أو صلاحيات أوسع للموظف لاتخاذ القرارات وإدارة العمل داخل الوحدة التي يعمل فيها.
3. منح العاملين سلطات إدارية إضافية:
يعني منح العاملين سلطات إدارية إضافية في سياق الإثراء الوظيفي منحهم صلاحيات وسلطات أكبر من المعتاد لاتخاذ القرارات والإشراف على نشاطات محددة أو جوانب معينة من العمل دون الحاجة إلى الرجوع إلى الإدارة بشكل دائم.
4. تكليف الموظفين بمهام جديدة أو متخصصة:
يعني تكليف الموظفين بمهام جديدة أو متخصصة منحهم فرصة لتطوير مهاراتهم وتعلم أشياء جديدة خارج نطاق عملهم المعتاد، هذا يساعدهم على النمو المهني وزيادة خبراتهم، وهذا يؤدي إلى رفع مستوى أدائهم وإثراء مسارهم المهني.
5. زيادة المهام وتنوعها:
كلما زاد التنوع في المهام، قل الملل الناتج عن الأعمال الروتينية والملل في العمل، فتُتاح للموظفين فرصة مواجهة تحديات جديدة والتعامل مع مهام متنوعة، وهذا التنوع يحفز الحماسة والإبداع، ويرفع مستوى الرضى الوظيفي والإنتاجية.
6. التغذية الراجعة:
يعد تقديم تغذية راجعة للموظف أساسياً في تطوير أدائه وزيادة كفاءته، ومن خلال تقارير مباشرة ومعلومات دقيقة عن أدائه، يمكن للموظف استيعاب نقاط القوة التي يتميز بها وتحسين النواحي التي تحتاج إلى تطوير، ويعزز هذا النوع من التواصل المباشر الفهم الواضح لأدائه ويساعده على اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق التقدم والتحسين المستمر.
شاهد بالفديو: 9 نقاط تشترك فيها أكثر الوظائف إرضاء
نماذج إثراء العمل:
1. إثراء العمل من خلال محتوى الوظيفة:
يعبر محتوى الوظيفة عن المهام والمسؤوليات والجوانب المختلفة التي تشكل العمل الذي يقوم به الموظف وواجباته، ويمكن تحسين هذا المحتوى عن طريق تطوير الجوانب الموجودة أو إضافة عنصر أو أكثر من العناصر الآتية:
- تشكيل فرق عمل متخصصة تتناسب مع قدرات العاملين.
- دمج المهام ومزجها ببعضها بعضاً من خلال التنويع والتكامل فيما بينها، وهذا يؤدي إلى توسيع نطاق المهارات والمعرفة اللازمة لإتمامها.
- يُعد تكوين علاقات قوية مع الفئات المستفيدة أساساً لتحسين وإثراء محتوى العمل.
- إضافة صلاحيات للأفراد والتقليل من الرقابة والإشراف الخارجي.
2. نموذج إثراء العمل من خلال الفرق المدارة ذاتياً:
يركز على إتاحة الفرص للفرق لإدارة وتنظيم عملها بشكل مستقل لتحقيق أهدافها وتحسين أدائها، يتم تكوين هذا النموذج من خلال:
- تحديد مهام الفريق بناءً على تطلعات ودوافع أفراده وملاءمتها مع خصائصهم، بهدف تحقيق مستويات مرتفعة من الرضى داخل العمل والمؤسسة.
- بناء المجموعة وفقاً لمدى توافر المهارات والخبرات والمعارف التي ترتبط بالأداء.
- تحديد معايير لأداء المجموعة، عادة يتم تحديد المعايير من قبل أفراد المجموعة أنفسهم.
3. نموذج إثراء العمل من خلال ساعات العمل المرنة:
يركز نموذج إثراء العمل من خلال ساعات العمل المرنة على تمكين الموظفين من تحديد أوقات عملهم بطريقة تتناسب مع احتياجاتهم الشخصية والمهنية، يهدف هذا النموذج إلى تعزيز الإنتاجية ورضى الموظفين من خلال منحهم مرونة في تنظيم جدول عملهم.
مثال على ذلك، شركات التكنولوجيا الكبيرة مثل جوجل وفيسبوك التي توفر لموظفيها مرونة كبيرة في ساعات العمل، فيمكن للموظفين في هذه الشركات تحديد أوقات عملهم بناءً على احتياجاتهم الشخصية ويمكنهم العمل من المنزل بناءً على ظروفهم، وهذا يساهم في تعزيز توازن الحياة الشخصية والمهنية.
4. نموذج إثراء العمل من خلال العمل المكثف:
أحد النماذج الفعالة في تحسين الأداء الوظيفي هو "نموذج إثراء العمل من خلال العمل المكثف"، يُعَد هذا النموذج ملائماً للأفراد الذين يبحثون عن فرصة العمل لأقل من خمسة أيام في الأسبوع، ويتيح هذا النموذج للعاملين توسيع ساعات العمل لتفوق الثماني ساعات في اليوم، وهذا يسمح بإكمال المهام حتى بعد انتهاء الوقت المحدد، يُتبَنَّى هذا الأسلوب بشكل شائع في القطاعات التي تتطلب جهوداً متواصلة ومستمرة، مثل المجالات الطبية مثل التمريض والخدمات الطبية، إضافة إلى القطاعات الخدمية مثل خدمات البريد والاتصالات.
5. نموذج إثراء العمل من خلال المشاركة في الوظيفة:
يقوم هذا النموذج على تقسيم واجبات الوظيفة ومسؤولياتها بين شخصين وقد يضطر أحدهما للعمل بعدد ساعات أكثر من الثاني، وغالباً ما تلجأ المنظمات التي تعاني من نقص الأيدي العاملة إلى التعاقد وفق هذا الأسلوب.
لماذا يُشعِر الإثراء الوظيفي العاملين بالرضى الوظيفي؟
يمثل الإثراء الوظيفي الركيزة الأساسية التي تؤثر في رضى العاملين في بيئة العمل، فيؤدي دوراً حيوياً في تعزيز وإشباع وتحقيق سعادة الموظفين؛ وذلك من خلال منحهم ما يأتي:
1. شعور المسؤولية والاعتراف:
عندما يُمنَح العامل فرصاً للمساهمة في العمل، يكتسب شعوراً بالمسؤولية نحو المهام المسندة إليه وبأنَّ لديه دوراً محورياً في نجاح الفريق أو المؤسسة، ويزداد ارتباطاً بالعمل ويشعر بالإشباع والرضى الوظيفي.
2. شعور الاستقلالية:
عندما يتيح العمل للعاملين فرصاً لاتخاذ القرارات والتحكم في أساليب عملهم بطريقة مبتكرة ومستقلة، يزيد شعورهم بالثقة في قدراتهم على تحقيق الأهداف، واختيار أساليب العمل الخاصة بهم، وتحقيق الإنجازات بطرائق تناسبهم؛ وذلك كله يسهم في تحقيق الرضى الوظيفي.
3. التخلص من الروتين:
عندما يواجه العاملون تنوعاً في المهام وتحديات مختلفة وتجربة مهام جديدة بدلاً من الروتين اليومي الممل، يشعرون بالحماسة والحيوية في العمل ويتحسن شعورهم بالتحفيز والرضى الوظيفي.
4. توفير فرص النمو والترقية والتطوير وتحقيق الطموحات الشخصية:
يوفر الإثراء الوظيفي للعامل فرص الترقية الوظيفية والنمو داخل المؤسسة ومن ثم يشعرهم بالتقدير والاهتمام من جانب المنظمة التي يعمل بها ويعزز من انتمائه ورضاه الوظيفي ورغبته في البقاء والتطور داخل المنظمة.
5. التوازن بين الحياة الشخصية والعمل:
يوفر الإثراء الوظيفي مرونة أكبر وفرصاً للتطوير دون الحاجة إلى تضحيات كبيرة في الوقت، وهذا يساهم في إشعار العاملين بالرضى.
شاهد بالفديو: 10 نصائح للموازنة بين الحياة والعمل
اعرف مدى الإثراء الوظيفي في عملك الحالي:
يعد فهم مدى الإثراء الذي يحققه عملك الحالي أساسياً لتحقيق الرضى الوظيفي والنمو الشخصي، وستساعدك الإجابة عن هذه الأسئلة على فهم مدى الفرص التي يوفرها عملك الحالي لتطوير مهاراتك، والتأكد من مواءمة أهدافك وتطلعاتك المهنية مع طبيعة العمل والبيئة التي تعمل فيها، مع العلم أنَّ الإجابة الصحيحة لجميع الأسئلة هي (نعم) والتي تشير إلى توافر هذه الميزة في عملك؛ أي عملك يمتلك مقومات الإثراء الوظيفي:
- هل يتيح لي عملي الحالي فرصاً لتطوير مهارات جديدة؟
- هل يقدم تحديات جديدة ومبتكرة في مهامي اليومية؟
- هل يعزز عملي الحالي الابتكار والتفكير الإبداعي؟
- هل هناك تشجيع للتعلم المستمر واكتساب المعرفة في مجال عملي؟
- هل يوفر لي العمل الحالي فرصاً للترقية أو الصعود المهني؟
- هل أشعر بالإشراف الداعم والإرشاد في عملي؟
- هل تتوفر فرص للعمل الجماعي والتفاعل مع زملائي؟
- هل أجد توازنا بين التحديات والإنجازات في مهامي الوظيفية؟
- هل يُشجع الابتكار وتقديم الأفكار الجديدة في العمل؟
- هل أجد أنَّ العمل يحفزني لتحقيق الأهداف الشخصية والمهنية؟
- هل تتوفر فرص للعمل على مشاريع ملهمة ومحفزة في عملي؟
- هل يُمكنني التواصل والتفاعل مع الإدارة لتحقيق أهدافي المهنية؟
- هل أشعر بالرضى الوظيفي والاستفادة من تجربتي في هذا المكان؟
- هل يُمكنني تحمُّل مسؤوليات إضافية لتطوير مهاراتي في العمل؟
- هل يتطلب عملي أكثر من مهارة؟
- هل يساهم عملي في تحقيق أهداف المنظمة؟
- هل يُشركني رؤسائي في صنع القرارات؟
- هل أحدد أولويات العمل بصورة منفردة؟
- هل أتمتع بقدر كاف من الحرية في أداء المهام المنوطة بي؟
- هل أتخذ كثيراً من القرارات دون الرجوع لرؤسائي المباشرين؟
- هل يتم تمكيني من بعض صلاحيات رؤسائي في العمل؟
- هل أحرص على تقييمي الذاتي لأدائي؟
- هل يتاح لي الاطلاع على تقييم رؤسائي لأدائي؟
- هل يناقشني رؤسائي لمعالجة جوانب القصور في أدائي؟
- هل يدعم رؤسائي جوانب القوة في أدائي؟
في الختام:
في ظل هذه الحقيقة القائلة إنَّ "النجاح لا يأتي من العمل الذي نفعله بصبر، بل من العمل الذي نحبه ونميل إليه بشغف"، نجد أنَّ العمل الذي يحمل في طياته الشغف والالتزام هو الذي يبني لنا جسراً نحو التفوق والتميز، فالعمل الذي يُعَد منبراً للابتكار والتطوير هو الذي يُصبح محط اهتمامنا وتفانينا، إذاً لنقف تحت ضوء هذه الحقيقة البسيطة ولنرفع من التطلعات نحو العمل الذي يُمكننا من النجاح والإنجاز، إنَّ الإثراء الوظيفي ليس مجرَّد هدف نسعى إلى تحقيقه في حياتنا المهنية؛ بل هو أسلوب حياة يقوم على التطلُّع الدائم لتحقيق الأهداف والتطوير المستمر.
المصادر +
- فوزية تايه شميلان العنزي، واقع الإثراء الوظيفي لدى قادات المدارس الابتدائية بمدينة تبوك من وجهة نظرهن في ضوء بعض المتغيرات
- عائدة بنت عماني بن زايد النبهانية، دور الإثراء الوظيفي في تطوير أداء مديري مدارس التعليم الأساسي بمحافظة ظفار، 2014.
- هناء محمد الجهران، درجة ممارسة الإثراء الوظيفي وعلاقته بالإبداع التنظيمي لدى مديري المدارس الأساسية الحكومية في محافظة العاصمة
أضف تعليقاً