تعد اللغة الصينية - الماندرين - إحدى أوسع اللغات انتشاراً، إذ يتكلم بها أكثر من مليار شخص حول العالم، يعيش معظمهم في الصين (أكثر من 980 مليون شخص) وتايوان (19 مليون شخص)، ولكن توجد أعداد كبيرة منهم في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا، خاصة في هونغ كونغ، وإندونيسيا، وماليزيا، وتايلاند، وسنغافورة.
توجد مجتمعات صينية هامة تتحدث الصينية أيضاً في العديد من أنحاء العالم، فهي من بين أقدم اللغات التي استخدمها البشر، إذ تُعد جذورها قديمة جداً، فترجح نشأتها قبل نحو 4500 عام، وفي وقتنا الحاضر يمثل تعلم اللغة الصينية استثماراً ثقافياً واقتصادياً في المستقبل، وتعد بوابة لفهم ودخول سوق العمل والتفاعل مع إحدى أكبر الاقتصادات في العالم، سنتحدث في هذا المقال عن تاريخ اللغة الصينية وأهم المعلومات التي يجب أن تعرفها عن هذه اللغة العريقة.
تاريخ اللغة الصينية:
يمتد تاريخ اللغة الصينية لآلاف السنين، فتعد إحدى أقدم اللغات المستخدمة على وجه الأرض، يعود تاريخ اللغة الصينية إلى (حوالي 5000-2000 قبل الميلاد)، فقد كانت تتطور بشكل تدريجي في منطقة حوض نهر الأصفر في شمال الصين، ويمكن تقسيم تاريخ اللغة الصينية إلى المراحل الآتية:
أولاً: العصور القديمة
1. الصينية القديمة:
بدأ استخدام الصينية المكتوبة في الفترة المعروفة باسم "العصور القديمة"، والتي تعود إلى حوالي القرن الثاني والأول قبل الميلاد، كانت النصوص في هذه الفترة تُكتَب بأسلوب يُعرف باسم "الكتابة الأكيدة " (Seal Script)، وهي تتألف من مجموعة متنوعة من الرموز التي تمثل الكلمات والأفكار.
2. الصينية القديمة المتأخرة والصينية الوسطى:
خلال العصور الوسطى من التاريخ الصيني (من حوالي القرن الثالث الميلادي حتى القرن العاشر)، تطورت اللغة الصينية وتغيرت قليلاً لتصبح ما يُعرف بالصينية الوسطى، في هذه الفترة، ظهرت العديد من النصوص الأدبية والفلسفية الهامة، مثل "الأناجيل الصينية" (The Analects) لكونفوشيوس.
ثانياً: العصور الحديثة
1. الصينية الحديثة:
مع سقوط الدولة الصينية الأخيرة وتأسيس الإمبراطورية الصينية في عهد سلالة سونغ (960-1279 م)، بدأت اللغة الصينية تتطور بشكل أكبر نحو الشكل الحالي الذي نعرفه اليوم، تم تبسيط الكتابة وتوحيد القواعد اللغوية.
2. الصينية المعاصرة:
في العصر الحديث، شهدت اللغة الصينية تطورات هائلة مع نشوء الصين الحديثة، واعتُمِدَ نظام الكتابة الحديثة المعروف باسم "بينين" (Pinyin) الذي يستخدم الحروف اللاتينية لتمثيل الأصوات الصينية، كما تم تبسيط الكتابة باستخدام الأحرف البسيطة (Simplified Chinese) في الصين.
تعد الصينية من أحد أكثر اللغات تأثيراً في العالم، فقد أثرت في اللغات الآسيوية الأخرى مثل اليابانية والكورية والفيتنامية، وكذلك أثرت في الثقافة والفلسفة والأدب العالمي، ومن الجدير بالذكر أنَّه في القرن العشرين، أطلقت حركة إصلاح اللغة في الصين برنامجاً لتخطيط اللغة، والذي يُعد الأضخم عالمياً.
يهدف هذا البرنامج إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة: تبسيط الأحرف الصينية التقليدية، وتوحيد اللهجات لتكوين لغة شفهية موحدة في جميع أنحاء الصين، وإدخال أبجدية صوتية لتحل محل الأحرف الصينية بشكل تدريجي.
توجد حالياً عدة أصناف من اللغة الصينية أبرزها:
- وين يان (اللغة الأدبية)، وهي اللغة الأدبية المثقفة ويعود تاريخها إلى 1500قبل الميلاد، وتختلف كثيراً عن اللغة اليومية في الأسلوب والمفردات، وقد قل استخدامها في الوقت الحالي بشكل كبير.
- باي هوا (اللغة العامية)، وهي نمط كتابي مبسط طُوِّرفي عام 1917 من قبل الإصلاحي (شيه) لتعزيز التواصل مع الجمهور العام.
- بوتونغوا (اللغة الشائعة)، وهي النوع المعتمد كمعيار في الصين، وتجسد لهجة بكين، وتم اعتمادها على نطاق واسع منذ عام 1949، وتعرف باسم الكلام الوطني (guó yu) في تايوان وفي الغرب تسمى باسم (الماندرين)، وتستخدم بشكل أساسي في التعليم والنشر منذ عام 1956، وهي الشكل الأكثر استخداماً للغة الصينية المنطوقة والمكتوبة.
ما هو عدد حروف اللغة الصينية؟
لا تعتمد اللغة الصينية على نظام حروف كما في اللغات الأبجدية مثل الإنجليزية، بل تعتمد على مجموعة من الرموز المعروفة باسم "الأحرف الصينية" أو "الهيروغليفية الصينية" أو "الهانزي"، ويُقدر الآن عدد هذه الأحرف بحوالي 50000 رمزاً، ولكن الرموز الأساسية المستخدمة بشكل شائع للتواصل اليومي يمكن أن تكون حوالي 2,000 إلى 3,000 رمزاً.
في الواقع، قلما تُستخدَم الرموز جميعها، على سبيل المثال، في الصين القارية يُستخدم نظام الكتابة المبسط (Simplified Chinese)، الذي يحتوي على حوالي 3500 حرف تقريباً بينما يستخدم النظام التقليدي (Traditional Chinese) في تايوان وهونغ كونغ ومناطق أخرى يحتوي على عدد أكبر من الأحرف؛ لذا يحتاج الأشخاص الذين يكتبون ويقرؤون اللغة الصينية إلى تعلم عدد كبير من الأحرف لتمكينهم من فهم النصوص والتواصل بشكل فعال.
حقائق ومعلومات عن اللغة الصينية:
1. اللغة الصينية أقدم لغة مكتوبة:
تُعد اللغة الصينية أقدم لغة مكتوبة في التاريخ، فقد عُثر على نقوش حروف صينية على قواقع السلاحف تعود لعصر ديناستي شانغ (1766-1123 ق.م)، وهذا يعزز فكرة وجود اللغة المكتوبة منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام.
تتميز اللغة الصينية المكتوبة باستخدام رموز فريدة واحدة، أو ما يعرف بالحروف، لتمثيل كل كلمة من المفردات، وتُكتب معظم الحروف بناءً على الأصوات المنطوقة التي لها معنى، ويضم القاموس الضخم عادةً حوالي 40,000 حرفاً، ومع ذلك، يكفي عادةً أن يكون الشخص قادراً على التعرف إلى 2,000 - 3,000 حرف لقراءة الصحيفة بشكل مبسط.
2. الشكل الإنكليزي للأحرف الصينية هو (البينين):
لا توجد أبجدية مجزئة صينية، ولقد طُوِّر نظام "البينين" في الصين بهدف تسهيل فهم اللغة الصينية للعالم الغربي، ويستخدم هذا النظام الأبجدية الغربية والإملاء لتمثيل نطق الكلمات الصينية، وبدأ استخدام نظام البينين في عام 1892 للغات الصينية، باستثناء الأسماء الشخصية والمواقع.
في عام 1977، طلب مسؤولون صينيون من الأمم المتحدة استخدام نظام البينين لتسمية المواقع الجغرافية في الصين، الأشخاص الذين يستخدمون البينين عادة ما يكونون ملمين بالأبجدية الغربية ويتعلمون نطق اللغة الصينية الماندرين، ويُعد نظام البينين أداة هامة في تعلم اللغة الصينية وتبادل الثقافة مع العالم الغربي.
3. لا قواعد لغوية صارمة في اللغة الصينية:
في اللغة الصينية، لا توجد قواعد صارمة تنص على اتفاق الأفعال والأسماء والصفات، كما أنَّه لا يوجد مفهوم للجمع أو الإفراد، فيُضاف رقماً أو كلمة للتعبير عن التعددية، ولا توجد أزمنة فعلية، وتُستخدَم كلمات إضافية في بداية الجملة لتوضيح الزمن.
4. اللغة الصينية المنطوقة:
يوجد في الصين حوالي 55 قومية وطنية، ولكل منها لغتها المنطوقة، والعديد منهم ليس لديهم شكل مكتوب مميز للغتها، اللغة الصينية المنطوقة لديها أشكال مختلفة تسمى (اللهجات)، واللهجة الأكثر شيوعاً هي (الماندرين)، وقد اعتُمِدَت لغة ثانية للمتحدثين باللهجات الصينية الأخرى مثل اليوي (الكانتونية)، الشيانغ (الهونانية)، اللهجة المينية، اللهجة الغانية، اللهجة الوو، واللهجة الكيجيا أو الهاكا.
5. اللغة الصينية في المرتبة الأولى من حيث المتحدثين بها:
تحتل اللغة الصينية المرتبة الأولى في العالم من حيث عدد المتحدثين بها، يبلغ عدد الناطقين بالصينية حوالي مليار نسمة، وحوالي 15% من سكان العالم يتحدثون اللغة الصينية كلغتهم الأم، إضافة إلى الصين، ويتحدث الصينية أيضاً بشكل أساسي في تايوان وسنغافورة وماليزيا وأجزاء من إندونيسيا والفلبين، إضافة إلى العديد من المجتمعات الصينية في جميع أنحاء العالم.
6. اللغة الصينية هي لغة صوتية بامتياز:
تعد اللغة الصينية لغة صوتية نغمية، وهذا يعني أنَّ معنى الكلمة يمكن أن يتغير اعتماداً على النغمة أو اللحن الذي يستخدم لنطقها، سواء كانت بصوت مرتفع أم منخفض، ويتميز نظام النغمات في اللغة الصينية بأهميته الكبيرة في فهم المعاني والتواصل بشكل دقيق، وعادةً ما تُشكِّل النغمات فارقاً كبيراً في المعنى، حتى إذا كانت الحروف متشابهة.
7. اللغة الصينية إحدى لغات الأمم المتحدة الرسمية:
اللغة الصينية هي إحدى اللغات الرسمية للأمم المتحدة، واعتُمِدَت اللغة الصينية بوصفها لغة رسمية في الأمم المتحدة بناءً على الدور الهام الذي تؤديه الصين بوصفها دولة عضواً في المنظمة وبناءً على عدد الناطقين باللغة الصينية حول العالم.
ما هي فوائد تعلم اللغة الصينية؟
1. فرصة للتواصل مع أكثر من مليار شخص حول العالم:
يساعدك تعلُّم اللغة الصينية على التواصل مع أكثر من مليار شخص في العالم، فتُتحدث الصينية الماندرين في العديد من البلدان الآسيوية إضافة إلى الصين، وبفضل التطور التكنولوجي، يمكنك التواصل مع الناطقين بالصينية عبر الإنترنت واستكشاف ثقافتهم.
2. الحصول على فرص وظيفية أفضل:
يفتح تعلم اللغة الصينية الأبواب للفرص الوظيفية في العديد من المجالات، خاصةً في الأعمال التجارية والتجارة الدولية، فيُعد فهم اللغة والثقافة الصينية هاماً للعمل مع الشركات الصينية والتوسع في السوق الصيني.
3. الحصول على تجربة سياحية أفضل:
إن كنت من محبي السفر والسياحة فيجعل تعلُّم اللغة الصينية رحلتك في جنوب شرق آسيا ممتعة، فيتحدث الصينيون الماندرين في هذه المنطقة، وبمعرفة اللغة المحلية، تتميز عن السياح الآخرين، كما تسهل عليك تجربة الثقافة والطعام المحلي في الصين وتحسين تجربة السفر بشكل عام.
4. تعلم اللغة الصينية يحفز العقل ويزيد من مهاراتك العقلية:
أوضحت دراسة عصيبة - لغوية أنَّ تعلم اللغة الصينية يُنشط أجزاءً أكثر من الدماغ من أي لغة أخرى، فيستخدم مستخدمو اللغة الصينية كلاً من فصي الدماغ، بينما يستخدم المتحدثون باللغة الإنكليزية الفص الصدغي الأيسر فقط.
5. تعلم اللغة الصينية وسيلة لتوسيع المعرفة:
يساعد تعلم اللغة الصينية على فتح أفق جديد في عالم المعرفة، فيمكن للمتعلمين الوصول إلى المواد التعليمية والمصادر الصينية، ومن ذلك الكتب والأبحاث والمقالات التي قد لا تكون متاحة باللغات الأخرى، إضافة إلى تصفح المصادر والتطبيقات على الشبكة العنكبوتية.
6. الحصول على الفرص التعليمية:
تتيح اللغة الصينية فرصاً تعليمية متنوعة في الجامعات والمؤسسات التعليمية في الصين، والتي يمكن أن تكون بوابة للتعلم والبحث في مجالات متنوعة وبداية لمستقبل أفضل.
شاهد بالفديو: وفقاً للباحث النفسي كريس لونسيدل" كيف تتعلم لغة جديدة بطلاقة في 6 أشهر؟"
اليوم العالمي للغة الصينية:
اليوم العالمي للغة الصينية هو يوم مخصص للترويج للغة الصينية وثقافتها في جميع أنحاء العالم، يُحتفل به في يوم الـ 20 من شهر أبريل من كل عام، وهو مناسبة تهدف إلى تعزيز التفاهم الثقافي بين الشعوب وتعزيز العلاقات الدولية والتبادل الثقافي مع الصين، يتم خلال هذا اليوم تنظيم فعاليات مختلفة مثل ورش العمل والمحاضرات والعروض الفنية والعروض التقديمية لتشجيع الناس على تعلم اللغة الصينية ولزيادة الوعي باللغة والثقافة الصينية وتعزيز الشراكة والتبادل بين الدول.
في الختام:
اللغة الصينية لغة ذات تاريخ عريق وأهمية كبيرة في العالم اليوم، وإنَّ فهمها وتعلمها يفتح الأبواب للعديد من الفرص الوظيفية والثقافية، ويعزز التفاهم الثقافي والتبادل الدولي، ونظراً لأهميتها اليوم؛ فإنَّ الأمم المتحدة خصصت يوم الـ 20 من شهر أبريل للاحتفال بها تحت اسم "اليوم العالمي للغة الصينية"، وهو مناسبة مميزة تسلط الضوء على أهمية هذه اللغة وتعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب.
أضف تعليقاً