مع بداية تسعينات القرن الماضي بدأت الصين بفرض وجودها السياسي والاقتصادي على الصعيد الدولي، ومؤخَّراً حظي الدور المركزي المتنامي الذي تؤديه الصين سياسيَّاً واقتصاديَّاً على المستوى الدولي بالتقدير في مختلف أرجاء العالم، وجعل اسم الصين يتصدَّر عناوين الأخبار بشكلٍ مستمر. نتيجةً لذلك شهد العالم في السنوات الأخيرة انتشار ما لا يمكن وصفه إلَّا بـ: حُمَّى تعلُّم اللغة الصينية، وانتشرت برامج تعليم اللغة الصينية انتشاراً سريعاً في مختلف مدن العالم؛ لتلبية احتياجات أصحاب الشركات الذين يسعون إلى تعلًّم اللغة الصينية ليبنوا علاقات عملٍ دوليةً أكثر كفاءة.
في الوقت نفسه، أضحَت اللغة الصينية واحدةً من أسرع المواد انتشاراً في مجال التعليم، وقد سارعَت المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية إلى إضافتها إلى قائمة اللغات الأجنبية التي تُدرَّس فيها. على سبيل المثال: في الولايات المتحدة ارتفع عدد الطلاب المُسجَّلين في دروس تعليم اللغة الصينية بمقدار أكثر من الضعف بين عامَي 1998 و2009.
بناءً على كلِّ ما سبق قد يتساءل البعض: ما أفضل طريقةٍ لتعلُّم اللغة الصينية؟ للإجابة عن هذا السؤال، وبمناسبة يوم اللغة الصينية الذي يصادف الـ 20 من نيسان من كلِّ عام، إليك أبرز 5 نصائح لتعلُّم هذه اللغة:
1. اعلم أنَّه على الرغم من صعوبة اللغة الصينية إلَّا أنَّ تعلُّمها يمكن أن يكون في غاية السهولة:
يعتقد عديدٌ من الناس بأنَّ اللغة الصينية واحدةٌ من أصعب اللغات في العالم. يُعَدُّ هذا صحيحاً إلى حدٍّ ما، إذ أنَّ نظام الكتابة في اللغة الصينية لا يعتمد على الأحرف الهجائية، بل يتألَّف من آلافٍ من الأشكال التي تُدعى "حروفاً"، والتي تحتاج إلى دراسةٍ واستيعابٍ عن طريقة حفظها غيباً، والمواظبة على قراءتها وكتابتها بشكلٍ مستمرٍ مدةً طويلةً من الزمن.
تُعَدُّ اللغة الصينية لغةً "نَغَميَّة"؛ أي أنَّ تغيير نبرة الصوت عند لفظ مقطعٍ محدَّدٍ يمكن فعلاً أن يعطينا كلماتٍ متنوعةً ذوات معانٍ مختلفة، وأشهر مثالٍ على ذلك من لغة الماندرين الصينية هو المقطع "ma" (ما) الذي قد يعني إمَّا "الأم"، أو "القِنَّب"، أو "الحصان"، أو الفعل "وبَّخَ"؛ وذلك اعتماداً على الطريقة التي يُلفَظ بها. هذه الميزة الموجودة في اللغة الصينية المَحكيَّة غير موجودةٍ بالشكل نفسه في اللغات الغربية، وبالتالي يمكنها أن تُشكِّل تحدِّياً كبيراً بالنسبة إلى عديدٍ من الطلاب غير الآسيويين.
لكن ما لا يدركه معظم غير الصينيين أنَّ قواعد اللغة الصينية واحدةٌ من أسهل قواعد اللغات في العالم، حيث تشبه تركيبة الجملة في اللغة الصينية إلى حدٍّ بعيدٍ نظيرتها في اللغة الإنكليزية (فاعل + فعل + مفعول به). وللأفعال شكلٌ واحدٌ في اللغة الصينية، أي إنَّها لا تُصرَّف أبداً، ولا يوجد فيها تذكيرٌ أو تأنيث، ولا تُجمَع الأسماء فيها، وعلى الرغم من وجود آليةٍ للتعبير عن الأزمنة (ماضي، مضارع، مستقبل)، إلَّا أنَّها أبسط بكثيرٍ من الآليات المُستعمَلة لذلك في أيِّ لغةٍ من اللغات الغربية، وإنَّ الأشخاص المُطَّلعين على لغاتٍ مثل الإسبانية والفرنسية سيجدون فوراً أنَّ قواعد اللغة الصينية قواعدٌ بسيطةٌ وأكثر سهولةً بكثيرٍ من قواعد تلك اللغات.
2. تعلَّم الماندارين:
ثمَّة حرفيَّاً مئات -إن لم نَقُل آلاف- اللهجات الصينية المَحكية التي تُستعمَل في مختلف مناطق الصين، والتي تطوَّرَت على مدى الفترة الطويلة من تاريخ الصين الكلاسيكي حينما كانت وسائل المواصلات بدائيَّةً، ولم يكن ثمَّة وجودٌ لوسائل الإعلام، وكان الناس يَحيَون ويموتون في الأماكن التي وُلِدوا فيها. على الرغم من أنَّ من يتحدَّثون اللغة الصينية بجميع لهجاتها يستخدمون اللغة المكتوبة الخالية من الأحرف الهجائية نفسها، إلَّا أنَّ عديداً من اللهجات حينما تُستَخدَم في الحديث تُعَدُّ غير مفهومةٍ بالنسبة إلى مُستخدمي اللهجات الأخرى.
بالنسبة إلى غير الصينيين الذين يسعون إلى تعلُّم اللغة الصينية تُعَدُّ لهجة الماندرين الخيار الأمثل. تُعَدُّ الماندرين -اللهجة السائدة في شمال الصين- اللغة الرسمية المُستخدَمة من قِبَل السياسيين، وفي التعليم، ووسائل الإعلام في الصين نفسها، وفي تايوان؛ وهي إحدى اللغات الرسمية الأربع في سينغافورة. حتَّى في هونج كونج، التي كانت تاريخيَّاً من المناطق التي يتحدَّث سكَّانها الصينية الكانتونية، أضحى استعمال الماندرين واسع الانتشار الآن منذ عودتها إلى السيادة الصينية في عام 1997. في الصين نفسها تعني كلمة "ماندرين": اللغة المشتركة، وفي خارج الصين يُشار إلى تلك اللهجة في أغلب الأحيان باسم: "اللغة الوطنية"، وإنَّ كِلا المصطلحَين يشيران إلى سِعة الفرص التي يمكن أن يحصل عليها الشخص الذي يتقن هذه اللهجة. لحُسن حظ مُتعلِّمي اللغة الصينية يُقال إنَّ الماندرين تُعَدُّ أيضاً الأسهل من ضمن جميع لهجات اللغة الصينية بفضل تركيبتها النَغَميَّة، والتي تُعَدُّ أبسط بكثيرٍ من نظيراتها في الكانتونية ومعظم اللهجات الأخرى.
3. تعلَّم المحادثة أوَّلاً، ثمَّ قرِّر إن كنت بحاجةٍ إلى تعلُّم القراءة أو الكتابة:
بالنظر إلى تعقيد اللغة الصينية المكتوبة مقارنةً مع البساطة التي تتميَّز بها القواعد نسبيَّاً، من الجيِّد أن يُركِّز الطلاب الذين ينوون تعلُّم اللغة الصينية الاهتمام على تعلُّم المحادثة أوَّلاً، ثمَّ يحاولون بعد ذلك تعلُّم اللغة المكتوبة، إذا كانت دراساتهم أو تجارتهم تحتاج إلى ذلك. على الرغم من أنَّ خاصية النغمات التي تميِّز اللغة الصينية المَحكية تُعَدُّ تحدِّياً، إلَّا أنَّ بالإمكان إتقان تلك الخاصية بسرعةٍ تماماً مقارنةً مع العديد من السنوات اللازمة لتعلُّم آلاف الحروف المكتوبة التي يتعلَّمها معظم الأشخاص المُتعلِّمين في الصين. تُدرِّس معظم برامج تعليم اللغة الصينية كُلَّاً من اللغتَين المحكية والمكتوبة بشكلٍ متزامنٍ بكلِّ تأكيد، إلَّا أنَّ مسألة تركيز الاهتمام على المحادثة أو على الكتابة ترجع إلى كلِّ طالب.
4. جرِّب تعلُّم حروف اللغة الصينية المُبسَّطة (Simplified) في حال قرَّرتَ تعلُّم الصينية المكتوبة:
ثمَّة في اللغة الصينية نظاما كتابةٍ رئيسان يُستعمَلان حاليَّاً في العالم، وهما:
- الحروف الصينية "التقليدية" (Traditional) أو "المُعقَّدة".
- الحروف الصينية "المُبسَّطة" (Simplified).
الحروف الصينية "التقليدية" (Traditional):
هي الحروف التي نشأت من الحروف التصويرية التي كانت تُستخدَم في اللغة الصينية القديمة، واستُخدِمَت خلال معظم تاريخ الصين وحتَّى العصر الحديث. في الوقت نفسه، تُعَدُّ عديدٌ من هذه الحروف مُعقَّدةً وجميلةً وتحتاج إلى أن يقضي طُلَّاب اللغة الصينية عديداً من الساعات والليالي في التدرُّب على ترتيبها المُعقَّد لصياغة الكلمات صياغةً صحيحة.
الحروف الصينية "المُبسَّطة" (Simplified).
بدايةً من منتصف القرن الماضي بدأت الحكومة في الصين نشر نظام كتابةٍ بديلٍ يُدعَى الحروف المُبسَّطة (Simplified) سعياً منها لتعزيز القدرة على الكتابة بشكلٍ كبيرٍ في عموم البلاد، وبالنسبة إلى عديدٍ من الحروف التصويرية قلَّل هذا النظام بشكلٍ كبيرٍ عدد الخطوط اللازمة لصياغة كلماتٍ محددة، ومكَّن الطلاب من حفظ تلك الحروف بسرعةٍ أكبر.
تُعَدُّ الحروف "المُبسَّطة" اليوم الحروف الرسمية في كلٍّ من الصين وسينغافورة، بينما ما زالت الحروف "التقليدية" هي السائدة في تايوان، وهونج كونج، وضمن معظم مجتمعات المهاجرين الصينيين في مختلف أرجاء العالم.
على الرغم من أنَّ طلاب اللغة الصينية الذين ينوون قضاء عديدٍ من السنوات في تطوير قدراتهم وتحسينها يُنصَحون بالبدء بتعلُّم الحروف التقلدية، ثمَّ تعلُّم الحروف المبسَّطة بعد ذلك فقط؛ إلَّا أنَّ أيَّ شخصٍ يسعى إلى تعلُّم اللغة الصينية المكتوبة سيُحسِن صُنعاً إذا بدأ بالحروف المُبسَّطة.
5. تعامَل مع الدراسة تعاملاً جِدِّيَّاً:
على عكس عديدٍ من اللغات الغربية التي تمتلك بعض الجذور المشتركة مع اللغة الإنجليزية، والتي يمكن غالباً تعلُّمها بسرعةٍ من خلال الاعتماد اعتماداً كبيراً على الدراسة الذاتية؛ يحتاج تعلُّم أساسيَّات لغةٍ مختلفةٍ عن اللغة الإنجليزية -مثل الصينية- إلى التحلِّي بقدرٍ كبيرٍ من الالتزام والمثابرة.
من الناحية العملية هذا يعني:
- إذا لم تكن تتمتَّع بموهبةٍ استثنائيةٍ في تعلُّم اللغات الأجنبية، فلن تتعلَّم اللغة الصينية على الأرجح خلال درسٍ خاصٍّ يمتدُّ ساعةً ويُعقَد مرةً واحدةً في الأسبوع. ابحث عوضاً عن ذلك عن برنامجٍ معروفٍ أو ورشة عملٍ معروفةٍ لتعليم اللغة الصينية. من الجيِّد أن تبدأ من الجامعات أو المدارسة المتخصصة في تعليم اللغات، وتوفِّر بعض الكُلِّيَّات كذلك دوراتٍ مُكثَّفةً مدَّتها 4-8 أسابيع، تقدَّم فيها القواعد الأساسية في اللغة الصينية.
- إن كنت ما زلت تبحث عن مدرِّسٍ خاصٍ، فإنَّ الاكتفاء بالبحث عن مدرِّسٍ تكون اللغة الصينية لغته الأم لا يعني دائماً أنَّك ستحصل على المدرِّس الأفضل؛ لأنَّ تعليم الطلاب تجاوز العقبات الخاصة باللغة الصينية يحتاج إلى مهارةٍ خاصة. إذا قررت أن تأخذ دروساً خاصَّةً، فابحث عن شخصٍ تكون اللغة الصينية لغته الأم، ويمتلك شهاداتٍ موثوقةً في التعليم، إضافةً إلى خبرةٍ سابقةٍ في تعليم الطلاب.
- أخيراً: تمرَّن، وتمرَّن، وتمرَّن. بعد أن تكتسِب مهارات المحادثة الأساسية ابحث عن أشخاصٍ يتحدثون الصينية وتحادث معهم. استعمل اللغة الصينية لطلب الغداء، أو شراء الكتب، أو للحديث عن الطقس، أو للسؤال عن الاتجاهات؛ حتَّى لو لم تكن بحاجةٍ إلى ذلك.
يؤكِّد الأشخاص الذين أتقنوا اللغة الصينة بالإجماع أنَّ الطَلاقة الحقيقية لا تأتي إلَّا حينما يقضي الشخص بعض الوقت في المناطق التي يتحدَّث سكَّانها في آسيا اللغة الصينية. فاستعِدَّ لرحلة العمل القادمة؛ واستَفِد من العديد من دورات اللغة الصينية القصيرة أو الطويلة التي تُقام في الصين، أو تايوان، أو هونج كونج، أو سينغافورة؛ أو خطط للقيام بتجربةٍ شخصيةٍ أو عائليةٍ مثيرة إلى الصين.
يقول أحد الأمثلة الصينية المشهورة: "إنَّ رحلة الألف ميلٍ تبدأ بخطوة". لست بحاجةٍ بكلِّ تأكيدٍ إلى أن تخطو ألف خطوةٍ حتَّى تتعلَّم اللغة الصينية، لكنَّ الوقت الآن أفضل من أيِّ وقتٍ مضى لتخطو الخطوة الأولى على درب تعلُّم اللغة الصينية.
أضف تعليقاً