يعتقد بعض الناس بأنَّ أولئك الذين لا يسخرون من أنفسهم يفتقرون حس الفكاهة، حيث يوظف الخبراء النفسيون مصطلح "الضحك الموجَّه ذاتياً" (Self-directed Laughter) للتعبير عن سخرية المرء من ذاته، فعندما بدأَت دراسة الضحك الموجَّه ذاتياً، عرَّف عالم النفس الأمريكي "جوردون ألبورت" (Gordon Allport) القدرة على السخرية من النفس كنوعٍ من الفكاهة، بأنَّها تمتُّع الفرد بالفطنة إلى جانب قبوله لذاته؛ أي بمعنىً آخر، إنَّ سخرية المرء من ذاته هي طريقةٌ صحيةٌ عندما لا تكون ناتجةً عن عدم تقدير المرء لذاته، وقد أظهر الباحث "بول مكغي" (Paul McGhee) أنَّ السخرية من الذات طريقةٌ صحيةٌ عندما تكون قادراً على:
- تحديد نقاط ضعفك وأخطائك دون أن تقسو على نفسك.
- رؤية إلى أي مدىً يمكِن للمواقف الحرجة أن تكون مضحكةً.
- السخرية من نفسك دون أن تحطَّ من قدرك.علاقات اجتمئ
على أي حال، من الهام الفصل بين قدرة السخرية من الذات على تعزيز قبول نفسك من جهة، والتقليل من شأنك من جهةٍ أخرى؛ إذ قد تنطوي السخرية من الذات أحياناً على تعليقات سلبية أو تقلل من شأن الذات، وتعود قدرة الناس على إيجاد الدعابة سواء في عيوبهم أم سلوكهم إلى العديد من الأسباب، منها:
- مساعدة المرء في الحفاظ على صحته النفسية لا سيَّما في ظل الأوقات العصيبة أو عند الشعور بالتوتر.
- التقليل من حدة الانتقادات الموجَّهة من قِبَل الآخرين.
- مساعدة الذات على اكتساب منظور أكثر وضوحاً فيما يتعلق بتحديد ما هو هام وما هو غير ذلك.
- تعزيز العلاقات الشخصية مع الآخرين من خلال إزالة الحدود والقدرة على إيجاد النقاط المشتركة معهم، مما يعزز الانسجام والألفة.
بالمقابل، يمكِن لبعض أشكال السخرية من الذات أن تؤثر سلباً في الفرد، وهو ما يُعرَف عادةً بالدعابة القائمة على تحقير الذات أو التقليل من شأنها؛ إذ يمكِن للأفراد الذين يتملَّكهم التوتر خلال تعاملاتهم الاجتماعية، أن يسخروا من أنفسهم على سبيل الدعابة، بغية إنشاء علاقات اجتماعية شخصية أو الحفاظ عليها، ولكي يحظوا بقبول الآخرين. ويرى كل من الطبيب النفسي "نيكولاس كويبر" (Nicholas A. Kuiper) والباحثة "نينا مكهيل" (Nina McHale) أنَّ سخرية المرء من نفسه من باب الدعابة هو دليل على عافيته.
ومع ذلك، يمكِن أن يكون لسلوك كهذا أثر عكسي، وعادةً يتعمد بعض الأشخاص السخرية من أنفسهم على نحوٍ مفرِط ومهين لحمل الآخرين على الضحك في محاولة منهم لإخفاء مشكلاتهم العاطفية أو تجنُّب التعامل معها، كعدم تقدير الذات والاكتئاب والقلق، كما يمكِن للفرد أن يلجأ إلى الاستهزاء بذاته والحط من شأنها ليجذب انتباه الآخرين ويحظى بقبولهم، إلا أنَّ ذلك حسب ما بيَّنَت الدراسات يؤدي إلى حدوث الأمر المعاكس تماماً، والذي يتجلى بعدم رغبة الناس في التعامل معه. بالنتيجة، يمكِن القول: إنَّ الدعابة القائمة على الاستهزاء بالذات لا تؤدي إلى تفكيك العلاقات فحسب؛ بل أيضاً إلى تهديد عافية الفرد، وما يترتب عليه من الرفض الاجتماعي وانخفاض مستويات تقدير الذات بحسب كل من "كويبر" و"ماك هيل".
كما بيَّنَت نتائج أخرى مثيرة للاهتمام بأنَّ السخرية من الذات على سبيل الفكاهة قد تكون مرتبطةً بالجنس؛ بمعنى أنَّ النساء يملن للتعبير عن هذا الشكل من الدعابة عندما يكنَّ بصحبة نساء أخريات، في حين قلَّما يلجأن إلى القيام بذلك بحضور الرجال. على عكس الرجال الذين يميلون إلى السخرية من أنفسهم بصحبة النساء، وقلما يفعلون ذلك عند وجودهم مع رجال آخرين، وذلك بحسب عالمَي النفس "مارتن لامبرت" (Martin Lampert) و"سوزان إيرفين تريب" (Susan Ervin-Tripp).
إذا كانت غاية المرء تحسين علاقاته بالآخرين، فإنَّ إطلاق الدعابات والسخرية من نقاط الضعف، من شأنه تخفيف التوتر والقلق لدى كل من المستمع والمتحدث. الأمر الذي لا يبعث الراحة في نفوس الآخرين نتيجة تقبُّل المتحدث لذاته فحسب؛ بل أيضاً لأنَّ الدعابات التي يطلقها ليست مؤذيةً أو مهينةً.
لا بُدَّ للمتحدث من الشعور بالرضا حيال ما هو عليه الآن وما يتمتع به من تقدير للذات وما يمتلكه من إمكانيات، وألا يختبر صعوبات عاطفية.
هناك قلق دائم من أنَّ كشف المرء لعيوبه قد يُظهِره بأقل مما يريد أن يراه الناس به، والخوف من فقدان احترامهم له، في حين أنَّ أولئك الذين يعمدون إلى إظهار أنفسهم بصورة مثالية، أو يفتقرون القدرة على تحديد ثغراتهم ونقاط ضعفهم، معرَّضون للفشل في بناء صورةٍ واقعية عن أنفسهم، والعجز في بناء علاقات شخصية هادفة وصادقة.
تناقش كل من الباحثتين "كيري وكيلسي ماتويك" (Keri and Kelsi Matwick)، بأنَّ السخرية من الذات كشكل من أشكال الدعابة قد تُستخدَم من قِبَل المشاهير كوسيلة لجعلهم أكثر قرباً من جمهورهم؛ ذلك لأنَّ الحديث عن النفس على سبيل الدعابة يوحي بالألفة، على سبيل المثال: كانت الكاتبة "جي كي رولينغ" (J.K. Rowling) المتحدثة الرسمية في حفل التخرج الذي أقامته "جامعة هارفارد" (Harvard University) في الخامس من حزيران عام 2008، وقد استهلَّت خطابها الافتتاحي بقولها: "أول ما أود قوله هو شكراً، ليس فقط لمنحي شرفاً استثنائياً من قِبَل "جامعة هارفارد"؛ بل أيضاً للأسابيع التي تملَّكني بها الخوف والإعياء من فكرة إلقائي لهذا الخطاب الافتتاحي مما أدى إلى انخفاض وزني، فلقد حقَّقتُ الفوز من الجهتين".
بإمكاننا جميعاً سواء كنَّا مشهورين أم بارعين أم عاديين اتِّباع أسلوب الضحك الموجَّه ذاتياً، وإذا كنَّا على درجة عالية من الغرور، فإنَّ استخلاص الدعابة مما نحن عليه أو مما نفعله لا يذكِّرنا بإنسانيتنا فحسب؛ بل يعزز أيضاً تعاملاتنا وعلاقاتنا الشخصية، كما أنَّه أمرٌ جيدٌ لعافيتنا.
أضف تعليقاً