فقد قلبَت هذه النسبة الموازين جميعهم، ونقضَت الافتراضات جميعهم التي تقول إنَّ الذكاء العقلي هو المسؤول الوحيد عن النجاح؛ حيث تشير آلاف الأبحاث التي أُجرِيَت منذ ذلك الوقت إلى أنَّ الذكاء العاطفي هو العنصر الجوهري الذي يفصل الأشخاص الذين يُقدِّمون أداءً ممتازاً عن البقية، حيث إنَّ 90% منهم يتمتعون بالذكاء العاطفي.
الذكاء العاطفي هو شيء غير ملموس في داخلنا، ويؤثر في كيفية إدارتنا لسلوكنا وتعاملنا مع التفاعلات الاجتماعية المعقدة، واتخاذنا القرارات الشخصية لتحقيق أفضل النتائج، وعلى الرغم من أهمية الذكاء العاطفي، إلا أنَّ طبيعته غير الملموسة تجعل من الصعب قياس مستواه، وما الذي تستطيع فعله لتعزيزه إن كان ينقصك؛ فيمكِنك بالطبع أن تخضع لاختبار مثبت علمياً مُخصَّص لهذا الغرض، لكن لسوء الحظ، اختبارات الذكاء العاطفي النوعية (المقاسة علمياً) ليست مجانيةً؛ لذا بعد مراجعة تحليل بيانات من حوالي مليون شخص اختبَرَتهم شركة "تالنت سمارت" (TalentSmart) كي تتعرف إلى السلوكات التي تُميِّز الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي المرتفع، ونستعرض فيما يلي 18 دليلاً مؤكداً على تمتُّعك بمعدل عالٍ من الذكاء العاطفي:
1. امتلاك مفردات واسعة للتعبير عن العواطف:
جميعنا نشعر، لكن قليلون هم من يستطيعون تعريف مشاعرهم بدقة في أثناء شعورهم بها، فقد أظهر البحث أنَّ ما لا يتعدى 36% من الناس قادرون على فعل ذلك، وهذه مشكلة لأنَّ المشاعر غير الواضحة يُساء فهمها، مما يقود إلى خيارات غير منطقية وأفعال لا تُثمر بشيء، ويسيطر الأشخاص الذين يتمتعون بنسبة ذكاء عاطفي مرتفعة على مشاعرهم لأنَّهم يفهمونها، ويستخدمون مصطلحات واسعة للتعبير عنها؛ ففي حين قد يصف العديد من الأشخاص أنفسهم على أنَّهم "غير مرتاحين"، يستطيع الأشخاص الأذكياء عاطفياً تحديد بالضبط ما إذا كانوا "غاضبين" أم "محبطين" أم "مضطهدين" أم "قلقين"؛ فكلما كان اختيارك للمفردة أكثر دقةً، كنتَ أكثر إدراكاً لمشاعرك وأسباب شعورك بها، وما الذي يجب أن تفعله حيالها.
2. الفضول حيال الناس:
لا يهم إذا كنتَ انطوائياً أم اجتماعياً، فالأشخاص الأذكياء عاطفياً فضوليون حيال جميع من حولهم؛ إذ ينبع هذا الفضول من التعاطف، وهو أحد أهم مفاتيح الذكاء العاطفي؛ فكلما اكترثتَ لأجل الناس وما يعيشونه، ستكون أكثر فضولاً تجاههم.
3. تقبُّل التغيير:
الأشخاص الأذكياء عاطفياً مرنون ويتأقلمون على الدوام؛ فهُم يعلمون أنَّ الخوف من التغيير يعرقل التقدم، كما أنَّه خطر كبير على نجاحهم وسعادتهم؛ لذا يترقبون التغيير بحماس، ويضعون الخطط استعداداً له.
4. معرفة نقاط ضعفك ونقاط قوَّتك:
يفهم الأشخاص الأذكياء عاطفياً عواطفهم، ويعرفون ما الذي يجيدونه، وما الذي لا يبرعون فيه، كما يدركون مَن هم الأشخاص الذين يزعجونهم، وما هي البيئات التي تُمكنِّهم من تحقيق النجاح؛ فامتلاك معدل ذكاء عاطفي مرتفع يعني أنَّك تعرف كيف تستخدمه وتستثمره لمصلحتك، وفي الوقت نفسه لا تسمح لنقاط ضعفك بأن تعيق تقدُّمك.
شاهد بالفيديو: 8 طرق لاستثمار الذكاء العاطفي في كسب محبة الناس
5. البراعة في الحكم على الشخصيات:
يعود قسم كبير من الذكاء العاطفي إلى "الإدراك الاجتماعي" (social awareness)، وهو القدرة على فهم الآخرين ومَن هم وما يواجهونه، وتجعلك مع الوقت هذه المهارة حكماً ممتازاً على الشخصيات؛ إذ لا يعود الناس لغزاً بالنسبة إليك، فأنت تعرف ماهيَّتهم وتفهم دوافعهم، حتى تلك الخفية منها.
6. تقبُّل المزاح:
حين تعرف مَن أنت، فمن الصعب أن يقول أو يفعل شخص ما شيئاً يزعجك؛ فالأشخاص الأذكياء عاطفياً واثقون بأنفسهم ومتفهمون، مما يُمكِّنهم من تلقِّي المزاح برحابة صدر، حتى أنَّهم قد يطلقون دعابات على حساب أنفسهم أو يسمحون للآخرين بذلك لأنَّهم يعرفون الفرق بين الفكاهة والإهانة.
7. القدرة على رفض رغباتهم وطلبات الآخرين:
يعني الذكاء العاطفي أنَّك خبير في ضبط النفس وتستطيع تجنُّب السلوك المندفع؛ حيث أظهرَ بحث أُجرِي في "جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو" (University of California, San Francisco) أنَّ احتمال المعاناة من القلق والإجهاد وحتى الاكتئاب يرتفع بسبب عدم قدرتك على الرفض، فممارسة حق الرفض هو تحدٍ كبير بالنسبة إلى العديد من الناس؛ إذ تحمل كلمة "لا" قوةً كبيرة لا يخشى الأشخاص الأذكياء عاطفياً استخدامها بحزم، وحين يتطلب الأمر ذلك، لا يلجؤون إلى تعابير ضعيفة مثل: "لا أظنُّ أنَّني أستطيع" أو "لستُ واثقاً من ذلك"؛ فحين ترفض التزامات جديدة، فأنت تحترم التزاماتك الحالية، وتمنح نفسك الفرصة كي تؤديها بنجاح.
8. تخطِّي الزلات:
يضع الأشخاص الأذكياء عاطفياً مسافةً بين أنفسهم وأخطائهم، ولكن دون أن ينسوها؛ فحين تترك مسافة أمان بينك وبين أخطائك، ولكن تُبقيها على مقربة في الوقت نفسه بحيث تستطيع أن تعود إليها وقت الحاجة، فأنت تستطيع أن تتأقلم وتتكيف لتُحقِّق النجاح مستقبلاً؛ ويتطلب ذلك تحقيق توازن بين التذكر والندم، فالندم مُطوَّلاً على أخطائك يُسبِّب لك القلق ويجعلك حذراً زيادة عن اللزوم، بينما نسيانها تماماً يعني أنَّك ستُكرِّرها، ويكمن سر هذا التوازن في قدرتك على تحويل الفشل إلى فرص تَحُسُّن، وهكذا تعتاد على النهوض فوراً حين تتعثر.
9. العطاء دون انتظار مقابل:
حين يُقدِّم لك أحدهم شيئاً ما بعفوية دون توقُّع أي شيء في المقابل فذلك يُخلِّف انطباعاً قوياً، على سبيل المثال: قد تخوض محادثة مثيرة للاهتمام عن كتاب مع شخص ما، وحين تقابله مجدداً بعد شهر تجلب له ذلك الكتاب معك؛ وهكذا يُكوِّن الأشخاص الأذكياء عاطفياً علاقات قوية، لأنَّهم يفكرون بالآخرين دوماً.
10. عدم إضمار الضغينة:
المشاعر السلبية التي يُسببها إضمار الضغائن هي في الحقيقة استجابة لتوتر، فمجرد التفكير في الأحداث المرتبطة بها يؤدي إلى إثارة "استجابة الكر أو الفر" (fight-or-flight)، وهي آلية بقاء يلجأ إليها الجسم حين يواجه خطراً، حيث تجبرك إما على مواجهته أو الهروب منه؛ فردُّ الفعل هذا ضروري للبقاء على قيد الحياة حين يكون الخطر محدقاً، لكنَّ الأخطار التي تتطلب استجابة الكر أو الفر لم تَعُد موجودةً اليوم؛ لذا عوضاً عن حمايتنا، تعيث الآن خراباً في أجسادنا، كما أنَّ لها آثاراً صحية جسيمة على المدى البعيد؛ ففي الحقيقة، وجد الباحثون في "جامعة إيموري" (Emory University) أنَّ التوتر يُسبب ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، والتمسك بالضغائن يعني أن تتمسك بالتوتر، ولكن يعرف الأشخاص الأذكياء عاطفياً كيفية تجنُّب ذلك مهما كلَّف الثمن؛ حيث ستشعر بالتحسن حين تتخلى عن الضغائن، وستتحسن صحتك أيضاً.
11. تجاهُل الأشخاص السامين:
التعامل مع الأشخاص شديدي المراس أمر محبط ومرهق بالنسبة إلى العديد من الناس، لكنَّ الأشخاص الذين يتمتعون بذكاء عاطفي مرتفع يتحكمون بتفاعلاتهم مع الأشخاص السامين عبر ضبط مشاعرهم؛ فهم يتَّبعون أسلوباً عقلانياً حين يضطرون إلى مواجهة شخص سام. أولاً، يُحدِّدون مشاعرهم، ولا يسمحون للغضب أو الإحباط بأن يزيد الوضع سوءاً، ثمَّ ينظرون إلى الأمر من وجهة نظر الشخص شديد المراس، وبهذا يتمكنون من العثور على حل والتوصل إلى اتفاق، حتى حين تأخذ الأمور منحىً عكس ما يرغبون، فهم قادرون على تجاهُل الشخص السام فلا يسمحون له بالتأثير فيهم سلباً.
12. عدم السعي نحو الكمال:
لا يسعى الأشخاص الأذكياء عاطفياً نحو الكمال كهدف، لأنَّهم يعلمون أنَّ لا وجود لأمر مشابه، فنحن بشر ولا أحد منا مثالي، وحين يكون هدفك بلوغ الكمال، ستشعر دوماً بأنَّك فشلتَ في تحقيقه، مما سيدفعك إلى الاستسلام أو عدم بذل كامل جهدك، وينتهي بك المطاف تندب حظك لأنَّك فشلتَ في إنجاز أمر كان يجب أن تعمل عليه بطريقة مختلفة، عوضاً عن متابعة تقدُّمك متحمساً بشأن ما حقَّقتَه وما ستُحقِّقه في المستقبل.
13. الامتنان على ما تملك:
تخصيص الوقت للتفكير في ما أنت ممتن له ليس أمر ينبغي أن تفعله لمجرد أنَّه السلوك الصحيح، فهو يُحسِّن مزاجك أيضاً لأنَّه يُخفِّف هرمون التوتر "الكورتيزول" (cortisol) بنسبة 23%؛ حيث وجدَت الأبحاث التي أُجرِيَت في "جامعة كاليفورنيا، ديفيس" (University of California, Davis) أنَّ الأشخاص الذين عملوا يومياً على تعزيز سلوك الامتنان تمتعوا بمزاج أفضل وطاقة أعلى، وظهر تحسُّن في صحتهم الجسدية؛ إذ أدَّت نسبة الكورتيزول المنخفضة في الغالب دوراً هاماً في هذا التغيير الإيجابي.
14. قطع الاتصال بالإنترنت:
يُعَدُّ تخصيص الوقت لقضائه بعيداً عن العالم الافتراضي باستمرار علامةً تدل على ارتفاع معدل الذكاء العاطفي؛ لأنَّه يساعدك على التحكم في مستويات توترك، وعلى العيش في الحاضر، فأنت تُعرِّض نفسك لكمية هائلة من الضغوطات حين تكون متاحاً على مدار الساعة وطوال الأسبوع، وبينما يمنح قطع الاتصال بالإنترنت وحتى إطفاء هاتفك المحمول استراحةً لذهنك، أظهرَت الدراسات أنَّ أمراً بسيطاً كالتوقف عن استخدام البريد الإلكتروني لبعض الوقت يمكِنه أن يخفض من مستويات التوتر، كما تُقدِّم لنا التكنولوجيا اليوم ميزة التواصل المستمر، مما يؤدي إلى توقُّع الناس بأنَّك ستكون متاحاً طوال الوقت، ولكن من الصعب أن تستمتع بوقتك بعيداً عن التوتر حين يمكِن أن يصلك بريداً إلكترونياً يحوِّل أفكارك نحو العمل والقلق بشأن العمل في أي لحظة.
15. الحد من استهلاك الكافيين:
يؤدي شرب كميات كبيرة من الكافيين إلى إفراز هرمون "الأدرينالين" (adrenaline)، وهو الهرمون المسؤول عن تحفيز "استجابة الكر أو الفر" (fight-or-flight)، فتحت تأثيرها يستعيض الجسد عن التفكير العقلاني بردِّ الفعل السريع الذي كان له الفضل في إنقاذ حياة أسلافنا، فهو فعَّال جداً حين يلاحقنا حيوان مفترس، لكنَّه غير مفيد حين يصلك بريداً إلكترونياً؛ لذا حين يتسبب الكافيين لعقلك وجسمك بحالة من التوتر المفرط، تطغى عواطفك على سلوكك، علاوة على ذلك، تتطلب عملية استقلاب الكافيين وقتاً طويلاً، مما يعني أنَّ جسدك لن يطرحه إلَّا بعد مرور ساعات؛ حيث يدرك الأفراد الأذكياء عاطفياً المشكلة التي يُسببها الكافيين، فلا يسمحون له بالتحكم بهم.
16. الحصول على نوم كافٍ:
للنوم دور بالغ الأهمية في زيادة ذكائك العاطفي وإدارة مستويات قلقك؛ إذ يعيد دماغك شحن نفسه حرفياً في أثناء النوم، ويراجع ذكريات اليوم فإما أن يخزنها أو أن يتخلص منها (مما يسبب الأحلام) حتى تستيقظ متيقظاً وصافي الذهن؛ فيدرك الأشخاص الذين يتمتعون بنسبة ذكاء عاطفي مرتفعة أثر النوم في قدرتهم على ضبط النفس والانتباه والذاكرة؛ إذ تتضرر جميعها حين لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم العميق؛ لذا فإنَّ النوم أولوية قصوى بالنسبة إليهم.
17. وضعُ حدٍّ للحديث السلبي مع الذات:
حين تجتر الأفكار السلبية فأنت تمنحها سلطةً عليك؛ فمعظم أفكارنا السلبية هي مجرد أفكار لا أكثر، وليست حقائق، وحين تشعر بأنَّ شيئاً ما يَحدث طوال الوقت أو لا يَحدث أبداً، فالسبب هو طريقة إدراك دماغنا للتهديدات؛ حيث تزيد وتيرة حصول الحدث أو شدته، ويستطيع الأشخاص الأذكياء عاطفياً الفصل بين أفكارهم وبين الحقائق كي يتخطوا أفكارهم السلبية، ويُكوِّنوا نظرةً إيجابية جديدة.
18. عدم السماح لأيِّ أحد بالتأثير في سعادتك:
سعادتك ليست ملكك إذا كنتَ تستمد المتعة والرضا من آراء الآخرين؛ لذا لا يسمح الأشخاص الأذكياء عاطفياً لآراء أي شخص أو ملاحظاته الساخرة أن تسلبهم الرضا عن شيء أنجزوه، وفي حين أنَّه من المستحيل ألَّا تشعر بشيء حيال آراء الأخرين، لكنَّك لستَ مضطراً إلى مقارنة نفسك بهم، ويمكِنك دائماً ألَّا تأخذ آراءهم في الحسبان؛ فبهذه الطريقة، ينبع إحساسك بقيمتك منك أنت، بغضِّ النظر عما يفكر فيه الآخرون أو يفعلونه.
أضف تعليقاً