إنَّ تعليمَ المراهقين كيفيَّة التَّعاملِ مع ضغوطات الحياة يُعَدُّ أمراً هامَّاً، فهو يساعدُهم على بناءِ قدراتهم العاطفيَّة والاجتماعيَّة، وتعزيزِ قدرتهم على التكيفِ مع التحدِّيات والتغيرات التي يواجهونها، ويساهمُ تعليمُ ابنكَ المُراهِق التَّعاملَ مع ضغوطات الحياة في تمكينه من اتِّخاذ قراراتٍ صحيحة، وتطوير استراتيجيات فعَّالة لديه للتَّعامل مع الضغوطات اليوميَّة.
سيتناولُ هذا المقال بعض النَّصائح لك، وسيذكرُ النشاطات التي يمكنُ لابنك المراهق ممارستها والتي تساعدُه حتماً على التَّعامل مع ضغوطات الحياة، كما سنلقي نظرةً على كيفيَّة تعزيز التَّواصل العاطفي، وتطوير مهارات إدارة الوقت، وتعزيز الثِّقة بالنَّفس، وتعليم استراتيجيِّات التَّفكير الإيجابي، وتشجيع ممارسة الرياضة والنشاط البدني، وبناء علاقات داعمة.
يمكنُ للمراهقين أنْ يواجهوا ضغوطات الحياة بثقةٍ وتفاؤلٍ، وأن يتحوَّلوا إلى شُبَّان ناضجين، وقادرين على التَّعامل مع التحدِّيات، وتحقيق نجاحاتهم الشخصية والمهنية؛ من خلال فهمِ وتعلُّم هذه الاستراتيجيَّات والمهارات وممارسة النشاطات.
ما هي ضغوطات الحياة التي يواجهها المراهقون؟
المراهقون هم فئةٌ عمريَّة تتراوح بين سن 13 إلى 19 عاماً، وتُعرَفُ هذه المرحلة العمريَّة بالتحوُّلات البدنيَّة والعقليَّة والاجتماعيَّة التي يمرُّون بها، ويتطوَّر المراهقون خلال هذه الفترة من الطفولة إلى البلوغ، ويستعِدُّون لمسؤوليَّات الحياة الكبيرة، ويواجهون العديد من الضغوطات التي يمكن أن تؤثِّر في صحتهم العقلية والجسدية.
من بين الضغوطات الشَّائعة التي قد يواجهونها:
1. الضغط الأكاديمي:
يتعرَّضُ المراهقون لضغوطات كبيرة في الأداء الأكاديميِّ، مثل: التَّحصيل الدِّراسي، والامتحانات، واختيار التخصُّصات المستقبلية، وقد يعانون من التوتُّر والقلق بسبب موضوعات النَّجاح والتفوُّق الأكاديمي.
2. الضغط الاجتماعي:
يشعرُ المراهقون بالضغط عند تكوين الصداقات والاندماج في المجموعات الاجتماعيَّة، ويمكن أن يواجهوا صعوباتٍ في بناء علاقاتٍ صحيَّةٍ، والتَّعاملِ مع التنمُّر، والضغوطات الاجتماعيَّة للمجتمع المحيط بهم.
3. الضغط العائلي:
يمكن أنْ يكونَ للعلاقة مع الأسرة تأثيرٌ كبيرٌ في المراهقين، فقد تُسَبِّبُ ضغوطات الوالدين، وتوقُّعاتهم، وصراعات العائلة توتُّراً عاطفيَّاً ونفسيَّاً.
4. الضغط الجسدي والجمالي:
يمكن أنْ يواجهَ المراهقون ضغوطات بشأن مظهرهم الجَّسدي والمعايير الجماليَّة، وقد يشعرون بعدم الارتياح تجاه تغيرات جسدهم، ويحاولون التكيف معها.
5. الضغط المستقبلي:
يمكن أنْ يشعرَ المراهقون بالقلق والضغط بشأن مستقبلهم، مثل: اختيار الوظيفة، والتعليم العالي، والتحاقهم بالجَّامعة أو الكُليَّة.
وسائل التواصل الاجتماعي تزيد ضغوطات الحياة على المراهقين:
تُشكِّلُ وسائلُ التَّواصل الاجتماعي جانباً هامَّاً في حياة المراهقين اليوم، وهي بذلك يمكن أنْ تُسبِّبَ كثيرَاً من الضغوطات الإضافيَّة عليهم، وخاصَّة عندما يُترَك المراهق وحده أمام هذا السَّيل الجارف من الصُّور والفيديوهات والمظاهر الخادعة.
سنعرضُ فيما يأتي بعضَ الضغوطات الشائعة التي يمكن أنْ تنشأَ من وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف يمكنك مساعدة ابنك المراهق على التَّعاملِ معها:
1. الضغط الاجتماعي والمُقارَنة:
يمكنُ أنْ تثير وسائلُ التواصل الاجتماعيِّ شعوراً بالضغط الاجتماعي، فيقارنُ المراهقون أنفُسَهم بالآخرين، ويقارنون حياتهم بحياة الآخرين، وقد يشعرون بعدم الكفاءةِ والرَّغبة في المُطابقة للمعايير المُثلى.
- حاوِلْ تعزيزَ ثقة ابنك في نفسه، وذَكِّرهُ بأنَّ وسائل التواصل الاجتماعي لا تعكسُ بالضرورة الواقعَ بشكلٍ كاملٍ، وأنَّ النجاحَ أو السَّعادة ليسا فقط في عدد المتابعين أو الإعجابات.
2. التنمُّر عبر الإنترنت:
قد يتعرَّضُ المراهقون للتنمُّرِ وخاصَّةً عبر الإنترنت، وهو أمرٌ يمكن أن يؤثِّرَ بشكلٍ كبيرٍ في صحَّتهم العقليَّة والنفسيَّة.
- كُنْ الحضنَ الدافئَ لابنك المراهق دائماً، وجرِّبْ تقبُّلَ أخطائهِ، وساعِدْهُ على تجاوز مشكلاته، وشجِّعهُ على مشاركة أيَّة مشكلات قد يواجهها معك أو مع المسؤولين في المدرسة، وطوِّر مهاراته في التَّعامل مع التنمُّر وكيفيَّة الإبالمتلعقة لاغ عنه.
3. إدمان وسائل التَّواصل الاجتماعي:
يمكنُ لوسائل التَّواصل الاجتماعي أنْ تسبِّبَ الإدمانَ، وتؤثِّرَ في وقت الدِّراسة والنوم والتفاعلات الاجتماعيَّة في الحياة الحقيقية، وهذا ما نراه قد انتشرَ بكثرةٍ بين المراهقين اليوم، فكأنَّ المراهقَ يعيشُ داخل هاتفه حرفيَّاً.
- عزِّزْ توازناً صحيَّاً بين الاستخدام الإلكتروني والنشاطات الأخرى، وحدِّدْ قواعدَ واضحة بشأن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والشَّاشات.
4. الخصوصيَّة والضغط النفسي:
قد يشعر المراهقون بالضغط النفسيِّ بسبب فقدان الخصوصيَّة، والتعرُّضُ للمراقبة، والحكمُ من قِبلِ الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
- ناقِشْ مع ابنك أهميَّةَ حماية خصوصيَّته، والتَّفكير المُناسِب قبل نشرِ أو مشاركةِ محتوىً حسَّاس، وعَلِّمهُ بأنَّه يُمكنه ضبطُ إعدادات الخصوصيَّة، وفلترة المحتوى لضمان تجربةٍ أكثر أماناً.
5. الشُّعور بالسلبيَّة والقلق:
يمكن أنْ يتعرَّضَ المراهقون للمحتوى السَّلبي، والضغط النفسي على وسائل التواصل الاجتماعي.
- شَجِّعْ ابنك على متابعة حساباتٍ إيجابيَّة ومُلهِمة، وعزِّزْ وعيَه بأهميَّة الصِّحة العقليَّة، وعالِجْ المحتوى السَّلبي الذي قد يتعرَّض له بشكلٍ صحيحٍ.
6. الحقوق والتَّواصل الآمن:
قد يواجه المراهقون التحرُّشَ والاستغلالَ عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
- تعرَّفْ إلى الخُطوات الأمنيَّة المتَّبعة في هكذا حالات، وشَجِعْ ابنك على الإبلاغ عن أيَّة تجربةٍ سلبيَّة أو مشكوكٍ فيها، وحُثَّهُ على عدم مشاركة معلوماته الشخصيَّة - مثل العنوان أو رقم الهاتف - مع الغرباء.
- إضافةً إلى ذلك، حافِظْ على خطوط الاتِّصال المفتوحة مع ابنك، وكُنْ مُستعِدَّاً للاستماع إلى مخاوفه، وتقديم الدَّعم العاطفيِّ له، وقدِّمْ له الإرشاد والتَّوجيه في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ صحيٍّ ومسؤولٍ.
نصائح تساعد ابنك المراهق على مواجهة ضغوطات الحياة:
سنعرضُ فيما يأتي بعض النصائح التي يمكن أن تُعينكَ على مساعدة ابنك المراهق في مواجهة الضغوطات:
1. حافظ على التواصل الفعَّال مع ابنك:
حاوِلْ أنْ تكونَ مُتفهِّماً ومتعاطِفاً، ولا تحاولْ حلَّ المشكلات بالنيابة عنه، بل قَدِّم الدَّعم والاستشارة له، وكوِّنْ قناةَ اتصالٍ مفتوحة ومستعدَّة للاستماع إلى مشكلاته ومخاوفه.
2. عزِّز ثقته بنفسه:
ساعِدْ ابنك على تطويرِ ثقته بنفسه من خلال تشجيعه وتعزيز نجاحاته، وساعِدْه على تحديد أهدافٍ واقعيَّة، وقَدِّمْ له الدَّعم لتحقيقها.
شاهد بالفديو: 10 طرق لتعزيز ثقة الطفل بنفسه
3. علِّمه استراتيجيات التحكُّم في الضغط:
قدِّمْ له أدواتٍ ومهاراتٍ لإدارة الضغوطات مثل تنظيم الوقت، وتحديد أولوياته، وتنمية مهارات التخطيط، وعلِّمْه أيضاً كيفيَّة الاسترخاء والتنفُّس العميق للتخفيف من التوتُّر.
4. شجِّعه على ممارسة النشاطات البدنيَّة، والاهتمام بصحَّته العقليَّة:
شجِّع ابنك على ممارسة الرياضة والنشاطات البدنيَّة المفضَّلة لديه، فهي تساعده على تحسين المزاج وتخفيف التوتر، وقدِّمْ له أيضاً دعماً للعناية بصحَّته العقلية من خلال تشجيعه على ممارسة الهوايات المفضَّلة لديه مثل الموسيقى أو الرَّسم.
5. عزِّز العلاقات الاجتماعيَّة الدَّاعمة:
ساعِدْه على بناءِ وصقل مهارات التواصل والتَّعامل مع الآخرين، وشجِّعْهُ على اكتشاف نشاطاتٍ اجتماعيَّة تهمُّه مثل الانضمام إلى نوادٍ أو مجموعات هواية، أو على التطوُّع في الأعمال الخيريَّة، أو المُشارَكة في المجتمع.
6. عَلِّمه أنماط الحياة الصحيَّة:
شجِّعْه على الاهتمام بنمط حياةٍ صحيٍّ، ومن ذلك تناول طعامٍ متوازنٍ، والحصول على قسط كافٍ من النوم، وقدِّمْ له المعرفة المتعلقة بالسلوكات الصحيَّة وأثرها الإيجابي في العافية العامَّة.
7. شجِّعه على البحث عن دعم خارجي:
إذا لاحظْتَ أنَّ ابنك يعاني من ضغوطات شديدةٍ أو يُظهِرُ علاماتٍ تدلُّ على تدهور صحَّته العقليَّة، فقد يكون من الضروري طلبُ المساعدة من محترفين مثل المستشارين المدرسيين أو المختصِّين النفسيين.
نشاطات تساعد المراهقين على مواجهة ضغوطات الحياة:
قد تساعد بعض النشاطات المراهقين على تخفيف ضغوطات الحياة، وتُعزِّزَ صحَّتهم العقليَّة والنفسيَّة، ومن أفضل هذه النشاطات:
1. النشاط البدني:
يمكن أنْ تساعدَ ممارسة التمرينات الرياضيَّة والنشاطات البدنيَّة على تحسين المزاج، وتقليلِ التوتُّر والقلق، ويمكنُ للمراهقين ممارسة الرياضة التي يفضِّلونها مثل ركوب الدرَّاجات، وألعاب الكرة، والرَّقص، واليوجا، أو أي نشاط آخر يلبِّي اهتماماتهم.
2. الفنون والإبداع:
قد يكونُ التَّعبير عن النَّفس من خلال الفنون، مثل: الرَّسم، والكتابة، والعزف على آلة موسيقية، والرَّقص، والتَّمثيل مُساعِداً على تحقيق الهدوء والرَّاحة؛ لذا يُنصحُ بتشجيع المراهقين على استكشاف مواهبهم الفنية والإبداعية؛ لمساعدتهم على التَّركيز وتحقيق التوازن العاطفي.
3. الاسترخاء وتقنيات التنفس:
قد يساعدُ تعليم المراهقين تقنيات التنفُّس العميق والاسترخاء - مثل اليوغا - على تهدئة العقل وتقليل التوتر والضغط، ويمكن العثور على تطبيقات الهواتف المحمولة ومقاطع الفيديو على الإنترنت، والتي ستعلِّمهم خطوة بخطوة كيفيَّة عمل هذه التقنيات.
شاهد بالفديو: ماذا تفعل عندما يعاني ابنك المراهق من الاكتئاب؟
4. الاهتمام بالصحَّة العقليَّة:
تشجيع المراهقين على الاهتمام بصحَّتهم العقلية هو أمر هامٌّ، فيمكنهم قراءة الكتب التي تتناول الصحَّة العقليَّة، والاستماع إلى البودكاست المُلهِمة، ومشاركة أفكارهم ومشاعرهم مع أصدقائهم المقرَّبين أو أفراد العائلة.
5. قضاء الوقت في الطبيعة:
يمكن أنْ يكونَ قضاء بعض الوقت في الهواء الطلق والتواصل مع الطبيعة مريحاً للمراهقين، ومؤثِّراً في تخفيف ضغوطات الحياة عنهم، فيمكنهم الذهاب للتنزُّه، أو ركوب الدرَّاجات في الطبيعة، أو حتى الجُّلوس في حديقة هادئة والاستمتاع بالهدوء والجمال الطبيعي.
6. الاستراحة والنوم الجيد:
تُساعدُ الاستراحة والنوم الجيِّد المراهقين على التعامل مع ضغوطات الحياة بشكل أفضل؛ لذا يجب تشجيعهم على تطوير عادات نومٍ صحيَّة، وتجنُّب السَّهر المُفرِط والاهتمام بوقت الرَّاحة الذاتيَّة.
7. الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية:
يمكن أنْ يكونَ التواصل مع الأصدقاء والعائلة، والمشاركة في النشاطات الاجتماعية مفيداً للمراهقين؛ فهو يخفِّفُ الضغوطات عنهم، ويمكنهم القيام بنشاطات مشتركة مع الأصدقاء، مثل: اللَّعب، ومشاركة الهوايات المشتركة، والمشاركة في الأندية أو الفرق الرياضية.
8. تعلُّم إدارة الوقت:
يمكن أنْ يساعدَ تعليم المراهقين مهارات إدارة الوقت على تخفيف الضغوطات النَّاجمة عن الازدحام الجدولي والمهام المتعدِّدة، ويمكنهم إنشاء جدول زمني يُحدِّدُ أولويَّاتهم ويُنظِّمُ وقتهم بشكل فعَّال.
إنَّ تشجيع المراهقين على اكتشاف النشاطات التي يستمتعون بها، وتلبي اهتماماتهم الشخصية، من أهمِّ الأمور التي ستساعدهم على مواجهة ضغوطات الحياة، وستختلف هذه النشاطات من مراهق لآخرٍ، ويجبُ أن يحظى المراهقون بالدَّعم والتَّشجيع من الأشخاص المُقرَّبين منهم لممارسة هذه النشاطات بانتظام والاستمتاع بها.
في الختام:
يمكن أن تكونَ فترة المراهقة تحديَّاً هامَّاً في حياة أبنائنا؛ ففيها يتعرَّضون لضغوطات الحياة المختلفة، وهنا يأتي دورنا بتقديم الدَّعم والتَّوجيه لهم، والذي يؤدي دوراً حاسماً في مساعدتهم على تجاوز هذه الضغوطات بنجاح.
لقد قدَّمنا بعض النصائح لمساعدة ابنك المراهق على تخفيف ضغوطات الحياة، وكان أهمَّها ممارسة النشاط البدني، والاهتمام بالفنون والإبداع، وتعلُّم تقنيات الاسترخاء والتنفس، والاستمتاع بالطبيعة، وتطوير علاقات اجتماعية صحية، وتعلُّم إدارة الوقت.
تجدرُ الإشارة إلى أنَّ كلَّ مراهقٍ يمكن أن يكونَ مُختلِفاً عن الآخر؛ لذا قد نحتاج إلى تجربة نشاطاتٍ مختلفة، واستكشاف ما يناسبه ويجلب له الرَّاحة والتَّوازن النفسي، ويجب علينا بصفتنا والدَين أن نكون متاحَين ومستعدَّين للاستماع إلى ابننا ودعمه عاطفيَّاً، ويجب أنْ نُشجِّعه على مشاركة مشاعره وأفكاره والبحث عن الدَّعم اللازم له منا ومن المحيطين به.
يمكننا أن نساعدَ أبناءنا المراهقين على تجاوز ضغوطات الحياة، والمضي قدماً في رحلتهم نحو النمو والتطوُّر الشخصي بالاهتمام الواعي والدَّعم الصَّحيح.
أضف تعليقاً