ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب والمدوّن "جيمس كلير" (JAMES CLEAR)، والذي يحدِّثنا فيه عن بعض الطرائق البسيطة لتحسين قراراتنا اليومية.
يشرح كلٌّ من المؤلفَين ريتشارد ثالر (Richard Thaler) وكاس سانستين (Cass Sunstein) في كتابهما الذي لاقى نجاحاً واسعاً "الوكزة" (Nudge)، مجموعة متنوعة من الطرائق التي تتشكَّل بها قراراتنا اليومية، ومدى تأثرها بالظروف المحيطة والعالم الخارجي؛ وقد تبيَّن أنَّ تأثير الرفوف الواقعة في مستوى النظر على عاداتنا في الشراء ما هو إلَّا مثال واحد.
وإليك مثالاً آخر: تُعدُّ الرفوف الواقعة في نهايات الممرات التي يقف الزبائن فيها بانتظار تسديد ثمن مشترياتهم بمثابة آلات لكسب المال بالنسبة إلى تجَّار التجزئة؛ فوفقاً للبيانات التي استشهدت بها صحيفة نيويورك تايمز (New York Times)، تأتي 45% من مبيعات شركة كوكا كولا من الرفوف الواقعة في تلك الممرات تحديداً؛ وإليك سبب أهمية ذلك:
يعود هذا إلى أهمية توافر الخيارات من حولك بصورة ممنهجة ومدروسة؛ إذ يجب أن يوجد شيء ما على الرف في مستوى النظر، ويجب وضع شيء ما على الرف في نهاية الممر، ويجب أن يكون شيء ما هو الخيار الافتراضي، ويجب أن يكون شيء آخر هو الخيار الأكثر وضوحاً وبروزاً؛ ولا ينطبق ذلك على المتاجر فحسب، بل على كل مجال من مجالات حياتنا تقريباً؛ إذ توجد خيارات افتراضية في مكتبك وسيارتك ومطبخك، وحتى في غرفة معيشتك؛ ولكن إذا صممت حياتك بنفسك بدلاً من قبول كل ما يُصمَّم لك، فستعيش حياة أفضل بالتأكيد.
دعنا نتحدث عن كيفية القيام بذلك الآن:
تصميم افتراضي (تلقائي):
رغم امتلاك معظمنا للحرية الكاملة في اتخاذ مجموعة واسعة من الخيارات في أي لحظة معينة، إلَّا أنَّنا نتخذ غالباً القرارات بناء على البيئة التي نجد أنفسنا فيها؛ فعلى سبيل المثال: أنا أريد احتساء القهوة في أثناء كتابة هذا المقال؛ ومع ذلك، أجلس حالياً على مكتبي، وأمامي كوب من الماء، ولا أحتسي القهوة؛ ورغم أنَّني أمتلك القدرة على النهوض والذهاب إلى المطبخ لصنع القهوة، لكنَّني ربَّما لن أفعل ذلك؛ ذلك لأنَّني محاط ببدائل أسهل، ألا وهي مياه الشرب؛ وفي هذه الحالة، يصبح أخذ رشفة من الماء هو القرار الافتراضي أو القرار السهل.
الآن، فكِّر في كيفية تصميم قراراتك الافتراضية على مدار حياتك الشخصية والمهنية؛ فمثلاً:
- إذا كنت تنام وهاتفك بالقرب منك، فمن المرجح أن يكون التحقق من وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني بمجرد أن تستيقظ هو القرار الافتراضي.
- إذا دخلت غرفة معيشتك وكانت جميع الأرائك والكراسي موجَّهة تجاه التلفاز، فمن المرجح أن تكون مشاهدة التلفاز هي القرار الافتراضي.
- إذا احتوى مطبخك على أنواع عديدة من المياه الغازية، فمن المرجح أن يكون تناول الصودا باستمرار هو القرار الافتراضي.
وقد تكون الخيارات الافتراضية إيجابية أيضاً، فمثلاً:
- إذا احتفظت ببعض الأثقال المستخدَمة في ممارسة التمرينات الرياضية بجوار مكتبك في العمل، فمن المرجح أن يكون القرار الافتراضي هو ممارسة تمرين أو اثنين من حين إلى آخر.
- إذا أبقيت قارورة مياه معك طوال اليوم، فمن المرجح أن يكون شرب الماء بدلاً من الصودا هو القرار الافتراضي.
- إذا وضعت خيط الأسنان في مكان مرئي (بجوار فرشاة أسنانك مثلاً)، فمن المرجح أن يكون تنظيف أسنانك هو القرار الافتراضي.
لقد أشار الباحثون إلى التأثير الذي قد تخلفه الافتراضات على اتخاذ قراراتنا باعتبارها أساس الاختيار؛ لذا فمن الهام أن تدرك أنَّ بإمكانك تصميم اختياراتك عن طريق التصميم الافتراضي.
كيف تُحسِّن قراراتك الافتراضية؟
فيما يأتي بعض الاستراتيجيات التي وجدتها مفيدة عند محاولة تصميم استراتيجيات افتراضية في حياتي:
- البساطة: يصعب عليك التركيز عندما تكون محاطاً بالضوضاء باستمرار، كما يصعب تناول الطعام الصحي عندما يكون مطبخك مليئاً بالوجبات السريعة، ولن تتمكَّن من التركيز على قراءة منشور عندما يكون لديك 10 علامات تبويب مفتوحة في متصفحك، ويصبح إنجاز أهم مهماتك أكثر صعوبة عندما تؤدي عدة مهمات في الوقت نفسه؛ لذا فعندما يراودك الشك، ألغِ الخيارات.
- الإشارات المُلفتة للانتباه: يجعل وضع المنتجات على الرفوف في مستوى النظر في المتاجر المنتجات أكثر وضوحاً، ويعزز احتمال شراء الزبائن لها؛ لذا، أنشئ قائمة بما تحتاج إلى شرائه تحديداً، حتى لا تخدعك الإشارات الملفتة للانتباه.
- الاهتمام بطريقة مخاطبة الذات: حينما تحاول اتباع استراتيجية ما، خاطب نفسك بأسلوب يشجعك على اتباعها، وابتعد عن استخدام لغة مُنفِّرة لا تثير في نفسك الرغبة في اتباع تلك الاستراتيجية.
ينبع التصميم الافتراضي من منطلَق بسيطة للغاية، وهو: غيِّر بيئتك بحيث تصبح السلوكات الجيدة أسهل، والسلوكات السيئة أصعب.
خيارات مصممة لك، وخيارات مصممة بواسطتك:
إنَّ الخيارات الافتراضية ليست سيئة بطبيعتها، لكن ليست أهدافك وحدها التي كانت في الحسبان حينما خُلِق العالم كلُّه، بل تمتلك العديد من الشركات أهدافاً تتنافس مع أهدافك بصورة مباشرة؛ ولهذا السبب، يتعين عليك أن تتوخى الحذر من قبول كل خيار افتراضي وكأنَّه الخيار الأمثل.
لقد حققت مزيداً من النجاح من خلال عيش الحياة التي صممتها لنفسي بدلاً من قبول الحياة النمطية التي تُصمَّم لي؛ لذا اسأل عن كل شيء، وحاول تغيير بيئتك وتعديلها وتحويلها حتى تتوافق مع ما تريده من هذه الحياة.
صحيح أنَّ العالم من حولك يشكِّل عاداتك واختياراتك، ولكن يوجد شيء هام ينبغي عليك إدراكه، وهو أنَّه كان على شخص ما تشكيل هذا العالم من الأساس؛ والآن، يمكن لهذا الشخص أن يكون أنت.
أضف تعليقاً