في ظلِّ تزايد التضخُّم العالمي، يُعدُّ الحفاظ على قيمة الأموال تحدياً مستمراً يواجهه الأفراد والمستثمرون على حدٍّ سواء، فالتضخُّم الذي يتمثَّل في زيادة أسعار السلع والخدمات مع مرور الوقت، يؤثِّر سلباً في قوَّة الشراء للأفراد والشركات، وهذا يجعل من الضروري اتِّخاذ إجراءات لحماية الأموال والثروات من تأثيراته الضارة والحفاظ على قيمة المال لضمان استقرارنا المالي ورفاهيَّتنا المستقبلية، نقدِّم لكم في هذا المقال أفضل الطرائق والاستراتيجيات التي تساعدك على الحفاظ على قيمة أموالك في ظلِّ التضخُّم العالمي.
ما هو التضخُّم؟
التضخُّم هو زيادةٌ في مستوى الأسعار العامَّة للسلع والخدمات خلال فترةٍ زمنيةٍ معيَّنة، ومن ثم يؤدِّي إلى تقليل قوَّة الشراء للعملة، ويكون التضخُّم نتيجة لعدة عوامل، ومن ذلك زيادة الطلب على السلع والخدمات مقابل العرض المُتاح، أو زيادة تكلفة الموادِّ الخام والعمالة، أو التغيُّرات في السياسات الاقتصادية مثل زيادة في النقود المُتداولة.
يُقاس التضخُّم عادة باستخدام مؤشِّرات اقتصادية تسمَّى مؤشِّرات أسعار المُستهلكين، وأحدُ أشهرِ هذه المؤشِّرات هو مؤشِّرُ أسعار المستهلكين (Consumer Price Index - CPI)، الذي يقيس التغيُّرات في أسعار مجموعة مُحدَّدة من السلع والخدمات التي يشتريها المستهلكون، مثل الغذاء والإيجارات والنقل والرعاية الصحية والتعليم.
إضافة إلى مؤشِّرِ أسعار المستهلكين، هناك مؤشِّرات أخرى تُستخدم لقياس التضخُّم، مثل مؤشِّر أسعارِ المُنتجين (Producer Price Index - PPI) الذي يقيس تغيُّرات أسعار الموادِّ الخام والسلع النهائية على مستوى المُنتجين.
كيف تحافظ على قيمة أموالك في ظلِّ التضخُّم؟
1. الاستثمار في الأصول المرتبطة بالتضخُّم:
الاستثمار في الأصول المرتبطة بالتضخُّم مثل الذهب والفضة، والسلع الأساسية كالنفط والمعادن والقمح هو استراتيجيةٌ رائجةٌ لمقاومة التضخُّم والاحتفاظ بقيمة المال، فإنَّ الذهبَ والفضة من الملاذات الآمنة التي يلجأ إليها المستثمرون في فترات التضخُّم، فعندما يرتفع مُعدَّل التضخُّم، تنخفض قوة الشراء للعملات والأصول الورقية، وهذا يجعل الذهب والفضة خياراً مفضَّلاً للحفاظ على القيمة، وهذه المعادن الثمينة متاحة في الأسواق العالمية ولها قيمة تخزينية عالية.
من بين الملاذات الآمنة أيضاً توجد السلع الأساسية، مثل النفط والمعادن كالنحاس والفحم وأيضا توجد الحبوب الزراعية مثل الذرة والقمح، خلال فترات التضخُّم، يزداد الطلب على هذه السلع مع ارتفاع الأسعار، وهذا يدفع بقيمتها للارتفاع أيضاً، لذلك، تكون الاستثمارات في السلع الأساسية وسيلةً فعَّالةً لحماية قيمة أموالك خلال فترات التضخم.
2. الاستثمار في السندات المؤمَّنة من التضخُّم:
السندات المؤمَّنة من التضخُّم هي نوعٌ من السندات المالية التي توفِّر حمايةً في مواجهة تأثيرات التضخُّم في الاستثمار، عندما يحدث التضخم، تُزاد قيمة رأس المال والفائدة المستحقَّة للسندات المؤمَّنة من التضخُّم بناءً على مُعدَّل التضخُّم المُحدَّد، هذا يعني أنَّ الدخلَ المُستحقَّ من هذه السندات يتغير بناءً على معدَّل التضخُّم، وهذا يحافظ على قيمة الاستثمار الأصلي.
بتعبيرٍ أبسط إنَّ السندات المؤمَّنة من التضخُّم تضمن حصول المُستثمِر على عائد يُعدَّلُ بانتظام بناءً على معدَّل التضخُّم، فعندما تشتري سندات مؤمَّنة من التضخُّم، فإنَّك تشتري في الأساس عقداً يتعهَّد بدفع مبلغٍ مُعيَّنٍ مع فائدة مُعيَّنةٍ، ولكن بتعديلات دوريَّةٍ لتعكس التغيُّرات في مُعدَّل التضخُّم.
3. الاستثمار في العقارات:
الاستثمار في العقارات هو واحد من الطرائق الفعَّالة للمحافظة على قيمة أموالك في ظلِّ التضخُّم، ففي فترات التضخم، غالباً ما ترتفع قيمة العقارات، وهذا يعني أنَّ قيمةَ العقارات التي تمتلكها قد تزيد مع مرور الوقت، وهذا يتيح لك تحقيق عائداتٍ رأس مالية إضافية، إضافة لذلك إذا كنت تستثمر في العقارات السكنية أو التجارية، فإنَّ الإيجارات المُستلَمة من المستأجرين قد ترتفع أيضاً خلال فترات التضخُّم، وهذا يعني أنَّك قد تكون قادراً على تحقيق عائدات إيجارية أعلى، وهذا يساعد على مواجهة تأثير التضخُّم في قوَّة الشراء لأموالك.
شاهد بالفيديو: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد وطرق مواجهتها
4. تنويع محفظة الاستثمارات الخاصة بك:
توزيع الاستثمارات على مجموعةٍ مُتنوِّعةٍ من الأصول والفئات الاستثمارية، فلا تكون الاستثمارات متركِّزة في مكان واحد، فعندما تكون لديك محفظة متنوِّعة، فإنَّك تُقلِّل من مخاطر الخسارة الكبيرة في حالة حدوث تقلُّباتٍ في أحد الأسواق أو الفئات الاستثمارية، فمثلاً يشمل التنويع توزيعَ الاستثمارات بين الأسهُم، والسندات، والعقارات، والسلع الأساسية، وغيرها من الأصول، بالتنويع، فإنَّ أداءً سلبياً في فئة مُعيَّنةٍ قد يُعوَّض بأداءٍ إيجابي في فئة أخرى، وهذا يعمل على تقليل المخاطر الاستثمارية وتحقيق الاستقرار المالي في ظلِّ التضخُّم.
5. تحديث الاستراتيجية المالية بانتظام:
يشمل هذا الإجراء تقييم محفظتك الاستثمارية واستراتيجيتك المالية دوريَّاً، على فتراتٍ منتظمة، لضمان أنَّها متناسبةٌ مع التغيُّرات الاقتصادية الحالية ومعدَّلات التضخُّم المُتغيِّرة، وراجِع الأصول الموجودة في محفظتك الاستثمارية بانتظامٍ لتقييم أدائها ومدى توافقها مع أهدافك المالية ومستوى التضخُّم الحالي، كما يجب أن تضبطَ توزيعَ الاستثمارات بين الأصول المختلفة في محفظتك، بناءً على التوقُّعات الاقتصادية ومعدَّلات التضخُّم، بهدف تحقيق التوازن وتقليل المخاطر.
6. الاحتفاظ بسيولةٍ كافية:
الاحتفاظ بالسيولة الكافية يعدُّ أحد الطرائق الرئيسة للمحافظة على قيمة أموالك في ظلِّ التضخُّم، فالسيولة تشير إلى الموارد المالية التي يمكنك الوصول إليها بسرعة وسهولة، مثل النقد والودائع البنكية القابلة للسَّحب الفوري، فعندما تحتفظ بالسيولة الكافية، يُمكنك التصرُّف بسرعة في حالات الطوارئ أو الفرص الاستثمارية المُفاجِئة دون الحاجة للجوء إلى الاقتراض، كما تُتيح لك السيولة الكافية القدرةَ على تلبية الاحتياجات اليومية والمصروفات الضرورية دون الحاجة لبيع أصولك الاستثمارية في ظلِّ زيادة التضخُّم.
7. الودائع البنكية:
الودائع البنكية تعدُّ من الاستثمارات ذات الأمان العالي، فتودع الأموال في البنوك وتكون متاحةً للسحب في أيِّ وقت، على الرَّغم من أنَّ الودائعَ البنكية لا تُقدِّم عادةً عوائد مرتفعةً، إلَّا أنَّها توفِّر حمايةً لرأس المال وتضمن سلامة الأموال، وإضافة إلى ذلك، فإنَّ بعضَ البنوك قد تقدِّم أنواعاً مُحدَّدةً من الودائع البنكية مثل الودائع المُدرَجة في السوق النقدية أو الودائع التي تُحقِّق عوائد مرتفعة مقابل الرصيد المودَع.
من الجوانب الهامَّةِ أيضاً للودائع البنكية هو أنَّها عادة ما تكون محميةً بضمان الودائع حتى حدٍّ مُعيَّن، وهذا يعني أنَّها محميَّةٌ قانونياً من خسارة الأموال في حالة إفلاس البنك، ومن ثم فإنَّ الودائعَ البنكية توفِّر درجةً عالية من الأمان والاستقرار لأموالك، وهذا يجعلها خياراً شائعاً للمُستثمرين الذين يبحثون عن حماية رأس المال في ظلِّ تقلُّبات السوق والتضخُّم.
8. الاستثمار في الأسهُم:
الاستثمار في الأسهُم يكون طريقةً فعَّالةً للمحافظة على قيمة أموالك في ظلِّ التضخُّم، على الرَّغم من أنَّ الأسهمَ قد تكون عرضةً للتقلُّبات السعرية اليومية، إلَّا أنَّها غالباً ما تُظهِر أداءً جيِّداً على الأمد الطويل وتتفوَّق على مُعدَّل التضخُّم.
في فترات التضخُّم، ترتفع أسعارُ الأصول والسلع، وهذا يؤدِّي إلى زيادةٍ في الأرباح والعوائد للشركات، ومن ثم قد ترتفع أسعار الأسهُم للشركات المُتمتِّعة بنموٍّ قوي، وقادرة على زيادة الأرباح وتوزيعات الأرباح بنسبة تتفوَّق على مُعدَّل التضخُّم.
إضافة إلى ذلك يمكن للشركات أن تعزِّزَ قيمةَ أسهمها من خلال اتِّباع استراتيجيات مثل رفع الأسعار لتعويض التكاليف الإضافية الناجمة عن التضخُّم، أو تحسين الكفاءة التشغيلية لزيادة الأرباح، وبذلك تكون الأسهُم قادرةً على تحقيق عوائد تتفوَّق على معدَّلات التضخُّم ومن ثم المساهمة في الحفاظ على قيمة أموالك في ظلِّ الظروف الاقتصادية الصعبة.
9. الاستثمار في العملات الأجنبية:
الاستثمار في العملات الأجنبية يكون طريقةً مُحتملةً للمحافظة على قيمة أموالك في ظلِّ التضخُّم، ولكنَّه يأتي مع مستوى من المخاطر يجب أخذه بالحسبان، فعندما يكون ثمة تضخمٌ في اقتصادٍ ما، قد تتراجع قيمة العملة المحلية مقارنةً بالعملات الأجنبية، خاصةً إذا كانت العملة الأجنبية تنتمي إلى اقتصاد مستقرٍّ أو قويٍّ، من خلال الاستثمار في العملات الأجنبية، يمكن للمستثمرين الاستفادة من تقلُّبات سعر الصرف والفروقات في الفائدة بين العملات المختلفة.
10. سداد القروض ذات الأسعار المُتغيِّرة:
في الظروف التي تشهد فيها زيادة في معدَّلات التضخُّم، تزداد تكلفة الديون بسبب زيادة في أسعار الفائدة، ومن ثم من الذكاء أن يُسدِّد المستثمرون القروضَ ذات الأسعار المتغيِّرة بأسرع ما يمكن، لتقليل التكاليف الإجمالية وتخفيف الضغط على الميزانية الشخصية أو العملية، بسداد القروض ذات الأسعار المُتغيِّرة، يمكن للمستثمرين تجنُّب تكبُّد تكاليف إضافية نتيجة لزيادة الفائدة بسبب التضخُّم، إضافة إلى ذلك من خلال سداد القروض بسرعة، يوفِّر المستثمرون مزيداً من الأموال للاستثمار في أصول تعدُّ مقاومةً للتضخُّم، وهذا يُعزِّز القدرة على المحافظة على قيمة أموالهم في ظلِّ التقلُّبات الاقتصادية.
11. إنشاء ميزانية خاصة والعمل على توفير المال:
إنشاء ميزانية خاصةٍ بك هو من الطرائق الفعَّالة للمحافظة على قيمة أموالك في ظلِّ التضخُّم، فعندما تُنشئ ميزانية شخصية، فإنَّك تُحدِّد كيفية إنفاق أموالك بطريقة مدروسة ومُنظَّمة، وهذا يساعدك على الحدِّ من النفقات الزائدة وزيادة الادِّخار.
باستخدام ميزانيةٍ شخصية، يمكنك تحديد مقدار الأموال التي ترغب في تخصيصها للنفقات الضرورية مثل، المعيشة اليومية والفواتير والديون، إضافة إلى تحديد مبالغَ توفيرٍ إضافية للتقليل من التأثيرات السلبية للتضخم، يمكنك أيضاً تخصيص جزءٍ من أموالك للاستثمار في أصول تعدُّ مقاومة للتضخُّم مثل العقارات أو السندات المؤمَّنة من التضخُّم، عندما تتَّبع ميزانيتك بانتظامٍ وتعدِّلها وفقاً للتَّغيُّرات في الوضع المالي ومعدَّلات التضخُّم، فإنَّك تضمن أنَّك تعمل على الحفاظ على قيمة أموالك وتتمكَّن من تحقيق أهدافك المالية على الأمد الطويل.
12. تقييمُ المدَّخرات:
تقييم مدَّخراتك هو وسيلةٌ فعَّالةٌ للمحافظة على قيمة أموالك في ظلِّ التضخُّم، وحفظ الأموال التي تخصِّصها للمستقبل في حساب المُدَّخرات يُحقِّق أرباحاً، وهذا يسمح لرصيدك بالزيادة تدريجياً مع مرور الوقت، ويعمل على تعزيز القدرة الشرائية لأموالك، كما يُنصح بوضع الأموال في شهاداتِ الإيداع التي توفِّر عائداً مالياً أعلى على الأمد الطويل من الحسابات العادية
في الختام:
التضخُّم العالمي يُمثِّل تحدِّياً اقتصادياً للأفراد والمُستثمرين على حدٍّ سواء، ومع ذلك من خلال اتِّباع استراتيجيات مُحكَمةٍ والبحث عن الفرص الاستثمارية المناسبة، يُمكننا التصدي لهذا التحدي بفاعلية، واستثمار الأموال في الأصول المقاوِمة للتضخُّم، مثل الذهب والعقارات، والاستثمار في الأسهُم والسندات المؤمَّنة في مواجهة التضخُّم، والتخطيط للمستقبل من خلال إنشاء ميزانية وتوفير جزء من الدخل، وكلُّ هذه الخطوات تؤدِّي دوراً هامَّاً في الحفاظ على قيمة الأموال في ظلِّ التضخُّم.
أضف تعليقاً