إذا ما افترضت أنَّ الأشخاص الذين تنظرُ إليهم على أنَّهم "أكثر الزَّبائنِ ولاءً" على سطح هذا الكوكب غير مُخلصين، فستكون مُصيباً بافتراضك هذا بنسبة 92 بالمئة. إذ تُظهر نتائج دراسة أجرتها مؤسسة نيلسن، أنَّ 8٪ فقط من العملاء يرونَ أنفسهم "زبائنَ مُخلصين". لكنَّنا ومع ذلك؛ نجد أنَّ الاستثمارات واستراتيجيات التسويق، نادراً ما تُراعي هذه الحقائق.
وحينما نعلمُ أنَّ 46٪ من المستهلكين قد أفادوا بأنَّهم باتوا أكثرَ ميلاً إلى تجربة علاماتٍ تجاريةٍ جديدةٍ بالمقارنة مع السنوات الخمس السابقة؛ يتضح إلينا التَّوجُّهَ الذي يتعيَّن علينا التَّركيزَ عليه. لكن ومع ذلك أيضاً، لا نجد سوى إرهاصاتٍ قليلةٍ توحي بإجراء تعديلاتٍ على المبادرات التسويقية بما يتوافق مع هذه الأرقام. والعواقب المترتبة على عدم إعادة النظر جذرياً في الحملات التسويقيَّة التي تركز على كسب ولاء المستهلكين أو الحفاظ عليه؛ عواقبُ وخيمة ستطغى على جهود تطوير المنتجات الحالية وتسويقها.
وبطبيعة الحال، أصبح قلق تجار التجزئة والسلع الاستهلاكية أمراً واضحاً؛ فصحيح أنَّ ما بات يُعرف "بتأثير شركة أمازون" يوسِّع مجال الاختيار عند المستهلكين، ويزيدُ من وعيهم بالفروقات في أسعار المنتجات؛ إلا أنَّ الأمر قد تعدَّى ذلك بمراحل.
وما مجموعات برنامج وي تشات التي يتصيَّد فيها المُستهلكون الصينيون مُختلف أنواع الصفقات، أو الطعام الطازج الذي يتمُّ إيصاله إلى أبواب المنازل في المملكة المتحدة بأسعارٍ تُنافس أسعار المتاجر؛ سوى غيضٍ من فيض أسبابٍ موجِبةٍ تدفع المُستهلكين إلى عدم ربطِ أنفسهم بأيّ علامةٍ تجاريَّةٍ كانت.
لكن ومع ذلك، تُواصِلُ العلامات التجارية صرف الأموال بلا طائلٍ على استراتيجياتٍ تسويقيةٍ ترمي إلى الحفاظ على زيادة ولاء المُستخدم والمحافظة عليه؛ وهو ما يُعدُّ خطأ لا ينبغي لها تكراره مجدداً.
وإذ ما نظرنا إلى الأمر نظرة مُعمَّقة، سنجد أنَّ الخيار الأمثل لأيِّ علامةٍ تجارية هو إيجاد منهجيّةٍ جديدةٍ تضع في اعتبارها مدى ولاء المُستهلكين لها. فقد أصبح المستهلكون في حالة بحثٍ حثيث عن العلامات التجارية الجديدة، وذلك بسبب انخفاض مخاطر الشراء نتيجة ارتفاع مستويات الدخل في الأسواق النامية.
فصحيحٌ أنَّ 42٪ من المستهلكين يحبُّون تجربة أشياء جديدة، بيد أنَّنا نستطيع في حقيقة الأمر إضافة نصف النسبة المتبقية من المستهلكين -الذين أفادوا بأنَّهم يُفضلون البقاء أوفياء تجاه العلامات التجارية التي يعرفونها- إلى معادلة الولاء تلك.
ونظراً لأنَّ الغالبية العظمى من المستهلكين يتقبَّلون بشدة -أو على مضض- فكرة عدم الوفاء تجاه علاماتٍ تجاريَّةٍ بعينها، أضحت المخاطر التي يتعرَّض إليها أصحاب العلامات التجارية أكبر من أيّ وقتٍ مضى.
تُخبرنا هذه المعلومات بمفردها أنَّ العملية "التقليدية" لابتكار المنتجات لا يجب أن تتمحور حول جعل المنتج الأول في السوق، أو حول تقديم خصائص ثوريّة جديدة أو قيمة أكبر فحسب؛ وإنَّما يجب أن تمتد لتشملَ التواصل مع المزيد من المستهلكين الفطنين متقلِّبي الولاءِ والميول.
توجد أيضاً بعض المُسَلَّمات التي تفرض نفسها بقوَّة؛ مثل معادلة "القيمة مقابل السِّعرِ" والتي يجب أخذها في الحُسبان عند طرح أيّ مُنتجٍ جديد. نرى ذلك يحدث في كل من الأسواق المتقدمة والنامية، حتى وإن جرى ذلك بطرائق مختلفة في كثيرٍ من الأحيان.
ففي أسواق البلدان المتقدّمة مثل دولِ أمريكا الشمالية وأوروبا الغربيّة وبعض دول قارَّتَي آسيا وأوقيانوسيا؛ أتاحت العلامات التجارية إلى المستهلكين فيها إمكانية الاستفادة من جميع أشكال وأحجام المتاجر التقليدية والإلكترونية على حدٍّ سواء منذ عقود خلَت، والتي تُقدِّم إليهم خياراتٍ لا حصرَ لها من السلع على اختلافِ أنواعِها وأحجامها وأسعارها. وهو ما يُفَسِّرُ ميلَ ثُلثِ هؤلاء المستهلكين إلى تجربة علاماتٍ تجاريةٍ جديدة.
أما على المقلبِ الآخر، نجد نسبةً أكبر من المستهلكين -أقرب إلى النصف- في أسواق كُلٍّ من آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية؛ مفتونون بفكرة طرح منتجات جديدة؛ إذ إنَّ تشكيلة المنتجات في أسواق الدول النامية كانت محدودة، إذ غالباً ما كان يُتاح إلى المستهلكين فيها انتقاء منتجهم من تشكيلة منتجاتٍ تشتمل على خيارين أو ثلاثة فقط لكلّ فئةٍ منها. ونظراً لأنَّ المزيد من المنتجات في هذه الأسواق أضحت "منتجاتٍ محليَّة"، فقد أُتيحت إلى المستهلكين المزيد من الخيارات التي فاقت منتجات العلامات التجارية الكبرى قوَّةً.
في الحقيقة؛ إنَّ قوّة المنتجات وسلاسل التوريد المحلية قد لعبت بجديةٍ وسرعةٍ كبيرتين ضد الشركات العالميَّة منذ فترة طويلة. لذا يُخبرنا واقع الحال أنَّ ظهور منتجاتٍ أفضل كمَّاً ونوعاً سيستمر، جاعلاً من "الانتشار" -بغضِّ النَّظر عن الظروف الخاصة بالسوق- مُعتَرَكاً جديداً تتصارع فيه العلامات التجارية.
لذا فمن غير المرجح أن يبنيَ المستهلكون روابط قوية وطويلة الأمد مع العلامات التجارية، لا سيما عندما تكون تلك الروابط ضعيفةً أو فرضَتها الشركات عليهم فرضاً بسبب قلَّة البدائل التي أتاحتها إليهم سابقاً تحت شعار: "لسنا الأفضل، ولكنَّنا الوحيدون".
إنَّ جعلك "مُقيداً بِقلَّة البدائل" لن يكون خياراً مطروحاً بعد الآن؛ وهو أبعد ما يكون عن الحملات التسويقية التي تلهث وراء الحصول على ولاء المُستهلكين، أو عن الجهود الابتكارية التي تعتمد اعتماداً كاملاً على قوة العلامة التجارية.
أضف إلى ذلك أنَّ تلك "الحملات التسويقية" و"الجهود الابتكارية" باتوا يضعون في عين الاعتبار أنَّ المستهلكين قد أصبحوا أكثر وعياً تجاه العلامات التجارية مما كانوا عليه منذ خمس سنوات مضت، ويُدرِكُون حقيقة أنَّهم أصبحوا أكثر استعداداً للتخلي عن العلامات التجارية التي لم تَعُدْ تُلبّي تطلعاتهم.
كما أنَّ المستهلكين الذين عبَّروا عن ولائهم تجاه العلامات التجارية المُفضلة بالنسبة إليهم، يرسلون إشارات توحي بأنَّهم أصبحوا أقرب إلى تغيير ولاءاتهم تلك أكثر من أيّ وقت مضى؛ وهو ما يُسَهِّل على المسوّقين في الشركات التجارية الجديدة تحريكَ خيوط اللعبة كي يدفعوهم إلى القيام بذلك، خاصةً إذا لم تمنحهم علاماتهم التجاريّة الحاليّة أسباباً مقنعة تجعلهم يحافظون على ولائهم تجاهها.
هذه أخبار جيّدة بالنِّسبة إلى العلامات التجاريَّة الجديدة أو غير المعروفة، ولكنَّها بالنسبة إلى العلامات التجارية المعروفة إشارة تحذير مفادها أنَّ "روابط الثقة آيلةٌ إلى الزوال".
أضف تعليقاً