اختر سيرة ذاتية لأي شخص ناجح، وستدرك بسرعة أنَّ هناك شيئاً واحداً مشتركاً بينهم جميعاً، وهي أنَّ جميعهم كان لديهم منتورز؛ أي أشخاص خاضوا التجربة من قبل وعلموهم وقدموا لهم الدعم وساعدوهم على اختصار مسيرتهم لتحقيق النجاح في مجال عملهم.
المنتورينغ ليس أمراً جديداً تماماً:
يعود تاريخ المنتورينغ المُسجل إلى اليونان القديمة على الأقل؛ وفي العصور الوسطى، اكتُسبت معظم المهارات والحرف ونُقلت من خلال التدريب المهني؛ لكن منذ سبعينيات القرن الماضي، أصبح المنتورينغ عنصراً هاماً بالنسبة إلى العديد من الشركات والمؤسسات.
ليس المنتورينغ مجرد قيمة متوارثة، فالأبحاث الحديثة تدعم فوائده؛ فمن المرجح أن يحصل الأشخاص الذين لديهم منتورز على ترقيات أكثر، وأن يكونوا أكثر تفاعلاً، بل وأن يشعروا بمزيد من الرضا في العمل؛ حيث وجدت إحدى الدراسات أنَّ 25٪ من الموظفين الذين حظَوا بمنتورينغ حصلوا على زيادة أعلى في الأجور وكان احتمال حصولهم على ترقية أكبر بخمس مرات مقارنة بنظرائهم.
إذاً، كيف تستفيد من كل هذه المزايا وتجد لنفسك منتوراً؟ سنزفُّ إليك خبراً ساراً وهو أنَّ هنالك فرصٌ اليوم أكثر من أي وقت مضى؛ قد تكون هذه الفرص مجانية أو مدفوعة، رسمية أو غير رسمية، وما عليك سوى اقتناصها.
شاهد بالفيديو: 15 مهارة تساعدك على النجاح والتقدم في حياتك المهنية
كيف تجد منتوراً؟
سنورد فيما يلي 5 نصائح للعثور على منتور وإنجاح العلاقة معه:
1. ابدأ بقسم الموارد البشرية في شركتك:
إذا كنت تعمل في بيئة مؤسسية، فابدأ بقسم الموارد البشرية؛ فهم على دراية بأي برامج منتورينغ ترعاها الشركة أو يمكنهم على الأقل توجيهك في الاتجاه الصحيح.
حتى لو لم تكن قد سمعت عن برنامج منتورينغ في شركتك، فإنَّ الأمر يستحق أن تتحقق منه؛ وقد يفاجئك الأمر، حيث أنَّ 71٪ من شركات "فورتشن 500" (Fortune 500) لديها برامج منتورينغ، لكن 37٪ فقط من المهنيين المحترفين لديهم منتور.
إذا لم يكن لدى شركتك برنامج منتورينغ رسمي، فقد يكون قسم الموارد البشرية قادراً على اقتراح منظماتٍ معنيةٍ بذلك أو مجموعات تقارب (Affinity Groups) -وهي مجموعاتٌ تضمُّ أفراداً يعملون معاً ويدعم بعضهم بعضاً استناداً إلى هواياتهم وأنشطتهم واهتماماتهم وأهدافهم المشتركة- أو حتى مساعدتك في إعداد اجتماع غير رسمي مع منتور محتمل ينتمي إلى المنظمة ذاتها.
2. انضم إلى نادٍ أو منظمة أو مجموعة تقارب:
ليس من الضروري أن تعمل في بيئة مؤسسية كي تنضم إلى مجموعة أو نادٍ يضم أفراداً يشبهونك في التفكير ويعملون في مجال عملك نفسه؛ فإذا كان هناك مجال تهتم به أو كنت تبحث عن منتور له نفس الخلفيات والاهتمامات التي لديك، فيمكنك إيجاد العديد من المنظمات غير الربحية والمجموعات التي يمكنها مساعدتك في مقابلة منتور محتمل.
انضم إلى نادٍ أو مجموعة في مجال اهتمامك وابدأ التواصل وبناء العلاقات مع أفرادها؛ حيث يوجد مجموعات تتعلق بكل شيء، من مهارات مثل الخطابة إلى مجالات مثل ريادة الأعمال أو الفن؛ كما يوجد مجموعات دعم ثقافية تضم أفراداً يوافقون خلفيتك أو توجهك المهني أو هويتك. وإذا بدأت بما يلائم شغفك وقيمك، فمن المرجح أن تجد منتوراً متوافقاً مع ما تريد.
3. أنشئ حساباً على تطبيق أو منصة لبناء الشبكات الاجتماعية:
في القرن الحادي والعشرين، أصبح بناء شبكات العلاقات الاجتماعية بسيطاً بفضل التكنولوجيا دائمة التطور؛ حيث يوجد الكثير من مجموعات الشبكات الاجتماعية والمنتورينغ بالفعل؛ ومن الأمثلة على ذلك: "سكور" (SCORE) الذي يساعد الشركات الصغيرة على التواصل مع المنتورز مجاناً، و"ميت أب" (Meetup.com) الذي يساعد الأشخاص الذين لديهم اهتمامات مماثلة على اللقاء، و"شابر" (Shapr) وهو بمثابة منصة تيندر (Tinder) الخاصة بالأعمال، فهو يساعدك على التواصل مع محترفين آخرين في منطقتك.
وبطبيعة الحال، من منا لا يعرف منصة الشبكات الاجتماعية الأكثر أهمية في عالم الأعمال! إنَّها منصة "لينكد إن" (LinkedIn)، والتي تشكل وسيلة فعالة للغاية لمساعدتك في العثور على منتور أو تقديمك إلى أشخاص محتملين من خلال الاتصال المشترك.
تعد معظم هذه الخدمات مجانية أو منخفضة التكلفة، لذا أجرِ بعض الأبحاث وانضم إلى الخدمة الأكثر ملاءمة لك لمساعدتك على مقابلة المنتور الذي تبتغيه.
4. انضم إلى برامج منتورينغ مأجورة:
بالإضافة إلى الموارد المجانية العديدة المتوافرة، يمكنك أيضاً التواصل مع منتور أو مجتمع منتورينغ بمقابل مالي؛ حيث يطرح بعض القادة رفيعي المستوى برامج منتورينغ رسمية، ويوجد أيضاً مجموعات ومؤسسات مأجورة تغطي معظم مجالات الأعمال ومحاور الاهتمام.
إذا كنت مهتماً بالانضمام إلى برنامج مأجور، فأجرِ بعض الأبحاث عبر الإنترنت حول المنتورز المحتملين، واسأل الأشخاص في مجال عملك عما إذا كان هناك أي منتورز أو برامج قد انضموا إليها أو سمعوا عنها.
على الرغم من أنَّ مثل هذه العلاقة تغير ديناميكيات المنتورينغ الكلاسيكي، إلا أنَّها قد تكون مفيدة للغاية إذا كنت تبحث عن هيكلية ونتائج محددة أو الوصول إلى شخص أو مجموعة بارزة من الأشخاص سيفيدونك في مجال عملك.
5. تواصل مباشرة مع الأشخاص الذين يلهمونك:
يمكنك الاستمرار في محاولة التواصل مباشرة مع الأشخاص الذين يلهمونك أو المنتورز المحتملين؛ لذا ابحث عن الأشخاص الذين يلهمونك أو الذين حققوا نجاحاً في مجال اهتمامك، ثم تواصل معهم مباشرة، واطلب منهم المنتورينغ شخصياً.
بالطبع، إذا أتيحت لك الفرصة للتعرف عليهم من خلال طرف ثالث على علاقة بهم، فقد يكون لديك فرصة أكبر للحصول على رد إيجابي؛ لكنَّ العديد من علاقات المنتورينغ المتميزة بدأت بمجرد رسالة بريد إلكتروني جريئة لطلب المنتورينغ. لذا، لا تخجل من التواصل مباشرة إذا كنت تريد حقاً التواصل مع هذا الشخص وبدء علاقة منتورينغ ناجحة معه.
كيف تحصل على أقصى استفادة من المنتورينغ؟
تختلف العلاقة بين المنتور والمنتي (مُتلقِّي المنتورينغ) عن أي علاقة أخرى قد تشارك فيها؛ فهي ليست علاقة صداقة بالضبط، ولكنَّها ليست علاقةً بين الرئيس والموظف أيضاً (ما لم يكن منتورك هو رئيسك في العمل). لذلك، من الهام إعداد الهيكلية الصحيحة للتأكد من حصولك على أقصى استفادة من المنتورينغ.
سنقدم فيما يلي 5 نصائح لتحقيق أقصى استفادة من المنتورينغ:
1. كن واضحاً بشأن أهدافك:
قبل إنشاء علاقة المنتورينغ، كن واضحاً بشأن سبب رغبتك في الحصول على منتور؛ ما الذي تأمل به من العلاقة؟ وما هي المهارات التي تريد أن تتعلمها؟ وكيف تأمل أن تساعدك هذه العلاقة في الأشهر الستة المقبلة أو العام المقبل؟ وكم من الوقت تريد تخصيصه لهذه العلاقة؟ وكيف ستعرف ما إذا كانت علاقة المنتورينغ ناجحة؟
بمجرد أن تكون واضحاً بشأن أهدافك، ستتمكن من إجراء تقييم أفضل للمنتور المناسب، ومكان العثور على هذا الشخص، وكيفية التواصل معه حتى تكونا على توافق تام وإياه.
2. ضع توقعات وحدوداً واضحة:
تبدأ أي علاقة منتورينغ ناجحة بوضع أسس تواصل واضحة وتحديد التوقعات ووضع حدود العلاقة مسبقاً. لذا قرِّر بوضوح كيف وأين ستلتقي بمنتورك وعدد المرات التي ستلتقيه بها شهرياً، وحدد أهدافك وتوقعاتك من هذه اللقاءات، وما هي الحدود التي ستؤطر بها العلاقة.
على سبيل المثال، تتضمن بعض برامج المنتورينغ الاجتماع بصورة شهرية، مع الالتزام بتبادل الرسائل النصية بين الاجتماعات؛ بينما يلتقي آخرون فقط كل ثلاثة أشهر ويتواصلون عبر البريد الإلكتروني في بقية الأوقات. وفي المقابل، لا يجري البعض الآخر أي مراسلات بين الاجتماعات. يمكن لتحديد هذه الأمور منذ البداية أن يُسهم إسهاماً كبيراً في التأكُّد من أنَّها علاقة مستدامة ومفيدة للطرفين.
3. حافظ على الاتساق والاستمرارية في العلاقة:
بمجرد تحديد التوقعات وتأطير العلاقة، يجب على الأطراف التوافق على التفاصيل؛ حاول تحديد موعد للاجتماعات قبل 3 إلى 6 أشهر على الأقل حتى لا يحدث أي سوء تفاهم. على سبيل المثال، قد تختار الاجتماع في أول جمعة من كل شهر، طالما أنَّ ذلك ممكن للطرفين.
حاول ألا تلغي الاجتماعات ما لم يحدث شيء طارئ حقاً، وإذا كان البريد الإلكتروني هو وسيلة التواصل المتوافق عليها، فتأكد من تفقده وإرسال الرسائل الالكترونية على نحو منتظم. يعد عدم الاتساق والافتقار إلى الاستمرارية أكبر تهديدين لعلاقة المنتورينغ؛ حيث يؤدي التغاضي عن التواصل وإهمال الاجتماعات الدورية إلى تقويض علاقتك بالمنتور بمرور الوقت.
نحن جميعاً مشغولون، ولا بد أن نواجه ظروفاً طارئة تزيد انشغالنا؛ فإذا لم يكن المنتورينغ أحد أولوياتك، فقد تنهار العلاقة بعد مرحلة معينة. لذا لا تتوانَ عن التواصل وحافظ على استمرارية العلاقة ما استطعت.
4. كن منفتحاً على طرائق التفكير وتجربة أمور جديدة:
قد تشكل علاقة المنتورينغ تحدياً كبيراً لك، وقد تدفعك إلى تجربة أمور جديدة. أنت لست مرغماً بالضرورة على الموافقة على كل ما يقوله منتورك ومحاكاة كل ما يفعله، ولكن يجب أن تبذل قصارى جهدك لتظل منفتح الذهن ومستعداً لتجربة أمور جديدة.
من المحتمل أن يكون منتورك ذا خبرة كبيرة في مجال اهتمامك، وقد يكون لديه طرائق جديدة للتفكير في الأمور بناء على تجاربه الغنية؛ لكن لا يعني هذا أنَّ عليك التصرف وفق نصائحه باستمرار، فالانفتاح على تجربة نصائحه يظهر له أنَّك تقدر حكمته مما قد يفتح لك إمكانيات جديدة أيضاً.
إذا وجدت أنَّ النصيحة التي قدمها منتورك ليست مناسبة لك، فتحدث إليه حول ذلك، حيث يمكنكما العمل معاً للعثور على ما يناسبك؛ لكن قم بواجبك وأصغِ باهتمام وتقبَّل الأفكار والأساليب الجديدة التي قد يطرحها. هذا هو بيت القصيد في المنتورينغ، فهو يظهر لمنتورك أنَّ هذه العلاقة تعني لك الكثير وأنَّك تأخذها على محمل الجد.
5. كن ممتناً وردَّ الجميل:
يجب أن تكون ممتناً لمنتورك؛ خاصة إذا كانت علاقتك به غير مأجورة، فهو يتبرع بوقته لدعمك ومساندتك، وأقل ما يمكنك فعله هو التعبير عن الامتنان والتقدير كلما استطعت، والأخذ بالنصائح التي يقدمها على محمل الجد قدر الإمكان.
لا ينبغي لعلاقة المنتورينغ أن تكون من جانب واحد؛ حيث يمكن أن يستفيد معلمك كثيراً من العلاقة، وعليكَ أن تكنَّ له التقدير وتشاركه الاحتفال بنجاحاتك والشبكات والاتصالات المستقبلية التي ربما تكون مفيدة له أيضاً.
لا تنسَ الاحتفاءَ بمكاسبك والاعتراف بأنَّ هذه العلاقة يجب أن تكون تبادلية ومفيدة لكلا الطرفين.
الخلاصة:
يعد المنتورينغ وسيلة مذهلة لا تقدر بثمن، حيث يمكن لهذه العلاقة أن تسرع نموك وتعزز نجاحك وإحساسك بالرضا في الحياة. كما يمكن أن يحدث العثور على المنتور المناسب وتحقيق أقصى استفادة من العلاقة معه فارقاً هائلاً في مسيرتك المهنية، فيجنِّبك إضاعة الوقت في محاولات غير مجدية، ويمكِّنك من اكتساب الحكمة والدعم في مسيرتك نحو تحقيق أهدافك.
لا تتوانَ عن البحث عن هذه العلاقة التي لطالما كانت ثروة حقيقية أوصلت القادة الناجحين إلى العظمة على مدار الأعوام الـ 3000 الماضية، واعثر على منتور يلبي احتياجاتك وستحقق الأفضل باستمرار.
أضف تعليقاً