والتي قد يعتقد بعض الناس أنَّ بها القليل من المبالغة أو قد لا يعيرها أي اهتمام، لكن في الحقيقة عليك أن تعطيها كل الاهتمام، وتفكر كثيراً بها وبما تأكله يومياً أو بنظامك الغذائي إن كنت تتبع نظاماً غذائياً محدداً، أو إن كنت تعاني من حالة نفسية معينة أو اضطرابات لا تعلم ما هو سببها؛ وذلك لأنَّ أجسامنا تعاملنا كما نعاملها تماماً؛ فإن كنت تعطي جسمك مختلف احتياجاته الغذائية، فسيقوم بعمله على أكمل وجه، والنقيض من ذلك صحيح أيضاً، وكل عضو من أعضاء الجسم يحتاج إلى عناصر أو فيتامينات معينة تختلف عما يحتاج إليه العضو الآخر.
من ضمن ذلك نذكر العقل إضافة إلى الحالة النفسية، فلا بد أنَّك صادفت على مواقع التواصل مثل "فيسبوك" منشوراً يتحدث عن أطعمة تتسبب بالسعادة وتعالج الحزن وعند تناولك إياها شعرت بصدق ما قرأته، وكي تتعرف إلى علاقة العقل والحالة النفسية بالأطعمة الغذائية عليك قراءة هذا المقال.
علاقة النظام الغذائي بالصحة النفسية:
يوجد علاقة وثيقة بين غذائنا وبين الحالات المزاجية أو الأمراض النفسية التي تحدث معنا مثل القلق والاضطراب والاكتئاب، فبعض الأطعمة الغذائية يمكن عَدُّها علاجاً مضاداً لهذه الحالات النفسية، وعلى النقيض من ذلك، توجد بعض الأطعمة الغذائية التي تتسبب بحدوث اضطرابات وتغيرات سلبية واضحة في الحالة المزاجية.
على الرغم من عدم تحديد الأطعمة الغذائية التي تؤثر في حالات مزاجية معينة بالاعتماد على أساس علمي محدد، إلا أنَّ العديد من الأبحاث وجدت ارتباطاً بين المشاعر وبين تناول أطعمة محددة أو عدم تناولها.
فيما يأتي أبرز العناصر الغذائية والأطعمة التي تؤثر في الحالة المزاجية:
1. الكربوهيدرات:
تحتوي الكربوهيدرات على حمض أميني حيوي يدعى حمض التريبتوفان الذي له دور كبير في تحسين الحالة المزاجية للفرد؛ لأنَّ ازدياد نسبة حمض التريبتوفان في دماغ الإنسان تتسبب في زيادة السيروتونين التي نسمع عنها كثيراً بأنَّها تحسِّن من نفسية الفرد.
توجد الكربوهيدرات في العديد من الأطعمة الغذائية مثل البقوليات كالحمص والفول، أو في الفواكه الكاملة باختلافها، أو في الخضراوات، أو الحبوب كالعدس مثلاً.
2. أوميغا 3:
وجدت الدراسات أنَّ أوميغا 3 يساعد على محاربة الاكتئاب بشكل كبير لأنَّه مضاد للانهيار العصبي؛ فقد تم إجراء اختبار على مرضى مصابين بالاكتئاب الحاد من خلال إعطائهم جرعة من أحماض أوميغا 3 غير المشبعة لفترة استمرت 12 أسبوعاً ثم تبين أنَّ أعراض الاكتئاب انخفضت لديهم بنسبة 64%، وهذه نسبة مرتفعة لا يمكن الاستهانة بها.
من الأطعمة التي تحتوي على أوميغا 3 يوجد الأسماك كالسردين والسلمون والرنجة والمحار، ومنتجات الألبان، والبيض، وبذور الكتان، والجوز وفول الصويا وبذور الشيا وبذور اليقطين، ودقيق الشوفان، وزبدة الفول السوداني، والخضراوات الخضراء كالبروكلي والقرنبيط والسبانخ.
3. فيتامين "د":
أيضاً لفيتامين "د" دور كبير في زيادة مستوى السيروتونين في دماغ الإنسان، ومن ثمَّ تحسين الحالة المزاجية له، ونقصه في جسم الإنسان يتسبب بالعديد من المشكلات النفسية مثل الاكتئاب الذي يشمل اضطرابات النوم والشهية والوزن، أو الفصام أو الاضطراب العاطفي الموسمي.
يمكن الحصول على فيتامين "د" من العديد من الأطعمة مثل سمك السلمون وسمك التونة، والبيض والحليب الطازج والزبدة، والشوكولاتة الداكنة، والفطر، والبرتقال، إضافة إلى الأغذية فيجب التعرُّض لأشعة الشمس لمدة لا تقل عن 15 دقيقة يومياً؛ وذلك لأنَّها المصدر الرئيس لفيتامين "د".
4. فيتامين "ب":
إنَّ نقص مستوى فيتامين "ب" وخاصة فيتامين "ب6" وفيتامين "ب12" يتسبب بالإصابة بالاكتئاب والقلق أيضاً، وتناول أطعمة غذائية تحتوي عليهم يؤدي إلى تحسن كبير لمن يعاني من هذه الاضطرابات النفسية.
يوجد فيتامين "ب6" في العديد من الأطعمة مثل الدجاج والموز وبعض المأكولات البحرية والخضراوات ذات الأوراق الخضراء كالخس والسلق والسبانخ، أما فيتامين "ب12" فيوجد في الدواجن واللحوم والبقوليات والكبد ومنتجات الألبان؛ لذلك إنَّ الأشخاص الذين يفضلون النظام الغذائي النباتي يحتاجون غالباً إلى تناول مكملات غذائية تحتوي على فيتامين "ب".
5. الحديد:
أيضاً نقص الحديد في الجسم يتسبب في ظهور أعراض مشابهة لأعراض الاكتئاب، ولكنَّ نقص الحديد ليس شائعاً لدى الرجال كما هو شائع لدى النساء؛ لذلك نلاحظ أنَّ معظم النساء الحوامل يتناولن مكملات غذائية تحتوي على معدن الحديد، أما المصادر الطبيعية للحديد فهي اللحوم الحمراء والكبد والدواجن والأسماك وفول الصويا والبازلاء والشوكولاتة الداكنة والسبانخ والزبيب والتين والتمر والفواكه الحمضية كالبرتقال والجريب فروت مثلاً.
6. السيلينيوم:
يؤدي وجود مستوى غير كافٍ من معدن السيلينيوم في جسم الإنسان إلى الشعور بالمزاج السيئ والأفكار السلبية، إضافة إلى أنَّ ذلك يسهم في الإصابة بالاكتئاب؛ لذلك لا بد من تناول الأغذية الغنية به مثل الدجاج والسمك والحبوب الكاملة والخبز الأبيض والشوفان وبذور دوار الشمس واللحم البقري والجوز أيضاً، وأكثر الأشخاص المعرَّضين لنقصه هم الذين يخضعون لغسل الكلى والمصابون بمرض الإيدز.
7. المغنسيوم:
لهذا دور كبير في تغيير الحالة المزاجية السيئة للإنسان حتى إنَّه سمي باسم معدن الاسترخاء، ومن يعاني من نقصه يتعرض للإصابة بالقلق والاكتئاب أيضاً، ويمكن الحصول على المغنسيوم من أطعمة عدة كالسبانخ والشوكولاتة الداكنة والموز واللوز والأسماك الزيتية أيضاً.
8. الزنك:
إنَّ الزنك له دور كبير في تعزيز الأدوية المضادة للاكتئاب، كما أنَّه يقلل من أعراضه؛ إذ توجد علاقة طردية بين مستوى الزنك في الدم وبين التحسن من الاكتئاب، ومن ثمَّ ارتفاع مستوى الزنك يدل على الاستجابة للعلاج الذي يُقدَّم للأشخاص المكتئبين، ومن المصادر الطبيعية للزنك نذكر اللحم البقري والسلطعون والمحار والدجاج والحليب والحبوب كالفاصولياء والحمص.
شاهد بالفديو: 7 نصائح لتغذية صحية سليمة
علاقة النظام الغذائي بالصحة العقلية:
سمعنا كثيراً عبارة "العقل السليم في الجسم السليم" ومن ثمَّ يجب أن نحصل على جسم صحي أولاً كي تعمل عقولنا بالشكل السليم؛ والسبب في ذلك هو أنَّ نقل المعلومات إلى دماغ الإنسان يتم بواسطة الناقلات العصبية والتي تنتج في الجهاز العصبي المركزي بعد تحلل المركبات الغذائية، كما أنَّ وظيفتها نقل الإشارات العصبية التي يصدرها الدماغ إلى مختلف أعضاء الجسم، ويمكن معرفة العلاقة بين النظام الغذائي والعقل من خلال ما يأتي:
1. أوميغا 3:
لا تقتصر أهمية أوميغا 3 على الصحة النفسية للإنسان؛ إنَّما ضرورية جداً لصحة العقل؛ إذ أكدت بعض الدراسات أنَّ أوميغا 3 يحد من تدهور وتراجع قدرات الإنسان الذهنية والفكرية مع التقدم في العمر، ومن ثمَّ يقلل من احتمال الإصابة بمرض ألزهايمر أو الخرف، كما أنَّ نقصه يتسبب بقلة الانتباه والتركيز، أما مصادر الأوميغا 3 فقد ذكرناها آنفاً.
2. كولين:
الذي يُعَدُّ من المواد الضرورية لتغذية الدماغ وصحته أيضاً وللوصول إلى درجة جيدة من الذكاء؛ لأنَّه مكون من المكونات الرئيسة لحماية أغشية الخلايا العصبية السليمة، كما أنَّ الكولين يعمل على إنتاج ناقل عصبي رئيس للذاكرة، فعند حدوث نقص في مستواه يشعر الإنسان بضعف في الذاكرة وصعوبة التركيز، حتى إنَّ مستوى ذكائه يتراجع، ومن المصادر الطبيعية له نذكر صفار البيض والكبد والفستق والنخالة والأرز الكامل ودقيق الشوفان أيضاً.
3. البروتينات:
إنتاج الناقلات العصبية يحتاج إلى توفر الأحماض الأمينية مثل تيروزين وتريبتوفان؛ وذلك لأنَّها ضرورية كي يتمكن الدماغ من إنتاج الهرمونات الأساسية كالسيروتونين والدوبامين، ومصادر البروتينات متعددة جداً منها العدس والحمص والفاصولياء وفول الصويا وبذور الشيا وسمك التونة واللوز والبروكلي ومنتجات الألبان والبيض أيضاً.
4. الكافيين:
له تأثير إيجابي في الجسم؛ وذلك لأنَّه يحفز الجهاز العصبي المركزي للإنسان، ويقلل من التعب، ويزيد من اليقظة؛ وهذا ما جعله من المشروبات التي يُحرَص على شربها صباحاً فجميعنا يمكننا أن نلاحظ الفرق في حالتنا إن تناولنا القهوة صباحاً أو لم نتناولها.
لكنَّ الإفراط في استهلاك الكافيين يؤدي إلى آثار سلبية في عقل الإنسان، مثل العصبية والصداع والتوتر ومشكلات في النوم، ويوجد الكافيين في العديد من المشروبات مثل القهوة والشاي الأسود أو الأخضر والكولا ومشروبات الطاقة والشوكولاتة أيضاً.
5. العنب البري:
هو من الأطعمة التي تساعد على الحفاظ على صحة الدماغ من نقص الأوكسجين، كما أنَّه يقلل من احتمال الإصابة بالأمراض التي يرتبط ظهورها بالتقدم في العمر مثل مرض الزهايمر.
6. البهارات:
على الرغم من أنَّها لا تُعَدُّ مكوناً أساسياً وضرورياً لإعداد الطعام؛ إنَّما لها العديد من التأثيرات الإيجابية في صحة العقل؛ فمثلاً يُعَدُّ الكركم من مضادات الأكسدة الفعالة في تحسين الذاكرة، إضافة إلى احتوائه على مادة تدعى كيوركيومين التي تساعد على الوقاية من مرض السرطان، والكمون يساعد مساعدةً كبيرةً على تحسين الذاكرة ورفع القدرات العقلية والتقليل من الشعور بالإجهاد العقلي أو الذهني لأنَّه ينمي القدرة الاستيعابية للعقل، أما القرنفل، فإنَّه يساعد على علاج الاكتئاب وتحسين القدرات العقلية، والقرفة أيضاً لها دور في الوقاية من مرض الزهايمر وتحسين القدرات الذكائية للإنسان.
7. أعشاب طبية:
توجد العديد من الأعشاب التي تفيد من ناحية الصحة العقلية مثل عشبة الأوريجانو التي تزيد من تركيز الإنسان وتحسِّن التعلم لديه، وعشبة الزعتر البري التي تساعد على الوقاية من الإصابة بأمراض الذاكرة والنسيان وتنمي الذكاء عند الإنسان، أما عشبة المريمية فتعمل على تحسين وظائف الذاكرة وتساعد على التعلم السريع أيضاً، وعشبة إكليل الجبل التي تمنع تلف الخلايا العصبية التي تتسبب في حدوث مشكلات في الذاكرة، ومن ثمَّ يساعد استخدامها على الحفاظ على ذاكرة سليمة، ومعظم الأعشاب الطبية يمكن استخدامها بشرب منقوعها.
في الختام:
صحة الإنسان العقلية والنفسية بيده هو فقط؛ فهو مسؤول عما يتناوله بالدرجة الأولى؛ لذلك عليه أن يكون على اطلاع على فوائد وأضرار الأطعمة الغذائية التي يتناولها، وفي مقالنا هذا ذكرنا أهم الأطعمة الضرورية لصحتنا العقلية والنفسية؛ لذلك أصبح بإمكانك معرفة ما عليك تناوله.
عليك أيضاً الانتباه لتناول كميات كافية من الطعام يومياً كي لا يصبح جسدك مفتقراً للطاقة التي يحتاجها للقيام بالأعمال المطلوبة، ومن الضروري تجنب تخطي وجبات الطعام كي لا تصاب بالمزاج السيئ نتيجة الجوع.
يفضَّل تجنُّب الأغذية المصنَّعة لما لها من تأثيرات سلبية في صحتنا الجسدية، ولا تنسَ أن تبدأ صباحك بتناول وجبة إفطار متوازنة تمد جسدك بالعناصر الغذائية التي يحتاجها لأنَّ إهمالها يسبب التعب وقلة التركيز، ولا تنسَ أيضاً أنَّ جسم الإنسان يحتاج إلى ما لا يقل عن 8 أكواب من المياه يومياً كي يبقى في مزاج جيد.
أضف تعليقاً