وتكمن أهمية معرفة الأدوات والأساليب الفعَّالة لإدارة الأزمات المالية في قدرتها على تمكين الأفراد من اتخاذ قرارات مالية واعية والحفاظ على حياة مالية مستدامة، وفي هذا الصدد، سنتناول في هذا المقال أبرز الاستراتيجيات والنصائح التي يمكن للفرد اتِّباعها للتغلُّب على التحديات المالية وبناء مستقبل مالي أكثر أماناً واستقراراً.
استراتيجيات التعامل مع الأزمات المالية الشخصية
1. التحدث إلى شخص ما
الخطوة الأولى لقبول الحال الذي أنت فيه هي التحدث عنه، ويمكن أن تؤثر الصعوبات المالية في أي شخص، ولا يجب أن تشعر بالخجل أو الإحراج بسبب ذلك، واعتمِدْ على الأصدقاء المقربين أو العائلة وتحدَّث عن مخاوفك المالية؛ قد يقدمون لك أفكاراً لتحسين أوضاعك ودعماً عاطفياً، كما يمكنك بثقة التحدث إلى مستشار مالي لمراجعة وضعك وتقديم خيارات لكيفية التعامل مع ديونك وصعوباتك المالية، وإذا لاحظت أنَّ مشكلاتك المالية تؤثر سلباً في صحتك العقلية، فمن الهام التفكير في طلب المساعدة من أخصائي طبي.
2. زيادة المدَّخرات السائلة إلى حدها الأقصى
تكون الحسابات النقدية كالحسابات الجارية وحسابات التوفير وحسابات سوق المال، إضافة إلى شهادات الإيداع (CDs) والاستثمارات الحكومية قصيرة الأجل مفيدة جدَّاً في الأزمات المالية، ويجب الاعتماد على هذه الموارد أولاً؛ لأنَّها لا تتقلَّب مع ظروف السوق، على خلاف الأسهم وصناديق المؤشرات والأدوات المالية الأخرى.
يمكنك سحب أموالك من هذه الحسابات في أي وقت دون تكبُّد خسارة مالية، وبخلاف حسابات التقاعد، لن تواجه عقوبات سحب مبكِّر أو غرامات ضريبية عند القيام بسحب أموالك، باستثناء شهادات الإيداع التي قد تتطلب مصادرة بعض الفوائد المكتسبة إذا أُغلِقت مبكراً، وتجنَّبْ الاستثمار في الأسهم أو الاستثمارات عالية المخاطر حتى تكون لديك أموال نقدية كافية لعدة أشهر في حسابات سائلة.
مثلاً إذا كانت لديك التزامات كبيرة مثل الرهن العقاري أو دفع رسوم التعليم المستمر لطفلك، فقد ترغب في توفير نفقات أشهر أكثر، ويرى بعضهم أنَّ الاحتفاظ بالنفقات لمدة ثلاثة أشهر هو الحد الأدنى، بينما يفضل آخرون الاحتفاظ بنفقات ستة أشهر أو حتى عامين في مدخرات سائلة لتأمين أنفسهم من فترات طويلة من البطالة.
3. إعداد ميزانية
من الضروري معرفة كمية الأموال التي تدخل وتخرج كل شهر لتحديد مبلغ المال اللازم لصندوق الطوارئ، دون ميزانية واضحة، لن تكون لديك فكرة عمَّا إذا كنت تعيش ضمن إمكاناتك أو تتجاوزها، فالميزانية ليست قوة قهرية، بل إنَّها أداة تساعدك على معرفة أين تذهب أموالك وأين تقف مالياً.
4. الاستعداد للتقليل من النفقات الشهرية
قد لا تحتاج للقيام بذلك الآن، ولكن يجب أن تكون قادراً على الاستغناء عن أي شيء غير ضروري عند الحاجة، إذا قلَّلت من نفقاتك الشهرية إلى أدنى حدٍّ، ستجد صعوبة أقل في تلبية التزاماتك عندما تكون الأموال شحيحة، فابدأ بمراجعة ميزانيتك لمعرفة أماكن الإنفاق الزائدة، مثلاً هل تدفع رسوماً شهرية لحسابك الجاري؟ اكتشف كيفية التحويل إلى بنك يقدِّم حسابات دون رسوم، فهل تدفع 40 دولاراً شهرياً على خط أرضي نادراً ما تستخدمه؟ ربَّما حان الوقت لإلغائه أو البحث عن خطط أرخص، فقد يكون الآن الوقت المناسب للنظر في الأسعار الأقل للتأمين ومعرفة إمكانية إلغاء أنواع معيَّنة من التأمين مثل التأمين على السيارات في حالة الطوارئ، بعض شركات التأمين تقدِّم تمديداً، لذا ابحث عن الخيارات المتاحة واستعد لأي طارئ.
5. إدارة الفواتير عن كَثَب
لا يوجد مبرر لإهدار المال على الرسوم المتأخرة أو رسوم التمويل، ففي حال كنت تواجه أزمة فقدان الوظيفة، ينبغي أن تخصص جهداً إضافيَّاً لتجنُّب هذه الرسوم، فالتنظيم الجيِّد يمكنه توفير كثير من المال عندما يتعلَّق الأمر بفواتيرك الشهرية، وقد تؤدي دفعة واحدة متأخرة لبطاقة الائتمان شهرياً إلى خسارتك ما يصل إلى 300 دولار على مدار العام، وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى إلغاء بطاقتك في وقت قد تكون فيه بأمس الحاجة إليها بوصفها ملاذاً أخيراً.
حدِّدْ موعد مرتين في الشهر لمراجعة جميع حساباتك، حتى لا تفوت أي تواريخ استحقاق، وجدوِلْ الدفعات الإلكترونية أو أرسِلْ الشيكات البريدية بحيث تصل دفعتك قبل عدة أيام من تاريخ الاستحقاق، فإذا كنت تواجه صعوبة في تتبُّع جميع حساباتك، ابدأ بتجميع قائمة شاملة، وبمجرد اكتمال هذه القائمة، يمكنك استخدامها للتأكد من أنَّك على اطلاع بجميع حساباتك ومعرفة ما إذا كانت لديك أي حسابات يمكنك دمجها أو إغلاقها.
6. تقييم الأصول غير النقدية وتعظيم قيمتها
يمكن أن يشمل الاستعداد للمستقبل تحديد جميع الخيارات المتاحة لديك، فهل تمتلك أميال المسافر الدائم التي يمكنك استخدامها عند الحاجة للسفر؟ هل لديك طعام زائد في المنزل يمكنك التخطيط لوجباتك لتقليل فواتير البقَّالة؟ هل تملك بطاقات هدايا يمكن استخدامها للترفيه أو بيعها مقابل المال؟ هل لديك مكافآت على بطاقات الائتمان التي يمكن تحويلها إلى بطاقات هدايا؟
كل هذه الأصول يمكن أن تساهم في تقليل نفقاتك الشهرية، ولكنَّ ذلك يتوقَّف على معرفتك باستثمارها استثماراً فعالاً، إضافة إلى أنَّ معرفة ما تملكه يمكن أن يمنعك أيضاً من شراء أشياء لا تحتاج إليها.
شاهد بالفيديو: وداعاً للديون! طريقك للسعادة المالية في 4 خطوات بسيطة
7. البحث عن طرائق لكسب مزيد من الأموال الإضافية
كل شخص يمتلك شيئاً يمكنه القيام به لزيادة دخله، سواء كان ذلك من خلال بيع الممتلكات التي لم تعد تستخدمها، أم مجالسة الأطفال، أم الحصول على مكافآت فتح بطاقة الائتمان والحساب المصرفي، أم العمل الحر، أم الحصول على وظيفة ثانية.
قد يبدو المال الذي تكسبه من هذه النشاطات ضئيلاً مقارنة بما تكسبه من وظيفتك الأساسية، ولكن حتى المَبالِغ الصغيرة يمكن أن تضاف إلى مبلغ ذي معنى بمرور الوقت، إضافة إلى ذلك، فإنَّ معظم هذه النشاطات لها فوائد جانبية، فقد ينتهي بك الأمر بمنزل أقل ازدحاماً أو تكتشف أنَّك تستمتع بوظيفتك الجانبية بدرجة كافية لتجعلها مسارك المهني الأساسي.
8. التحقق من التغطية التأمينية الخاصة بك
إذا كنت تملك كمية كبيرة من التأمين، أو كنت تستطيع الحصول على التغطية نفسها من مزوِّد آخر بسعر أفضل، فإنَّ إجراء تغييرات كهذه يمكن أن يساعد على خفض فواتيرك الشهرية بوضوح، ومع ذلك فإنَّ الحصول على تغطية تأمينية ممتازة يمكنه منع تراكم الأزمات فوق بعضها بعضاً، ومن الهام أيضاً التأكد من أنَّك تمتلك التغطية التي تحتاجها بالفعل وليس فقط الحد الأدنى منها، وينطبق هذا على الأساسيات التي تملكها بالفعل وأيضاً على الأساسيات التي قد تحتاج إلى شرائها في المستقبل، فمثلاً قد تكون بوليصة التأمين في مواجهة العجز ضرورية في حالة إصابتك بمرض خطير أو إصابة تمنعك من العمل.
9. مواكبة الصيانة الروتينية
إنَّ الحفاظ على مكونات سيارتك ومنزلك وصحتك البدنية في أفضل حالاتها، يساعدك على اكتشاف المشكلات مبكراً وتجنُّب التكاليف العالية للإصلاحات أو الفواتير الطبية لاحقاً، فمثلاً استبدال قطعتين من الخشب أسهل بكثير من التعامل مع منزل موبوء بالنمل الأبيض، كما أنَّ اتِّباع نظام غذائي صحي وممارسة التمرينات الرياضية أفضل بكثير من الحاجة إلى علاجات مكلفة لمرض السكري أو أمراض القلب، فقد تعتقد أنَّك لا تملك الوقت أو المال للاهتمام بهذه الأمور بانتظام، ولكنَّ تجاهلها يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات أكبر بكثير في وقتك وأموالك مستقبلاً.
نصائح للتعامل مع الأزمات المالية الشخصية
1. قيِّمْ الوضع المالي
احصِرْ جميع مصادر الدخل والمصروفات، واحتفِظْ بسجلَّات دقيقة لتتمكن من رؤية الصورة الكاملة لوضعك المالي.
2. قلِّصْ النفقات
حدَِّدْ المصروفات غير الضرورية وقلِّلها فوراً، قد تتضمَّن هذه المصروفات خدمات الترفيه، وتناوُل الطعام في الخارج، أو أية نفقات أخرى يمكن الاستغناء عنها مؤقتاً.
3. ضَعْ ميزانية
أنشِئْ ميزانية تتضمَّن فقط النفقات الأساسية، وضَعْ حدوداً صارمة لما تنفقه في كل فئة.
4. اجعَلْ الأولوية للديون
حاوِل سداد الديون أولاً، وكن ملتزماً بدفع الأقساط الشهرية في وقتها لتجنُّب مزيد من الفوائد أو الغرامات.
5. ابحَثْ عن دخل إضافي
حاوِلْ إيجاد مصادر دخل إضافية مثل الأعمال الحرة، أو العمل بدوام جزئي، أو حتى بيع بعض الممتلكات غير الضرورية.
6. فاوِضْ على الفواتير
اتَّصِلْ بالمقرضين أو مزودي الخدمات للتفاوض على شروط الدفع أو لتأخير موعد السداد إذا كان ذلك ممكناً.
7. استفِدْ من الموارد المتاحة
قد تكون هناك مؤسسات محلية أو حكومية تقدِّم الدعم المالي أو الاستشارات المالية المجانية، ولا تتردَّد في البحث عن مثل هذه الموارد.
8. تبنَّى ممارسات التوفير
حاوِلْ تبنِّي ممارسات توفيرية يومية مثل شراء المنتجات بأسعار مخفضة، واستخدام مواصلات عامة وتجنب الإسراف.
9. احتفِظْ بصندوق طوارئ
عند تحسُّن الوضع المالي، اعمَلْ على بناء صندوق طوارئ لتكون مستعداً لأية أزمات مالية مستقبلية.
10. استَفِدْ من التعلم المالي
استفِدْ من المواد التعليمية من خلال الإنترنت، أو الكتب، أو الدورات التدريبية لتعزيز مهاراتك في إدارة المال.
في الختام
التعامل مع الأزمات المالية الشخصية يتطلَّب خطوات مدروسة وثباتاً عاطفياً، ومن الهام أن نبدأ بفهم حالة أموالنا بإجراء تقييم شامل، ثمَّ وضع خطة مالية تستهدف تقليص النفقات وزيادة المدخرات، ويجب عدم التردُّد في طلب المشورة من الأصدقاء، والعائلة، أو المستشارين الماليين الذين يمكنهم تقديم نصائح قيِّمة واقتراحات عملية، وتشمل الحياة المالية المستقرة إعطاء الأولوية للصحة العقلية والبدنية، وتأثير الأزمات المالية يمكن أن يكون كبيراً في النفس، لذا ينبغي أن نتعامل معها بحذر وألَّا نتردَّد في طلب المساعدة من المحترفين عند الحاجة.
في نهاية المطاف، المرونة في التكيُّف مع الظروف المتغيرة، والالتزام بالخطة المالية، إضافة إلى استثمار الوقت في تطوير المهارات المالية، كلها عوامل تساهم في تجاوز الأزمات المالية وبناء مستقبل مالي مستقر وآمن.
أضف تعليقاً