ما هي الديون؟
الديون هي المبالغ المالية التي يدين بها فرد معين، سواء كانت هذه المبالغ مستحقة للبنوك أم للشركات أم للأفراد الآخرين، وتشمل الديون الشخصية عادةً القروضَ الشخصيَّةَ مثل القروض الطُّلَّابيةَ وقروضِ السيارات وقروض الإسكان والرصيد الباقي على بطاقاتِ الائتمان، وتُعَدُّ الديونُ الشخصيةُ مسؤوليَّة ماليَّة شخصيَّة، ويجب على الفرد سدادها وفقاً للشُّروط والأحكام المُتَّفقِ عليها.
لماذا وكيف يقع الناس في الديون؟
ثمة مفهومٌ شائعٌ يقول إنَّ الناسَ يقعون في الديون بسبب عيشهم بنمطٍ مُسرِفٍ، أو بسبب استخدام البطاقات الائتمانية استخداماً مُفرِطاً، والحقيقة هي أنَّ البطالةَ والفصلَ من العمل هما أكثر المشكلات شيوعاً التي تؤدِّي إلى مشكلاتِ الديون، وتحدث لأيِّ شخصٍ بصرف النظر عن موقفه المالي.
قد تعني تغيُّرات الحياة مثل فقدان الوظيفة أو مشكلات الصحة العقلية أو الجسدية أو الانفصال عن الشريك مواجهةَ صعوبةٍ في دفع فواتير منزلك، وقد يكون الضَّغطُ من أجل التكيُّف مع هذا التغيير المالي صعباً.
كيف يمكن لمشكلات الصِّحَّةِ العقلية أن تؤثِّر في حياتك المالية؟ ثمة عددٌ من الأسباب التي تصعب فيها مشكلات الصِّحَّة العقلية عملية إدارة أموالك.
إذا كنت تعاني من الاكتئاب، قد لا تمتلك الطاقة أو الدافعَ لتتَّبع أموالك، وإذا كنت تمرُّ بحالةٍ هَوَسيَّةٍ، قد تتَّخذ قرارات مُتسرِّعةً أو غير حكيمة في إنفاقك، وإذا كنت بحاجةٍ إلى إجازةٍ من العمل أو إلى البقاء في المستشفى، قد تواجه تقلُّصاً مُفاجئاً في الدَّخل وصعوبةً في متابعة فواتيرك.
قد تجعل بعض مشكلات الصِّحَّة العقلية مثل الخرف من الصَّعب أو المستحيل عليك اتِّخاذ قرارات بشأن الأموال، وتُعرف القدرة على اتِّخاذ القرارات باسم القدرة العقلية، وقد يتعيَّن على شخصٍ آخر اتِّخاذ القرارات نيابةً عنك إذا لم تكن لديك القدرة العقلية لفعل ذلك.
كيف تؤثِّر الديون في صحتك العقلية؟
توصَّلت أبحاثُ معهد السياسات المالية والصحة العقلية إلى أنَّ: الأشخاص الذين يعانون من الديون أكثر عرضةً لتجربة مشكلاتٍ صحيةٍ عقلية، والأشخاص الذين يعانون من مشكلات صحية عقلية أكثر عرضة للوقوع في مشكلات مالية.
مدى الارتباط بين النَّتيجتين قويٌّ جداً، فيُعاني ما يَقرُب من نصف (46%) الأشخاص الذين يواجهون مشكلات مالية أيضاً من مُشكلةٍ صِّحِّيةٍ عقليةٍ، والأشخاص الذين يعانون من مشكلات صحية عقلية مُعرَّضون لخطر يصل إلى ثلاثة ونصف مرَّةٍ أكبر للوقوع في مشكلاتٍ ماليَّةٍ مقارنةً بالَّذين لا يبلغون عن مشكلات صحية عقلية، وَفقاً لاستطلاع معهد السياسات المالية والصحية العقلية.
أظهرَ استطلاعٌ أجرته Forbes Advisor في أواخر عام 2023 أنَّ 54% من البالِغين الذين يعانون من ديونٍ يؤكدون أنَّهم يشعرون بالضغط بسببها، ويقول 60% من المُستجيبين إنَّ ضغطَهم المالي أدَّى إلى خلافاتٍ في علاقاتهم، وي يزيد ضغط الديون والمشكلات الصحية العقلية المُرتبطة بها من تعاطي المُخدِّرات والكحول، إضافة إلى تسبُّبِها في سلوكات سلبيةٍ أُخرى مثل تغيير في الشهية والتسويف والقلق.
إليك كيف تؤثِّر الديون في الصحة العقلية:
1. الإنكار:
يواصل عددٌ من المُستهلِكين الإنفاق الإكراهيَّ دون أيِّ اهتمامٍ بتدهور وضعهم المالي، فيؤجِّلون التعاملَ مع المشكلات حتى يقوم حدثٌ خارجيٌّ - رفض الائتمان ـ التهديد بالإخلاء، الإجراء القانوني، المكالمات الهاتفية المُزعِجة من مُحصِّلي الديون - بفرض التغيير، في هذه الأثناء، تتراكم رسومُ الفائدة والرسوم المُتأخِّرة.
2. الضغط:
إنَّه النقيض تماماً للإنكار، الديون والضغط مثل التوأمَين المُتَّصلَين، مشكلات مالية من جهة وتوتُّرٍ وضغطٍ من جهة أخرى، فإنَّ أقوى مُنبِّئ للضَّغط المالي هو ديون بطاقة الائتمان، ويظهر الضغط نفسه بطرائقَ واضحةٍ، مثل نقصٌ في النوم، فقدان التركيز، القلق المُستمرُّ.
3. القلق:
في هذا السياق، يُعَدُّ القلقُ التجسيدَ البدنيَّ للضَّغط: زيادةٌ في دقَّات القلب، ضيقُ التنفسِ، جفاف الفم، الصداع، والتهيُّج، ويُقدِّر المعهدُ الوطنيُّ للصحة النفسية أنَّ 40 مليون أمريكياً يُعانون من القلق، وتُعدُّ المخاوفُ المالية السببَ الشائعَ له.
4. الغضب:
للظاهرة هذه اسمٌ طبيٌّ وهو متلازِمة الغضب بسبب الديون، فيغضب الضحايا من الدائنِين الذين يُرسِلون لهم إرسالاً متكرراً فواتير، يغضبون من ساعي البريد لتسليم الفواتير، يغضبون من رؤسائهم لعدم إعطائهم مزيد من المال، يغضبون من شركائهم لعدم كسبهم مزيد من المال، يغضبون من أطفالهم لحاجتهم لتقويم أسنانٍ جديدٍ، ويغضبون من أنفسهم لوقوعهم في هذه المشكلة، ويؤدِّي هذا الغضب إلى تدمير العلاقات، وإلى مشكلات مثل الصداع النصفي وأمراض القلب، كما قد يُضعِف من مناعتك.
5. الاكتئاب:
بعد الإنكار وبعد الغضب يتجسَّد اليأس مع انخفاضٍ في التقدير الذاتيِّ، وقد يؤدِّي ذلك إلى ديونٍ أكثر، فيحاول الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب في بعض الأحيان تخفيف حالتهم من خلال عمليةِ تسوُّقٍ غير محسوبة أو فعلٍ آخر يُخفِّف عنهم، فالاكتئاب لا يثني عن الإنفاق الانفعالي؛ بل لديه تأثير مُناقض، ولكن كلُّ ما يفعله هو أن يؤدِّي إلى مزيد من الديون، وهذا بدوره يؤدِّي إلى مزيد من الاكتئاب واليأس.
أظهرت دراسة من الكلية المَلَكية للطب النفسي عن الديون والصحة العقلية، أنَّ نصف البالِغين الذين يعانون من مشكلةِ ديونٍ يعيشون أيضاً مع مشكلات صحيةٍ عقليةٍ، وتتراوح من الشعور المُستمرِّ بالقلق وانخفاض المَزاج إلى حالةٍ صحية عقلية مُشخَّصةٍ.
تُشعرَك الديون بالقلق، خاصةً إذا لم تحصل على دعمٍ من الأصدقاء أو العائلة أو من الدائنين، وتكون الديون عبئاً كبيراً وتزداد سوءاً بسبب التعامل معها وحدك.
يؤثِّر القلق بشأن الديون في نومك، ويؤثِّرَ فقدان ليلة نومٍ جيدةٍ ليس فقط في مزاجك ومستويات طاقتك، بل يؤثِّر أيضاً في قدرتك على العمل أو الحفاظ على علاقات جيَّدةٍ مع الأصدقاء والعائلة، وكلُّ هذه الأمور تزيد من مشكلتك مع الديون.
شاهد بالفديو: 8 نصائح لإدارة أموالك بشكل أفضل
ما هي مضارُّ الديون؟
الديون هي جزءٌ شائعٌ وأحياناً لا يمكن تجنُّبه من الحياة، لكن قد تكون لها عواقبٌ سلبيةٌ خطيرة على صحتك العقلية والجسدية، ورفاهيَّتك الاقتصادية، وفُرصِك المستقبلية، وتشمل بعض الأضرار الناتجة عن الديون:
1. تسبِّب الديونُ الإجهاد والقلق والاكتئاب:
ومشكلاتٍ صحيةً عقليةً أُخرى، فيمكن للديون أن تجعلك تشعرُ باليأس والذنب والخجل أو الغضب، كما تؤثِّر في تقديرك لذاتك وعلاقاتك وقدرتك على التعامل مع التحديات اليومية.
2. تُقلِّل الديونُ من الحيويَّةِ الاقتصادية والفُرَصِ:
فيمكن للديون أن تقيِّدَ خياراتك وقوَّتك الشرائية وتوفيرك واستثماراتك، كما تؤثِّرَ في نقطتك الائتمانية، وإمكانية الوصول إلى القروض وآفاق التوظيف وأمنك المالي.
3. تختلق الديونُ تحديات جيوسياسية ومخاطرَ:
فيُمكِن للديون أن تجعلك معتمِداً على الدَّائنِين الأجانب الذين قد يكون لديهم مصالحٌ وأجنداتٌ مختلفة عنك، كما تقلِّل من تأثيرك ورِهانك في الشؤون الدولية وتجعلك عرضةً للصدمات والصراعات الخارجية.
4. تُصَعِّب الديون من استجابتك للطوارئ الجديدة:
ويمكن للديون أن تقلِّلَ من الحرية المالية والمرونة لديك للاقتراض استجابة لركود أو جائحة أو حرب أو أيَّةِ طوارئ أُخرى، كما تُصعِّب تنفيذَ سياسات فعَّالةٍ وفي الوقت المناسب للتَّخفيف من تأثير مثل هذه الأزمات.
5. تكون الديونُ غيرَ عادلةٍ للأجيال الأصغر سِنَّاً والأجيال المُستقبلية:
وتفرضَ الديون عبئاً على أبنائك وأحفادك، الذين سيضطرون لدفع ضرائبَ أعلى، ويواجهون خدماتٍ عامَّةٍ أقل، ويرثون اقتصاداً أضعف، كما تقلِّل من قدرتك على الاستثمار في تعليمهم وصحتهم ورفاهيتهم.
كيف نخفِّف من الديون؟
ثمة عددٌ من الطرائق للحدِّ من الديون، ولكن أكثرها فاعليَّةً هو اتِّباع خطةٍ مثبتة تساعدك على توفير المال وبناء الثروة، وإحدى هذه الخطط هي خطوات ديف رامزي السبعة، التي تمنحك مساراً واضحاً لسداد ديونك وتحقيق الحرية المالية، فإليك الخطوات الرئيسة للخطة:
1. ادَّخرْ ما يمكنك من الأموال لصندوق الطوارئ الأوَّلي الخاص بك:
سيساعدك ذلك على تجنُّب مزيد من الديون عندما تنشأ نفقات غير متوقَّعةٍ.
2. سدِّد كل الديون (باستثناء المنزل) باستخدام طريقةِ كرة الثلج للديون:
هذا يعني دفع أكبرِ قدرٍ ممكن نحو أصغرِ دينٍ لديك بينما تدفع الحد الأدنى من المدفوعات على الباقي، وبمجرَّد أن تسدِّدَ أصغر دينٍ، انتقل إلى الدين التالي وهكذا حتى تصبح تدفع كل الديون.
3. احفظْ 3-6 أشهر من النفقات في صندوق طوارئٍ ممول بالكامل:
سيحميك ذلك من الطوارئ الكبيرة التي قد تُعرقِل تقدُّمَك.
4. استثمرْ 15% من دخلك الأُسري في التقاعد:
سيساعدك ذلك على زيادة ثروتك والاستعداد لمستقبلك.
5. احفظْ لصندوقِ جامعةِ أولادِك:
سيساعدك ذلك على تجنُّب القروض الطلابية وتمنح أطفالك بدايةً جيدة في الحياة.
6. سدِّدْ أقساطَ منزلك مُبكراً:
سيوفِّر عليك ذلك كثيرَاً ويطلق دخلك لأهداف أخرى.
7. ابن ثروتك وتبرَّعْ بسخاءٍ:
هذا هو الهدف النهائي للخُطَّة، فيمكنك الاستمتاع بأموالك ومباركة الآخرين بها.
شاهد بالفديو: وداعاً للديون! طريقك للسعادة المالية في 4 خطوات بسيطة
كيف تتعامل مع قلق الديون؟
قلق الديون هو مشكلةٌ شائعةٌ وجادة تؤثِّرَ في صحَّتك العقلية والجسدية ورفاهيَّتك المالية وجودة حياتك، ومع ذلك، ثمة طرائق للتَّعامل معها والتغلب عليها، فإليك بعض النصائح لمساعدتك على التعامل مع قلقِ الديون:
1. واجهْ ديونَك بجديَّةٍ:
فتجنُّب الديونِ سيجعل الأمر أسوأ فقط ويزيد من توترك؛ لذا بدلاً من ذلك، خذْ نظرةً واقعيةً على وضعك المالي وضعْ خطةَ لسدادِ ديونك، ويمكنك البدء بإعداد ميزانيَّةٍ وتحديد الأولويات والاتصال بمُقرِضيك للتَّفاوض على خفض أسعار الفائدة أو خُطَطِ السداد.
2. اطلبْ المساعدة المهنية:
فإذا شعرت بالقلق من ديونك أو عواطفك، قد تستفيد من التحدُّث مع محترِفٍ يمكنه تقديم الإرشاد والدعم، ويمكنك أيضاً طلب المساعدة لصحتك العقلية، مثلاً من الطبيب النفسي أو مجموعات الدَّعمِ أو خطوط المساعدة.
3. استخدمْ مهاراتَ التأقلُمِ الصحية بدلاً من الاعتماد على عادات غير صحية:
مثل التسوُّق أو شرب الكحول أو المُقامرة، للتعامل مع قلق الديون الخاص بك، وحاولْ العثور على طرائق إيجابية ومُنتجةٍ لإدارة التوتر والعواطف الخاصة بك، ويمكنك ممارسة تقنيات اليقظة، مثل التنفُس العميق أو التأمُّل أو اليوغا لتهدئة عقلك وجسدك، ويمكنك أيضاً المشاركة في النشاطات البدنية مثل المشي أو الجري أو ركوب الدراجات لرفع مزاجك وطاقتك، ويمكنك أيضاً قضاء وقت ممتعٍ مع أصدقائك وعائلتك الذين يقدِّمون لك الدعمَ العاطفي والعملي.
4. احتفلْ بتقدُّمك:
فقد يستغرق سدادُ ديونَك وقتاً وجهداً ولكن يمكنك تسهيل الأمر عن طريق الاعتراف بإنجازاتك والاحتفال بها على طول الطريق، ويمكنك تحديد أهداف صغيرة وواقعية مثل سَدادِ مبلغٍ مُعيَّنٍ من الدين كل شهر وكافئ نفسك بشيءٍ لا يكلِّف المال، مثل مشاهدةُ فيلم أو قراءة كتاب أو أخذ قيلولة، ويمكنك أيضاً تتبُّع تقدُّمك ورؤية كم قلَّلت من الدين وكم اقتربت من هدفك النهائي.
في الختام:
يظهر أنَّ الديونَ لها تأثيراتٌ خطيرةٌ في الصحة العقلية، وهذا يجعل إدارتها إدارةً فعَّالةً أمراً حيويَّاً للحفاظ على الرفاهية العامَّةِ من خلال التوعيةِ واتِّباع استراتيجياتٍ للتَّعامل مع الديون تعامُلاً صحيحاً، فيُمكِن للأفراد تقليل الضغط والقلق والاكتئاب المرتبطَين بالديون، والاستمتاع بحياةٍ أكثر استقراراً وسلاماً.
أضف تعليقاً