علم الاقتصاد ينتمي إلى فئة العلوم الاجتماعية التي تُعنى بدراسة الظواهر المتَّصلة بالسلوك الإنساني؛ لذا يحظى بأهمية بالغة وخاصة في الوقت ذاته بالنسبة إلى كل من الفرد والمُجتمَع الذي يستخدمه لينسِّقَ بين موارده وحاجاته التي كلَّما عمل على إشباع واحدة منها، ظهرت حاجة جديدة تستدعي الإشباع أيضاً.
في حقيقة الأمر ومن الناحية الاجتماعية لا يُعَدُّ تطوُّر تلك الحاجات أمراً سلبياً، فتطورها من أهم دوافع التقدُّم والرُّقي الإنساني والاجتماعي، ولولاها لبقيَ الإنسان يعيش في مستوى معيشة الإنسان البدائي، فما هو هذا العلم الذي ساهمَ في تطوُّر الإنسان وما هي أقسامه وما هي الموضوعات التي يُعنى بها كل قسم منها؟
تعريف علم الاقتصاد:
يرتبط علم الاقتصاد بالإنسان ارتباطاً وثيقاً؛ إذ يسعى إلى الكشف عن العلاقات والقوانين التي تحكم علاقات الأفراد بين بعضهم بعضاً، إضافة إلى تركيزه في إيجاد السُّبل الكفيلة بتلبية وسد حاجاته وحل كافة العقبات التي تعترض طريق الإنسان في أثناء ذلك، وعموماً ترجع كلمة اقتصاد (Economics) إلى اللغة اليونانية والتي تعني "التدبير المنزلي" أو "الإدارة الرشيدة للمنزل"، أما استخدام مصطلح "علم الاقتصاد" فقد شاع استخدامه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عندما أصدر ألفريد مارشال كتابه "مبادئ علم الاقتصاد" في عام 1890، ومن التعريفات التي انتشرت لتوضيح معنى هذا العلم والموضوعات التي يعالجها:
1. آدم سميث:
إنَّ علم الاقتصاد هو علم الثروة، أو هو العلم الذي يختصُّ بدراسة وسائل اغتناء الأمم، مع التركيز بصفة خاصة في الأسباب المادية للرفاهية؛ كالإنتاج الصناعي أو الزراعي.
2. ألفرد مارشال:
علم دراسة سلوك الإنسان في حياته اليومية فيما يتعلق بإنتاج الثروة وتبادلها وإنفاقها. فعلم الاقتصاد يركز في رفاهية الفرد المادية التي يحصل عليها من دخله.
3. سامو ويلسون:
هو دراسة الكيفية التي يختار بها الأفراد والمجتمع الطريقة التي يستخدمون بها مواردهم الإنتاجية النادرة لإنتاج مُختلَف السلع على مدى الزمن وكيفية توزيع هذه السلع على مُختلَف الأفراد والجماعات في المجتمع لغرض الاستهلاك الحاضر والمستقبل.
4. روبين:
هو العلم الذي يدرس سلوك الإنسان إزاء حاجاته المتعددة ووسائله المحدودة ذات الاستخدامات المتنوعة، ويُؤخَذ على هذا التعريف أنَّه يفتقد إلى بيان الأحكام والسياسات، والإجراءات واجبة الاتباع إزاء هذه الظواهر الاقتصادية.
5. علم الاقتصاد:
موضوع اجتماعي يتمحور حول الإنسان وحاجاته؛ إذ يدرس العلاقة بين حاجات الإنسان المتعددة وبين الموارد المتاحة وإيجاد الوسائل والطرائق لتحقيق الاستخدام الأمثل لهذه الموارد المُتاحة والعمل على إنمائها بأقصى طاقة ممكنة؛ وذلك بغرض تحقيق أكبر قدر من الإشباع للحاجات الإنسانية، فهو علم تسيير الموارد النادرة؛ إذ يوجِّه الفرد والمجتمع إلى الطرائق المؤدية إلى إشباع حاجات متعددة ولا نهائية.
شاهد بالفيديو: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد وطرق مواجهتها
أنواع العلاقات الإنسانية التي يدرسها علم الاقتصاد:
1. علاقة الإنسان بالطبيعة:
من المعروف أنَّ الطبيعة لها قوانينها الخاصة التي تحكمها، وأنَّ الموارد المتاحة فيها تخضع إلى هذه القوانين أيضاً، وجعلت الإنسان يفكر في إيجاد السُّبل والطرائق والأدوات الكفيلة بتأمين حصوله على هذه الموارد التي تساعده على سد حاجاته الأساسية، وفي علم الاقتصاد تُسمى بأدوات العمل التي أخذت بالتطوُّر شيئاً فشيئاً، فكلَّما اصطدم الإنسان بقوى الطبيعة، طوَّرَ أدواته لإخضاعها والسيطرة عليها، فعلاقة الإنسان بالطبيعة علاقة متغيرة ومتبدلة ودائمة التطوُّر والتغيير بحسب الظروف التي تواجهها.
2. علاقة الإنسان بالإنسان:
يتجلى البعد الاجتماعي لعلم الاقتصاد بعلاقة الإنسان بالإنسان، فكما هو معروف لا يمكن للإنسان العيش وحده، كما لا يستطيع إنتاج كل ما يحتاج إليه وحده أيضاً؛ لذا لا بدَّ له من التعامل والتعاون مع غيره من أبناء جنسه لإنتاج حاجاته، وهذا ما يُسمى في علم الاقتصاد بعلاقات أو روابط الإنتاج التي شكَّلَت موضوعات علم الاقتصاد والمتمثِّلة بما يأتي:
الإنتاج: تحويل موارد الطبيعة الخام إلى سلع وخدمات تعمل على الإشباع المباشر لحاجات الإنسان المتعددة.
الاستهلاك: يُعبِّر عن كمية السلع والخدمات المُستخدَمة لإشباع الحاجات الجارية سواء على المستوى الفردي أم الجماعي أم المجتمع ككل.
التوزيع: تعبير عن تقسيم العمل بين أفراد المجتمع وتوزيع الناتج على جميع العناصر في المُجتمَع سواء التي شاركت في العمل أم التي لم تشارك.
إعادة الإنتاج: يعني استخدام الفائض الاقتصادي لتحقيق استمرارية الإنتاج.
التنظيم: علم الاقتصاد يقوم على التنظيم سواء في عمليات الإنتاج أم الاستهلاك أم التوزيع؛ أي تحديد وحصر الموارد المُتاحَة وكذلك تحديد وحصر الحاجات الإنسانية وتحديد طرائق إنتاجها وثمنها والطرائق المناسِبة لتداولها، إضافة إلى تحديد الكيفية التي يتم من خلالها استغلال عناصر الإنتاج وتوزيعها على مُختلَف النشاطات الإنتاجية في المجتمع.
أقسام علم الاقتصاد:
يقسَّم علم الاقتصاد إلى قسمين رئيسين لكل منهما اهتمامه الخاص، لكنْ في الوقت ذاته يكملان بعضهما وهما الاقتصاد الجزئي والاقتصاد الكلي.
1. الاقتصاد الجزئي:
يُعنى هذا الاقتصاد بدراسة القرارات الاقتصادية الفرديَّة؛ أي على المستوى الفردي سواء الفرد الواحد أم السلعة الواحدة أم المنتج الواحد أم السوق الواحدة، وبالنسبة إلى الفرد فيسعى إلى تحقيق التوازن بين منفعته وبين ميزانيته، وبالنسبة إلى السلعة يسعى إلى تحقيق التوازن بين كل من العرض والطلب والسعر، وبالنسبة إلى المنشآت يعمل على إيجاد التوازن بين الإنتاج والتكاليف والإيرادات.
من الموضوعات التي يدرسها: كيفية توزيع الفرد لدخله وإنفاقه على حاجاته، مستوى استثمار الفرد، مستوى ادِّخار الفرد، التكاليف الاقتصادية للمنشأة بعينها، العوامل المؤثِّرة في الطلب على سلعة معيَّنة، النظم المختلفة للسوق، توازن السوق، التفاعل بين قوى الطلب والعرض.
2. الاقتصاد الكلي:
هو الاقتصاد الذي يهتم بدراسة سلوك الاقتصاد القومي الكلي وبشكل مستقل عن الوحدات الاقتصادية الفردية؛ فهو يدرس القضايا الكلية؛ مثل التضخُّم والبطالة والنمو الاقتصادي والركود والتنمية والسياسات الماليَّة والنقدية، وموضوع الاقتصاد الكلِّي من الموضوعات الهامة التي لا بدَّ أن يصادفها كل فرد منَّا بشكل يومي سواء في برامج التلفاز أم النشرات الإخبارية أم في الصحف أم المجلات، فموضوعاته تهمُّ المجتمع عامة.
يرمي الاقتصاد الكلي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف وأهمها:
- الحفاظ على مستوى قريب من مستوى التوظيف الكامل لقوى العمل ومكافحة البطالة.
- الحفاظ على مستوى عالي من الإنفاق الاستثماري.
- الحد من العجز في ميزان المدفوعات.
- مكافحة التضخُّم في الاقتصاد القومي.
- المحافظة على مستوى جيِّد لمعيشة المواطنين.
- تخفيض حدَّة الفقر.
في سبيل تحقيق تلك الأهداف يعمل الاقتصاد الكلي على:
- دراسة وتحليل المتغيِّرات الاقتصادية الكليَّة؛ مثل الناتج المحلي والدخل القومي ومستوى الدخل القومي ومستوى العمالة والمستوى العام للأسعار وغيرها من متغيرات الاقتصاد الكلية.
- دراسة الطلب الكلي في المجتمع من خلال دراسة: الإنفاق الكلي، العرض الكلي، الدخل التوازني.
- دراسة وتحليل المشكلات المرتبطة بظاهرتَي التضخُّم والبطالة ومعرفة أسبابها والعمل على وضع الحلول لها.
- تحديد دور الدولة في النشاط الاقتصادي من خلال دراسة وتحليل السياسات المالية والنقدية التي تتبعها لتحقِّقَ من خلالها الاستقرار الاقتصادي.
شاهد بالفيديو: أنواع النقود وتاريخها
مصطلحات مرتبطة بالاقتصاد الكلي:
1. البطالة:
تعني عدم التطابق الكامل بين عرض قوة العمل والطلب عليها، وتعرِّفُ منظمة العمل الدوليَّة العاطلين عن العمل بأنَّهم: "أفراد قوة العمل الراغبين في العمل وفق الأجور السائدة والباحثين عنه ولا يجدونه".
2. التضخُّم:
ويعني الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار أو هو الانخفاض المستمر في القيمة الحقيقية لوحدة النقد.
إقرأ أيضاً: كيف تريح بالك في أثناء التضخم الاقتصادي؟
3. الدَّخل القومي:
هو مجموع الدخل المُكتسَب في بلد ما؛ أي مجموع الدخول التي تحصل عليها عناصر الإنتاج الوطنية سواء كانت تقطن داخل البلد أم خارجه كنتيجة لاشتراكها في عمليات الإنتاج.
4. الإنفاق القومي:
هو مجموع ما ينفقه أفراد المجتمع على السلع والخدمات النهائية خلال سنة واحدة.
5. الاستهلاك:
الجزء من الدخل الوطني الذي ينفقه أفراد المجتمع على شراء السلع والخدمات الاستهلاكية.
6. الادِّخار:
هو الجزء الذي يتبقى من الدخل الوطني والذي يذهب إلى تمويل الاستثمارات.
7. الإنفاق الحكومي العام:
يتمثَّل في مجموع الأموال التي تنفقها الدولة على تسيير أعمالها ونشاطات مؤسساتها.
7. الإنفاق الحكومي الاستثماري:
يتمثَّل في مجموع الأعمال التي تنفقها الدولة لإنشاء طاقات إنتاجية جديدة.
8. السياسة المالية:
هي السُّبُل والإجراءات والأدوات التي تتخذها الدولة في سبيل إدارة نفقاتها وإيراداتها؛ ومن أهمها الضرائب والرسوم الجمركية والغرامة الإتاوة والقروض العامة.
9. السياسة النقدية:
تعبِّر عن مجموعة الإجراءات والتدابير التي يتَّخذها المصرف المركزي في إدارة النقد لتحقيق أهداف الاقتصاد الكلي، ومن أدواتها: سياسة السوق المفتوحة، سياسة سعر الخصم، سياسة الاحتياطي القانوني.
في الختام:
إنَّ علم الاقتصاد علم اجتماعي يتناول بالدراسة والتحليل السلوك الإنساني وما يقوم به من نشاطات اقتصادية، وهو من العلوم التي نشأت وتطورت شيئاً فشيئاً ولم تنشأ دفعة واحدة، فهو يمسُّ جميع الجوانب الحياتية للفرد والمجتمع؛ إذ يتعلَّق بإنتاج السلع والخدمات وتوزيعها وتبادلها واستهلاكها، إضافة إلى كافة المتغيرات الاقتصادية من دخل واستثمار وادِّخار وتنمية ونقود وأسعار وتجارة وعمل، والتي لا يمكن لمجتمع من المجتمعات أن يتطور ويبلغ الرقي من دونها.
المصادر +
- مجيدي العربي، المدخل لعلم الاقتصاد، جامعة محمد بومضياف.
- عبلة عبد الحميد بخاري، مبادئ الاقتصاد الكلي، 2010.
- سماح عبد الكريم، محاضرات في الاقتصاد الكلي.
أضف تعليقاً