كل ذلك وأكثر أدَّى إلى نشوء وجهة نظر معيَّنة حول المؤسسات الاجتماعية، تفيد بأنَّ هذه المؤسسات ما هي إلَّا أماكن لتشجيع عملية الابتكار والإبداع السياسي، ويكون ذلك عن طريق خلق جو من النقاش بين متخذي القرار والمواطنين، وهذه المؤسسات هي أيضاً وسائل لتحسين الحياة، وتمكين الحصول على المعلومات والخدمات، وزيادة مستوى العدل والتوازن الاجتماعي.
ومع تفاقم الفقر والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية وتغيُّر المناخ، ها هو يعود الحوار من جديد عن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ليكون ذا أهمية بالغة داخل النطاق السياسي والاجتماعي والعلمي، وكان هذا انطلاقاً من فكرة أنَّ هذا النوع من الاقتصاد هو ممارسة اجتماعية، بالإضافة إلى كونه تصوراً سياسياً، وأيضاً موضوعاً علمياً.
فقد احتلَّ هذا القطاع الاقتصادي في الآونة الأخيرة مكانةً هامَّة من الحيز العام، فبات له أثر كبير في إعادة تكوين المجتمع، وعُدَّ وسيلةً أساسية لإعمال مبادئ العدالة الاجتماعية، وتحقيق تنمية تتضمن مصلحة أشد الفئات عوزاً؛ وذلك بالتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص، والتي لها نشاط لا بأس به في السوق الرأسمالية، وأيضاً بالتعاون مع المؤسسات العامة للدولة، من أجل تخفيف حدة الصراع بين الشراكة والمنافسة والتفاوض.
ولمزيد من التوضيح عن هذا القطاع الاقتصادي، نتناول النقاط التالية:
- مفهوم الاقتصاد الاجتماعي.
- مبادئ الاقتصاد الاجتماعي.
مفهوم الاقتصاد الاجتماعي:
شهد هذا المفهوم نمواً ملحوظاً بعد فشل وانهيار المنظومة الاشتراكية في تسعينيات القرن الماضي، وكان قد تحوَّل إلى مطلب اجتماعي عالمي، خصوصاً بعد اندلاع الأزمة الماليَّة العالميَّة عام 2008، التي كشفَت عن مساوئ الرأسمالية، وعدم استقرارها هيكلياً، وتراكم الديون، مما أدى إلى عدم قدرة تلك الدول الرأسمالية على تحمُّل مجمل الأعباء الاجتماعية في الاقتصاد.
ثمَّ أُخِذ وحظي بتأييد متزايد كونه بديلاً مبتكراً عن أنموذج التنمية التقليدي القائم على دعم النمو.
وقد يُطلَق عليه اسم الاقتصاد التضامني أو الشعبي، ويُعرَّف بأنَّه ذلك الاقتصاد الذي يكون محوره الناس؛ أي إنَّ الهدف الأساسي للنشاط الاقتصادي، هو تلبية احتياجات هؤلاء الناس، وليس تحقيق الحد الأقصى من الأرباح.
فهو مبني على اقتصاد السوق الحر، ولكن بطريقة ذكية وعادلة، حيث إنَّه يرفض الرأسمالية المطلقة التي تتصف بقيامها على الملكية الخاصة؛ أي إنَّه لا يمكن للدولة أن تتدخل بالاقتصاد والسوق مطلقاً، وأيضاً فإنَّه يرفض الاشتراكية.
يتوافق هذا النوع من الاقتصاد مع النظم الاقتصادية ذات الطبيعة الاجتماعية؛ أي تلك النظم القائمة على الملكية الفردية – الاجتماعية، وبذلك لا يحدث أي تعارض بين كل من القرار الاقتصادي ومصلحة المجتمع.
ويعبِّر مفهوم الاقتصاد الاجتماعي التضامني عن تلك المجموعة الكبيرة من النشاطات الاقتصادية والاجتماعية المنتظمة معاً بشكل مؤسسات أو مجموعة أشخاص طبيعيين أو معنويين، التي يكون الهدف منها تحقيق المصلحة الجماعية لهذا المجتمع المتكونة منه.
من ثمَّ فإنَّ هذه النشاطات جميعها تخضع بشكلٍ أو بآخر لإدارة مستقلة ذات طابع ديمقراطي وتشاركي، والانتماء لها يتصف بكونه حراً.
هذا وقد قدَّمَت منظمة العمل الدولية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، على أنَّه مفهوم للشركات والمنظمات، مثل: "التعاونيات، الجمعيات، المؤسسات، المؤسسات الاجتماعية"، والتي لها خصوصية معيَّنة من حيث إنَّها تقوم بإنتاج السلع والخدمات والمعرفة، بالإضافة إلى سعيها إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز التضامن الاجتماعي، وهو ما ينتج عنه التوازن ما بين النشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، ومكافحة الاستعباد وضمان تكافؤ الفرص.
شاهد بالفديو: 10 طرق لتخفيض نفقات شركتك في ظل الأزمات الاقتصادية الحالية
مبادئ الاقتصاد الاجتماعي:
علينا أن نركز في أثناء دراستنا لمفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على قدرته الفريدة على التكيف مع مختلف البلدان على الرغم من تنوعها؛ وذلك بسبب ديناميته واستيعابه للخصوصيات المحلية كافةً لكل بلد.
فهو مفهوم كان له أن يتبلور في هذا العصر المفعم بالحداثة وسيولة المفاهيم، دون أن يكون مفتوحاً على جميع التجارب بمختلف صيغها، وهناك مجموعة من القيم والمبادئ التي تشترك فيها نشاطات الاقتصاد الاجتماعي القائم على التضامن، وهي:
1. المشاركة:
- الحكم الديمقراطي من القيم الأساسية للاقتصاد الاجتماعي التضامني.
- مشاركة المعنيين بهذا الاقتصاد من مستخدمين ومستفيدين في صنع القرار.
- المسؤولية المشتركة.
- تمكين المستفيدين من خلال طرائق العمل القائمة على المشاركة.
- المساواة بين الناس في إبداء الرأي.
- الملكية الجماعية غير القابلة للتقسيم.
- القرب من الفئة المستهدفة.
2. التضامن والابتكار:
- بديل ابتكاري عن النماذج الاقتصادية التقليدية.
- من الاقتصاديات الشاملة التي تعود بالفائدة على المجموعات الأكثر حرماناً وتهميشاً وفقراً.
- الحاجة إلى المرونة والابتكار لتوجيه الموارد والفوائد إلى المستفيدين والمساهمين.
- الأولوية لجودة الخدمات مقارنة بالربح.
3. المشاركة الطوعية والاستقلالية:
- المشاركة طوعاً في مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي التضامني.
- نهج الانطلاق من القاعدة: إنشاء مؤسسات بناءً على الاحتياجات الاجتماعية.
- اقتصاد مستقل بطبيعته.
- إعطاء فرص للمجتمعات لإنشاء المشاريع والحصول على مهارات وموارد وفرص عمل وفوائد يتعذَّر تحقيقها من خلال اقتصاديات السوق.
- الانتماء الحر.
- الفاعلية الاجتماعية للمبادرة.
4. المصلحة العامة:
- تعزيز ثقافة مجتمعية قائمة على التعاون والدعم المتبادل.
- المشاركة في المسؤوليات.
- الهدف الرئيس هو النمو والرفاه للجميع دون الانتقاص من رفاه الأفراد ضمن هذه المجموعة.
- الأولوية لمبدأ التبادل على مبدأي السوق الحر وإعادة توزيع الثروة.
بذلك أصبح الاقتصاد الاجتماعي والتضامني أحد أهم الأساليب في عملية تحقيق التنمية الاقتصادية، وضمان الاستقرار الاجتماعي، وبالأخص في اقتصاديات الدولة النامية والمتخلِّفة، إضافةً إلى مساهمته في تحقيق النمو الناتج المحلي الإجمالي في الدول المتقدمة، وزيادة الثروة وتوفير فرص العمل.
لذلك على جميع السلطات، ومن المستويات كافةً، وفي جميع البلدان، أن تقوم بإطلاق المبادرات التي تساعد على إنشاء وتطوير مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بهدف تعزيز التنمية.
فإنَّ قيامها بهذا الأمر هو الخيار الوحيد لهذه البلدان، وبالذات النامية، التي يميل المستثمرون فيها إلى التخلي عنها والتوجه إلى الأسواق التي تحقق لهم عوائد أعلى، علاوة على ذلك، فقد تبيَّن أنَّه لدى المؤسسات الاجتماعية والتضامنية القدرة على دعم واستكمال التدابير والاحتياجات الاجتماعية كافةً.
أضف تعليقاً