فتطوَّر الإنسان عبر هذه العصور بشتى المجالات في إطار سعيه الدؤوب، ومن أوجه هذا التطور هو ما حصل على صعيد الإنتاج والتصنيع وتبادل السلع وتداولها، إضافة إلى تلك المستويات المتطورة من الأداء الإداري، وتبنِّي السياسات ووضع الاستراتيجيات الاقتصادية، إلى أن وصل الأمر بالإنسان إلى اختراع عظيم غيَّر وجه الحياة ألا وهو اختراع النقود، كما وصل في العصر الحديث إلى سيلٍ من التطورات في مجال المعلومات والاتصالات.
وبالتوازي مع هذا التطور برزَت الكثير من الأفكار والنظريات والآراء الاقتصادية، لكوكبة من العلماء والكتَّاب والفلاسفة، ويضاف إلى ذلك ما جاءت به الديانات السماوية من تشريعات ونصوص وأحكام وقواعد تخص التعاملات الاقتصادية، بيد أنَّ جميع هذه الأفكار الاقتصادية كانت محض شتات متفرق في كثير من الكتب.
ومن هنا نستهل حديثنا عن الأنظمة الاقتصادية التي يقوم عليها الاقتصاد في العالم، ولمزيد من التوضيح سنتناول ما يلي:
- مفهوم النِّظام الاقتصادي.
- أنواع الأنظمة الاقتصادية.
مفهوم النّظام الاقتصادي:
بدايةً يتحتم علينا تعريف علم الاقتصاد، وهو ذاك العلم الذي يختص في البحث عن الطرائق المثلى في إدارة واستغلال الموارد الاقتصادية المحدودة والتي يغلب عليها صفة الندرة؛ وذلك بهدف إنتاج ما يلزم من السلع والخدمات لإشباع الحاجات الإنسانية المتزايدة والمتنوعة، وكل ذلك ضمن حدود القيم والتقاليد والعادات الاجتماعية.
ويبحث أيضاً علم الاقتصاد في الطريقة التي يتم بها توزيع الناتج الاقتصادي بين المشاركين في سلسلة العمليات الإنتاجية، سواء توزيعاً مباشراً أم غير مباشر، وذلك ضمن تلك الحدود نفسها.
وباختصار، الاقتصاد هو علم من العلوم الإنسانية والاجتماعية، القائم على دراسة كيفية توظيف الموارد الاقتصادية، أو كيفية استخدام عناصر الإنتاج، لإنتاج السلع والخدمات التي تؤدي إلى إشباع حاجات أفراد المجتمع.
أمَّا بالنسبة إلى مفهوم النظم الاقتصادية عموماً؛ فيُعرَّف النِّظام الاقتصادي على أنَّه تلك المجموعة من العلاقات الاقتصادية والقانونية، التي يتم ضمن إطارها كل ما له علاقة بالحياة الاقتصادية لمجتمعٍ ما في فترةٍ زمنية معيَّنة، فهذه المجموعة من الأسس والعلاقات والقواعد، هي التي تحكم التفاعل بين الحاجات البشرية والموارد الطبيعية والبشرية والمعرفية المتاحة.
ويُعَدُّ النِّظام الاقتصادي لبلدٍ ما جزءاً لا يتجزأ من النِّظام الاجتماعي للبلد ذاته، فهناك تأثير متبادل بين النِّظامين.
ووصف العالِم "سومبارت" النِّظام الاقتصادي بأنَّه ذلك المظهر الذي يجمع بين ثلاثة عناصر هي:
- الجوهر: وهو مجموعة الدوافع والبواعث التي تُحرِّك الفعاليات الاقتصادية.
- الشكل: وهو مجموعة العوامل الاجتماعية والقانونية والمؤسساتية التي تحدد إطار النشاط الاقتصادي، والعلاقات بين جميع المساهمين في هذا النشاط، مثل نوع الملكية ونظام العمل ودور الدولة في الحياة الاقتصادية للمجتمع.
- المحتوى المادي: هو المستوى التقني للإنتاج، المتمثل في مستوى تطوُّر وسائل الإنتاج التي يتم بواسطتها الحصول على السلع والخدمات.
وتتحدد طبيعة النِّظام الاقتصادي من التداخل والتفاعل المنطقي بين العناصر الثلاثة المذكورة.
ومن ثمَّ نجد أنَّ النظم الاقتصادية مجموعة من الطرائق والأساليب التي يتم اتِّباعها بهدف الإدارة السليمة للنشاطات المالية، والتي بدورها تؤدي إلى تخفيف العبء الناتج عن ازدياد الحاجات الإنسانية في ظل الندرة التي تخيِّم على الموارد المتاحة.
وللأنظمة الاقتصادية أهمية عظيمة تبرز من كونها المحرك الأساسي لنشاط أيَّة دولة؛ وذلك لأنَّ هذه الأنظمة تقع عليها المسؤولية في تحديد نمط الحياة السياسية والاجتماعية.
بالنتيجة، فإنَّ الاقتصاد هو عصب الحياة؛ لهذا يجب علينا أن نفهم جيداً أنواع الأنظمة الاقتصادية المختلفة.
شاهد بالفديو: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد وطرق مواجهتها
أنواع الأنظمة الاقتصادية:
خلال العصور الماضية من حياة الإنسان، نجد أنَّ العالم قد تخبَّط بين العديد من النظم الاقتصادية، وقد عانت الشعوب طويلاً من بعض تلك النظم، وسبَّبَت العديد من المشكلات المعقَّدة عصيَّة الحل، فوجدنا أنَّ هناك الكثير من الطرائق لتصنيف الأنظمة الاقتصادية المختلفة، ولكنَّها في الغالب متشابهةٌ، وإنَّما تختلف في المسميات فقط، ومن الشائع عند علماء الاقتصاد أنَّه توجد أربعة أنواع رئيسة للأنظمة الاقتصادية، وهي:
النِّظام الاقتصادي التقليدي:
الاقتصاد التقليدي هو الاقتصاد الذي يعتمد على العادات والتقاليد الموروثة والمرتبطة بمجتمع معيَّن، أو المرتبطة بالموقع الجغرافي ارتباطاً كبيراً.
ويُعَدُّ هذا النظام الاقتصادي من أول وأقدم الأنظمة الاقتصادية التي عرفَتها البشرية إطلاقاً، وكان يعتمد اعتماداً أساسياً على: الزراعة والضرائب والرسوم والصيد.
وهذه الأمور كلها ترتبط بالأرض والموقع الجغرافي؛ لذلك فقد انتشر هذا النِّظام الاقتصادي في الدول الإفريقية، ودول آسيا، ودول أمريكا الجنوبية، بالإضافة إلى انتشاره في الأماكن التي تُقدَّر فيها التقاليد؛ حيث لا تزال إلى الآن النظم الاقتصادية التقليدية تقدِّم منتجات وخدمات تُعَدُّ نتيجةً مباشرة للمعتقدات والعادات والديانات.
فنجد أنَّ جزءاً كبيراً من العالم ما زال يعمل في ظل النِّظام الاقتصادي التقليدي، وهذه المناطق من العالم تميل لأن تكون ريفيةً من العالم الثاني أو الثالث، وأكثر ارتباطاً بالأرض، من خلال الزراعة.
على الرغم من ذلك، مازال هناك عدد قليل من البدو، اقتصادهم تقليدي تحديداً، ولكن غالباً ما يتفاعلون مع اقتصاديات أخرى من أجل البيع والتجارة والمقايضة.
ويتميز هذا النِّظام الاقتصادي بالأمور التالية:
- الحفاظ على العادات والتقاليد.
- لا يفرق بين الأشخاص؛ وذلك لأنَّ الموارد محدودة، وطرائق العمل وأساليب الربح واضحة للجميع.
- قوانينه بسيطة؛ حيث لا يوجد تعقيد في حساب الضرائب والرسوم؛ وذلك لبساطة عملية الإنتاج والتوزيع.
- الوضوح في الحقوق والواجبات لجميع الأفراد.
- الثبات والاستدامة، وعدم التقلب الشديد في حركة السوق؛ وذلك بسبب وجود الموارد الثابتة.
أمَّا بالحديث عن عيوب هذا النِّظام، فإنَّ العيب الأساسي فيه، هو عدم توفر بعض الأمور التي تُعَدُّ من المسلَّمات في أنظمة اقتصادية أخرى، مثل: الطب الغربي، ومراكز تقديم الخدمات الاجتماعية، والتكنولوجيا.
النِّظام الاقتصادي الرأسمالي (اقتصاد السوق الحر):
يقوم النِّظام الرأسمالي بالأساس على الملكية الفردية لمعظم وسائل الإنتاج؛ حيث يسعى الفرد عن طريق هذه الملكية إلى تحقيق منفعته الخاصة بأكبر شكل ممكن.
وهنا يجب التفريق بين نوعين من الأفراد:
- المستهلك: فتكون مصلحته الخاصة هي إشباع حاجته للاستهلاك.
- المنتج: فتكون مصلحته الخاصة هي تحقيق الربح.
حيث إنَّه في ظل النِّظام الاقتصادي الرأسمالي لا وجود لجهة رسمية تتولى مَهمة توزيع الموارد الاقتصادية؛ بل من يقوم بذلك هو السوق.
ويقوم أيضاً النِّظام الاقتصادي الرأسمالي على الحرية في المجالات كافةً، سواء السياسية أم الاجتماعية أم الاقتصادية، ولكن على النحو الذي ينص عليه القانون.
إضافة إلى ذلك، فإنَّ النِّظام الاقتصادي الرأسمالي يعني سيادة الديمقراطية والحرية المطلقة في الاقتصاد، وتُعَدُّ أمريكا وروسيا ودول أوربا دولاً ذات نظام اقتصادي رأسمالي؛ وذلك لأنَّها تعتمد على جمع المال بأيَّة وسيلةٍ كانت.
- ويتميز هذا النِّظام الاقتصادي بالأمور التالية:
- ابتعاد الحكومة عن التدخل في السوق، فتترك الأمر للمستهلك ورغبته وحاجته، ليتحكم بالإنتاج والبيع والشراء والأسعار، ويكون دور الحكومة هو الرقابة، وإنتاج سلع معيَّنة.
- عَدُّ المستهلك حر في خياراته، فيكون ذلك أساس السوق والعملية الاقتصادية.
- خلق جو من المنافسة الحرة، وحرية الإنتاج.
- دعم إجراءات حماية الملكية الخاصة؛ حيث تكون عملية نقلها في أي وقت، عمليةً حرة بعيداً عن تدخُّل الحكومة.
- إبراز الأهمية والدور الفعال للسعر؛ وذلك لأنَّ سعر السلعة يؤدي دوراً هاماً في الإفصاح عن رغبة المستهلك في الحصول على السلعة، ومن ثمَّ يكشف عن الرغبات التي يريد المنتج توفيرها بالسلعة.
النِّظام الاقتصادي الاشتراكي (الاقتصاد المخطط مركزياً، الموجَّه):
يتميز هذا النِّظام بتشابهه مع النِّظام الرأسمالي من حيث استخدام الأساليب الإنتاجية المتقدمة في تقسيم العمل واستخدام الآلات، مع العلم أنَّ المشروعات الخاصة في النِّظام الرأسمالي تتميز بمزيد من التقدم الفني.
وتسيطر الحكومة في ظل هذا النِّظام على جميع الموارد المادية والبشرية، وتتولى عملية توجُّه الإنتاج عن طريق هيئات إدارية تسند إليها مَهمة التخطيط للإنتاج، ومن ثمَّ آلية توزيع الناتج القومي الإجمالي بشكل يكون فيه الإنتاج متوازناً مع الاستهلاك، والادخار متوازناً مع الاستثمار.
ويحكم هذا النِّظام الاقتصادي الملكية الاجتماعية للثروة، ويعتمد قوةً مركزية (الحكومة)، من أجل إدارة تلك الثروة، واتخاذ القرارات الاقتصادية، ووضع الخطط المستقبلية، وينتشر تطبيقه في الدول النامية.
وقد يرى بعضهم أنَّ المفهوم الحالي لهذا النِّظام الاقتصادي ما هو إلا وليد لأفكار السياسة الشيوعية، وأوضح مثال عليه هو روسيا والصين.
ويتميز هذا النِّظام الاقتصادي بالأمور التالية:
- القوة في التنفيذ.
- يُعَدُّ الخطوة التالية من حيث التقدم الاقتصادي بعد النِّظام التقليدي.
- التحكم المركزي من قبل الحكومة بالاقتصاد.
- القدرة على التزويد بإمدادات غزيرة للموارد الخاصة.
- مكافأة أفراد المجتمع بأسعار مقبولة.
- قائم على تمليك وسائل الإنتاج للجماعة، من أجل استغلال موارد ووسائل الثروة لإنتاج كميات كبيرة، والعدل في توزيعها.
ومن الجدير بالذكر أنَّ هذا النِّظام الاقتصادي يكاد يختفي؛ وذلك بسبب الآثار السياسية والاقتصادية للنظام الرأسمالي على الصعيد الدولي.
النِّظام الاقتصادي المختلط (الاقتصاد المزدوج):
يقوم هذا النِّظام على الجمع بين خصائص كل من النِّظام الرأسمالي والنِّظام الاشتراكي؛ حيث يتم تقاسم أداء عملية اتخاذ القرارات بين كل من الحكومة والقطاع الخاص.
ويتصف بوجود القطاع العامل الذي تتولى أموره الحكومة، بالإضافة للقطاع الخاص الذي يكون ذا ملكية خاصة تماماً، أو جزئياً من قبل الدولة.
وتقوم الحكومة بالتأثير في السوق عن طريق السياسات المالية والاقتصادية والنقدية، في حين يكون هناك أيضاً تأثير آخر في هذا السوق من قبل قرارات المستهلكين والمنتجين والقطاعات الاقتصادية الأخرى.
ويتميز هذا النِّظام الاقتصادي بالأمور التالية:
- امتلاك السوق الحر من قِبل الحكومة، باستثناء عدد قليل من المجالات الرئيسة.
- النظام الأكثر شيوعاً في العالم، وبالتحديد في الدول المتقدمة.
ومن أبرز عيوب هذا النظام أنَّه يعتمد على الحكومات وعلى خياراتها وقراراتها اعتماداً كبيراً.
لقد ناقشنا في مقالنا هذا بعض الأنظمة الاقتصادية التي اشتهر بها علم الاقتصاد، وقد حاولَت هذه الأنظمة على مرِّ العصور معالجة العديد من المشكلات الاقتصادية المختلفة في مختلف المجتمعات.
وعلى الرغم من الاختلافات الموجودة بين المجتمعات؛ إلَّا أنَّها تشترك في صفة مميَّزة، وهي أنَّها تتكون من صنفين من الأفراد هما الأفراد المنتجون والأفراد المستهلكون، وهذا يدعو إلى وجود رغبات وحاجات لدى كلٍّ منهما، يسعون إلى إشباعها.
بيد أنَّ هناك تنوُّع واختلاف للموارد الاقتصادية بين المجتمعات، بالإضافة إلى محدودية هذه الموارد؛ مما يتطلب وجود نظام اقتصادي يقوم بحلِّ هذه المشكلة.
أضف تعليقاً