يُعَدُّ تفهُّمُ الغضبِ وتحليله جزءاً هامَّاً من عملية التربية والتنشئة، إذ يسعى الوالدان إلى تحقيق التوازن بين التعبير عن مشاعرهم السلبية بشكلٍ صحيح، والتَّفاعل بطريقة بنَّاءة مع سلوك الطفل.
أصبح التعاملُ مع الغضب أمراً حاسماً للحفاظ على علاقتنا مع أطفالنا في مواجهة تحديات الحياة اليومية التي يواجهونها، وتتطلَّب هذه العملية خطواتٍ حاسمة للتأكُّد من أنَّنا نتفادى الغضب الزائد، ونتعامَلُ مع الوضع بشكل هادئٍ وبنَّاء.
دعنا نستعرض بعض الخطوات الأساسية التي يجب اتخاذها قبل الغضب من أطفالك.
ما هي أسباب الغضب عند الأطفال؟
ثمة بعض الأسباب المُحتمَلة التي قد يبدو فيها طفلك أكثر غضباً من الأطفال الآخرين، وبعض هذه الأسباب الشائعة:
- الإحباط عندما لا يحصل على ما يريد، أو عندما يُطلَبُ منه فعل شيءٍ لا يُحِبَّه.
- الشعورُ بالتوتُّرِ أو القلق أو الخوف من شيءٍ ما.
- وجود حالة صحيَّة عقليَّة، مثل فرط الحركة، ونقص الانتباه، أو التوحُّد، أو اضطراب الوسواس القهري، أو الاكتئاب.
- تجربة الصدمة، أو التنمُّر، أو مشكلات العائلة.
- وجود توقعات غير واقعية لنفسه أو للآخرين.
- صعوبة التعبير عن مشاعره أو تنظيمها.
الغضبُ عاطفةٌ طبيعيَّةٌ وصحيَّةٌ، ولكنْ يمكنُ أنْ يصبحَ مشكلةً عندما يُعبَّر عنه بطرائق ضارَّة أو مُخرِّبة، فإذا كان غضب طفلك يؤثِّرُ في علاقاتهِ، أو أدائه الدراسيِّ، أو حياته اليوميَّة، فقد يحتاجُ إلى مساعدة ٍمهنيَّة لتعلُّمِ كيفيَّة التعامل معه.
يمكنك التحدُّث إلى طبيبك العام، أو ممرِّضة المدرسة للحصول على المشورة والدعم، أو البحث عن خدمة صحَّة الأطفال والشباب المحليَّة.
ما هي محفِّزات الغضب عند الوالدين؟
بعضُ محفِّزات الغضب الشائعة عند الوالدين هي:
- التعاملُ مع الفوضى والتهوُّرِ.
- التعاملُ مع الضجيجِ والإزعاج.
- إدارة ُالعصيان أو المعارضة من أطفالهم.
- الشعورُ بالضيقِ بسبب نقصِ التقدير أو الاحترام المتصوَّر.
- وجودُ توقُّعات غير واقعيَّةِ لأطفالهم أو لأنفسهم.
- التعاملُ مع الضغوطات الشخصيَّة أو المهنيَّة أو التحديَّات الحياتيَّة.
- وجودُ قضايا غير محلولةٍ من طفولتهم أو ماضيهم.
قد تختلفُ هذه المحفِّزات من شخصٍ لآخر، اعتماداً على شخصيَّتهم وطباعهم ومهارات التكيُّف لديهم، ومع ذلك فهي غالباً ما تكون مرتبطةً بالشعور بالإرهاق، أو الإحباط، أو العجز في دور الأبوُّة والأمومة.
كيفية مساعدة الطفل في التعرُّف إلى علامات الغضب:
مساعدةُ طفلك على التعرُّفِ إلى علامات الغضب هو وسيلةٌ رائعة لتعليمه كيفيَّة التعامل مع هذه العاطفة القوية.
إليكَ بعض النصائح التي يمكنك اتباعها لمساعدة طفلك على التعرُّفِ إلى مشاعر الغضب وتسميتها:
1. ابدأ بكلمات الشعور الأساسية:
علِّمْ طفلك كلماتٍ، مثل: (غاضب، حزين، سعيد، خائف) ويمكنكَ استخدام الكتب أو الصور أو الألعاب لمساعدته على تعلُّم هذه الكلمات، وسمِّ مشاعر طفلك بالقول: "يبدو أنَّك تشعر بالغضب الآن" مع مرور الوقت، سيتعلَّم تسمية مشاعره بنفسه.
2. تحدَّثْ عما يثير غضبه:
اعملا معاً لمحاولة معرفة الأوضاع أو الأحداث التي تجعل طفلك غاضباً، على سبيل المثال، قد يغضبُ عندما يضطَّر لمشاركة ألعابه، أو عندما يقوم بواجبه المدرسي، أو عندما يذهب إلى الفراش؛ فساعده على فهم أنَّ الغضب عاطفة طبيعيَّة ومفيدة، ولكنْ يجبُ التعبير عنها بطريقة صحيَّة ومحترمة.
3. ساعدْهُ على ملاحظة العلامات الجسديَّة للغضب:
يمكن للغضب أنْ يؤثِّرَ في الجسم إضافة إلى العقل؛ لذا تحدَّث إلى طفلك عن كيفية شعوره عندما يبدأ في الغضب، على سبيل المثال، قد يلاحظ أنَّ قلبَه ينبض بسرعة، أو أنَّ عضلاته متشنِّجة، أو أنَّ أسنانَه تصطكُّ، أو أنَّ يديه ترتجفُ، أو يشعر بالغثيان؛ هذه إشاراتٌ بأنَّه يحتاج إلى الهدوء قبل أن يقول أو يفعل شيئاً قد يندم عليه.
4. استكشِفْ المشاعر الأخرى التي قد يشعر بها:
عندما يكون الطفل غاضباً، فثمة مشاعر أخرى يمكن أنْ يشعرَ بها أيضاً، على سبيل المثال، قد يشعر بالإحباط، أو الجرح، أو الخوف، أو الغيرة؛ لذا ساعد طفلك على تحديد وتسمية هذه المشاعر، واشرح له علاقتها بالغضب، على سبيل المثال، يمكنك القول: "أنت غاضب لأنَّك خائفٌ من أنَّ صديقك لن يحبَّك بعد الآن".
شاهد بالفيديو: 6 طرق لمعالجة الغيرة عند الأطفال
5. استخدمْ مقياس الشعور بالمشاعر:
مقياس الشعور بالمشاعر هو أداةٌ يمكن أن تساعدَ طفلك على قياس ومراقبة مستوى غضبه، فيمكنك رسم مقياس على ورقة، ثمَّ الطلب منه تلوين المقياس وفقاً لمدى غضبه، من الأخضر (هادئ) إلى الأحمر (غاضب جداً).
يمكنك أيضاً مساعدته على تسمية مراحل الغضب المختلفة، مثل الانزعاج، والاضطراب، والغضب، والغضب الشديد، سيساعد هذا طفلك على أنْ يصبحَ أكثر وعياً بغضبه، وكيفية تغيُّره مع مرور الوقت.
خطوات أساسية يجب اتخاذها قبل الغضب من أطفالك:
يمكنُ أنْ يكونَ الغضبُ عاطفةً يصعُب التحكُّم فيها، خاصَّةً عندما يكون الشخص والداً، فإليك بعض الخطوات الأساسية لاتخاذها قبل أن تغضب من أطفالك:
1. التعرُّف إلى علامات الغضب:
كن حذراً تجاه كيفية ردِّ فعل جسمك وعقلك عندما تبدأ في الشعور بالإحباط أو الضيق، على سبيل المثال، قد تلاحظُ أنَّ قلبك ينبض بسرعة، أو تتوتَّر عضلاتك، أو تصبحُ أفكارك سلبيَّةً؛ هذه إشاراتٌ بأنَّك تحتاج إلى الهدوء قبل أن تقولَ أو تفعلَ شيئاً قد تندمُ عليه.
2. أخذ استراحة:
إذا شعرت بالغضب، حاوِلْ أنْ تبتعدَ عن الوضع لبضع دقائق، يمكنك الذهاب إلى غرفةٍ أخرى، أو التجوُّل؛ سيساعدك هذا على خفضِ مستوى الضغط النفسيِّ واستعادة هدوئك.
3. فهم سبب غضبك:
الغضب غالباً ما يكون علامةً على أنَّ شيئاً غير صحيح في حياتك يحدث؛ لذا حاوِلْ تحديد سبب غضبك وما يمكنك فعله للتعامل معه، على سبيل المثال، قد تكون غاضباً لأنَّك مشغولٌ بالمسؤوليَّات، أو لأنَّك تشعرُ بعدم احترام طفلك لك، بمجرَّد فهم مصدر غضبك، يمكنك التواصل بشكلٍ أوضح.
4. وضع الحدود قبل أن تغضب:
أفضلُ طريقةٍ لمنع التصاعد في الغضب هي وضع قواعد وعقوبات واضحة ومتسقة لسلوك طفلك، سيساعدك هذا على تجنُّب الصِّراعات السلطويَّة والمناقشات، ويجعلُ من السَّهل عليك فرض الانضباط بهدوءٍ وحزم.
5. البحث عن المساعدة إذا لزم الأمر:
إذا وجدتَ أنَّ غضبك خارج عن السيطرة أو يؤثِّر في علاقتك مع طفلك، فقد تستفيد من طلب المساعدة المهنية، إذ يمكن لطبيبك العام أو ممرِّضة المدرسة تقديم الدعم والمشورة لك، أو يمكنهم توجيهك إلى خدمة صحة الأطفال والشَّباب المحليَّة للحصول على مساعدة متخصِّصة.
6. العد إلى 10:
هذه تقنيَّةٌ بسيطة ولكنَّها فعَّالة لتهدِّئ نفسك وتقاطِعْ دورة الغضب، فعند العدِّ الى 10 ستعطي نفسك الوقت لتهدأ وتفكر بشكلٍ عقلاني، بدلاً من الردِّ بشكل متهوِّر.
7. التنفُّس ببطءٍ وعمق:
التنفُّس أداةٌ قويَّة لتنظيم عواطفك وتهدئة جهازك العصبي، فعندما تغضب يصبح تنفُّسك ضحلاً وسريعاً، وهذا يزيد من ضربات قلبك وضغط دمك، ومن خلال التنفُّس ببطء وعمق، يمكنك عكس هذه التأثيرات وخفض مستوى الضَّغط النفسي.
8. ضمم وإفلات يديك بقوَّة:
هذه طريقة فيزيائية لتحرير بعض التوتر والطَّاقة التي تتراكم عندما تكون غاضباً، فمن خلال ضمِّ وإفلات يديك بقوة، يمكنك إرخاء عضلاتك وتشتيت نفسك عن الأفكار السلبيَّة التي تغذِّي غضبك.
9. التحدُّث إلى شخصٍ تثقُ بهِ:
في بعضِ الأحيان، ما تحتاجه هو فقط التعبير عن مشاعرك والحصول على بعض الدعم من شخصٍ يفهمك، فالتحدُّث إلى شخصٍ موثوقٍ به، مثل صديق، أو أحد أفراد العائلة، أو مستشار، يمكن أنْ يساعدك على معالجة غضبك واكتساب وجهة نظر مختلفة عن الوضع.
10. الذهاب إلى مكانٍ خاصٍّ وهادئ:
إذا لم تستطعْ الابتعادَ عن الوضع، يمكنك العثور على مكانٍ خاصٍّ لتهدأَ، مثل: غرفتك، أو الحديقة، أو السيارة، فيمكنك القيام بما يساعدك على الاسترخاء، مثل: الاستماع إلى الموسيقى، أو قراءة كتاب، أو التأمل.
كيف تعلِّمْ طفلك تنظيم عواطفه؟
يعني تنظيم العواطف القدرةَ على إدارة عواطفك وسلوكك وفقاً للوضع، وهو مهارة يحتاج الأطفال إلى تعلُّمها وممارستها، فتساعدهم على التعامل مع الضُّغوطات والإحباط والغضب.
إليك بعض النصائح عن كيفية تعليم طفلك تنظيم عواطفه:
1. ابدأْ مبكِّراً:
يمكنك مساعدة طفلك على تطوير مهارات تنظيم العواطف منذ الرضاعة، عن طريق الاستجابة لاحتياجاته بانتظام وحساسية، ومن خلال التحدث إليه عن مشاعره.
2. قدِّمْ نموذجاً للسلوك الجيِّد:
يتعلَّم الأطفال كثيراً من مراقبة كيفية تعامل والديهم ومقدِّمي الرعاية مع عواطفهم؛ لذا أظهر لطفلك كيفية تهدئة نفسك عندما تكون غاضباً، واشرحْ الاستراتيجيات التي تستخدمها، مثل التنفُّس العميق، أو العد إلى 10، أو الابتعاد.
3. تحدَّث إلى طفلك وعلِّمه:
علِّمْ طفلك التعرُّف إلى مشاعره وتسميتها، وفهم ما يسبِّبها، وساعده على العثور على طرائق مناسبة للتعبير عن مشاعره والتعامل معها، مثل الحديث، والرسم، واللعب.
4. تواصَلْ مع طفلك:
عندما يشعر طفلك بالضغط أو الاضطراب، قدِّم له دعمك وتعاطفك؛ عانقهُ، اسمَعْ مخاوفَه، وحقِّقْ له شعوراً بالتوكيد العاطفي، وأعلمه أنَّك حاضرٌ لمساعدته وأنَّه ليس وحيداً.
5. شجِّعْ طفلَكَ ودرِّبه:
شجِّع طفلك على ممارسة مهارات تنظيم العواطف في مختلف الوضعيات، وشجِّعه عندما يفعل ذلك، على سبيل المثال، يمكنك أن تقول: "أنا فخورٌ بك لاستخدامك الكلمات بدلاً من ضربِ أخيك"، أو "قمتَ بعمل رائع في تهدئة نفسك عندما كنتَ غاضباً"؛ سيساعد هذا طفلك على الشعور بالثقة للمضي قدماً في التعلُّم والتحسُّن.
في الختام:
يظل تفهُّمنا للغضب وتعلُّمنا كيفية التعامل معه قبل أن يتفاقمَ أمراً حاسماً في تربية أطفالنا، لأنَّ الغضب جزءٌ طبيعيٌّ من الحياة الأسريَّة، وتوجيهه وإدارته بشكل صحيح أمرٌ لا يمكن إغفاله.
من خلال الاستماع إلى علامات الغضب، وأخذ الوقت اللازم لتهدئة أنفسنا، وتعليم أطفالنا كيفيَّة التعبير عن مشاعرهم بطرائق صحية، نساهمُ في بناء علاقات صحيَّة وموجَّهة بالحبِّ مع أطفالنا.
أضف تعليقاً