أهمية العواطف وتنظيمها:
كل شخص لديه عاطفة لأنَّها جزء من نظامنا البيولوجي، فهي تحدد طبيعة البشر؛ إذ تنقل عواطفنا رسائل هامة من داخلنا عبر المواد الكيميائية الحيوية والإشارات الكهربائية، ويمكن أن يكون الشعور بالمشاعر وفهمها أمراً لا يُقدَّر بثمن لصحتنا الجسدية والعقلية.
إذ قد تكذب الأفكار، لكنَّ المشاعر لا تكذب، كما يمكن أن تكون الأفكار خاطئة، لكنَّ العواطف حقيقية؛ إذ إنَّها بيولوجية وفيزيولوجية، وتتجلى في شكل بنيات نفسية، وتوضح لنا العواطف ما نعايشه داخلنا على مستوى أعمق، ومع ذلك، يمكن أن تكون العواطف السامة ضارة بصحتنا.
من خلال مراقبة وفهم عواطفنا، يمكننا تنظيمها، ويمكن للتنظيم العاطفي بدوره أن يقلل من ضعفنا في المواقف العاطفية، ويمكِّننا من التعامل مع ردود الفعل، ويقلل من معاناتنا.
التوتر المزمن مضر بصحتنا وعافيتنا، ومع ذلك، فإنَّ الضغط العاطفي هو الجزء الأكثر أهمية في مشكلة التوتر؛ إذ ينتج التوتر العاطفي عن المشاعر المدمرة مثل الخوف والقلق والحزن والغضب والإحباط وعدم الرضى وحتى الملل، وبالإضافة إلى ذلك، ترتبط العديد من الحالات الصحية المنهكة بصدمات عاطفية نتيجة الذكريات التي تم قمعها بسبب الضعف في سنوات سابقة.
تسمى الحالة المناقضة للتنظيم العاطفي عدم التنظيم العاطفي، ولا يستطيع الناس وصف المشاعر في هذه الحالة المدمرة، ويواجهون صعوبة في التأقلم، ومن ثم فإنَّهم يعانون من تقلبات مزاجية مستمرة تسبب لهم المعاناة، وبينما تأتي المشاعر وتذهب بشكل عابر، فإنَّ بعضها، إذا لم يُعالَج، يمكن أن يبقى في ذاكرتنا مما يؤدي إلى التوتر المزمن، ومع ذلك، يمكننا تقليل التوتر العاطفي وحتى التخلص منه باستخدام الأساليب العلاجية.
في هذا المقال، سوف أسلط الضوء على ثلاث أساليب علاجية للتنظيم العاطفي:
1. الوعي بعواطفك:
اليقظة هي أداة فعالة لمعالجة السلب النفسي والاندفاعات العاطفية العاجلة؛ إذ إنَّ التعرف إلى السلب النفسي في أسرع وقت ممكن، قد يمكِّننا من تحسين حالتنا النفسية، وملاحظة الأفكار قبل أن تثير المشاعر، وقبولها عندما تدخل وعينا، ومعالجتها بعناية، مما يمنحنا قوة نفسية.
إنَّ الوعي بأفكارنا وعواطفنا أمر بالغ الأهمية لتنظيم المشاعر، فقد تعزز بعض الأفكار مشاعر قوية إذا لم نلاحظها ونتعامل معها في الوقت المناسب، وبعد أن ندرك الأفكار التي تولِّد المشاعر، يمكننا استخدام نظامنا المعرفي لتقييم صحتها منطقياً، ويمكن أن يمنحنا التقييم المنطقي مساحة للتنفس ويحسِّن حالتنا العاطفية، فعلى سبيل المثال، يمكن أن يقلل هذا النهج من شدة المشاعر.
يمكن أن تمنع ملاحظة الأفكار الحالات العاطفية الشديدة، وهذا النهج فعال في الظروف العادية، ومع ذلك، في بعض الأحيان، السلب النفسي يطغى على الدماغ المفكر؛ إذ إنَّه يتوقف عن التفكير العقلاني ويضعنا في حالة ضعف، ونتيجة لذلك، تغمرنا المشاعر غير المرغوب فيها.
عندما يتوقف دماغنا المفكر في المواقف الصعبة، فإنَّ أفضل نهج هو إجراء تحولات فيزيولوجية مثل تمرينات التنفس لتنشيط جهازنا العصبي اللاودي، ويمكن أن يؤدي أخذ قسط من الراحة للجسم إلى بدء دماغنا بالتفكير بسرعة، مما يمنحنا القدرة على التعامل المنطقي والعقلاني مع المشاعر.
شاهد بالفيديو: 8 طرق يمكنك من خلالها بناء ذكائك العاطفي
2. تعزيز الذكاء العاطفي والنضج:
الذكاء العاطفي هو نهج وقائي للتنظيم العاطفي، وهذا الذكاء الحيوي يعدُّنا للتعامل مع الاندفاعات العاطفية؛ إذ تساعدنا هذه القدرة أيضاً على تجنب المواقف الصعبة التي تضعنا في موقف ضعيف عاطفياً.
الذكاء العاطفي هو فهم مشاعرنا والتعرف إلى مشاعر الآخرين، ففي حين أنَّ ملاحظة العواطف من خلال ممارسة اليقظة الذهنية هي التقنية الحاسمة للعواطف الذاتية، فإنَّ التعاطف والرحمة، والتي تعد أيضاً جزءاً من ممارسات تمرينات اليقظة، هي التقنيات الأساسية لفهم مشاعر الآخرين.
ومن ثم فإنَّ نظام الصحة العقلية يستفيد جداً من ممارسة اليقظة الذهنية بوصفها طريقة علاجية؛ إذ يفهم الأشخاص الأذكياء عاطفياً أنَّ إنكار المشاعر وتجاهلها يمكن أن يكون أمراً خطيراً للغاية؛ ولذلك فهم يتقبلون دائماً المشاعر الإيجابية أو السلبية دون الحكم عليها، وبعد تقبُّلها، فإنَّ ذلك يعطينا أدلة ذات قيمة عما يحدث في أجسادنا وعقولنا.
يمكن أن يكون إخفاء العواطف وتجريدها من المعنى أمراً محفوفاً بالمخاطر لتنظيمها، فعلى سبيل المثال، يستخدم بعض الأشخاص مصطلح التعب أو الإرهاق عندما يشعرون بالحزن أو الانزعاج، ويمكن أن يؤدي استخدام الاسم الفعلي للعواطف بدلاً من استبدالها بكلمات مجردة إلى تنظيم المشاعر بشكل أفضل.
إذاً كلما كنا أكثر تحديداً في التعبير عن عواطفنا، زادت المعرفة التي نكتسبها عن نظامنا الداخلي؛ إذ تنقل العواطف حاجات الجسم ورغبات الدماغ، والأهم من ذلك، قيمة حب الذات والتعاطف مع الذات لتنظيم عواطفنا لا تُقدَّر بثمن، ويمكن للتنظيم العاطفي مع زيادة الذكاء والنضج العاطفي أن يمكِّننا من تقليل التوتر العاطفي. فعندما نتصرف وفقاً لهذه القدرات، يمكننا أن نختبر طاقة وحيوية وفيرة للتعامل مع مشاعرنا السلبية أو الإيجابية.
3. اكتساب عادات جديدة:
واحدة من طرائق تنظيم عواطفنا هي تعليم عقولنا عادات جديدة، والتصرفُ وفقاً لنقيض المشاعر التي نحس بها أسلوبٌ فعال لتنظيم المشاعر، فعلى سبيل المثال، إيجاد طريقة للابتسام أو الضحك يمكن أن يقلل من آثار الحزن عندما نشعر به، وعندما نشعر بالكسل، فإنَّ مجرد اتخاذ إجراء صغير يمكن أن ينشطنا عن طريق تغيير التفاعلات الكيميائية الحيوية؛ لذلك يختفي الكسل تدريجياً.
من خلال إجراء تغييرات بسيطة في نمط الحياة مثل ممارسة الرياضة وتحديد وقت لتناول الطعام، نحن قادرون على إعادة برمجة دماغنا، وتتمثل إحدى الآليات في إنشاء المزيد من عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ (BDNF)؛ وهو بروتين يشير إلى مرونة الدماغ، وهو نشط في مناطق الدماغ مثل الحُصين والقشرة المخية والدماغ الأمامي القاعدي والمخ؛ إذ تمكِّننا هذه المناطق من التعلم وبناء ذكريات جديدة.
من المثير للاهتمام أنَّ مرضى ألزهايمر لديهم مستوى أقل بشكل كبير من عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ في هذه المناطق، وتشير الأدلة العلمية إلى تأثير التوتر المزمن في عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ، وربطه بالاضطرابات النفسية مثل انعدام التلذذ، على سبيل المثال، تشير دراسة إلى أنَّ "الحُصين يتغير بالتعرض لفترات طويلة لمواقف سلبية".
الخلاصة:
راقبتُ قادةً ناضجين عاطفياً وتعلمتُ دروساً ضرورية من حياتهم، مما أعطاني رؤى ووجهات نظر ذات قيمة، وإحدى ملاحظاتي هي أنَّ هؤلاء الأشخاص الناضجين عاطفياً، يشعرون بالعواطف مثل أي شخص آخر، ولكنَّهم يعالجون المشاعر بسرعة كبيرة بحيث يمكنهم تحييدها والعودة إلى حالة ذهنية متوازنة.
وبينما يمكن للأشخاص الأصحاء تنظيم عواطفهم، تتطلب بعض الحالات الطبية مشورة المتخصصين المؤهلين والتدخل العلاجي، فقد يكون إخفاء مشاعرنا والخوف من التعبير عنها أمراً خطيراً على صحتنا، وطلب المساعدة والدعم ضروري.
فإذا استوفينا المتطلبات الأساسية مثل النوم والتغذية والتمرين والشفاء، فإنَّ الجزء الأكبر من المشكلة هو التوتر العاطفي؛ إذ يمكن أن يساعدك عيش حياة واعية وذات مغزى، لكن قد تكون لدينا أوقات نحتاج فيها إلى مشورة ودعم متخصصين للتعامل مع الضغط العاطفي.
كان أحد الدروس الهامة في حياتي هو تعلُّم التمهل، فلقد عانيت من الطموح والانفعالات المستمرة للنجاح المتصور، ومع ذلك، وللمفارقة، أصبحت أكثر إبداعاً وإنتاجية عندما تعلمت أن أتمهل؛ إذ ساعدني على الشعور بمشاعري والتعبير عنها، واكتساب المزيد من النضج العاطفي، وعندما تمهلت في قراراتي، دخلت في حالة التدفق بشكل أسرع وبقيت فيها لفترة أطول، فعندما نكون في حالة تدفق ذهني، نكون أقوى عاطفياً، بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ استبدال الحسد بالإعجاب ساهم بشكل كبير في تنظيم نفسي ونضجها.
أضف تعليقاً