الغيرة عند الأطفال:
الغيرة هي واحدة من أكثر الخصائص البشريّة الغير مرغوب بها. فهي ليست انفعالاً بسيطاً بل هي مزيج مركّب من الانفعالات من الاستياء والخوف وانعدام الأمن والتملُّك والشك، والتي تجعل الطفل يشعر بعدم الرضا. فيرفض الطفل الافصاح أو الاعتراف بوجود هذا المزيج من المشاعر ويحاول إخفاءه، لأنَّ إظهاره أو الافصاح عنه يزيد من شعوره بالمهانة والتقصير وانخفاض في قيمة الذات. لذلك فالغيرة عاطفة مدمِّرة للغاية.
سلوكيات خارجية تدلّ على شعور الطفل بالغيرة:
وقد تظهر سلوكيات خارجية معيّنة من الطفل تدل على شعوره بالغيرة نذكر منها:
- الفشل في ضبط عمليّات التبرُّز والتبوُّل لدى الطفل، فيبدو الطفل وكأنَّه يتمنّى العودة إلى المرحلة العمريّة السابقة لتعتنني به أمّه كما تعتني بأخيه الصغير، وهذا السلوك ما هو إلّا واحد من سلوكيات لفت الانتباه التي يلجأ إليها لطفل كنوع من المطالبة بحقه من الاهتمام الذي فقده.
- عدم قدرة الطفل في التعبير عن نفسه عن طريق النطق الصحيح للألفاظ.
- ظهور نزعة عدوانية لدى الطفل كالصراخ والشتم والضرب.
- الشعور بالخجل أو الشعور بالحرج.
- الامتناع عن الأكل أو فقدان الشهيّة عن الطعام.
- القيام بالتخريب كالعبث بأغراض الآخرين أو تكسير الأشياء.
- وقد يلجأ الطفل لسلوك مُضاد كمحاولة تقبيل أخاه الصغير أمام والدته وملاطفته ليريها أنّه يحبه. وغيرها من السلوكيات الأخرى.
أسباب الغيرة عند الأطفال:
إنَّ الغيرة عند الأطفال قد تظهر عندما يعاني الطفل من شعور الحرمان أو لانسحاب الاهتمام وفقدانه بعد التمتُّع به، أو عندما يلاحظ ما يتمتَّع به غيره من الأطفال دونه. وقد يغذّي هذا الشعور تصرّفات خاطئة يقع بها الأهل عند تربية أطفالهم، كاللجوء لعقاب الطفل في حال تعبيره عن غيرته بسلوك غير مقبول والذي يزيد من شعور الطفل بالغيرة، كما يمكن أن تنشأ غيرة الطفل نتيجة الشعور بالتنافس والغيرة والحسد بينه وبين إخوته أو أصدقائه أو زملائه في المدرسة.
إذاً فالشعور بالغيرة يرتكز على قاعدةٍ أساسيّة وهي فقد الطفل لامتياز أو اهتمام كان يحصل عليه، وبالتالي كلّما شعر الطفل بالفقد كلّما زاد شعوره بالغيرة.
ومن أهم الاسباب التي تؤدّي لشعور الطفل بالغيرة:
1. ولادة طفل جديد:
فعند قدوم طفلٍ جديد إلى العائلة يشعر الطفل بالغيرة في أغلب الاحيان. فبعد أن كان هو محور الاهتمام والرعاية من قِبَل والدته يشعر فجأة أنّ الاهتمام الموجّه إليه أصبح لطفلٍ آخر وبشكل كامل، فيشعر الطفل بالتالي بالغيرة الشديدة من أخيه الصغير الذي أخذ حقّه بالاهتمام من قبل والدته.
كما يشعر الطفل بالغضب من والدته التي غدرت به، ولذلك يوجِّه غيرته وحنقه اتجاه أخيه الصغير. فهو لا يستطيع أن يعبِّر عن غيضه من الأم لأنَّها شخص ينتمي لعالم الكبار كما أنَّها مازالت مصدر رعايته والاعتناء به.
2. الغيرة من الأخ الأكبر:
قد لا يكون سبب الغيرة قدوم طفل صغير، بل على العكس قد يحدث أن يغار الطفل من أخاه الأكبر منه نتيجة حصول الأخ الاكبر على امتيازات وحقوق لا يحصل عليها الطفل الأصغر وبالتالي يشعر بالغيرة من أخاه الاكبر نتيجةً لذلك.
3. التفرقة بين الأخوة:
من الأخطاء التي يقع فيها الأهل عند تربية الأطفال هي القيام بالتفرقة بين الإخوة ممّا يؤدِّي للشعور بالغيرة من الأخ الذي يتم تمييزه عن الآخرين. فالأساس أن تكون العلاقة بين الأخوة قائمة على التعاون والمحبّة بدون تفرقة أو تمييز فيما بينهم من قِبَل الأهل.
4. مقارنة الطفل مع الآخرين:
وهي أيضاً من ضمن الأخطاء التي يقع بها الأهالي عند تربية أطفالهم. فقد يعمد الأهل إلى إجراء المقارنات بين الطفل وأخوته أو بينه وبين أقاربه أو زملائه في الدراسة ظناً منهم أنَّهم يشجّعون الطفل ليكون مثلهم، أو ليزيدوا الحماس والتنافس بينهم لأداء دراسي أو سلوكي أفضل، ولكنَّ ذلك في الحقيقة يرجع بآثار سلبيّة تؤدّي للغيرة عند بعض الأطفال تجعل هذه المقارنات في غير صالحهم، لأنَّها مقارنة لا تأخذ بعين الاعتبار الفروق الفرديّة بين الأبناء أو الأطفال بشكلٍ عام وتَغفَل عن وجود اختلافات بينهم في القدرات والإمكانيات والتي لا يد للطفل فيها.
5. تدليل الطفل:
ويحدث ذلك غالباً في حالات معيّنة، مثل كون الطفل وحيداً أو كونه الطفل الأصغر في العائلة. فيقوم الأهل بتدليله بشكل مفرط وعدم حرمانه من أي شيء، ويشعر الطفل بالتالي أنَّ رغباته يجب أن تُلبّى بشكل فوري من قِبَل والديه، وهذه التلبية السريعة من قِبَل الوالدين وعدم رفض طلباته تجعل الطفل لا يستطيع تحمُّل الشعور بالحرمان، وبالتالي لا يستطيع الخضوع لقوانين أو أنظمة يتساوى فيها مع غيره من الأطفال.
وفي الحقيقة فإنَّ هذه الغيرة لا تظهر في البيت بل تظهر بشكل خاص بروضة الأطفال. فقد توجِّه المعلّمة الاهتمام بشكل متساوي بين الأطفال، أو قد تقوم بتمييز طفل عن غيره من الأطفال لتميّزه أو تفوّقه، فيشعر الطفل بالغيرة والحنق اتجاه زميله المتفوّق.
كيف نتعامل مع غيرة الاطفال؟
إنَّ دور الوالدين للحد من مشاعر الغيرة عند طفلهم يتمثَّل من خلال تعليم الطفل إدارة مشاعر الغيرة لديه، وتطوير طُرق معيّنة لديه لإبقاء مشاعره تحت السيطرة. وعليه فيمكن للوالدين اتباع تقنيات معيّنة تساعدهم على التعامل مع غيرة الطفل والحد منها وذلك من خلال ما يلي:
1. عدم إشعار الطفل بالذنب:
فقد يلجأ الأهل إلى توجيه عبارات معيّنة للطفل مثل "يجب أن تخجل من أن تغار من أخيك"، أو "الأطفال السيئين هم فقط من يغارون"، وكل ذلك يؤدّي ببساطة لتشجيعه على إخفاء وكتم مشاعره الحقيقيّة. كما قد يؤدّي ذلك لتكَوُّن صورة ذاتيّة سيئة لدى الطفل عن نفسه، فيبدأ برؤية نفسه بطريقة سلبيّة.
ولذلك يجب الابتعاد عن هذا الأسلوب في التعامل مع الطفل الغيور. فبدلاً من تشجيعه على إخفاء مشاعره والتظاهر بأنّه لا يغار من خلال لومه وإشعاره بالذنب، يمكن بدلاً من ذلك اللجوء لتشجيعه على التعبير عن مشاعره بشكل متوازن والذي سيساعد الطفل على التغلُّب على هذه المشاعر والتخلُّص منها.
2. تحدّث إلى طفلك عن مشاعره:
في حال حدوث أي تصرف من الطفل يوحي بغيرته يمكنك التحدّث مع طفلك بعد ذلك عما شعر به. واطلب منه شرح ما أدّى إلى فورة غضبه، ومحاولة تحديد الاستراتيجيات التي يمكن أن يستخدمها الطفل لتجنّب الغيرة في المستقبل. فالطفل يحتاج إلى مساعدة والديه لتطوير السيطرة على عواطفه.
3. إشراك الطفل في رعاية المولود الجديد:
يمكن للأم القيام بعدد من الأمور للتعامل مع غيرة الطفل من أخاه الأصغر من خلال:
- تهيئة الطفل نفسيّاً قبل ولادة الطفل الجديد، من خلال إخباره أنّه سيحصل على أخ جديد قريباً وأنّه سيكون أخوه الذي سيحبّه ويعتني به ويلعب معه.
- طلب مساعدته في الاعتناء بأخيه الرضيع، والتي قد تجعله يشعر بالرضا والحماس، مثل إحضار الحفاضات، وحمل المناشف الخاصة بالرضيع أثناء الاستحمام مع عدم إرغامه على المساعدة حتّى لا يؤدّي ذلك لاستيائه.
- تخصيص بعض الوقت لطفلك أثناء نوم أخيه الصغير من خلال القيام بنشاطات معيّنة معه يُحبّها كاللعب أو الرسم أو أيَّ نشاط آخر.
- مكافأة الطفل وذلك عن كل تصرُّف جيِّد يقوم به اتجاه أخيه الصغير وبذلك يتشجَّع على القيام بالمزيد من هذه التصرّفات.
شاهد بالفيديو: 6 طرق لمعالجة الغيرة عند الأطفال
4. تعزيز ثقة الطفل بنفسه:
وذلك بتشجيعه على النجاح وأنَّ فشله في عمل ما لا يعني أنَّه لن ينجح في عمل آخر، وتعزيز قوّته وثقته بنفسه من خلال مديحه والتحدُّث عن مميّزاته، وبالتالي سيزيد احترامه لذاته وسيشعر بثقةٍ كبيرةٍ في نفسه.
5. الابتعاد عن المقارنات:
يجب على الأهل الابتعاد عن المقارنات الغير مُجْدِيَة بين الطفل وإخوته أو زملائه في الدراسة، والتي يلجؤون إليها ظنّاً منهم أنّهم سيحفّزون أطفالهم بهذه الطريقة على الدراسة أو التفوّق. فعلى العكس قد لا يساعده ذلك، وقد يؤدّي إلى خلق جو الغيرة بين الطفل وإخوته أو بين الطفل وزملائه في الدراسة أو بينه وبين أقاربه، وسيشعر الطفل بالاستياء من ذلك.
6. الامتناع عن تدليل الطفل بشكل مفرط:
وبخاصةً الطفل الوحيد. حيث يجب على الأهل أن يدركوا أنّ منح الطفل كل ما يريده بدون قيود أو حدود تؤدّي إلى صعوبة توافقه واندماجه بشكل جيِّد خارج نطاق البيت. لذلك يجب على الوالدين أن يُشعِرُوا الطفل أنَّ بعض الرغبات أو المُتَطلَّبَات أحياناً قد لا تتحقّق، أو قد لا يُستجاب لها بشكل فوري ويتم تأجيلها، أو التنازل عنها، كما يجب عليهم إفهامه أنّ له حقوق وعليه واجبات وأنَّ رغبات الآخرين يجب أن تُؤخَذ بالحسبان، فالحياة ليست دائماً بالأخذ بل بالعطاء أيضاً.
7. الابتعاد عن التمييز بين الأخوة:
يجب على الوالدين المساواة بين الأولاد وعدم تمييز طفل عن الآخر، لأنَّ ذلك من شأنه أن يخلق جوّاً من الحساسيّة والغيرة بينهم اتجاه الطفل الذي يقوم الأهل بتمييزه.
8. إظهار العواطف لطفلك:
فالطفل يحتاج إلى كل مشاعر الحب والعاطفة والشعور بالأمان والانتماء لعائلته واهتمامها به التي يمكن أن يحصل عليها خلال هذه المرحلة من حياته، ولذلك يجب على الوالدين تقديم الرعاية الكافية والعطف والحنان للطفل كي لا يشعر بالحرمان وذلك بالتزامن مع تقويم سلوكه نحو الاتجاه الصحيح.
9. فهم أسباب الغيرة:
فعندما تظهر الغيرة الشديدة على الطفل طوال اليوم وبشكل متكرّر قد تكون علامة على شعور الطفل بالقلق الكبير، كما قد تكون الغيرة الشديدة علامة على انعدام الأمن لدى الطفل أو عدم شعوره بالثقة أو لأسباب أخرى. فإذا لاحظ الوالدين ظهور تصرّفات الغيرة على طفلهم، يجب عليهم في هذه الحالة محاولة تحديد الأسباب الأساسيّة لاتخاذه هذا الموقف وفهم أسباب شعوره بالغيرة.
وأخيراً فإنَّ وعي الآباء في فهم أسباب الغيرة وتعاملهم بشكل صحيح مع هذه الأسباب وتلافيهم لخلق المواقف التي تُثير غيرة الأطفال له دورٌ كبير في التقليل من شعور الطفل بالغيرة والحد من تنامي هذه الشّخصيّة الغيّورة لديه في المستقبل.
المصادر:
أضف تعليقاً