لأنَّ الإنسان هو نواة المجتمع الأولى؛ فصلاحه يعني صلاح المجتمع بأكمله وتطوُّره نحو الأفضل من خلال الاستفادة من خبرات وإمكانات المتعلمين والاعتماد على الأدوات المتطورة والحديثة في مختلف المجالات، ولأنَّنا في عصر التطورات المتسارعة؛ فقد أصبح التعليم الذاتي من المهارات التي لا غنى عنها طبعاً، إضافة إلى التفكير النقدي، فكل من أراد التطوُّر والتحسُّن في حياته وعمله ودخله؛ يجب ألَّا يتوقَّف عن التعلُّم.
يتم ذلك بالاتجاه إلى التعلُّم الذاتي وليس بالاكتفاء بالشهادة الجامعية والتوقُّف عن التعلُّم بمجرد الانتهاء من الدراسة في الجامعة كما يفعل معظم الناس، فكيفَ يمكننا تطوير مهارات التعلُّم الذاتي والتفكير النقدي؟
هذا ما سنعرفه في مقالنا الحالي.
مفهوم التعلُّم الذاتي والتفكير النقدي:
نعني بالتعلُّم الذاتي اعتماد الفرد على نفسه في تلقِّي العلم بشكل مختلف تماماً عن التقنية التي يتم استخدامها في المدارس والجامعات، والتي تعلَّمنا جميعاً من خلالها، ويمكن لأي إنسان التعلُّم بشكل ذاتي وفي الحقيقة يمكن أيضاً الاعتماد على هذه التقنية في المدارس أيضاً.
لقد أصبح التعلُّم الذاتي مريحاً وسريعاً بعدَ ظهور شبكة الإنترنت والاعتماد على جوجل واليوتيوب في فهم أي أمر متعلق بالدراسة أو بالعمل أو بالحياة عامةً برغبة ذاتية من الفرد في ذلك، أمَّا التفكير النقدي فهو المنهجية التي اخترعها الفيلسوف جون ديوي وهو طريقة تقييم المعلومات بالاعتماد على الملاحظات والاستدلال المنطقي؛ حيث يتم النظر إلى المشكلة من وجهات نظر متعددة ومختلفة لتحليل الحقائق بطريقة عقلانية ليتمكَّن الإنسان من إصدار الأحكام الصحيحة؛ فلا يظلم نفسه ولا يظلم الآخرين.
دور التعليم الذاتي والتفكير النقدي في تحقيق النجاح في التعليم:
يمتلك التعليم الذاتي والتفكير النقدي دوراً هاماً وفعالاً في تحقيق النجاح في التعليم، وهذه أهم ميزاته:
1. اكتساب مهارات ضرورية لتحقيق النجاح:
يتمكَّن الفرد في أثناء التعلُّم الذاتي من اكتساب مهارات لها أهمية بالغة مثل تعلُّم كيفية إدارة الوقت ومهارات وضع الأهداف ومهارة تقييم الذات، واكتساب تلك المهارات يأتي من الحاجة إليها بخلاف ما يحدث في أثناء التعلُّم بالطريقة التقليدية.
2. جعل التعلُّم عملية ممتعة ومسلِّية:
لأنَّ التعليم الذاتي ينبع عن الرغبة الشخصية للفرد في اكتساب خبرات ومهارات جديدة عن أمر ما؛ فهذا يعني أنَّه يمتلك هدفاً يريد تحقيقه؛ فيجعله ذلك يستمتع في رحلته نحو الهدف، وهذا ما يضفي معنى خاصاً لعملية التعلُّم، ويُعَدُّ الفضول هو المحرك الأساسي لعملية التعلُّم؛ فيشعر الفرد بأنَّه يخوض مغامرة لا مثيل لها.
شاهد بالفيديو: طريقة تطوير التعلم الذاتي
3. التعلُّم الذاتي يخلو من القلق والضغط:
لأنَّ التعلُّم الذاتي يتم باختيار الفرد للفترة الزمنية التي يريد التعلُّم فيها والأسلوب الذي سيتعلَّم من خلاله؛ فهذا يعني أنَّ التعلُّم الذاتي لا يشكل عبئاً على الفرد، وهذا ما يجعله أكثر قدرة على استيعاب المعلومات الجديدة مقارنةً بالأشخاص المتعلمين بالطريقة التقليدية؛ فيحقِّق نتائج مُرضيَة وجيدة وحتى أنَّها مذهلة في كثير من الأحيان.
4. تطوير مهارة المتعلِّم في حل المشكلات:
لأنَّه يصبح أكثر قدرة على تحديد المشكلات أو العقبات التي تواجهه، ومن ثم يستطيع البحث وإيجاد أفضل الحلول وحده دون الاعتماد على الآخرين في حل المشكلات وتحقيق الأهداف.
5. تعزيز الثقة في النفس:
الفرد الذي يمتلك ما ذكرناه آنفاً من مهارات مرتبطة بالتعليم الذاتي ومهارة التفكير الناقد، سيكون قادراً على تجاوز كثير من المشكلات وتحقيق الأهداف؛ فيُكسبه ذلك ثقة كبيرة في النفس.
كيفية تطوير مهارات التعلُّم الذاتي والتفكير النقدي:
بعدَ التعرُّف إلى أهميتهما لتحقيق النجاح في التعليم وفي أي مجال من مجالات الحياة، أصبح من الضروري التعرُّف إلى كيفية تطويرهما، إليك أهم الوسائل التي تفيد في ذلك:
1. كن فضولياً:
الفضول هو الذي يجعل عقل الإنسان أكثر تقبُّلاً للمعلومات الجديدة التي يكتشفها ويجعل العملية أكثر متعة، ويأتي الفضول والرغبة في التعلُّم من خلال التفكير في أهمية اكتساب مهارة معيَّنة أو التعرُّف إلى موضوع معيَّن وأهمية استخدامه في التعليم أو غيره من مجالات حياتنا.
2. حدِّد أهداف عملية التعليم:
يجب التفكير جيداً في الحياة التي تسعى إلى عيشها والمكان الذي تريد الوصول إليه، فوجود هدف واضح في الحياة يحفِّز الإنسان على التعلُّم الذاتي من أجل تحقيق النتائج المرجوَّة.
3. حدِّد طريقة التعلم التي ترغب في اتِّباعها:
في زمننا الحالي يمكن التعلُّم الذاتي وتنمية التفكير النقدي بالاعتماد على الكتب المتنوعة، أو من خلال الاعتماد على محركات البحث، أو منصات التعليم الإلكتروني التي تقدِّم للناس دورات تعليمية؛ منها ما هو مجاني ومنها ما يمنَح المتدرِّب شهادات عالمية مُعترَف بها.
4. ابحثْ عن التحديات:
الإنسان الذي يسعى إلى التعلُّم هو من خرجَ من منطقة الراحة لديه؛ لذلك حاولْ إيجاد الحلول للمشكلات العالقة وابحثْ باستمرار عن الأسباب وراء الأشياء التي تعيشها أو الظواهر التي تحدث، فالتحدي يجب أن يكون مبنياً على مشكلة نحتاج إلى حل لها.
شاهد بالفيديو: 5 تقنيات فعالة للتفكير النقدي
5. شكك في جميع الأشياء:
لدينا كثير من الافتراضات والمسلَّمات في حياتنا؛ والتي يجب ألَّا نثق فيها فوراً لمجرَّد أنَّها موروثة في المجتمع أو صادرة عن سلطة ما، وكذلك المعلومات والعلم بشكل عام، فعلى الإنسان الذي يرغب في النجاح أن يُشكِّكَ في كل ما يسمعه من معلومات ويسعى إلى معرفة مزيد من المعلومات والتأكُّد من صحة كل شيء وخاصةً الأشياء التي لا يرضى الحدس عن تفسيرها.
مثلاً سمعت معلومة جديدة في إحدى المحاضرات وبدا تفسيرها غريب بالنسبة إليك أو غير مفهوم؛ فطلبتَ من الشخص الذي يتحدَّث عنها أن يستفيض في الشرح ولم يغير ذلك شيئاً من فهمك وتقبُّلك للمعلومة، في هذه الحالة اعتمدْ على نفسك وابحثْ أكثر واقرأ أكثر وحاولْ تطبيقها بنفسك لاختبار مدى صحتها إن كانَ تطبيقها ممكناً.
6. اطرحْ الأسئلة الصحيحة:
عندما تكون في حوار مع الآخرين، حاولْ طرح الأسئلة التي يمكن من خلالها فتح أحاديث وموضوعات تثري معلوماتك؛ كالأسئلة التي تبدأ بالسبب لمعرفة كيفية حصول أمر ما، وابتعدْ عن الأسئلة التي تتم الإجابة عنها بنعم أو لا.
7. اطلبْ نصائح الآخرين واستمعْ بحذر:
لا تأخذ جميع الآراء التي تسمعها على محمل الجد ولا تحاولْ تبنِّي أفكار الآخرين ووجهات نظرهم؛ بل عليك السؤال عن وجهات النظر للتعرُّف إليها ثم التفكير في مدى صحتها ومدى إمكانية تطبيقها، فقد تكون غير متناسبة مع قيمك الشخصية.
من الضروري التفكير جيداً قبل تطبيق تعليمات شخص تحبه؛ وذلك لأنَّ مشاعر الإنسان قد تدفعه إلى التصرُّف بطريقة غير مناسبة في الموقف؛ لأنَّه يحب شخصاً ما أو معجب به؛ لذلك اسألْ نفسك عن الدوافع وراء سلوكك دائماً؛ فهذا الأمر ينمي مهارات التفكير النقدي لديك بشكل كبير.
8. افشلْ حتى تصل إلى النجاح:
الإنسان المتعلِّم لا يخشى من الفشل ولا يتوقَّف عن الاستمرار في التعلُّم واكتساب المهارات عندما يواجه العقبات أو يتعرَّض للفشل في أمر ما، وإن كنتَ تعتقد بأنَّ الأشخاص الناجحين لم يفشوا سابقاً، فأنت مخطئ لأنَّ الإنسان يفشل كثيراً قبل الوصول إلى النجاح الباهر.
9. تقرَّب من الأشخاص الأذكياء والناجحين:
لأنَّهم أشخاص يتَّمتعون بطاقة إيجابية ستنتقل إليك بالتقرُّب منهم؛ فتدفعك إلى تحسين ذاتك والتطوُّر في دراستك وعملك، كما أنَّ الأشخاص الأذكياء والناجحين يسعون إلى التعرُّف إلى أشخاص أنجح منهم، وهذا يعني أنَّ الشخص الذكي سيقودك إلى مجتمع يحفِّزك على الإبداع والتميُّز وسيدفعك إلى التعلُّم الذاتي بقوة.
10. قيم نفسك باستمرار:
من أجل قياس التقدُّم الذي تحرزه، ولا نقصد بتقييم النفس هنا الاعتماد على علامات الاختبارات والامتحانات التي تقيِّم تقدُّم الطالب في عملية التعليم التقليدية؛ بل يمكن تقييم نفسك من خلال النظر إلى خطة التعلُّم الذاتي التي وضعتها لنفسك ومعرفة المكان الذي وصلت إليه، وخطة التعلُّم الذاتي تكون بوضع مجموعة نقاط ترغب في تغطيتها في أثناء تعلُّمك مع تحديد الفترة الزمنية لكل منها.
11. اصنعْ شيئاً بالاعتماد على ما تعلَّمته:
مثلاً درستَ عن آلة معيَّنة بشكل مكثَّف وشاهدتَ فيديوهات توضيحية ولم تحاول صنعها، فسوف تنسى تلك المعلومات لاحقاً؛ لذلك حاولْ الاستفادة من المعلومات التي تعلمتها من خلال تطبيقها في حياتك اليومية.
في الختام:
يُعَدُّ التعلُّم الذاتي من أساليب تطوير الإنسان سلوكياً ومعرفياً؛ ليصبحَ أكثر قدرة على التكيُّف مع متغيرات العصر وليتمكَّن من تحقيق النجاح خلال مسيرته التعليمية فيصل إلى ما يريده في الحياة، ويتم ذلك بالاعتماد أيضاً على مهارة التفكير النقدي الذي يمكِّن الإنسان من النظر إلى كل أمر من عدَّة جهات؛ فيجد أفضل الحلول للمشكلات والعقبات التي تواجه مسيرته التعليمية أو العملية.
يمكن للإنسان تطوير مهارات التعلُّم الذاتي والتفكير النقدي لديه بالتحلِّي بالفضول الذي يدفعه إلى التعلُّم بعد تحديد الأهداف التي يسعى إليها في حياته، ويبحث عن التحديات باستمرار ويشكِّك في جميع المعلومات التي يسمعها؛ فيبحث عن تفسير كل شيء بنفسه، لكنْ يمكن طلب رأي الآخرين دون تبنيه.
لأنَّ الإنسان الناجح يفشل مراراً قبل النجاح؛ فلا تتخلَّ عن الاستمرار في محاولة التعلُّم وقيِّمْ نفسك باستمرار وحاول التقرُّب من الأشخاص الأذكياء والناجحين لتصل طاقتهم الإيجابية إليك؛ فتصبح أكثر اندفاعاً للتعلُّم وتطوير مهارات التفكير النقدي.
أضف تعليقاً