لذا إنَّ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عملت على إحداث نقلة حضارية في عالمنا الحالي وأصبح البعيد قريباً مهما كانت المسافات الفاصلة كبيرة؛ لأنَّها جعلت العالم مثل قرية صغيرة؛ فلا يوجد حواجز زمنية أو حواجز مكانية فيها، وامتد هذا التطور إلى منظومة التعليم، ليتيح تقنيات وأساليب تعليمية متطورة متخطياً العوائق والتحديات التي تقف في طريق اكتساب الإنسان للعلم؛ فظهر لدينا التعليم الإلكتروني.
مفهوم التعليم الإلكتروني:
هو طريقة من طرائق التعليم التي تُقدَّم المعلومات فيها عن طريق وسائط إلكترونية مثل الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة والوسائط المتعددة، ويُعتمد غالباً على وجود حواسيب أو عن طريق الهواتف المحمولة؛ إذ يمكن أن تصل المعلومات في أي زمان وأي مكان، فيشعر الفرد بوجود بيئة تعليمية من خلال عرض النصوص ومقاطع الفيديو والرسوم المتحركة والمقاطع الصوتية لتكون البيئة التعليمية بذلك غنية جداً وجذابة في نفس الوقت.
ويُعَدُّ التعليم الإلكتروني أحدى طرائق التعليم الذاتي؛ وذلك لأنَّ المتعلِّم قادر على استقبال المعلومات ومتابعتها بحسب قدرته وطاقته أيضاً وما يمتلكه من معلومات وخبرات سابقة، كما أنَّ طريقة التعليم الإلكتروني تُعَدُّ طريقة داعمة للعملية التعليمية التقليدية.
مبررات استخدام التعليم الإلكتروني:
توجد عدة نقاط جعلت من الطبيعي استخدام التعليم الإلكتروني في وقتنا الحالي من أجل استمرار عملية التعليم منها ما يأتي:
- وجود كم هائل من المعلومات والمعارف والنظريات المتطورة والتجارب العلمية الحديثة، التي قد لا تتوفر في المناهج الدراسية التقليدية.
- تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ودخولها إلى كافة مجالات الحياة.
- وجود أعداد هائلة من الطلاب وعدم وجود قدرة استيعابية لهم؛ وذلك نتيجة الزيادة الهائلة في أعداد السكان، ومن ثمَّ يُعَدُّ التعليم الإلكتروني حلاً لهذه المشكلة.
أنواع التعليم الإلكتروني:
يوجد ثلاثة أنواع للتعليم الإلكتروني وهي:
1. التعليم الإلكتروني المتزامن:
في هذا النوع من التعليم الإلكتروني يكون المعلم والطلاب معاً عبر الإنترنت في نفس الوقت من خلال اتصال مرئي بينهم أو اتصال صوتي، ويسمى مؤتمراً صوتياً، أو من خلال المراسلة الفورية بينهم؛ وهذا يتيح فرصة التواصل والتعاون بين الطلاب، كما أنَّه يمكِّن المعلم من مراقبة طلابه ومعرفة قدراتهم نوعاً ما؛ فقد يحتاج أحد الطلاب إلى معلومات أكثر من غيره فيمكن للمعلم تخصيص لكل طالب ما يود تعليمه إياه.
يمكن للمعلم في هذه الطريقة تسجيل المحاضرات والقيام بتشغيلها في وقت لاحق، ومراجعة المعلومات ومعرفة النشاطات المطلوبة، لكنَّ هذا النوع من التعليم الإلكتروني له ناحية سلبية وهي الالتزام بوقت المحاضرات، فإن كان المتعلم ملتزماً بعمل ما، فلا يمكنه اتباع هذه الطريقة من التعليم.
2. التعليم الإلكتروني غير المتزامن:
هذا النوع من التعليم الإلكتروني لا يتطلب وجود المتعلم مع المعلم في نفس الوقت، ولا يتطلب الالتزام بموعد محدد للدروس؛ إنَّما يمكن الحصول على الدرس في الوقت الذي يناسب المتعلم وحسب المجهود الذي يرغب في تقديمه، ويمكنه في أي وقت الرجوع إلى الدرس وإعادة الدراسة حسب الحاجة؛ وذلك لأنَّ المحاضرات موجودة على أقراص مضغوطة أو على مواقع ويب مخصصة يتم الوصول إليها من خلال الإنترنت، كما أنَّه من الممكن التفاعل بين المعلم والمتعلمين من خلال لوحات الرسائل أو لوحات الإعلانات أو من خلال منتديات الدردشة.
3. التعليم المدمج:
يدمج هذا النوع من التعليم الإلكتروني بين النوعين السابقين المتزامن وغير المتزامن؛ إذ يمكن أن يتفاعل المعلم مع المتعلمين عن طريق الإنترنت في نفس الوقت الذي تعطى فيه الدروس أو الدورات التدريبية، كما يحدث بالتعليم الإلكتروني المتزامن، وبعد انتهاء وقت الدرس يُنقل إلى أقراص مدمجة تمكِّن المتعلم من استخدامها لاحقاً وبشكل منفصل عن المعلم ليشبه بذلك التعليم الإلكتروني غير المتزامن.
شاهد بالفيديو: 7 نصائح فعالة للمتعلمين عبر الإنترنت
ميزات التعليم الإلكتروني:
من أهم الميزات التي جعلت الكثيرين يتبعون هذه الطريقة في التعليم نذكر ما يأتي:
1. توفير الوقت:
يمكن للمتعلمين التعلم بواسطته من أي مكان؛ فهم غير مضطرين إلى الخروج من منازلهم والذهاب إلى مكان محدد لتلقِّي الدروس، أو يمكن أيضاً المتابعة من مكان عملهم؛ وهذا يوفر كثيراً من الوقت، وينطبق هذا الأمر أيضاً على المعلم؛ فمن خلال التعليم الإلكتروني لا يضطر الفرد للقلق بشأن توفر المواصلات وأزمة السير التي تمنع الطلاب أحياناً من الوصول إلى المحاضرات في الوقت المحدد لها.
3. توفير المال:
يتميز التعليم الإلكتروني بأنَّه غير مكلف مادياً؛ فلا يحتاج الطالب إلى مصاريف متعلقة بالمواصلات أو السفر إلى مكان وجود الجامعة وتأمين مكان للسكن فيه، وأيضاً يقلل من تكاليف شراء الكتب الدراسية والأوراق الضرورية للدراسة، وهذا النوع من التعليم وفر على الجامعات المتخصصة تكاليف إنشاء جامعة؛ إذ أصبح في وقتنا الحالي من الممكن إنشاء جامعة افتراضية دون إنشاء مبنى مخصص لها.
4. المرونة في التعليم:
تتيح هذه الطريقة أمام الفرد إمكانية اختيار الوقت المناسب له للحصول على الدروس والوسيلة التي يفضِّلها في التعلُّم؛ كاختيار المؤتمرات الصوتية أو الاتصالات المرئية، وهذه النقطة غير متوفرة في الطريقة التقليدية للتعليم.
5. محتوى التعليم الإلكتروني مصمم بفاعلية كبيرة:
إنَّ الأساليب المتبَعة فيه تجعل تلقِّي الدروس أسهل بالنسبة إلى الطلاب؛ لأنَّ أساليب التعليم كمقاطع الفيديو جذابة أكثر من عملية التعليم التقليدية، كما أنَّ تذكُّر المعلومات يكون أسهل عليهم؛ وهذا يجعل الفائدة من التعليم أكبر.
6. الابتعاد عن الأخطاء التي قد توجد بالتعليم التقليدي:
نتيجة اتباع كل معلم طريقة متخصصة به بالتعليم والتي قد لا تخلو من الأخطاء، ولكنَّ التعليم الإلكتروني يوفر استمراراً وثباتاً في عملية التعليم؛ إذ إنَّ نسقه ثابت في التدريس ويمكن للطالب اتباعه في كل وقت.
7. إمكانية إعادة الدروس:
يمكن للمتلقي أن يعيد الدرس ومراراً وتكراراً إن كان يعاني من صعوبة في الفهم من المرة الأولى للشرح، ومن ثمَّ يتمكن من تثبيت المعلومات في عقله.
8. السرعة في الحصول على الشهادة:
يتميز التعليم الإلكتروني بأنَّه أسرع من التعليم التقليدي بنسبة لا تقل عن 50%؛ وذلك لأنَّ المتعلم غير مضطر إلى دراسة كافة المواد التي يتضمنها المنهاج الدراسي؛ بل يمكنه تخطي المواد التي يعرفها والتركيز على المواد التي يحتاج فيها إلى مزيد من التدريب.
9. حل مشكلة قلَّة المعلِّمين:
تواجه مشكلة قلة المعلمين العملية التعليمية التقليدية عادةً، لكن بطريقة التعليم الإلكتروني يمكن لمعلم واحد أن يعطي الدروس لمئات الطلاب.
10. يقوي فكرة التعليم الذاتي:
لأنَّه يساعد المتعلم على اكتساب الخبرات والمعلومات بنفسه، فيقوي لديه فكرة الاعتماد على نفسه في التعلم.
11. تمكُّن الموظف من الارتقاء في وظيفته:
بعض الأفراد يتوقفون عن استكمال تعليمهم نتيجة لظروف شخصية معينة، لكن لم يفت قطار التعليم؛ فيمكن للإنسان استكمال تعليمه مع استمراره بالعمل حتى بعد مضي سنوات، ومن ثم يمكنه الارتقاء إلى الوظيفة التي يحلم بها أو الحصول على العمل الذي يريده.
سلبيات التعليم الإلكتروني:
على الرغم من الإيجابيات الكثيرة للتعليم الإلكتروني، يوجد له نواحٍ سلبية تتسبب في التقليل من فاعليته نوعاً ما، ونذكر من هذه السلبيات ما يأتي:
- غياب التعامل المباشر بين المعلم والمتعلمين؛ وهذا يؤدي إلى غياب الحوار؛ وذلك لأنَّ التعليم الإلكتروني يركز على الجانب المعرفي فقط، ومن ثمَّ لا يمكن للمتلقي أن يتعلم أساليب طرح الأسئلة وآداب النقاش مثل الاستماع، واحترام الطرف الآخر، والحرص على انتقاء المصطلحات المناسبة.
ويمكن تعلُّم جميع هذه النقاط نتيجة الحوار مع المدرس؛ أي يمكن القول إنَّ التعليم الإلكتروني يؤثر في ذكاء الطالب المنطقي، بخلاف الطريقة التعليمية التقليدية التي يمكن فيها الحوار والنقاش والسؤال عن كل ما يخطر في عقل المتلقي.
- يحتاج التعليم الإلكتروني إلى قدرة على التعبير عن الآراء والأفكار بشكل كتابي حصراً، ولكنَّ كثيراً من الطلاب يواجهون صعوبة في شرح أفكارهم عن طريق الكتابة، ويفضِّلون التعبير عنها شفوياً، فقد تكون هذه الطريقة في التعبير ممكنة في التعلم التقليدي؛ إنَّما هي طريقة غير ممكنة في التعلم الإلكتروني.
- تراجع التواصل بين المتعلم والآخرين؛ إذ يصبح الفرد مائلاً للعزلة ويفضِّل الجلوس وحيداً، ومن ثمَّ تراجع حياته الاجتماعية؛ إذ يشبه التعليم الإلكتروني في هذه النقطة التلفاز؛ وذلك لأنَّ الدراسات العلمية تقول إنَّ الاستخدام المطول للتلفاز أو الألعاب باستخدام الأجهزة الإلكترونية يؤدي إلى العزلة عن الآخرين، ومن ثمَّ يجب استخدامها بحذر.
- يحتاج التعليم الإلكتروني إلى توفر جهاز حاسوب وشبكة إنترنت، وقد يضطر إلى استخدام الكاميرا أيضاً للقيام بالاتصال المرئي والتواصل مع المعلم، ومن ثمَّ وجود خلل في إحدى هذه الأمور يؤدي إلى تعطيل استمرار عملية التعليم، ومشكلات الإنترنت كثيرة في وقتنا الحالي؛ لذلك إن لم يتوفر اتصال ثابت بالإنترنت، لا يمكن اتباع طريقة التعليم الإلكتروني المتزامن.
- عدم الشعور بالجديَّة والالتزام اللذين يشعر بهما الطالب عادةً عند التعلم بالطريقة التقليدية؛ فتوجد متابعة أكثر من قِبل المعلمين، وحرص على التزام الطالب بتأدية الواجبات المنزلية وتطبيق التجارب العملية.
- صعوبة في التقييم وفي تطوير معاييره؛ ففي التعليم الإلكتروني لا يمكن للطالب أن يقوم بشرح الإجابة بالطريقة التي يريدها؛ إنَّما يجب الإجابة عن السؤال الموجَّه إليه في التقييم بطريقة البرنامج فقط، ولا يمكن النقاش في صحة الإجابة، ومن ثمَّ إنَّ التعليم الإلكتروني يخفض مستوى الابتكار والإبداع لدى الطالب.
- ضعف الدافع نحو التعلم نتيجة الملل من الجلوس الطويل أمام شاشة الحاسوب، وخاصةً إذا كان الشخص المتعلم اجتماعياً، وغير معتاد على الجلوس الطويل أو على استخدام الحاسوب بكثرة، وقد تكون المادة المدروسة مملة نتيجة عدم استخدام أسلوب جذاب بالشرح، كالمقاطع الصوتية أو المرئية التي تجذب الطالب عادةً، فكل هذه الأسباب تؤدي إلى عدم استكمال التعلم بطريقة التعليم الإلكتروني.
- قد لا يتمكن التعليم الإلكتروني من تدريس كافة المواد العلمية أو إيصال الأفكار الدقيقة إيصالاً فعالاً؛ وذلك لأنَّ بعض الأفكار العلمية يحتاج الطالب إلى تطبيقها بيديه ليتمكن من فهمها جيداً مثل تجارب علوم الفيزياء أو الكيمياء.
في الختام:
لا يمكن إنكار فضل التعليم الإلكتروني الكبير في استقبال الأعداد الهائلة والمتزايدة يومياً من طلاب الدراسة الجامعية والدراسات العليا، وتحريرهم من قيود الزمان والمكان، وتقديم المعلومات المطلوبة والنظريات العلمية المتجددة بأسلوب جذاب ومتميز وبطريقة فعالة بعيداً عن التعقيدات الموجودة في العملية التعليمية التقليدية.
أضف تعليقاً