ومع ذلك، فإنَّ الشيء الوحيد الذي لم يتغير فيه، هو أنَّه ما زال وسيط شاشات فحسب؛ أي إنَّنا نرى ما في داخله ونسمع بينما نحن جالسون وراء شاشات هواتفنا أو حواسيبنا. والسؤال هنا، هل سيأتي يومٌ يصبح فيه الإنترنت ليس مجرد عالم خلف الشاشات؛ وإنَّما يتعداه ليغدو عالماً نستطيع الولوج إليه وتسخير حواسنا جميعها في داخله؟
سنعرف إجابة هذا السؤال في المقال التالي؛ لذا تابعوا معنا.
ما هو مصطلح الميتافيرس؟
ابتُكِر مصطلح الميتافيرس من قبل "نيل ستيفنسون" الكاتب ومؤلف روايات الخيال العلمي، الذي أطلق على العالم الموازي في روايته (Snow Crash) ذاك الاسم؛ إذ تحدَّث عن قيام البشر باستعمال أفاتارات تحاكي شخصياتهم في داخل ذلك العالم، وجاءت تسميته بالميتافيرس من كلمة "ميتا" التي تعني "ما وراء"، وكلمة "فيرس" التي تعني "كون"؛ لذا فـ "ميتافيرس" تعني 'ما وراء الكون".
ثم بعد ذلك عُرِضَت الكثير من الأفلام والرسوم المتحركة التي تحدثت قصتها عن عوالم موازية يستطيع البشر الدخول فيها، كفيلم (Avatar)، وفيلم (Ready Player One)، ومسلسل الرسوم المتحركة الغني عن التعريف "أبطال الديجتال".
ما هي تقنية الميتافيرس؟
أصبح الخيال حقيقةً الآن، وبدأت علامات هذا الـ "ميتافيرس" تظهر؛ ابتداءً من تصريح مؤسس "فيسبوك" (Facebook) "مارك زوكيربيرغ"، ووصولاً إلى ظهور تقنية الجيل الخامس، ونظارات الواقع المعزز، والشريحة الدماغية التي يعمل عليها الملياردير "إيلون ماسك"، وغيرها من التقنيات التي ستوفر لنا سرعة اتصالٍ هائلةٍ بشبكة الإنترنت، وتغنينا عن المعالجات الضخمة والمعدات الثقيلة والشاشات وغيرها، التي بنجاحها ستجعل من الميتافيرس المنتظر تجربةً تشمل الحواس كلها، لا السمع والبصر فحسب، وستؤدي إلى قلب موازين العالم لنرى ما كنَّا نشاهده في الأفلام حقيقةً واضحةً أمام أعيننا.
تقنية الميتافيرس:
هي تقنية اتصالٍ افتراضيٍ لوسائل التواصل الاجتماعي مع تكنولوجيا الواقع المعزز، وتهدف إلى خلق عوالم افتراضية بحيث يستطيع المستخدم من خلال الأفاتار الخاص به القيام بالكثير من الأعمال والتفاعلات، كأن يلعب لعبةً بالمشاركة مع أصدقاء مسافرين وكأنَّهم جالسون معاً في الغرفة نفسها، أو يقوم بزيارة المدينة التي يحلم بها ويتجول في شوارعها ويشاهد المستخدمين الآخرين في هذه المدينة وهو يتجول في غرفته، أو ربما الذهاب إلى التسوق في المول وشراء ما يرغب فيه من منزله باستعمال نظارات الواقع المعزز فحسب.
يمكننا القول إنَّ تقنية الميتافيرس أشبه بجعل الإنترنت عالماً ثلاثي الأبعاد لا يقف عند رؤيته من وراء الشاشة؛ بل يتيح للشخص الدخول إليه بحيث يصبح جزءاً من بيئته، ويتفاعل معه بحواسه المختلفة.
كيفية الدخول إلى عالم الميتافيرس:
حالياً، بدأت شركة "فيسبوك" (Facebook) التي قامت بتغيير اسمها إلى "ميتا" العمل على تقنية الميتافيرس والعالم الافتراضي، وكان أول تطبيقٍ للميتافيرس هو تطبيق اجتماعاتٍ افتراضيٍ للشركات يدعى (Horizon WorkRooms)، ويحتاج مستخدموه إلى ارتداء نظارات الواقع المعزز من شركة (Oculus) لحضور اجتماعٍ مُقامٍ في الشركة، بينما يكون كل شخص في مكان مختلف.
لكن للأسف، إنَّ سعر هذه النظارات باهظ ويصل إلى 300$؛ وهذا سيجعل الحصول عليها صعباً ومحدوداً في فئةٍ معيَّنةٍ من المستخدمين؛ لذا فقط من يستطيع شراءها سيتمكن من التجول في العوالم الافتراضية باستعمال الأفاتار خاصته.
شاهد بالفديو: 10 وسائل فعّالة لحياة رقمية أكثر أماناً
الرياضة والميتافيرس:
يوجد الكثير من الأشخاص الذين يتكاسلون عن الذهاب إلى الصالة الرياضية، ومنهم من يقوم ببعض التمرينات المنزلية؛ لكن بواسطة الميتافيرس ونظارات الواقع المعزز، سيتمكن جميع المستخدمين من ممارسة الرياضة من منازلهم بشكلٍ ممتعٍ، كأن ينضموا إلى فريق أيروبيك أو تمرينات كارديو افتراضي، وكذلك سيتمكن المستخدمون من الاستمتاع بالركض على جهاز المشي وكأنَّهم يركضون على طريقٍ جبلي أو على شاطئ البحر.
الألعاب في الميتافيرس:
بالتأكيد ستكون الألعاب متوفرةً في الميتافيرس وبمزايا تفاعليةٍ مميزةٍ؛ إذ أعلنت شركات عدة، كالشركة المصممة للعبة "فورت نايت" والشركة المصممة للعبة (GTA) وشركة (Vertigo Games)، بأنَّها تعمل على تحديثات وميزات خاصة في البيئة التفاعلية لألعابها، لتدعم نظارات الواقع المعزز والقبضات الحساسة للحركة والضغط؛ وهذا يتيح للمستخدم التفاعل بحواسه جميعها وكأنَّه في داخل اللعبة.
ما هي أساسيات الميتافيرس؟
ما يميز الميتافيرس عن الإنترنت الحالي ثلاثة أشياء وهي:
- الوجود: سيصبح المستخدم موجوداً عن طريق أفاتاره وكأنَّه موجودٌ شخصياً في البيئة الافتراضية، وسيتفاعل مع المستخدمين الآخرين بحواسه جميعها.
- التنقل البيئي المكاني: ستسمح هذه الميزة بالذهاب إلى أيِّ مكانٍ ترغب فيه في العالم، كالذهاب إلى "باريس" مثلاً أو حضور حفلة "دي جي" في "ميامي" مع أصدقائك ومن دون الحاجة إلى مغادرة المنزل، والتجول في شوارع أيِّ بلدٍ، ورؤية معالمه على شكل غرافيك عالية الدقة تشبه الواقع كثيراً.
- الدمج القياسي: مع التقدم الملحوظ في التكنولوجيا، أصبحت الكثير من الأجهزة تعمل على الإنترنت؛ لذا باستعمال الميتافيرس مستقبلاً، سيتمكن المستخدم من تشغيل جميع الأنظمة والتقنيات عن طريق نظارة الواقع المعزز والتلويح بيديه فحسب.
ميتافيرس وفيسبوك:
منذ فترة ليست بعيدة، انتشر التصريح الذي قام به "مارك زوكربيرغ" عن تغيير اسم شركة "فيسبوك" (Facebook) إلى "ميتا" (Meta) والبدء بتصميم الواقع الافتراضي "الميتافيرس"، الذي سيشكل قفزةً نوعيةً في مستقبل الإنترنت، وسيكون متاحاً لجميع مستخدمي تطبيقات التواصل الاجتماعي التابعة لشركة "ميتا".
أعلن "مارك" أنَّه خلال مدة لن تتجاوز 5 سنواتٍ سيبصر الميتافيرس النور، وسيصبح الجميع قادراً على ممارسة الكثير من أعمالهم واجتماعاتهم، وكذلك اللعب والتسكع مع الأصدقاء، كلٌّ من منزله ومهما كانت المسافات بعيدةً، كما صرَّح أنَّه استثمر نحو 1000000$ لتمويل الشركات المسؤولة عن تصميم هذا العالم.
مخاوف من تقنية ميتافيرس:
اتُهِمَت شركة "فيسبوك" من قبل بانتهاك خصوصية المستخدمين؛ لذلك لن تسلم تقنية الميتافيرس من الاتهامات في موضوع انتهاك الخصوصية والأمان أيضاً، وخاصةً مع فكرة انفتاح العالم على جميع الثقافات والتعامل معها داخل الميتافيرس؛ الأمر الذي سيتيح للمستخدمين معرفة البيانات الشخصية لمستخدمين آخرين، ويمنحهم القدرة على تتبع أيِّ شخصٍ عن طريق رصد انفعالاته وقراراته كلها؛ وهذا ما يُخوِّل الشركة استعمال المعلومات الشخصية للمستخدمين في الإعلانات وجمع الكثير من المكاسب والأموال.
المشكلات العائقة للميتافيرس:
عند طرح أيِّ تقنية جديدة، لا بُدَّ أن تعاني من بعض المشكلات التي قد تقف عائقاً بينها وبين المستخدمين، ومن المشكلات المتوقعة للميتافيرس ما يأتي:
- الميتافيرس عالمٌ يعتمد بالأخص على حاستي البصر والسمع؛ لذلك فإنَّ من يعاني في مشكلات فيهما سيجد صعوبةً بالغةً في التعامل مع هذا العالم.
- مشكلات الاتصالات وسرعة الإنترنت، وخاصةً في الدول النامية التي تعاني من ضعف في سرعات الإنترنت، ولن تُوفَّق في استعمال الميتافيرس.
- التكلفة الباهظة لنظارات الواقع المعزز وما يتبعها من ملحقات، ناهيك بإمكانية ألَّا يكون الميتافيرس مجانياً. فمن يعلم، من الممكن أن يُطالَب المستخدم بدفع رسومٍ للانضمام إليه.
سلبيات استعمال الميتافيرس:
- العزلة الاجتماعية: مع انتشار الإنترنت ضعفت العلاقات الاجتماعية، وبدأ الناس يقضون أوقاتاً كثيرةً خلف شاشاتهم منعزلين في غرفهم، ويبدو أنَّ تقنية الميتافيرس القادمة ستزيد الوضع سوءاً؛ إذ إنَّه من المتوقع أن يسيطر العالم الافتراضي الجديد على الواقع، ويجعل من الناس شخصيات افتراضية تخلو من الواقعية أيضاً؛ إذ قد يغدو الميتافيرس أسلوب حياة يومي يهرب المستخدم إليه ليعيش فيه تفاصيل حياته بانفصال عن الواقع؛ الأمر الذي يضعف الروابط العائلية، ويُبعد الشخص عمَّن حوله، فيقضي الوقت مع هولوجرامات لمستخدمين آخرين قد لا تربطه بهم أيُّ علاقة تُذكَر، لكن يشاركهم لعبةً معيَّنةً أو غيرها من الفعَّاليات في الميتافيرس.
- العيش في الميتافيرس: قد تكون فرصة العيش في داخل الميتافيرس والابتعاد عن الواقع شيئاً جميلاً وجذاباً أحياناً، وخاصةً مع كل تلك التقنيات والميزات التي سوف يتيحها هذا العالم الافتراضي، على ألَّا يُستعمَل الميتافيرس كنمط حياةٍ؛ بل كوسيلةٍ لتسهيل الحياة. غير أنَّه يُتوقع من المستخدمين المستقبليين، لو توفر لهم ما يعوضهم عن الاحتياجات الأساسية للعيش من شرابٍ وغذاءٍ، العيش في داخل الميتافيرس مستعيضين به عن الحياة الحقيقة كاملة.
إنَّ كل ما ذكر آنفاً من سلبيات ليست إجحافاً ومبالغة؛ إذ إنَّنا نرى أمثلةً عن ذلك في عصرنا هذا، فماذا تركنا للمستقبل؟! علماً أنَّ أغلب المؤثرات التي تسبب هذه التصرفات هي:
- نقص الرعاية الأبوية، وإهمال الأطفال أمام الشاشات مدة طويلة.
- ضعف التربية الأبوية، وترك الطفل يستعمل الهواتف للعب ومشاهدة برامج الأطفال مدةً طويلة.
- نقصان الحميمية ومشاعر الحب والعاطفة الأبوية.
- قلة الترابط والتواصل الأسري.
- عدم الاقتناع والرضى، ناهيك بالغيرة من الآخرين.
لذلك، سيجد من يعاني من تلك المشكلات السابقة في الميتافيرس ملاذاً ومهرباً وراحةً نفسيةً بعيداً عن ضوضاء واقعه.
أثر الميتافيرس في صحة المستخدمين النفسية:
- تغيير أنماط التفكير عند المستخدمين عن الحياة الواقعية.
- تغيُّر الإدراك الحسي السلوكي؛ إذ تصير التفاعلات الحية والحياة الاجتماعية والمشاعر والبيئة والناس قائمةً على هولوجرامات متحركة، ورسوم كرتونية جامدة وغريبة وغير واقعية.
كما ربط الباحثون التأثيرات النفسية لألعاب الإنترنت بالتأثيرات المستقبلية التي سيسببها الميتافيرس، ومنها:
- العزلة الاجتماعية.
- الهلوسة والذهان.
- فقدان التحكم في النفس.
- الإدمان السلوكي.
- اضطرابات القلق والأرق.
- عدم القدرة على تكوين أصدقاء حقيقيين.
- الاكتئاب والفصام.
في الختام:
الميتافيرس وأيُّ نوعٍ من الإنترنت الحالي أو القادم، يُعَدُّ خطراً في حال استُعمِل في غير مكانه، أو بولِغ في الإدمان عليه. وكنصيحةٍ ختاميةٍ، عش حياتك بكامل تفاصيلها، سافر واذهب إلى الحفلات وقوِّ علاقاتك مع عائلتك وأصدقائك، ودع الإنترنت قليلاً جانباً.
أضف تعليقاً