ربما يكون الأمر أسهل على الصعيد الاجتماعي؛ وذلك لأنَّ العلاقات هناك قائمة بطريقة ما على العواطف والمشاعر، أما في بيئة العمل فلا يمكن أبداً المجازفة بسلوك خاطئ أو تصرف غير محسوب العواقب لأنَّك ببساطة قد تخسر عملك أو تضيع فرصة ترقيتك؛ لذلك فإنَّ امتلاك المهارات الشخصية أمر في غاية الأهمية بالنسبة إلى سوق العمل، ومن المفروض على كل شخص راغب في تحقيق النجاح في عمله أن يعمل على تطوير هذه المهارات الشخصية وتحسينها لديه يوماً بعد يوم.
أولاً: ما هي المهارات الشخصية التي يجب عليك امتلاكها لتضمن نجاحك في سوق العمل؟
المهارات الشخصية مجموعة من السمات والصفات الشخصية والسلوكية التي تساعد الأشخاص على إدارة أنفسهم وتصرفاتهم وسلوكاتهم وتفاعلهم مع الآخرين؛ إذ تنقسم المهارات الشخصية إلى قسمين:
- المهارات التقنية: وتشمل هذه المهارات كل ما يخص نوع العمل ونشاطاته وطريقة أدائه.
- المهارات الاجتماعية: يشمل هذا القسم السمات الشخصية والمشاعر وأساليب التواصل مع الآخرين، وتؤدي المهارات الشخصية دوراً هاماً في النجاح في سوق العمل، وربما تكون التعويذة السحرية التي يحتاجها كل موظف وكل عامل للنجاح.
ثانياً: سنعدد فيما يأتي بعض هذه المهارات
1. مهارة التحدث:
يعتقد أي إنسان أنَّ هذه المهارة بسيطة ويمكن لأي شخص امتلاكها، لكن في الحقيقة تحتاج هذه المهارة إلى الحنكة وبُعد النظر؛ وذلك لأنَّ التحدث طوال الوقت لن يفيدك، وقول أشياء غير هامة سيصبح ثرثرة لا داعي لها.
لذا عليك أن تعرف متى تتحدث ومتى تستمع وتصغي إلى من حولك وخاصة إن كان المتحدِّث رئيسك في العمل؛ لتفهم جيداً ماذا يريد وماذا يتوقع منك، وفي حال تكلمت، لا تخرج عن الموضوع ولا تدخل في تفاصيل غير هامة تصيب المستمع بالملل وتضيِّع تركيزه عن مقصدك، عموماً تساعدك هذه المهارة إن أتقنتها على توطيد وتحسين علاقاتك مع الجميع.
2. تنظيم الوقت:
قد يسبب عدم وجود هذه المهارة لديك الفشل في عملك أو البقاء في نفس المكان دون أي تطور أو ترقية، فأحياناً تحتاج إلى إنجاز العديد من المهام المختلفة في ذات اليوم، وهذا يتطلب منك أن تعرف جيداً كيف تنظم وقتك وكيف تفرز المهام وتنجزها حسب الأهم وتقدمها بأسرع وقت لمديرك.
3. التواصل:
تشمل هذه المهارة كل أنواع التواصل؛ التواصل الكتابي، واللفظي، وغير اللفظي، وتساعدك هذه المهارات على بناء علاقات جيدة مع الجميع، وعلى التعبير عن نفسك وإيصال فكرتك بوضوح وبساطة دون سوء فهم، وأيضاً هذه المهارة ضرورية لفهم الناس من حولك واختيار طريقة التعامل المناسبة معهم.
لقد أوصى المؤتمر الاقتصادي العالمي أيضاً بالعديد من المهارات الشخصية التي عَدَّها الأهم في سوق العمل وسنعددها فيما يأتي:
4. مهارة حل المشكلات:
ليس أمراً غريباً أن تعكِّر بعض المشكلات جو العمل وتسبب التوتر داخل المؤسسة أو الشركة، ومن هنا تنبع أهمية هذه المهارة؛ وذلك لأنَّ امتلاك الموظف لمهارة حل المشكلات سيجعله قادراً على تفنيد المشكلة والتفكير في حيثياتها وأسبابها لوضع خطوات حلها ثم المباشرة بذلك.
هذا ينعكس بالضرورة إيجابياً على وضع الموظف داخل الشركة أو المؤسسة التي يعمل لديها؛ وذلك لأنَّ تقديم هذه الحلول سيعود بالنفع والفائدة عليها، ويوفِّر عليها الوقت المهدور في البحث عن حلول، ويعيد لها جو الهدوء والراحة.
5. الإبداع:
التفكير خارج الصندوق من المهارات الهامة جداً أيضاً؛ وذلك لأنَّ الحلول التقليدية لم تعد نافعة في عالمنا اليوم، والبحث عن اقتراحات مبتكرة بات مطلب الجميع في سوق العمل وخاصة في ظل الثورة التكنولوجية الهائلة التي تجتاح العالم وتجعل التعامل مع العملاء أكثر صعوبة وتعقيداً ويحتاج كثيراً من الحكمة والتفكير.
6. التفكير الناقد:
كما ذكرنا في المقدمة سوق العمل ليس المكان المناسب لإظهار المشاعر؛ وذلك لأنَّ التعامل مع المشكلات المهنية بهذه الطريقة سيؤدي إلى كوارث في العمل؛ فتخيل مثلاً أنَّك مسؤول عن أحد الأقسام في شركة ما، وتخيَّل أن تختار موظفيك بناءً على حاجتهم إلى العمل ورغبتك في مساعدتهم وليس بناءً على خبراتهم وتخصصاتهم.
هذا بالطبع غير منطقي ومرفوض في بيئة العمل، والصحيح وضع المشاعر جانباً وتحكيم العقل في أيَّة مشكلة أو قرار ستتخذه، وهذا ما سيجعل طريقك سهلاً، فأنت تعتمد على منهج واضح ومحدد ولا تعتمد على أحاسيسك وتقديراتك الشخصية.
7. القيادة:
ليس بالضرورة أن تصبح مديراً، لكن من الضروري أن تتعلم مهارة القيادة وإدارة الفريق؛ وذلك لأنَّ هذه المهارة مفيدة جداً لك وستعلمك على الأقل كيفية التعاون مع الآخرين، وكيفية إيصال الرسائل لهم بشكل دقيق، وتقديم نفسك بصورة صحيحة، وهذا هام جداً لك حتى خارج سوق العمل.
شاهد بالفديو: 15 نصيحة في الإدارة و القيادة الحكيمة
8. التنسيق:
كثير من المشاريع انهارت بسبب عدم قدرة فريق العمل على التنسيق؛ لذلك فإنَّ هذه المهارة هامة جداً وللجميع على حد سواء، فمن الهام أن تعرف كيف تتواصل مع غيرك وكيف تقدِّر ظروفهم وتضعها في بالك عند التنسيق لاجتماع أو موعد أو زيارة ميدانية؛ لأنَّك بهذه الطريقة فقط تستطيع الوصول مع فريقك إلى أفضل النتائج.
9. الذكاء العاطفي:
هذه المهارة تحديداً أهميتها لا تتوقف على صعيد سوق العمل؛ بل هي إحدى المهارات الأساسية التي على الإنسان التحلي بها، فهي ضرورية ومتداخلة مع أيَّة مهارة أخرى تمتلكها، والكثير من الباحثين ذهبوا أبعد من ذلك وقالوا إنَّ الذكاء العاطفي أهم من الذكاء العقلي في سوق العمل.
10. اتخاذ القرار:
إن كنت متذبذباً وعاجزاً عن الاختيار بين أمرين والمفاضلة بينهما، فأنت إذاً لا تمتلك مهارة اتخاذ القرار؛ وهذا يعني أنَّ عليك العمل على تعزيز هذه المهارة وتطويرها لديك؛ لأنَّك من خلالها ستكون قادراً على التقييم وعلى دراسة المعطيات التي لديك لاختيار الأفضل في نهاية المطاف.
11. تقديم الخدمات:
بالشكل الأمثل هي المهارة الأهم على صعيد التعامل مع العملاء: فمن خلال امتلاكها ستتمكن من عرض خدماتك بالطريقة الأفضل وبالشكل الذي تتضمن فيه اختيار العميل لخدمتك لأنَّها ستكون نابعة من فهمك الدقيق لاحتياجاتهم ومتطلباتهم.
12. الإقناع:
فيجب على الإنسان الراغب في النجاح في سوق العمل أن يكون قادراً على التفاوض والإقناع، وألا يكون ملولاً وصعب المراس، وهذه المهارة تساعد كثيراً على حصول الشخص الذي يمتلكها على امتيازات قد لا يحصل عليها شخص آخر، فمن الممكن أن تحصل على أجر أعلى، أو إجازة أطول، أو مكافأة، وغير ذلك.
13. المرونة:
تعني هذه المهارة القدرة على التكيف مهما كانت الظروف التي يمرُّ بها مكان العمل، فمن الطبيعي أن تتعرض للضغط في بعض الأحيان وليس من الطبيعي أن تترك عملك أو وظيفتك كلما عانيت من ضغطٍ ما.
ثالثاً: كيف تفيدنا المهارات الشخصية في النجاح في سوق العمل؟ وكيف نطورها؟
سنبدأ بمثال بسيط جداً، أحياناً نجد في الحي نفسه طبيبين، وإذا ما قمت بمقارنة بسيطة بينهما من حيث سوية العمل وإتقانه، لوجدت أنَّهما على القدر ذاته من البراعة، ولكنَّ أحد هؤلاء الأطباء عيادته مليئة بالمرضى والمراجعين، والآخر تكاد عيادته أن تكون خالية، فقد يخطر في بالنا أن نسأل ما هو السبب في ذلك، ولكنَّنا سرعان ما نجد أنَّ الإجابة واضحة جداً ولا تحتاج إلى الكثير من التفكير.
بالطبع، يمتلك أحدهما مهارات شخصية أكثر من الآخر، فهو - إضافة إلى براعته بعمله على الصعيد الفني - بارعٌ أيضاً على صعيد التعامل مع المرضى وتنظيم المواعيد وضبط الازدحام وغيرها من المهارات التي تحدَّثنا مطولاً عنها، ونتيجة امتلاكه هذه المهارات التي أسميناها المهارات الشخصية، يضمن رجحان كفة الميزان لمصلحته.
من خلال المثال السابق يمكننا استنتاج أهمية وفائدة المهارات الشخصية في سوق العمل، فالنجاح المهني لا يتوقف عند امتلاك المهارات الفنية والتقنية؛ بل يتعدى ذلك إلى ضرورة امتلاك المهارات الشخصية الاجتماعية المناسبة، التي تضمن تواصلاً فعالاً وناجحاً، وخاصة أنَّ سوق العمل اليوم يركز تركيزاً كبيراً على العمل الجماعي والعمل ضمن فريق.
فإذا لم يمتلك الشخص العديد من المهارات الشخصية، فسيجد نفسه في ورطة حقيقية، وقد يكون ذلك عائقاً أمام تطوره في السلم الوظيفي أو ترقيته وحصوله على منصب أعلى.
هنا نصل إلى السؤال الآتي:
كيف يمكن تطوير المهارات الشخصية؟
كثيرة هي الطرائق التي تساعدنا على تطوير مهاراتنا الشخصية، وسنذكر فيما يأتي بعضاً من هذه الطرائق:
- التعلم لا يتوقف عند حد معين، فلا يجب أن تكتفي بما درسته في الجامعة؛ بل عليك دائماً أن تبحث وتتعلم، وخاصةً أنَّ التعلم الذاتي اليوم أصبح مطلباً حقيقياً سواء في سوق العمل أم في مجالات الحياة الأخرى، وما يسهل الموضوع أنَّ طرائق التعلم الذاتي ليست صعبة بوجود التكنولوجيا التي وفرت الكثير من الوقت والجهد وحتى المال، فإن كنت طبيباً، يمكنك تخصيص جزء من يومك لتصفح مواقع البحث العلمي والطبي للاطلاع على كل جديد.
- التواصل مع الآخرين مفيد جداً لتطوير المهارات الاجتماعية وتبادل الخبرات والتعرُّف إلى أشخاص جدد وإلى تجاربهم وكيفية تطوير مهاراتهم.
- المشاركة في الأعمال التطوعية أيضاً من الطرائق التي تساعد الأشخاص على اكتشاف أنفسهم وتطوير المهارات الشخصية التي يمتلكونها.
في الختام:
لا أحد منا يتمنى الفشل عند دخوله في أي مجال مهما كان بسيطاً، والرغبة في النجاح ستكون مضاعفة عندما يتعلق الأمر بالعمل، ولكنَّ هذا النجاح لن يأتي على طبق من فضة؛ بل يحتاج منا إلى بذل الجهد اللازم، ففي هذا المقال تعلَّمنا من أين نبدأ لنضمن نجاحنا في سوق العمل، وعلينا أن نبدأ من أنفسنا بأن نطوِّر ما لدينا من مهارات شخصية، ونعمل على اكتساب المهارات الأخرى التي تنقصنا.
أضف تعليقاً