العلاج بالضغط (Acupressure): حقيقته وأهم تطبيقاته

قد يبدو الأمر وكأنَّه ضرب من الخيال، ولكنَّ العلاج بالضغط يقدِّم بالفعل هذا الوعد، فمنذ فجر التاريخ اعتقد الإنسان أنَّ في اللمسة شفاء، فأقدم الحضارات استخدمت تقنيات الضغط لعلاج الأمراض، من التدليك الصيني القديم إلى الحُجامة المصرية، كان الضغط أحد أعمدة الشفاء في تلك العصور، واليوم يعود هذا العلاج إلى الساحة بقوة، مدعوماً ببحوث علمية حديثة، فما هو العلاج بالضغط؟ وكيف يمكن للعلاج بالضغط أن يغيِّر حياتك للأفضل؟

ما هو العلاج بالضغط؟

العلاج بالضغط هو نوع من العلاج البديل الذي يعتمد على تطبيق ضغط يدوي على نقاط معيَّنة في الجسم تُعرف باسم " نقاط الضغط" أو "نقاط الطاقة"، وهو جزء من ممارسات الطب الصيني التقليدي، يختلف عن العلاج بالإبر في أنَّه يستخدم أطراف الأصابع بدلاً من الإبر لتحفيز هذه النقاط، يُعتقد في الطب الصيني أنَّ صحة الإنسان تعتمد اعتماداً كبيراً على التدفق السلس للطاقة الحيوية، المعروفة باسم "الكي" (Qi)، من خلال قنوات الطاقة في الجسم المعروفة باسم "ميريديان"، فعندما يتعرَّض هذا التدُّفق للاضطراب بسبب نمط حياة غير صحي أو ضغوطات نفسية، قد تنشأ انسدادات في هذه القنوات، وهذا يؤدي بمرور الوقت إلى مشكلات صحية، ويعود تاريخ العلاج بالضغط إلى آلاف السنين، فطُوِّر بوصفه وسيلة لتحفيز نقاط معيَّنة ترتبط بأعضاء ووظائف الجسم المختلفة، فمن خلال الضغط على هذه النقاط، يمكن تحسين تدفُّق الطاقة واستعادة التوازن الصحي في الجسم.

خلاف الوخز بالإبر، فلا يحتاج العلاج بالضغط إلى استخدام أية أدوات حادة، إذ يكتفي باستخدام الأصابع أو أدوات بسيطة، مثل قلم العلاج بالضغط لتحقيق التأثير المطلوب، والهدف من العلاج بالضغط هو إعادة التوازن الصحي لقنوات الطاقة وتنظيم التفاعل بين قوى "الين" أي "الطاقة السلبية أو الظل" و"اليانغ" أي "الطاقة الإيجابية أو النور" المتضادَّة داخل الجسم، وهذا التوازن لا يؤثر فقط في الصحة الجسدية؛ بل يمتد ليشمل العقل والمشاعر وحتى الروح.

يعتقد بعضهم أنَّ العلاج بالضغط يمكن أن ينقل الطاقة الحيوية من شخص لآخر، وهذا يعزِّز الشفاء على جميع المستويات، ويعتمد العلاج بالضغط في جوهره على فكرة أنَّ الجسم يمتلك قدرة طبيعية على الشفاء، فمن خلال الضغط على نقاط معيَّنة، يمكن تحفيز هذه القدرة، ليس فقط في الموقع المتألِّم، ولكن في أماكن أخرى من الجسم ترتبط بتلك النقاط، لذلك يُعدُّ العلاج بالضغط أحد أقدم وأبسط طرائق العلاج التي عرفها الإنسان، مستنداً إلى الحكمة القديمة التي ترى أنَّ الجسم والروح متصلان، وأنَّ العناية بكليهما هي مفتاح الصحة والرفاهية.

آلية عمل العلاج بالضغط

العلاج بالضغط يعزِّز الشفاء من خلال التأثير في الطاقة التي قد تكون محجوبة في الجسم، على الرغم من أنَّ التفاصيل الدقيقة عن كيفية عمله ما تزال قيد الدراسة، ويعتقد بعض الباحثين أنَّ الضغط على النقاط المحدَّدة، يمكن أن يحفِّز إفراز الإندورفين، وهي مواد كيميائية طبيعية تعمل بوصفها مسكِّنات للألم، ومن جهة أخرى يرى آخرون أنَّ هذا الضغط قد يؤثر في الجهاز العصبي الذاتي، الذي يتحكَّم في الوظائف التلقائية، مثل القلب والهضم والتنفُّس، وفيما يأتي خطوات العلاج بالضغط:

1. تحديد نقاط الضغط

أوَّل خطوة في العلاج بالضغط هي تحديد النقاط التي تحتاج إلى معالجة، وهذه النقاط تقع على طول قنوات الطاقة في الجسم، المعروفة باسم "ميريديان" في الطب الصيني التقليدي، يحدِّد المعالج هذه النقاط بناءً على الأعراض التي يعاني منها الشخص، والتي قد تكون مرتبطة بأعضاء معيَّنة أو مناطق مختلفة من الجسم.

2. وضع المريض

بناءً على النقاط التي ستُعالَج، قد يطلب منك المعالج الجلوس أو الاستلقاء على طاولة تدليك ناعمة، فوضعُك المريح يساعد على الاسترخاء، ويسمح بالوصول السهل إلى نقاط الضغط المستهدفة.

3. تطبيق الضغط

يبدأ المعالِج بتطبيق الضغط على النقاط المحددة باستخدام أصابعه، أو كفوفه، أو أحياناً أدوات خاصة، مثل أقلام العلاج بالضغط، ويُطبَّق الضغط بلطف وثبات، لكن بقوة كافية لتحفيز النقطة دون التسبب في ألم، ويُعتمد على توازن الضغط ليتناسب مع الحالة الصحية واحتياجات الجسم.

4. زيادة الضغط تدريجياً

يُزاد الضغط تدريجياً على النقطة المحدَّدة لمدة تتراوح بين 30 ثانية إلى دقيقتين، فهذا يحفِّز الطاقة في هذه النقطة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تحسين تدفُّق الطاقة في المسار المرتبط بالنقطة.

5. الاحتفاظ بالضغط

بعد زيادة الضغط، يحافَظ على الضغط ثابتاً على النقطة لمدة 30 ثانية إلى دقيقتين، فهذه المرحلة تتيح للمعالج تأثيراً مستمراً في النقطة لضمان تحقيق الفوائد العلاجية المطلوبة.

6. تقليل الضغط تدريجياً

بمجرد انتهاء فترة الضغط الثابت، يُقلَّل الضغط تدريجيَّاً على النقطة لمدة 30 ثانية، وهذه المرحلة تخفِّف التوتر تدريجياً وتجنِّب أي تأثير مفاجئ قد يسبب عدم الراحة.

7. تكرار العملية

قد تتطلب جلسة العلاج تكرار العملية نفسها لعدة نقاط على الجسم، فتكرَّر العملية ثلاث إلى خمس مرات على كل نقطة وفقَ احتياجات الحالة وتوجيهات المعالج.

8. الاسترخاء والتقييم

بعد انتهاء جلسة العلاج، يُنصح بالاسترخاء لبضع دقائق، فقد يتحدث المعالج معك عن شعورك واستجابة جسمك للعلاج، ويوجِّهك بشأن الخطوات التالية، والتي قد تشمل تكرار الجلسات أو دمج العلاج بالضغط مع تقنيات علاجية أخرى.

ما هي نقاط العلاج بالضغط؟

نقاط العلاج بالضغط، المعروفة أيضاً بنقاط "ميريديان"، هي مناطق محدَّدة على الجسم يُعتقد أنَّها مرتبطة بتدفُّق الطاقة الحيوية أو "التشي" (Qi)، ففي الطب الصيني التقليدي يُعتقد أنَّ هذه النقاط موزَّعة على طول قنوات أو مسارات غير مرئية في الجسم، تُسمَّى "ميريديان"، وتربط بين الأعضاء المختلفة والأنسجة الحيوية.

عدد النقاط ومساراتها

هناك 361 نقطة علاجية موزَّعة على 14 مساراً أو "ميريديان" في الجسم، وكلُّ مسار يمتدُّ من عضو معيَّن في الجسم إلى مناطق أخرى، وغالباً ما يكون لهذه المسارات أسماء مرتبطة بالأعضاء التي تتصل بها، مثل مسار المعدة، مسار القلب، ومسار الكبد.

أمثلة عن نقاط العلاج بالضغط

1. نقطة "نيغوان" (P-6)

 تقع على المعصم وتُستخدم استخداماً شائعاً لعلاج الغثيان والقيء، ويُمكن تحديد هذه النقطة عن طريق وضع الإبهام في مركز المعصم، وتحريكه بمقدار عرض إصبعين باتجاه الكوع، فالنقطة تقع بين اثنين من الأوتار الكبيرة في هذه المنطقة.

2. نقطة "هوغو" (LI-4)

 تقع بين الإبهام والسبَّابة في اليد، وتستخدم لتخفيف الصداع، وآلام الدورة الشهرية، وبعض الأعراض الناتجة عن العلاج الكيميائي.

3. نقطة "زو سان لي" (ST-36)

 تقع أسفل الركبة وتُستخدم لتحسين الشهية، وتقليل ارتجاع الأحماض، والتخفيف من الإمساك.

4. نقطة " لي تشيو" (LU-7)

تقع على جانب الإبهام من معصمك قد تحفِّز جهاز المناعة.

5. نقطة " تشو تشي" (LI-11)

تقع على المرفق تُستخدم لعلاج الحمى، والقيء، والإسهال، وآلام البطن.

6. نقطة زو سان لي" (ST-36)

تقع تحت الركبة تُستخدم لفقدان الشهية، وارتجاع الحمض، والإمساك.

7. نقطة " شين شو" (UB-23)

تقع على أسفل الظهر تُستخدم لعلاج آلام أسفل الظهر.

8. نقطة "ليانغ تشيو" (ST-34)

تقع فوق الركبة قد تكون مفيدة لآلام الركبة الناتجة عن التهاب المفاصل.

تطبيقات العلاج بالضغط

تطبيقات العلاج بالضغط متنوعة وتعدُّ آمنة وتشمل مجموعة من الأغراض الصحية التي يمكن أن تساعد على تحسينها، وإليك بعض الاستخدامات الشائعة للعلاج بالضغط:

1. تخفيف الألم

يُستخدم العلاج بالضغط لتخفيف الآلام مثل الصداع، وآلام الظهر، وآلام العضلات عن طريق الضغط على نقاط معيَّنة في الجسم.

2. تقليل التوتر والقلق

يُقلِّل التوتر ويُحسِّن الحالة النفسية من خلال تحفيز نقاط محددة يمكن أن تهدِّئ الجهاز العصبي.

3. تحسين الهضم

يمكن استخدامه لتحسين عملية الهضم وتخفيف مشكلات، مثل الانتفاخ والإمساك من خلال نقاط مرتبطة بالجهاز الهضمي.

4. تحسين جودة النوم

يُستخدم لتحسين النوم عن طريق تقليل الأرق والمساعدة على الاسترخاء.

5. دعم الصحة الإنجابية

يُستعمل لدى النساء لتحسين الدورة الشهرية وتخفيف أعراضها، كما يُعتقد أنَّه يعزِّز الخصوبة.

6. تحفيز الطاقة وتقوية المناعة

يُعتقد أنَّ الضغط على نقاط معيَّنة، يمكن أن يعزز مستويات الطاقة ويقوِّي جهاز المناعة.

محاذير استخدام العلاج بالضغط

العلاج بالضغط هو ممارسة آمنة وفعالة لكثير من الناس، ولكن توجد بعض الحالات التي يجب فيها تجنبه أو استشارة مختص قبل استخدامه، وهذه الحالات تشمل:

1. الحمل

بعض نقاط الضغط، مثل نقاط SP6 (سان يين جياو)، وLI4 (هيجو) يمكن أن تحفِّز انقباضات الرحم، وقد تؤدي إلى ولادة مبكِّرة أو إجهاض، لذا يجب على النساء الحوامل استشارة طبيبهنَّ أو معالج مختص قبل استخدام العلاج بالضغط وتجنُّب الضغط على النقاط المحفِّزة للرحم.

2. اضطرابات النزيف أو تناول مميعات الدم

يمكن أن يؤدي الضغط على نقاط معيَّنة إلى زيادة تدفُّق الدم أو يسبِّب كدمات في الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النزيف أو الذين يتناولون مميِّعات الدم، وينبغي توخِّي الحذر وتجنُّب الضغط الشديد، ويفضَّل استشارة الطبيب قبل البدء.

3. العدوى أو الجروح المفتوحة

تطبيق الضغط على منطقة مصابة بعدوى أو جرح مفتوح يمكن أن يُفاقِم الحالة أو يؤخِّر الشفاء، فيجب تجنُّب الضغط على هذه المناطق حتى تلتئم تماماً.

4. مشكلات في القلب

قد يؤثِّر الضغط على بعض النقاط في نظام القلب والأوعية الدموية، وهو أمر مقلق خصوصاً للأشخاص الذين يعانون من أمراض قلبية، ويجب استشارة الطبيب المعالِج قبل استخدام العلاج بالضغط، وتجنُّب النقاط التي قد تؤثر في القلب.

5. السرطان

قد يؤدي الضغط على مناطق تحتوي على أورام إلى انتشار السرطان أو تفاقم الحالة.

6. المرضى ذوو الحالات الطبية الخطيرة

الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية خطيرة، مثل الفشل الكلوي أو الكبدي، يجب أن يتجنبوا العلاج بالضغط أو يستخدموه بحذر.

7. الحالات النفسية الحادة

المرضى الذين يعانون من حالات نفسية حادة، مثل الاكتئاب الشديد أو اضطراب ثنائي القطب قد يتعرضون لتفاقم أعراضهم.

8. الأطفال وكبار السنِّ

الأطفال وكبار السنِّ قد يكونون أكثر حساسية للضغط، وهذا قد يسبِّب لهم ألماً أو ضرراً، ويجب استخدام ضغط خفيف، ويفضَّل استشارة مختص قبل البدء.

9. الحالات التي تتطلب عناية طبية طارئة

في حالات الطوارئ، مثل النوبات القلبية أو السكتات الدماغية، يجب التوجُّه إلى المستشفى فوراً وعدم الاعتماد على العلاج بالضغط، فلا تستخدم العلاج بالضغط بوصفه بديلاً للرعاية الطبية الطارئة.

ملاحظات عامة عن العلاج بالضغط

1. تفاوت النتائج

قد يختلف تأثير العلاج بالضغط اختلافاً كبيراً من شخص لآخر بناءً على الحالة الصحية الفردية.

2. استشارة المختصين

من الهام الحصول على استشارة من أخصائي معتمد قبل البدء في أي علاج بالضغط لضمان أنَّه آمن وملائم لحالتك.

3. الأدلَّة العلمية

لا توجد أدلة علمية دامغة تثبت فاعلية العلاج بالضغط لجميع الحالات، ويجب استخدامه بوصفه جزءاً من خطة علاجية شاملة، وليس بوصفه بديلاً للعلاج الطبي التقليدي.

4. التطبيق الصحيح

لضمان فاعلية العلاج، يجب معرفة المواقع الصحيحة لنقاط الضغط وطريقة تطبيق الضغط المناسبة.

5. الاستخدام التكميلي

يُفضَّل استخدام العلاج بالضغط بوصفه علاجاً تكميلياً إلى جانب العلاجات الطبية الأخرى، وليس بوصفه علاجاً رئيساً.

6. الوعي بالمضاعفات

في بعض الحالات، قد يتسبَّب العلاج بالضغط في تفاقم الأعراض أو حدوث آثار جانبية، لذا يجب مراقبة الحالة عن كَثَبٍ.

7. الاستمرارية والصبر

قد يتطلب العلاج بالضغط جلسات متعددة على مدى فترة زمنية لتحقيق النتائج المرجوة، لذا ينبغي التحلي بالصبر والاستمرارية.

في الختام

العلاج بالضغط أداة فعالة ومفيدة في مجال الطب البديل، فهو يقدِّم مجموعة متنوِّعة من الفوائد الصحية التي تشمل تخفيف الألم، وتحسين الحالة النفسية، وتعزيز الصحة العامة.

وعلى الرغم من عدم وجود دليل علمي قاطع يدعم فاعليته في جميع الحالات، إلا أنَّ معظم الأشخاص يجدون فيه وسيلة فعَّالة لتخفيف الأعراض وتحسين جودة حياتهم، ولكن من الضروري استشارة مختصين مؤهَّلين قبل البدء في أي علاج بالضغط، خصوصاً لمن يعانون من حالات صحية خاصة، ويمكن للعلاج بالضغط أن يكون جزءاً من خطة علاجية شاملة تحقِّق التوازن الجسدي والنفسي، ولكن يجب دائماً التعامل معه بحذر ومعرفة حدوده.