مفهوم الصداقة لغة واصطلاحاً:
تعرّف الصداقة لغةً على أنها مصدر للفعل صَدَقَ، وتعني خلاف الكذب، فالصديق من يكون صادقاً مع صديقه ومصدقاً له بقلبه ولسانه، بلا مصلحة أو غاية، ويكون دائم الامتلاء بالحب وحسن النية تجاهه.
وتعرّف الصداقة اصطلاحاً على أنها رابط يتكون بين شخصين أو مجموعة من الأشخاص تملؤهم المودة والحب. يتبادل الأصدقاء بينهم النصيحة والمساعدة ويتشاركون همومهم وأعباءهم ومشكلاتهم. وهي علاقة اجتماعية مجردة من التكلف والمصلحة والرسميات، تمتاز بالاستمرارية والمشاركة.
أهمية الصداقة:
1. ارتفاع مستوى السعادة عند الشخص:
أثبتت التجارب العلمية أن وجود صديق على الأقل في حياة الشخص يعزز شعور السعادة عنده؛ وذلك ناتج عن الدعم الذي يقدمه الصديق لصديقه نفسياً واجتماعياً والوقوف بجانبه في الأوقات الصعبة.
2. تعزيز مهارات التواصل والقيم الأخلاقية:
أثبتت الصداقة قدرتها على تقوية العلاقات الاجتماعية وجعل الشخص منفتحاً وقادراً على التواصل بثقة ضمن مجتمعه، كذلك تعزز الأخلاق الحميدة وتجعله يرى الخير في كل الناس ويمد يد العون إلى الجميع.
3. زيادة العمر المتوقع:
زيادة العمر المتوقع نتيجة للحالة النفسية المستقرة والسعيدة والطبيعة البشرية الميالة للمشاركة الاجتماعية.
4. تعزيز الصحة النفسية والجسدية:
أثبتت الدراسات أن وجود صديق واحد على الأقل وفي ومخلص يقوي الصحة النفسية، ويخفف القلق ونسبة الإصابة بالاكتئاب الذي ينجم عن شعور الوحدة والكبت، ويحمي من أمراض القلب والشرايين.
5. تنمية التعاون في المجتمع:
إن المجتمع السليم المتآخي والمتعاون فيما بينه على حل المشكلات وتجاوز الصعاب معاً، هو مجتمع سليم يسوده الترابط والسعادة.
أشكال الصداقة:
للصداقة في هذا الزمن أوجه وأنواع عدة، وتقسم إلى:
1. الصداقة القائمة على الحب:
هي الصداقة المبنية على الإخلاص والمحبة بين الصديقين؛ إذ يكرس كل واحد منهما ما لديه تجاه الآخر بلا غاية أو مصلحة.
2. الصداقة القائمة على العمل:
المعروفة بزمالة العمل، وهي علاقة تنشأ بين الزملاء داخل مؤسسة العمل فقط ولا تستمر خارجها.
3. الصداقة القائمة على تحقيق هدف معين:
تنشأ من أجل هدف معين، مثل مشروع التخرج مثلاً، وتنتهي بتحقيقه.
4. الصداقة القائمة على المصلحة:
تُعَدُّ من أسوأ أنواع الصداقة؛ وذلك لأن بعض الأشخاص يستغلون أصدقاءهم ويخدعونهم لدوافع معينة، وعند انتهاء مصلحتهم يتخلون عنهم.
5. الصداقة القائمة على توافق الرأي:
هي الصداقة التي تنشأ نتيجة توافق في الآراء تجاه فكرة أو قضية معينة تُناقَش.
خصائص الصداقة:
علاقة الصداقة تقوم على مشاعر وأفعال تُتبادَل بين شخصين أو مجموعة من الأشخاص، وتتميز بمجموعة من الخصائص تجعلها تحقق التكامل بين بعضهم بعضاً، ومن هذه الخصائص:
1. الحوار والمناقشة:
تختلف الصداقة كثيراً عن العلاقات الاجتماعية الأخرى؛ وذلك لأن الأصدقاء يتحدثون ويناقشون موضوعات حياتهم الخاصة والعامة كلها مع بعضهم بلا قيود، وهذا يحقق لهم الإفادة ومساعدة بعضهم بعضاً.
وعلى خلاف العلاقات الاجتماعية السطحية التي تختص موضوعاتها في شيء محدد أو نشاط معين، وتنتهي بانتهائه.
2. الاعتماد على بعضهم بعضاً:
يؤثر كل شخص في صديقه، سواء في معتقداته أم مشاعره أم تصرفاته، ويعتمد كل طرف على الآخر ويساعد ويدعم بعضهم بعضاً في جميع المواقف الحياتية؛ وهذا يؤثر إيجابياً في صحتهم النفسية.
3. تبادل المنفعة:
يتبادل الأصدقاء بين بعضهم المساعدات والدعم سواء المادي أم المعنوي، كأن يساعد الصديق صديقه في تنفيذ عمل أو تقديم العون المادي له، أو الوقوف بجانبه ودعمه نفسياً عند المشكلات والظروف القاهرة التي تطرأ عليه.
مع الوضع في الحسبان أن تقديم هذه المساعدات لا يكون على حساب مساعدة أخرى أو ثمن معين؛ بل عن رضى ووفاء وإخلاص؛ وذلك لأن الصداقة المبنية على المصالح هشة ومُعرَّضة للانهيار عند تعارض مصالحهم والاختلاف عليها.
4. الاستقرار والاستمرارية:
تنتج هذه الخاصية عن اجتماع الخواص السابقة؛ وذلك لأنها تعبر عن مقدار قوة الصداقة بين الأشخاص، وقدرتهم على مساعدة بعضهم وتحقيق أهدافهم وهم متكاتفون دون انتظار مقابل من بعضهم، ودون مطامع شخصية تخلخل هذه الرابطة.
معظمنا يمتلك صديقاً على الأقل منذ الطفولة ومستمرون معاً إلى الآن، وهذا يعزو إلى صدق التعامل والمحبة غير المشروطة والاستقرار المبني على أسس قوية وسليمة.
وفي المقابل هناك العديد من الصداقات التي انتهت بسبب مواقف معينة كانتهاء المصلحة، والاستغلال والخيانة وانعدام الصدق في العلاقة وكثير من الأسباب الأخرى.
5. التفهم:
يتفهم ويستوعب الأصدقاء مشاعر وتصرفات بعضهم دون الحاجة إلى الشرح والتبرير.
ميزات الصداقة:
تتميز الصداقة بما يأتي:
- الصداقة علاقة تجمع بين شخصين أو أكثر؛ أي إنها سلسلة من الفعاليات التشاركية التي تحدث بين شخصين أو أكثر يعرفون بعضهم بعضاً معرفة قوية.
- الصداقة علاقة اختيارية لا إجبارية، طوعية يختار فردان أو أكثر بناءها مع بعضهم.
- تتميز الصداقة بالمساواة؛ إذ إن لكل طرف من هذه العلاقة نسبة متساوية من السلطة والقوة.
- تمتاز علاقة الصداقة بالتشاركية والقيام بالنشاطات والأهداف معاً.
الصداقة والصحة النفسية:
الصداقة عنصر حاسم في حماية صحتنا النفسية والعقلية، حيث يمكن لأصدقائنا أن يجعلونا مستقرين، ويساعدونا في وضع الأمور في نصابها الصحيح، ويساعدونا في إدارة مشاكل الحياة.
وإذا كنا نعاني من مشكلة تتعلق بالصحة العقلية، فقد تكون غريزتنا هي الاختباء وتجنب أصدقائنا. لكن الصداقات يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في مساعدتنا على التعايش مع مشكلة الصحة العقلية أو التعافي منها والتغلب على العزلة التي غالباً ما تصاحبها.
ويمكننا أن ننتهي بأقوى العلاقات مع الأشخاص الذين دعمونا خلال الأوقات الصعبة.
وقد يكون من الصعب التحدث مع الأصدقاء حول صحتك العقلية ودعم صديق يعاني من مشكلة تتعلق بالصحة العقلية.
فإذا كانت لديك مشكلة تتعلق بالصحة العقلية، فقد تشعر بالخجل من "الاعتراف" بها. قد تشعر أنك تزعج صديقك أو تزعجه، أو تخشى أن يتم تصنيفك بناء على حالتك، أو تقلق بشأن كيفية تغير صداقتك.
ولكن فكر في من قد تشعر بالراحة في التحدث إليه، قد يكون من المفيد كتابة قائمة بإيجابيات وسلبيات إخبار الأشخاص أو عدم إخبارهم بمشكلتك.
ورغم صعوبة الأمر، إلا أن التحدث مع الأصدقاء المقربين يمكن أن يكون مهماً لكما. حتى لو لم تتحدث عن الأمر مرة أخرى، فإن ظهور المشكلة علناً يعني أنه لا داعي للقلق بشأن ذكر مشكلة صحتك العقلية عن طريق الصدفة أو "شرح" الأدوية أو المواعيد.
وظائف الصداقة النفسية والاجتماعية:
1. الوظيفة النفسية للصداقة:
أثبتت الدراسات النفسية معظمها التي درست الصداقة أن للأصدقاء دوراً كبيراً جداً في تخفيف التوتر والقلق لدى بعضهم.
وتأتتي هذه الأهمية بسبب الدعم الذي يتلقونه من بعضهم والمشاعر الإيجابية التي يبرزونها لبعضهم، وكذلك الاحترام المتبادل بين الأصدقاء وتشابههم بالأفكار والسلوك.
كذلك يُعَدُّ إخراج المكنونات الداخلية والإفصاح عن الذات من أهم وظائف الصداقة النفسية لما لها من فوائد إيجابيةٍ على الصحة تتمثل في عدم كبت المشاعر والتخلص منها أمام الصديق.
وهذا لأن الناس ميالون إلى التعبير عما يجول في خلدهم والإفصاح عما يزعجهم أمام الأشخاص الذين يثقون بهم ثقة لا تشوبها شائبة، هؤلاء الأشخاص المعروفين بدعمهم لأصدقائهم وبعدم إطلاقهم للأحكام والوقوف بجانبهم دون أي مقابلٍ.
2. الوظيفة الاجتماعية للصداقة:
تقوم الصداقة بصقل المهارات الاجتماعية والشخصية التي تسهم مساهمة كبرى في رقي الأدوار الأخلاقية المجتمعية.
يبدأ الطفل من سن الثانية باتخاذ صديق واحد على الأقل يفضله عن الآخرين، تراهم منسجمين ومتشاركين في الأفكار والتصرفات.
وتُصقَل هذه العلاقة وتتعمق مع مضي الوقت، حتى تصبح من أقوى العلاقات المبنية على الثقة المتبادلة والتشاركية والإفصاح عن المشاعر وتقاسم الأفراح والأحزان.
وهذا يساعد على إدراك النفس مقارنةً بالأشخاص المنعزلين وذلك من خلال معرفة المعايير السلوكية الاجتماعية المتوافقة مع كل موقفٍ يتعرض له الشخص.
في بعض الأحيان تضعف ثقة الشخص بنفسه وينخفض تقديره لذاته نتيجة تعرضه لموقف صعب أو بقائه وحيداً، ويصبح راغباً في الاعتماد على شخص أو أكثر لإعادة ثقته وتقديره لنفسه؛ لذا يحاول تكوين صداقات، لإثبات ذاته شخصياً واجتماعياً.
الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، مهما كان منعزلاً أو حاول الانعزال سيؤثر ذلك سلباً فيه، وسينفجر ويتمنى تكوين علاقات اجتماعية، إلا إذا وجدت مشكلة تمنع تفاعله وتسبب عزلته.
ولذلك تعد الصداقة من أهم الدوافع الرئيسة التي تحتاج إليها النفس والذهن البشري؛ إذ تنشئ وتقوي الوظائف النفسية الاجتماعية لدى الأطفال والمراهقين والبالغين؛ وذلك لأنها تعمل بوصفها سبيلاً لكسب الدعم والإيجابية وإعطاء الفرصة للتعبير عن النفس ومكنوناتها.
سلبيات الصداقة على المستوى النفسي:
مثل أي تفاعل إنساني آخر، فإن الصداقة لديها القدرة على إثراء حياتنا وإكمالها. على الرغم من ذلك، فإنا تملك عيوب وسلبيات معينة.
فيما يلي بعض العيوب المحتملة للصداقة:
1. استنزاف الوقت والموارد العاطفية:
قد يكون من الصعب إنشاء علاقات دائمة والحفاظ عليها، خاصة في ظل مدى انشغال حياتنا، وقد يكون من الصعب والمرهق إدارة العديد من الصداقات مع الوفاء أيضاً بالتزامات أخرى.
2. الخلافات والصراعات:
الصداقات ليست معفاة من الخلافات والصراعات. يمكن أن تنتج الحجج عن التباين في المعتقدات أو القيم أو الاهتمامات، مما قد يؤدي إلى توتر العلاقة.
ويمكن أن يكون حل النزاع مرهقاً عاطفياً، وفي بعض المواقف، يؤدي إلى زوال الصداقة.
3. التوقعات والالتزامات:
غالباً ما تأتي الصداقات مع مجموعة من المتطلبات والالتزامات.
وقد يكون هناك ضغط من أجل أن يكون الوصول إليهم متاحاً دائماً، لتقديم المساعدة أو الدعم عند الحاجة.
إن تلبية هذه التوقعات بشكل مستمر يمكن أن يكون أمراً صعباً ويمكن أن يولد مشاعر الذنب أو الغضب.
4. الاعتماد العاطفي:
على الرغم من أن الصداقات تهدف إلى تقديم الدعم العاطفي، إلا أن الاعتماد غير المبرر على مشاعر الصديق يمكن أن يؤدي إلى ديناميكيات غير صحية.
حيث أن الاعتماد المفرط على الصديق للحصول على الدعم العاطفي يمكن أن يجهد الصداقة ويعوق التطور الشخصي.
5. مشاكل الخيانة والثقة:
الثقة عنصر أساسي في أي صداقة. ومع ذلك، هناك دائماً فرصة للخيانة أو فقدان الثقة، الأمر الذي قد يكون مؤلماً للغاية ويصعب التعافي منه.
وقد تجعل الخيانة من الصعب تجديد الثقة بالآخرين في المستقبل وقد تؤثر على ميل الفرد إلى تكوين معارف جديدة.
6. الصداقات تتطور وتتغير عبر الزمن:
كما هو الحال مع الأشخاص، فإن الصداقات تتغير أيضاً. قد يكون هذا نتيجة لعدة أشياء، مثل اختلافات نمط الحياة، أو التطور الشخصي، أو الأولويات الجديدة، أو البعد عن بعضنا البعض.
وقد يصبح الأصدقاء أقل توافقاً وأقل ارتباطاً أثناء انتقالهم عبر مراحل الحياة المختلفة، مما قد يتسبب في انفصال الروابط التي كانت ضعيفة سابقاً.
7. الاستثمار العاطفي دون تبادل:
في بعض الأحيان يمكن أن تفسد الصداقات لأن أحد الأشخاص يبذل وقتاً عاطفياً أو جهداً أو طاقة عاطفية أكثر من الآخر. قد ينجم عن ذلك الإحباط وخيبة الأمل والشعور بسوء المعاملة.
أهمية الصداقة في الإسلام:
للصداقة في الإسلام مكانة كبيرة، فقد حثَّ النبي الشريف على الالتزام بها وبأخلاقها السامية، وذُكرت صور الصداقة في حديثه وفي القرآن الكريم. وفيما يأتي بعض الأمثلة المأخوذة منهم:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُصاحبْ إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامكَ إلا تَقِياً".
- وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّما مثلُ الجليسِ الصَّالحِ والجليسِ السُّوءِ، كحاملِ المِسكِ ونافخِ الكيرِ. فحاملُ المسكِ، إمَّا أن يُحذِيَك، وإمَّا أن تَبتاعَ منه، وإمَّا أن تجِدَ منه ريحاً طيِّبةً. ونافخُ الكيرِ، إمَّا أن يحرِقَ ثيابَك، وإمَّا أن تجِدَ ريحاً خبيثةً".
- قال تعالى على لسان الكافرين: (يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً). [سورة: الفرقان. الآية: 28].
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرءُ على دينِ خليلِهِ، فلينظُر أحدُكُم مَن يخالِلُ".
- قال تعالى: (الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ). [سورة: الزخرف. الآية: 67].
وغيرها الكثير من الشواهد المذكورة في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة التي أكدت أنَّ الصداقة الصالحة سبيلٌ لوصول الإنسان إلى الجنة؛ لذا يجب على المسلم أن يبحث عن الصديق الوفي والصالح الذي يكون له عوناً ونفعاً في الحياة والآخرة.
شاهد بالفديو: صفات الصديق الحقيقي
في الختام:
في حين أن الأصدقاء الجيدين يمكنهم دعمك خلال الأحداث المؤلمة ويكونون قادرين على مساعدتك في الإقلاع عن العادات السيئة، فإن الصداقات السامة يمكن أن تجعلك تشعر بالاستنزاف والخنق والقلق وعدم المساواة في كثير من الأحيان، لذا يجب عليك أن تحسن الاختيار.
أضف تعليقاً