على الرغم من الجهود التي تبذلها الدول لمقاومة السلوك العدواني عبر اتِّخاذها منظومة ضبط قانونية وأخلاقية مجتمعية، بالإضافة إلى محاولة دفع عجلة الضبط الداخلي للفرد من خلال توجيه أساليب التربية والتعليم السليمة والتي يخضع إليها أفرادها منذ الصغر، إلَّا أنَّه انتقل من المجتمع إلى المدرسة على اختلاف مراحلها.
لقد أصبح هذا الموضوع من الموضوعات التربوية الأكثر أهمية وتداولاً خلال السنوات الأخيرة، فالسلوك العدواني مشكلة متعددة الأبعاد مختلفة الأسباب وذات أشكال ودوافع عدة متشابكة في كثير من الأحيان، فما يصدر من سلوك عدواني عن أحد التلاميذ هو انعكاس لمجموعة من العوامل الاجتماعية والأسريَّة والاقتصادية والشخصية والأكاديمية.
إذا نظرنا إلى العملية التربوية، فإنَّ السلوك العدواني يُعَدُّ من أكثر المشكلات التربوية ذات التأثير السلبي في العملية التعليمية؛ إذ يهدر وقت المعلم وجهده في علاجه كما يؤثر في طريقة المدرسة في تقديم خدماتها الرئيسة، بالإضافة إلى أنَّ التلميذ العدواني يمثل مصدر قلق وخوف لبقية التلاميذ؛ مما يؤثر ليس فقط في تحصيلهم الدراسي؛ بل في شعورهم بالراحة والأمان أيضاً.
أولاً: تعريف السلوك العدواني
تدلُّ كلمة السلوك على كل فعل أو نشاط يقوم به الفرد استجابةً لموقف ما، فتناول الطعام سلوك واللعب سلوك وما إلى ذلك، أمَّا العدوان فهو في اللغة العربية يعني الظلم الصارخ والتعدي، فالسلوك العدواني يعني في طياته القيام بأعمال عدائية أو عنيفة مدفوعة بالكراهية والغضب والغيرة، ويرمي إلى إيذاء الآخرين وهزيمتهم أو إيذاء الذات وتخريب الممتلكات العامة أو الخاصة.
يرى "شابلن" (Chaplin) أنَّ العدوان هو: "هجوم أو فعل معادٍ موجَّه لشخص أو شيء ما، وهو إظهار الرغبة في التفوُّق على الأشخاص الآخرين، ويُعَدُّ استجابة للإحباط، ويعني الرغبة في الاعتداء على الآخرين أو إيذائهم والاستخفاف بهم أو السخرية منهم بأشكال مختلفة بغرض إنزال عقوبة بهم".
أما "ألبرت باندورا" فيقول: إنَّ السلوك العدواني هو سلوك يهدف إلى إحداث نتائج تخريبية أو مكروهة أو إلى السيطرة من خلال القوة الجسدية أو اللفظية على الآخرين، وهذا السلوك يُعرف اجتماعياً على أنَّه عدواني.
يرى حسن مصطفى عبد المعطي أنَّ العدوان سلوك يهدف إلى تعمُّد إيذاء طرف آخر أو الإضرار به أو مخالفة العرف السائد في التعامل بين الناس، ويأخذ صوراً متعددة منها البدنية أو اللفظية، سواء كان هذا العدوان مباشراً أم غير مباشر.
إذاً السلوك العدواني سلوك موجه لإيذاء الذات والآخرين والأصدقاء والزملاء والأسرة والأبنية والأدوات وكل ما قد يقع في متناول اليد، ويوجد مَن يرى أنَّ السلوك العدواني ليس حكراً على طفل دون آخر؛ بل هو موجود لدى جميع الأطفال لكن بدرجات متفاوتة، وكذلك تختلف طريقة إظهار هذا السلوك للخارج من طفل إلى آخر، كما أنَّها تترافق بأنواع أخرى من الاضطرابات السلوكية والانفعالية، وإذا لم يُعالَج هذا السلوك أو يُضبَط منذ ظهوره في الصغر، فقد يتفاقم وينمو مع نمو الطفل ليصبح من السمات الخاصة بشخصيته.
شاهد بالفيديو: صفات الشخصية العدوانية وكيفية التعامل معها
ثانياً: أنواع السلوك العدواني
تتعدد أنواع السلوك العدواني، ويترتب على كل منها أذى بدني أو نفسي أو مادي فيوجد:
1. العدوان الجسدي:
يقوم على إيذاء الطرف الآخر جسدياً عبر استخدام وسائل مثل الضرب والدفع والعراك والقتال والتكسير والعبث بالأشياء وتخريبها وصولاً إلى تعذيب النفس وغير ذلك.
2. العدوان اللفظي:
يكون عبر استخدام الكلام فقط مثل الشتائم وذم الآخرين ووصفهم بالصفات السيئة والتهديد والزمجرة والكلام بغضب.
3. العدوان الرمزي:
يكون عبر القيام بسلوك يركز في إهانة الشخص الآخر وجعله محطَّ تحقير وسخرية من الآخرين مثل تحريك اليد بشكل مثير أو تحريك اللسان أو استخدام إشارات محددة.
4. العدوان على الممتلكات:
يكون بتخريب وتكسير الممتلكات.
ثالثاً: ما هي مظاهر السلوك العدواني للأطفال في المدارس؟
إنَّ السلوك العدواني هو واحد من المشكلات المدرسية، فكثيراً ما نجد العديد من التلاميذ الذين يميلون إلى افتعال المشكلات والمشاكسة داخل الصف، وقد يكون السلوك العدواني موجهاً لفرد معيَّن أو للجماعة بأكملها.
يتَّخذ السلوك العدواني للتلميذ أشكالاً عدة منها:
- رفض التلميذ تنفيذ أوامر المعلم وعدم احترامه.
- الامتناع عن الدرس وإتمام الواجبات.
- تعطيل الدرس من خلال السخرية سواء من المعلم أم من الزملاء.
- تحطيم أثاث المدرسة وأدواتها.
- ضرب الزملاء وإهانتهم والعدوان على المعلم.
- مخالفة قوانين المدرسة وتحريض الزملاء على ذلك أيضاً.
- سرعة الغضب والامتعاض وإثارة الضجيج.
- تخريب ممتلكات الآخرين ككسر أقلامهم وتمزيق كتبهم ودفاترهم.
- تخريب البيئة المدرسية مثل الكتابة على الجدران وتحطيم المقاعد الدراسية والنوافذ وتخريب حنفيات دورات المياه ورمي القمامة في كل مكان داخل وخارج الصف.
- دفع الزملاء في أثناء الخروج من الصف.
- إحضار أشياء مؤذية إلى الصف كالمفرقعات النارية وأشياء منزلية كالمقص أو السكاكين.
- التحدُّث بألفاظ بذيئة وشتم الآخرين والصراخ.
رابعاً: أسباب السلوك العدواني عند التلاميذ
أسباب السلوك العدواني متعددة ومتداخلة ومترابطة مع بعضها بعضاً، فمنها ما يعود إلى الأسرة وتربيتها ومتغيراتها، ومنها ما يعود إلى الحالة الاقتصادية للطفل، ومنها ما يعود إلى البيئة المجتمعية والمدرسية التي يعيش فيها الطفل. عموماً نذكر أهم هذه الأسباب:
1. الأسباب الوراثية:
يختلف الباحثون في عدِّ الأسباب الوراثية من أسباب السلوك العدواني، لكن بينت العديد من الدراسات التي أُجريَت على التوائم أنَّ الاتِّفاق بين التوائم المتماثلة أكبر من التوائم غير المتماثلة، ويرى بعض الأشخاص أنَّ مردَّ ذلك إلى تماثل نمط التربية والتعليم اللذين يخضعان إليها، وليس بالضرورة أن يكون مردُّه إلى الوراثة.
2. وجود أمراض الدماغ:
بينت الدراسات أنَّ أمراض الدماغ تصاحبها أنماط من السلوك العدواني.
3. شذوذ في عدد الصبغيات الوراثية:
إنَّ عدد الصبغيات الطبيعية في جسم الإنسان هو 46 صبغياً، لكن عند شذوذ هذا العدد يصبح 47 بدلاً من 46 ويصبح نوعها الجنسي (xyy) أو (xxy)، ووجد الباحثون أنَّ السلوك العدواني يكون موجوداً بكثرة عند النوع (xyy) الذي تكثر عنده الذكورة ويميل إلى العدوان.
4. اتِّباع الأسرة أساليب معيَّنة من التنشئة الاجتماعية:
كالتشدُّد والتسلط والميل إلى استخدام أساليب العقاب المختلفة بدلاً من الثواب، أو الدلال المفرط وتلبية كل ما يرغب فيه الطفل والحماية الزائدة، بالإضافة إلى اضطراب العلاقة التي تجمع الطفل بالوالدين، أو سيطرة شخصية الأم في المنزل وغياب شخصية الأب، أو الخلافات الزوجية وحالات الطلاق، أو تشجيع الأسرة نمطَ العدوان في سلوك أبنائها، فكلها أشياء تعزز ظهور السلوك العدواني.
5. عدد الأولاد في الأسرة:
كلما زاد عدد أفراد الأسرة، قل الاهتمام والمتابعة الجيدة وزاد السلوك العدواني للفرد.
6. رفاق السوء:
تشجيع أصدقاء الطفل لهذا السلوك.
7. المستوى الاقتصادي للأسرة:
تُشير العديد من الدراسات إلى أنَّه كلما زاد مستوى الفقر، زاد معه السلوك العدواني؛ وذلك في محاولة من الطفل لتعويض الحرمان المادي وعدم إمكانية تلبية رغباته وما يحتاج إليه.
8. البيئة التي يعيش فيها الطفل:
قد تؤدي البيئة السيئة - التي لا يوجد فيها حب وعطف - بالطفل إلى الإحباط الذي يؤدي بدوره إلى العدوان.
9. البيئة المدرسية:
عدم توافر الشروط المدرسية الجيدة يؤدي إلى ظهور السلوك العدواني؛ مثل كثرة عدد الطلاب في الصف الذي يمنع المدرِّس من فرض السيطرة الكاملة عليه ومن ثم وجود التجاوزات العدوانية لبعض التلاميذ، وكذلك كلَّما قلَّ التحصيل الدراسي للتلميذ زاد معه السلوك العدواني، ولا سيما بوجود تلاميذ متفوقين إذ يدب بالتلميذ شعور الغيرة منهم، ومن ثم نجده يسعى إلى مضايقتهم في كل فرصة تسمح له بذلك.
10. ضعف المنظومة القيميَّة لدى التلميذ:
كالتعصُّب الذي ينقله الأفراد إلى الطفل.
11. أسباب نفسية:
كالعزلة والانطوائية والإحباط والحاجة إلى الظهور والحصول على الانتباه والشعور بالنقص ومحاولته لجعل الآخرين يقدرونه؛ فكل هذه الأسباب تدفع بالسلوك العدواني إلى الظهور.
12. التقليد:
الطفل صفحة بيضاء ينطبع عليها كل ما يريده الكبار، وفي المقابل أيضاً الطفل يحب ويهوى تقليد كل ما يراه من تصرفات المحيطين به من أفراد، أو ما قد يشاهده على شاشات التلفاز، ومن ثم يكون عرضة لتعلُّم وممارسة العديد من أنواع السلوكات العدوانية.
شاهد بالفديديو: أعراض التنمر المدرسي وعلاجه
خامساً: كيف تعمل على تعديل سلوك الأطفال العدواني؟
- دفع التلميذ إلى صرف الطاقة التي يحملها من خلال تفريغها في النشاطات الصفية المختلفة وتدريبه على تمرينات معيَّنة تساعد على امتصاص هذه الطاقة التي يمتلكها.
- ترتيب البيئة المدرسية والصفيَّة ترتيباً جيداً لتقليل الاحتكاك بين التلاميذ.
- استخدام أسلوب الثواب لتشجيع السلوك الجيد وأسلوب العقاب للنهي عن السلوك السيِّئ.
- تقديم المعلم النصح والإرشاد للطفل.
- استخدام استراتيجيات تربوية لعلاج السلوك العدواني مثل استراتيجية اللعب، فالطفل عندما يلعب يُسقط مشاعره الحقيقية لا شعورياً ويعبِّر عمَّا يشغله من مشكلات؛ إذ يمكننا الوقوف على مشكلته بالضبط، كما أنَّ اللعب يساعده على تفريغ انفعالاته وتوجيه نزعته العدوانية نحو أدوات اللعب.
- العمل على زيادة التعاون بين البيئة المدرسيَّة عامة والأسرة للوقوف على حل كل ما يمكن أن يكون مشكلة في طريق الطفل ويمنعه عن أن يكون تلميذاً متوافقاً نفسياً واجتماعياً؛ أي كما يجب أن يكون سواء كانت تلك المشكلة نفسية أم شخصية أم تعليمية أم اجتماعية أم اقتصادية وغير ذلك.
- اتِّباع أسلوب التصحيح الزائد: ويكون من خلال استخدام التحذير اللفظي عند قيام الطفل بسلوك خاطئ أو عدواني وإجباره على الاعتذار.
- العمل على اكتشاف ميول التلاميذ ورغباتهم ومواهبهم ودعمها لتفريغ طاقاتهم بها بدلاً من توجيهها نحو السلوك العدواني تجاه الآخرين.
- قيام المرشد النفسي في المدرسة بمهامه على أكمل وجه وعقد الجلسات المنتظمة مع التلاميذ لتعريفهم إلى نظام المدرسة وقوانينها ودفعهم للاستفادة القصوى من برامجها وضرورة عدم هدر طاقاتهم فيما لا ينفعهم ويضر مستقبلهم.
- ضرورة تصميم برامج علاجية نفسية خاصة بالتلاميذ الذين يتخذون من العدوان سلوكاً خاصاً بهم بهدف تحويل الطاقة إلى تصرفات يرضى عنها المجتمع.
في الختام:
لقد أصبح السلوك العدواني حقيقة واقعية ومنتشرة في الأوساط المدرسية على اختلاف أعمار تلاميذها "الأطفال، المراهقين، الشباب"، وهي مشكلة تؤرق كافة المشتغلين في التربية والتعليم والمجتمع عامة، وتأخذ الوقت الكثير من إدارات المدارس في حلها لما لها من تأثير كبير في سير العملية التعليمية؛ لذا تحتاج هذه المسألة إلى المزيد من تكاتف وجهود أفراد المجتمع ومؤسساته؛ للبحث والتعمق في أسبابها للحد منها والتخفيف من آثارها وانعكاساتها السلبية على الفرد خاصة وعلى وسطه الاجتماعي عامة.
المصادر:
- أحمد جاسم السليمان، عكلة سليمان علي، أشكال السلوك العدواني للتلاميذ بأعمار (11- 12 ) سنة، مجلة علوم التربية الرياضية، العدد الثاني، المجلد الخامس، 2012
- تهاني محمد عبد القادر الصالح، درجة مظاهر وأسباب السلوك العدواني لدى طلبة المرحلة الأساسية في المدارس الحكومية في محافظات شمال الضفة الغربية وطرق علاجها من وجهة نظر المعلمين، كلية الدراسات العليا، جامعة النجاح الوطنية.
- جموعي بلعربي، فاعلية برنامج إرشادي ( معرفي- سلوكي ) للتخفيف من آثار السلوك العدواني لدى تلاميذ المرحلة الثانوية وفقاً لحاجاتهم الارشادية، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة محمد لمين دباغين ، الجزائر.
- رشا محيسن الناصر العلي، السلوك العدواني لدى تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي وعلاقته بغياب أحد الوالدين، قسم علم الاجتماع، جامعة دمشق.
أضف تعليقاً