يعد الخروج من الجسد أو ما يُعرف بظاهرة الإسقاط النجمي من الظواهر الغامضة التي أثير حولها العديد من التساؤلات والتفسيرات. فما هي هذه الظاهرة بالضبط وماذا يقول العلم عنها؟
ما هو الإسقاط النجمي؟
الإسقاط النجمي، أو OBEs، هي عملية فصل مؤقت لأنفسنا الروحية عن أجسادنا المادية. تعتبر ظاهرة الإسقاط النجمي من الظواهر الخارقة التي يعتقد بعض الأشخاص أنها تحدث عندما يخرج الإنسان من جسده خلال نومه، ليتجول في العالم الروحي ويتابع نفسه وهو ينام. وقد وردت العديد من القصص والروايات عن تجارب الأشخاص في هذا السياق، وهي غالباً ما تكون نتيجة غير مقصودة لحادث أو تجربة قريبة من الموت.
معظم الناس يرفضون وجود، أو حتى فكرة، الإسقاطات النجمية، كونها ممكنة. بل إن كثيراً من الناس رفض مشاركة تجاربه مع الآخرين خوفاً من المجتمع وآرائه. ومع ذلك، قام عدد قليل من الناس بنشر تجاربهم، وإلى جانب تجربة الاقتراب من الموت، اكتسبت هذه الظاهرة شعبية في الآونة الأخيرة. كما أن أولئك الذين عانوا من تجارب الاقتراب من الموت يصفون خصائصهم بشكل مشابه للإسقاطات النجمية.
تاريخ الإسقاط النجمي
يعود تاريخ الإسقاط النجمي إلى العصور القديمة، المتناثرة في مختلف الثقافات والأديان. لكن انبعاثها الأخير في العالم الغربي كنظام معتقد حدث في أواخر القرن الثامن عشر.
في مصر القديمة، على سبيل المثال، هناك أدلة مكتوبة أولية عمرها 5000 إلى 3000 عام. فقد كان المصريون على علم بوجود الشكل النجمي، حتى زينت الجدران والإنشاءات بالرسومات والنقوش، ممثلة لها كضوء متواضع يحيط ويترك الجسم المادي.
أيضاً، هناك العديد من الإشارات إلى السفر النجمي داخل معبد ديميتر وبيرسيفوني في إليوسيس، اليونان. يذكر العديد من الفلاسفة والمؤرخين اليونانيين القدماء مثل بلوتارخ وهيرودوت وأفلاطون وهيرموتيموس السفر النجمي في كتاباتهم.
خلال العصور الوسطى، تمت دراسة إسقاطات الوعي وممارستها من قبل مدارس محددة وجمعيات سرية، ضد قمع محاكم التفتيش. استمرت هذه الحركات الغامضة والباطنية في حجب المعلومات عن عدد أكبر من السكان حتى بعد نهاية هذه المحاكم.
أما التبتيون فقد أشاروا إلى الجسم النجمي على أنه "جسد ثانوي يضم الروح"، مصنوع من مادة دقيقة للغاية، تتناقض مع صلابة أجسامنا المادية، والتي هي كهربائية وجذابة في جوهرها. المادة الحساسة التي يتكون منها هذا الجسم مرنة بشكل غير عادي ولا تخضع إلا لتغييرات صغيرة خلال حياتنا. هذه المرونة هي التي تسمح للجسم النجمي بالتوسع إلى مستويات لا يمكن تصورها.
حتى وقت قريب، كان التفسير الأكثر شيوعاً للإسقاطات النجمية عبر فكرة تم تطويرها في أواخر القرن التاسع عشر كجزء من الفلسفة، وهو مخطط يعتمد بشكل فضفاض على التعاليم الهندوسية والبوذية التي تضمنت سبعة "أجساد للإنسان" ، تتراوح من الجسم المادي الإجمالي وصولاً إلى الأجسام الروحية العليا. بينهما من المفترض أن يكون "الجسم النجمي"، وهو وسيلة خفية للوعي يمكن أن تنفصل مؤقتا أثناء الحياة وبشكل دائم عند الموت - مما يؤدي إلى الحياة الأبدية بعد الموت.
ماذا يقول العلم الحديث عن ظاهرة الإسقاط النجمي؟
يرفض العلم الحديث فكرة خروج الإنسان من جسده والتجول في عوالم أخرى أثناء النوم. بالنسبة للعلماء، يعتبر التجربة التي يعيشها البعض ويصفونها بخروج الجسد، هي نتاج تشوهات في الدماغ أو حالات من الهلوسة الناجمة عن أمور معينة مثل الإرهاق الشديد أو التوتر النفسي.
وهناك تفسير آخر يقول أن هذه التجارب تكون نتيجة لتوقف الدماغ عن التفكير والإحساس بالأمور المحيطة، مما يجعل الشخص يشعر بأنه خارج جسده. كما تشير بعض الدراسات إلى أن هذه الظاهرة قد تكون مرتبطة بأمور نفسية مثل الاكتئاب أو القلق.
يذكر كل من Messier و Blackmore في مقال نشر سنة 2017 لبي بي سي فوكس أن التجارب خارج الجسم غالباً ما تحدث بسبب الإجهاد أو التغيرات الجسدية في الجسم أو الأحداث المؤلمة مثل سوء المعاملة. يحمل دماغنا صورة وفهما لكياننا المادي - غالباً ما يشار إليه باسم مخطط الجسم - وعندما يتم كسر ذلك، يمكن تغيير إدراك العقل فيما يتعلق بالجسم.
في القرن العشرين، حاول الباحثون النفسيون وعلماء التخاطر، لكنهم فشلوا، في اكتشاف الأجسام النجمية باستخدام وسائط نفسية أو مجموعة متنوعة من الأدوات المادية. قاموا بإعداد تجارب ESP لاختبار ما إذا كان بإمكان OBErs رؤية الأهداف الموضوعة في غرف بعيدة ولكن لم يتم الحصول على نتائج مقنعة على الإطلاق وظلت OBEs موضوعا مشكوكا فيه للبحث على هامش الخوارق.
على العموم، تبقى ظاهرة الإسقاط النجمي من الأمور الغامضة التي لم تجد حتى الآن تفسيراً علمياً قاطعاً. وعلى الرغم من تناقض الآراء حولها، يبقى الأمر مفتوحاً للبحث العلمي الدقيق لمعرفة حقيقتها وكونها حقيقة علمية أم لا.
أبحاث حديثة توضح آليات الخروج من الجسد
لم تكن ظاهرة الإسقاط النجمي محل إهتمام العلماء لفترة طويلة، حيث كانوا يعتبرونها مجرد خيال أو تأثير نفسي. ولكن مؤخراً، كشفت الدراسات الحديثة عن العديد من الآثار البيولوجية والنفسية التي تحدث عند الشخص خلال تلك الظاهرة.
فقد أظهرت الدراسات أن الشخص الذي يخرج من جسده يمكنه اتباع جسمه بحركة العينين، وهذا يعني أن عملية الرصد البصري تبقى نشطة حتى خلال الحالة المميتة. وهذا يرجح وجود علاقة بين ظاهرة الخروج من الجسد وظاهرة تجسيد الذات.
من ناحية أخرى، أشارت بعض الأبحاث إلى أن الشخص الذي يخرج من جسده يمكنه تذكر الأحداث التي حدثت أثناء تلك الظاهرة بدقة، وهو ما يشير إلى تجربة وعي متزايدة تحدث خلال هذه الحالة.
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن تجربة الخروج الروحي غالباً ما تكون مصحوبة بشعور بالفرح والسلام، والإحساس بوجود عنصر غير مادي ينفصل عن الجسد ويستكشف عوالم جديدة. وتقترح الدراسات أن هذه التجارب قد تُعزز الوعي الروحي وتوجهنا نحو فهم أعمق لطبيعة الحياة والوجود.
ومن بين الآليات التي يمكن أن تُسهم في تسهيل تلك التجارب هي التأمل والتركيز العميق، والممارسات الروحية القديمة مثل اليوغا والتأمل، وحتى الابتعاد عن الضغوطات النفسية والاستسلام للراحة والهدوء.
وعلى الرغم من أن أثر هذه الأبحاث لا يزال محور جدل واسع النطاق بين العلماء والباحثين، إلا أن العديد من الناس يرون في تلك التجارب نقطة تحول إيجابية في حياتهم وتجربة تحرير العقل والروح من قيود الجسد والمادة.
بما أن العالم الحديث يتجه نحو فهم أعمق للعالم الروحاني، يمكن أن تكون أبحاث توضح آليات الخروج من الجسد نقطة تحول مهمة في فهمنا للذات وللعالم من حولنا. ومن الممكن أن تكون هذه الظاهرة نقطة بداية للكثير من التفكير والتدريس في ميدان الروحانية والوعي الشامل.
تجارب الخروج من الجسد: إشارات إلى عوالم أخرى؟
يعتقد الكثيرون أن هناك عوالم أخرى بعيدة عن العالم الذي نعيش فيه، وأنه بإمكانهم الوصول إليها من خلال تجارب الخروج من الجسد. تجارب الخروج من الجسد هي حالات تحدث عندما يشعر الشخص بأنه خارج جسده ويمكنه رؤية حوله من زوايا مختلفة. وعلى الرغم من أن هناك من يعتبر هذه التجارب مجرد خيال أو حلم، إلا أن هناك العديد من الشهادات التي تدعم واقعية هذه التجارب.
تعتبر تجارب الخروج من الجسد ظاهرة نفسية تحدث عندما يخرج الشخص من حالة الوعي العادية ويدخل في حالة قريبة من النوم. يشعر الشخص المتجرِّد بمغادرة جسده والتحليق في الفضاء، وقد يرى جسده من الخارج أو يشاهد أشياء لا يمكنه رؤيتها عندما يكون في وعيه العادي. وفي بعض الحالات، يقول الأشخاص المتجردين إنهم شاهدوا عوالم أخرى أو التقوا بكائنات خارقة.
لقد تم دراسة تجارب الخروج من الجسد من قبل العديد من العلماء والباحثين، وقد توصلوا إلى أن هذه التجارب قد تكون مرتبطة بتغييرات في الدماغ والحالة النفسية للشخص. بعض الدراسات أشارت إلى أن تجارب الخروج من الجسد قد تكون نتيجة لاندفاع الدماغ بالأوعية الدموية وتعطيل العصبونات، مما يؤدي إلى انفصال بين الروح والجسد.
من الجدير بالذكر أن هناك عدداً من الأشخاص الذين يرون في تجارب الخروج من الجسد فرصة لاستكشاف عوالم جديدة وتجارب لا يمكنها تحقيقها في الواقع. فهناك من يقولون أنهم تجولوا في عوالم خرافية وتعرفوا على أشخاص مجهولين، بينما هناك من يروي قصصاً عن لقاءات مع أحباء فقدوهم أو أسلاف توفوا.
شاهد بالفيديو: العقل الباطن قوة خفية داخلك تنتظر اكتشافها
هل يمكن تجربة ظاهرة الخروج من الجسد، وكيف يتم ذلك؟
على الرغم من أن العلم لا يوجد لديه أدلة دامغة حول إمكانية الدخول في تجربة الإسقاط أو السفر النجمي، بنفس الوقت يؤكد بعض الأشخاص دخولهم هذه التجربة الروحية الخالصة، سواء بشكل لا واعي في حالة النوم العميق والاسترخاء العميق أو بشكل واعي باستخدام بعض التقنيات.
هناك العديد من الطرق التي يمكن استخدامها لتجربة ظاهرة الخروج من الجسد، مثل التأمل، الاسترخاء العميق، الاحتفاظ بالوعي أثناء النوم، والتدريب على تقنيات التحكم بالحلم. إلا أنه يجب ممارسة هذه الطرق بحذر وتحت إشراف متخصص، حيث يمكن أن تحدث تجارب سلبية أو آثار جانبية على الصحة النفسية والجسدية.
هناك المئات من البودكاست والكتب والأدلة التي تهدف إلى تعليم الناس كيفية ترك أجسادهم تحت السيطرة. وغالباً ما ترتبط هذه الظاهرة بالأحلام الواضحة أو القدرة على التحكم في أحلامك.
رأي العلماء في تجربة الخروج من الجسد
عندما يكون لديك تجربة خارج الجسم، يتم تغيير مخطط جسم دماغك - إدراكه لشكلك المادي. لا شيء "يغادر" جسمك ، لكن عقلك لا يدرك جسمك بالطريقة التي اعتدت عليها، مما قد يعطي أحيانا انطباعا بأن وعيك منفصل لفترة من الزمن. في الإسقاط النجمي ، غالبا ما ينظر إلى هذا على أن الروح تغادر الجسد وتسافر إلى نوع من مستوى الوعي الجديد، لكن التفسير العلمي لا يدعم وجود روح منفصلة عن الجسد المادي.
في كثير من التجارب "تشرح الدكتورة كلود ميسييه الأستاذ من معهد أبحاث الدماغ والعقل بجامعة أوتوا في تجربة خاصة لها قامت بها عام 1970، "عندما "يتعطل مخطط الجسم بسبب التحفيز الكهربائي في تجربة الإسقاط النجمي، يمكن للدماغ أن يفقد مسار الجسم بشكل أساسي، مما يخلق شعوراً بالانفصال بين العقل والشكل المادي. هذا يخلق إحساساً بالانفصال، وتصور جسمك خارج نفسك".
بالعموم، لا يوجد إجماع علمي حول كيفية إحداث تجربة خارج الجسم، حيث أن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يختبرونها يفعلون ذلك بشكل لا إرادي، وتستند رواياتهم إلى أدلة قصصية.
كيف يمكن أن تساعد دراسة ظاهرة الإسقاط النجمي في فهم الجسد والروح؟
يعتبر الإسقاط النجمي أداة هامة في علم النفس الشخصية والتنمية الذاتية، حيث يمكن من خلاله فهم المزيج بين الجسد والروح وكيفية تأثير كل منهما على الآخر. فمن خلال دراسة الإسقاط النجمي، يمكن أن ندرك أن الروح لها تأثير كبير على جسد الإنسان، وأن هناك توازن مهم بين العناية بالجسد والروح لضمان الصحة والسعادة النفسية.
علاوة على ذلك، يمكن لدراسة الإسقاط النجمي أن تساعد في فهم أعمق للعلاقة بين الجسد والعقل، حيث يمكن تمثيل العقل والتفكير على شكل نقاط ضوء وخطوط هندسية، مما يسهل على الشخص فهم كيفية تأثير أفكاره ومشاعره على جسده وصحته العامة.
بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الإسقاط النجمي أداة مساعدة في عمليات التأمل والاسترخاء، حيث يمكن للشخص استخدام الصور الهندسية لتهدئة عقله وتحقيق السلام الداخلي، مما ينعكس إيجابياً على صحته النفسية والجسدية في جميع جوانب حياة الإنسان.
في الختام
بناءً على ما سبق، يمكن القول أن العلماء بدأوا في فك غموض ظاهرة الخروج من الجسد والكشف عن العديد من الجوانب البيولوجية والنفسية التي تحدث خلال هذه الحالة. ورغم بقاء بعض الأمور غامضة، إلا أن هذا التقدم يمثل خطوة هامة نحو فهم أعمق لهذه الظاهرة الغريبة والمثيرة للاهتمام.
أضف تعليقاً