ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون مات كروسمان (Matt Crossman)، والذي يتحدث فيه عن تجربته مع الثبات والعزيمة.
كنَّا قد عدنا للتو إلى الطريق السريع بعد أن توقفنا للتزود بالوقود، وكانت السماء صافية حينها؛ أمَّا لاحقاً، فقد أنذرت بالشؤم؛ وفي خضم ذلك، سألتني إحدى ابنتيَّ وهي تشير إلى يمين حافلتنا الصغيرة: "هل هذه عاصفة يا أبي؟"، فأجبت: " يبدو أنَّها كذلك"؛ كما كانت توجد سحابة داكنة أخرى على اليسار أيضاً، وكانت السماء صافية أمامنا حتى اللحظة.
فتحت ابنتي تطبيق الطقس على جوالها، ولم تجد شيئاً عن العاصفة؛ لكن فجأة اقتربت الغيوم التي على الجهتين اليمينية واليسارية من بعضها بعضاً، ففتحت ابنتي تطبيق الطقس مرة أخرى بعد بضع دقائق، فذكر هذه المرة أنَّنا كنَّا نتجه مباشرة نحو عاصفة ذات رياح بسرعة 70 ميل في الساعة، وأنَّ علينا أن نجد ملجأ على الفور.
نظرت ذات اليمين وذات الشِّمال، وكل ما استطعت رؤيته هو الأراضي الزراعية؛ إذ لم يكن هناك مبانٍ ولا طرق ولا ناس، وحتى لو بحثنا عن مأوى، فلن نجد.
نظرت من الزجاج الأمامي، فوجدت عاصفة هائلة على اليمين وأخرى على اليسار، وكان يوجد نفق صغير من الضوء بين هاتين العاصفتين، لكنَّه كان يُغلَق رويداً رويداً، وسرعان ما اختفى تماماً، ولم يكن لدينا خيار سوى القيادة عبر العاصفة مباشرة.
تساقطت الأمطار الغزيرة في غضون دقائق قليلة على زجاج سيارتي الأمامي، وتحولت الثرثرة الصاخبة التي ملأت السيارة إلى ساعات صمت مُطبق عكَّر صفوه دقات المطر العنيفة؛ فتمسكت بالمقود بشدة، وبطَّأت سرعتي لأتمكن من رؤية ما يكفي من الطريق للقيادة بأمان.
ألا يشبه هذا ما حدث في الفترة الماضية، حين واجهنا جميعاً أكبر عاصفة في حياتنا عندما بدأ الوباء بالانتشار في أوائل عام 2020؟
لقد اضطررنا جميعاً إلى الإبطاء لتجاوز الخوف والقلق الناتجين عن هذا الحدث غير المتوقع، ومن الواجب علينا كذلك أن نواصل الصمود في المستقبل القريب لأنَّنا ما زلنا في منتصف العاصفة، وأن نتحلَّى بالعزيمة إذا أردنا أن نجتاز هذه المحنة.
لمساعدتي على فهم كيفية اكتساب هذه السمة المستعصية والهامة، اتصلت بـ "كارولين ميللر" (Carolin Miller)، وهي صاحبة مدوَّنة مهتمة بموضوع العزيمة وقوة الإرادة.
تقول ميللر التي كتبت أيضاً عن تحديد الأهداف وعلم النفس الإيجابي ومذكرات عن محاربة مرض البوليميا (bulimia) لديها: "لا يمكن أن يكون الأمر أكثر أهمية؛ فإذا لم تمتلك قوة الشخصية هذه، فقد حان الوقت الآن لتعلمها".
الخبر السيئ هو أنَّ الطريقة الوحيدة لتعلم تحمل الأمور الصعبة هي أن تعيشها، والفرصة الآن متاحة لك؛ ذلك لأنَّ عليك أن تعيش هذا الأمر الصعب سواء أردت ذلك أم لا.
تقول ميللر: "السؤال الهام الذي أطرحه على عملائي هو: ماذا لو كان وباء فيروس كورونا يصب في صالحك وليس ضدك؟ ويرجع سبب أهمية هذا لكون الأشخاص ذوي العزيمة يدركون معنى النكسات في حياتهم، ولا ينظرون إليها على أنَّها نهاية اللعبة أو على أنَّها مطبات تعرقل تقدمهم، بل يرون أنَّها نقاط انطلاق ليصبحوا أقوى وأفضل وأكثر مرونة".
لقد اكتشفت ميللر في أثناء البحث وكتابة مدونة "التحلي بالعزيمة" أربع حقائق تفيدنا الآن على وجه الخصوص:
1. لا يتعلق الأمر بك:
تقول ميللر: "يوجد عزيمة جيدة وعزيمة سيئة، وأنا أسمِّي العزيمة الجيدة بالعزيمة الأصيلة، والتي تعني السعي الحثيث إلى تحقيق أهداف صعبة تقع خارج منطقة راحتك، وقد ينطوي هذا السعي على المخاطرة وإلهام الآخرين ليعيشوا حياتهم بأفضل طريقة ممكنة".
2. يتحلَّى أصحاب العزيمة بالتواضع أيضاً:
إنَّهم مرنون بما يكفي لمحاولة القيام بأمور جديدة، ومتواضعون بما يكفي للاعتراف بضرورة ذلك.
3. يعرف الشخص الذي يتحلى بالعزيمة الفرق بين أهداف الأداء وأهداف التعلم، ويُطبق ذلك عملياً:
لقد أجرت ميلر أبحاثاً رائدة في مجال تحديد الأهداف، وتقول أنَّ التحلي بالعزيمة لا ينفصل عن تحديد الهدف، وأنَّ التمييز بين أهداف الأداء وأهداف التعلم هام خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة التي نعيشها.
بالنسبة إلى العديد من رجال الأعمال الذين يعملون منفردين، فإنَّ تحديد أهداف الأداء في أوائل هذا العام لم يكن مجدياً في الواقع؛ فقد تغير السوق والاقتصاد والطريقة التي نتفاعل بها أيضاً؛ لهذا علينا تغيير أهدافنا وطريقتنا في تحقيقها.
تقول ميللر: "لا يمكنك أن تفعل ما فعلته العام الماضي، أو أن تبذل جهداً أكبر فحسب؛ فقد أصبحت هذه الأهداف غير واقعية الآن"، وتقترح استبدال أهداف الأداء بأهداف التعلم، كتعلم زيادة نسبة المبيعات باتباع وسائل جديدة، مثل استخدام تطبيق زوم (Zoom) ووسائل التواصل الاجتماعي.
شاهد بالفديو: 10 طرق فعّالة لتعزيز قوّة إرادتك
4. يتطلب التحلي بالعزيمة القدرة على تقبُّل مفهوم الإشباع المتأخر:
هذه ليست مهارة متطورة في الثقافة الحديثة، إذ يريد جميعنا تحقيق النجاح الفوري.
لقد اقترحت ميللر تطوير مقولة (أو مانترا mantra) من نوع ما لتتلوها على نفسك في الأوقات العصيبة، وشرحت لي أنَّ إحدى عميلاتها تتصور الاحتمالات المتاحة لها وتقول في سرها: "ماذا لو فعلت ذلك حقاً؟". إنَّ هذا ينير طريقها إلى المستقبل، خصوصاً حين تكمل أي مَهمَّة كانت قد شكَّكت بقدرتها على إنجازها بنجاح.
لقد فعلت ذلك إلى حدٍّ ما في أثناء قيادتي في تلك العاصفة، وطورت مقولة كنت أستخدمها عند ركوب الدراجة أو المشي لمسافات طويلة، والتي أرددها عندما أشعر بالتعب أو الملل، أو عندما أريد أن أتوقف فحسب؛ ألا وهي: "يمكنني الذهاب لمسافة ميل إضافي".
لقد ثبت أنَّ هذا مفيد في الحافلة الصغيرة؛ فقد توافق تنبؤ تطبيق الطقس مع مسارنا على الطريق السريع، وأخبرنا أنَّ العاصفة ستكون بين علامتي ميل محددتين وفي وقت محدد، وقد كان الزمان والمكان يتوافقان مع مسارنا.
لقد تجاوزنا علامة الميل الأولى والثانية، وكنت أفكر عند تجاوز كل واحدة في أنَّ هذا أمر مرعب، لكنَّني أستطيع تجاوز ميل واحد بعد.
إنَّه لمن المؤكد أنَّه لم يكن لدي الكثير من الخيارات، فلم تكن توجد مخارج يمكنني الخروج منها حتى لو أردت فعل هذا، وهو ما لم أفعله.
لقد فكرت لفترة وجيزة في التوقف على جانب الطريق السريع، لكنَّني خمنت أنَّ العاصفة ستضربنا بالتأكيد إذا توقفنا؛ ولهذا واصلنا السير علَّنا نتجاوز أسوأ جزء منها، وقد كنت نصف محق؛ إذ لم نتجاوز العاصفة تماماً، لكنَّنا تجاوزنا المطر الغزير والرياح التي تسير بسرعة 70 ميل في الساعة.
لقد رأينا شاحنتين صغيرتين تنقلبان، وهطلت أمطار غزيرة على زجاج حافلتنا الأمامي، واستمر ذلك لمدة 30 دقيقة؛ ثم طلعت الشمس مرة أخرى، وخرجنا من تلك المحنة بسلام.
آمل أن ينجح هذا في محنتنا العالمية الحالية.
أضف تعليقاً