في لحظة من الزمن، يمكن للقلب أن يجد نفسه يتغنى بنغمات الحب والعشق، وكأنَّه يكتشف لأول مرة موطنه الحقيقي، عندما تبدأ القصة العاطفية بين زوجين، يمكن للحب أن يشعل ناراً تضيء حياتهما بألوان السعادة، لكن في لحظة غير متوقعة يبدأ فيها الحب في الانحسار بين الزوجين، لتنتقل العلاقة من مرحلة الرابطة الروحية المعنوية إلى مرحلة الالتزام بالزواج واحترام التقاليد، ومن مرحلة العشق الأول إلى مرحلة الانفصال العاطفي.
إنَّ الانفصال العاطفي ليس مجرد غياب للعواطف الإيجابية، بل هو تراجع مؤقت لروح العلاقة، يتسبب في فقدان التواصل والقرب العاطفي بين الشريكين، وعلى الرغم من أنَّ هذه المرحلة قد تكون صعبة ومحزنة، إلا أنَّها ليست نهاية العالم، بل بداية لفصل جديد في العلاقة.
الانفصال العاطفي بين الزوجين، فهم الظاهرة وإشارات الخطر:
أن تختار شريك حياتك هو أصعب قرار يمكن لك أن تتخذه طيلة حياتك، فهو ليس مجرد اتخاذ قرار شخصي بل يمثل خطوة هامة نحو بناء علاقة تستمر للأبد، يتطلب هذا القرار تفكيراً دقيقاً ونظرة شاملة لمجموعة من العوامل التي تشمل القيم والمبادئ والأهداف المشتركة، فعندما يتخذ الشريكان قرار الزواج فذلك لأنَّ كلاً منهما وجد الراحة والعزاء والسعادة في وجود الآخر، لكن مع مرور السنوات يصل الزوجان إلى مرحلة الاستمرار بدافع الواجب والالتزام برابط الزوجية ومنهم من يفكر بالانسحاب لا سيما عندما يحدث الانفصال العاطفي.
الانفصال العاطفي هو حالة تحدث عندما تبدأ العلاقة الزوجية في التدهور على الصعيدين العاطفي والجسدي، ويقل اتصال الشريكين ببعضهما بعضاً بشكل ملحوظ، يصبح الزوجان غير قادرين على التفاعل العاطفي الإيجابي والتواصل الفعَّال، ويشعر كل شريك بالعزلة والبعد عن الآخر، فهما يعيشان في منزل واحد لكن لكل منهما عالمه الخاص، هو بمنزلة الطلاق غير المعلن، فعلى الرغم من التباعد والانطفاء في العلاقة يحتفظ الزواج بمظاهره الاجتماعية والقانونية لأسباب مختلفة، منها ما يرتبط بالسمعة والمكانة الاجتماعية أو لأسباب مادية أو إيجاد مرجعية أسرية للأطفال.
منافذ الفراغ: كيف تتجلى أسباب الانفصال العاطفي في العلاقات الزوجية؟
الانفصال العاطفي، ظاهرة تحدث عندما يبدأ الزوجان في الشعور بتراجع الاتصال الرومانسي في علاقتهما، فيتباعدان ويفقدان تواصلهما العاطفي، وتعد هذه الظاهرة شائعة في كثير من العلاقات الزوجية وتكون لها أسباب متعددة، أبرزها:
1. عدم التوافق الجنسي:
يشمل هذا العامل عدم القدرة على تلبية احتياجات الشريك الجنسية بشكل مرضٍ أو غير ملائم، قد تكون هناك اختلافات في الرغبات الجنسية والتفضيلات والاهتمامات الجنسية بين الزوجين، قد يترتب على عدم التوافق الجنسي الشعور بالإحباط والضغط العاطفي يؤدي إلى الانفصال العاطفي.
2. الاختلافات الجوهرية بين الزوجين:
يشمل هذا العامل الاختلافات الجوهرية في الشخصيات والقيم والمعتقدات والأهداف، قد يكون لدى الزوجين رؤى مختلفة عما يعدانه هاماً في الحياة.
3. الصراعات المتكررة:
تشمل الصراعات المتكررة الخلافات والنزاعات التي تحدث بين الزوجين بشكل متكرر ومستمر، تكون هذه الصراعات بشأن موضوعات متنوعة مثل التواصل، والأمور المالية، والتربية، والوقت الذي يقضيانه معاً، وغير ذلك من الأمور الأخرى.
4. نقص التواصل:
يشمل نقص التواصل عدم القدرة على التحدث والاستماع بفاعلية بين الزوجين، إذا لم يتم التعبير عن المشاعر والاحتياجات والاهتمامات بشكل صحيح، يؤدي ذلك إلى عدم فهم الشريك الآخر وحدوث الانفصال العاطفي.
5. أسباب مادية:
إذا كان أحد الزوجين مضغوطاً مالياً، مثل الديون الكبيرة أو صعوبة توفير الاحتياجات الأساسية، فقد يؤدي ذلك إلى توترات كبيرة وانفصال عاطفي، وإذا لم يتفق الزوجان على كيفية إدارة الأمور المالية في الزواج، مثل إنفاق الأموال، والتوفير، أو الاستثمار، فقد يؤدي ذلك إلى خلافات مستمرة وحدوث الانفصال.
6. عدم معرفة الشخص الآخر بشكل كاف قبل الزواج:
إذا لم يشارك الزوجان أفكارهما وتوقعاتهما من الحياة المشتركة قبل الزواج، فقد يكون هناك عدم فهم لاحتياجات بعضهما بعضاً، وهذا يؤدي إلى تصاعد الخلافات، فإذا كانت القيم والاهتمامات مختلفة بين الزوجين بشكل كبير، قد يكون هذا سبباً للتوتر والانفصال العاطفي، فيصعب على الأشخاص العيش معاً بسعادة عندما تكون قيمهم وأولوياتهم مختلفة.
7. الشك ونقص الثقة:
إذا بدأ أحد الزوجين يشعر بأنَّه ارتكب خطأ في اختيار شريك الحياة، فقد يتطور هذا الشعور إلى شكوك وتساؤلات دائمة عن العلاقة، وهذا يزيد من نقص الثقة ويؤدي إلى الانفصال العاطفي، كما أنَّ الغيرة والشك في الوفاء وانعدام الثقة بين الزوجين هي أسباب هامة لتدهور العلاقة وحدوث الانفصال العاطفي.
شاهد بالفيديو: 7 علامات تكشف خيانة زوجك
8. عدم الإعداد المناسب للزواج:
هذا يعني عدم تجهيز الأفراد الذين يعتزمون الزواج بشكل مناسب من الناحيتين العاطفية والاجتماعية، إذا لم يكن لديهم فهم كاف للمسؤوليات والتحديات التي تأتي مع الزواج، قد يصبحون غير قادرين على التعامل معها بشكل صحيح، وهذا يؤدي إلى توترات وصراعات، فعدم الاستعداد للتحول من حياة العزوبية إلى الزواج يؤدي إلى صدمة نفسية وعاطفية، فيجد الزوجان أنفسهما غير مستعدين للمسؤوليات والتعهدات الجديدة، ومن ثم يحدث الانفصال العاطفي.
9. سوء الاختيار:
يشير سوء الاختيار إلى اختيار شريك الحياة غير المناسب للشخص بسبب عوامل مثل الضغوطات الاجتماعية، أو الاهتمامات السطحية، أو أسباب غير مرجحة للنجاح في العلاقة، فقد يختار الأفراد شريكاً يعجبهم في البداية دون مراعاة القيم المشتركة، أو الأهداف المستقبلية، وهذا يؤدي في النهاية إلى انفصال عاطفي بسبب عدم التوافق في هذه الجوانب الهامة.
10. الحب المشروط:
يشير الحب المشروط إلى الحب الذي يتوقف على شروط أو متطلبات معينة، على سبيل المثال، إذا كان أحد الزوجين يحب الشريك فقط إذا تم تلبية احتياجاته، أو إذا كان الشريك يتصرف بالطريقة التي يرغب بها، فإنَّ ذلك يؤدي إلى انفصال عاطفي عندما تتعارض هذه التوقعات مع واقع العلاقة.
11. أسلوب قضاء أوقات الفراغ:
إذا حصل اختلاف كبير في كيفية قضاء الوقت الحر بين الزوجين، فقد يؤدي ذلك إلى تباعد عاطفي، على سبيل المثال، إذا كان أحد الشريكين يفضل قضاء وقته في الخروج والترفيه بينما الشريك الآخر يفضل البقاء في المنزل وقضاء وقت هادئ، فإنَّ هذا الاختلاف في أسلوب قضاء الوقت يسبب توتراً وعدم انسجام وحدوث الانفصال العاطفي.
12. التغير في الأولويات:
يتغير مع مرور الزمن ما يعده الشريكان من الأولويات في الحياة، على سبيل المثال، يحدث تغيير في أولويات مهنية أو شخصية، وهذا يجعل الشريك يخصص وقتاً وجهداً أقل للعلاقة الزوجية.
13. تغيرات في الحياة:
حدوث تغيرات كبيرة في الحياة مثل الانتقال إلى مكان جديد، أو تغيير وظيفة، أو زيادة عدد الأطفال تكون مصدراً للضغوطات والتوتر وحدوث الانفصال العاطفي.
14. العنف الأسري:
العنف الأسري هو سلوك عدواني أو سلوك تحكُّمي يقوم به أحد أفراد الأسرة ضد أحد أفرادها الآخرين، ويشمل العنف الجسدي أو العنف النفسي أو الاعتداء الجنسي، يكون العنف الأسري سبباً رئيساً للانفصال العاطفي بين الزوجين، فيؤدي هذا النوع من العنف إلى إلحاق ألم نفسي وجسدي بالشريك المتضرر، وقد يجعله يشعر بعدم الأمان والتوتر في العلاقة.
مظاهر الانفصال العاطفي بين الزوجين:
1. التقليل من قيمة كل ما يتصل بالشريك:
يشمل تقليل الاهتمام بمشاركة الشريك في القرارات الهامة أو في الأمور اليومية البسيطة، وتقليل الاحترام والتقدير لآراء ومشاعر واحتياجات الشريك.
2. التفسير السلبي لتصرفات الشريك:
يتمثل في تفسير تصرفات الشريك بطريقة سلبية ومتشائمة دون البحث عن تفسيرات أكثر إيجابية، مثلاًعندما يتجاهل أحد الشريكين مكالمة هاتفية من الشريك الآخر بسبب انشغاله في العمل، قد يرى الشريك الآخر هذا التصرف على أنَّه عدم اهتمام أو إهمال، دون أن يرى أنَّ الشريك قد كان مشغولاً بأمور هامة في العمل، يزيد هذا التفسير السلبي من التوتر في العلاقة ويساهم في تفاقم الانفصال العاطفي.
3. تجنُّب الشريك:
أي عندما يتجنَّب أحد الشريكين بصفة منهجية الحوارات العميقة أو مشاركة الأفكار والمشاعر مع الشريك الآخر، مثلاًإذا كان الشريك يمتلك أفكاراً أو مشاعر عميقة عن مشكلة معينة ولكنَّه يمتنع عن مناقشتها مع الشريك ويُفضِّل تجنُّب المواجهة، فهذا يؤدي إلى تفاقم الانفصال العاطفي بينهما.
4. استفزاز الشريك:
عندما يتجاهل أحد الشريكين الشريك الآخر بشكل متكرر أو يستخدم كلمات جارحة وتصرفات عدوانية بهدف إثارة استفزازه وإثارة رد فعل سلبي منه، هذا من أبرز مظاهر الانفصال العاطفي.
5. حاجة كل منهما إلى شخص آخر:
عندما يبدأ كل من الشريكين في الشعور بأنَّهما بحاجة إلى شخص آخر خارج العلاقة لتلبية احتياجاتهما العاطفية أو الاجتماعية.
6. التجاهل:
تجاهل الاحتياجات والرغبات المشتركة بين الزوجين.
7. انعدام الرغبة في القرب الجسدي:
تقليل التواصل الجسدي والعواطف.
8. زيادة الصدامات والنزاعات:
زيادة التوتر والنزاعات بين الزوجين دون إيجاد حلول فعالة أو مقبولة.
9. فقدان الثقة والإيمان:
فقدان الثقة بين الشريكين وعدم الإيمان بأنَّ العلاقة تتحسن.
10. الانفصال الاجتماعي:
انخراط كل من الزوجين في حياتهما الاجتماعية والشخصية بصورة منفصلة.
11. الإحساس بالملل والاستياء:
الخرس والملل الزوجي والاكتئاب والروتين في العلاقة الحميمة وفقدان الشغف، جميعها مرادفات للملل في الحياة الزوجية.
شاهد بالفديو: 6 إشارات تدل على فشل الزواج مبكراً
آثار الانفصال العاطفي للزوجين:
الانفصال العاطفي بين الزوجين هو موضوع تكون له آثار قوية في الزوجين والأسرة ككل، يؤدي هذا الانفصال إلى تغيرات كبيرة في الحياة الشخصية والعائلية، غالباً ما ينتج عن الانفصال العاطفي للزوجين ظهور مشكلات نفسية مثل الاكتئاب والقلق والشعور بالوحدة والعزلة، إضافة إلى زيادة التوتر والضغط نتيجة الصراعات اليومية، كما أنَّ الانفصال العاطفي يؤدي غالباً إلى الانفصال الفعلي ووقوع الطلاق.
لا يتوقف تأثير الانفصال العاطفي على الزوجين فقط بل يتعداه للأبناء، فيشعر الأبناء بالتوتر والقلق نتيجة للتوتر والصراعات بين الوالدين، ويشعرون بأنَّهم مضطربون وغير آمنين في بيئة الأسرة، كما يؤدي الانفصال العاطفي إلى تشتيت انتباه الوالدين عن احتياجات الأبناء، وهذا يؤثر سلباً في علاقاتهم الاجتماعية والعلاقات مع الأقران وتدهور الأداء الأكاديمي لهم وزيادة احتمالية تطور مشكلات نفسية مثل الاكتئاب أو القلق، كما يؤثر في مفهوم الذات لديهم، فقد يشعر الأبناء أنَّهم غير محبوبين أو منبوذين، كما يؤثر الانفصال العاطفي للزوجين في تكوين علاقات الأبناء العاطفية في المستقبل.
علاج الانفصال العاطفي بين الزوجين:
يتطلب علاج الانفصال العاطفي بين الزوجين وتجنب الوصول إلى الطلاق الفعلي جهداً مشتركاً من الزوجين لإصلاح العلاقة وتحسينها، وفيما يأتي بعض الطرائق:
- بناء جسر من التواصل المفتوح والصريح بينك وبين شريكك، حاولا فهم مشاعر واحتياجات بعضكما بعضاً والتعبير عنها بشكل جيد.
- تجنُّب التهميش والانتقادات معدومة الجدوى والتركيز على حل المشكلات بدلاً من تكرارها دون فائدة.
- عليكما أن تعترفا بوجود المشكلة وضرورة التعامل معها، ويساعد اللجوء إلى مساعدة مهنية مثل مستشار الزواج أو الطبيب النفسي على فهم المشكلات التي يعاني منها كل من الطرفين.
- فهم المشكلة من وجهة نظر الآخر هو أمر هام في حلها؛ لذا يجب مشاركة تجاربكما ومشاعركما وأفكاركما بشكل مفتوح.
- إعادة بناء الثقة ببطء من خلال الالتزام بالوعود والمحافظة على الشفافية.
- إذا كان للانفصال العاطفي أثر في العلاقة الجنسية، فاعملا على إعادة بنائها برفق وتحدَّثا عن احتياجاتكما وتفضيلاتكما.
- تخصيص وقت لقضائه معاً، سواء كان ذلك من خلال الخروج للمتعة أم ممارسة هوايات مشتركة، فتعزيز الرومانسية والقرب يساعد على إعادة الاتصال العاطفي.
- تتطلب العلاقات المرونة والتفاني والابتعاد عن العند أوالتشبث بالآراء دون جدوى؛ لذا على الزوجين أن يكونا مستعدين للعمل على علاقتهما والاستمرار في تحسينها والتنازل في بعض الأوقات.
في الختام:
إنَّ العلاقات الزوجية هي تجارب حية معقدة، تمتزج فيها مشاعر الحب والانفصال، وتتغير مع مرور الزمن، تبدأ بالهيام والارتباط العميق، ثم تتطور ببطء نحو مرحلة قد تكون أكثر تحدياً هي الانفصال العاطفي الذي يمثل موضوعاً هاماً يؤثر في حياة كل من الشريكين الشخصية وفي علاقتهما ببعضهما، وتظهر أسبابه وآثاره بشكل ملموس، وتتضمن مجموعة متنوعة من العوامل التي تشمل التواصل الضعيف، والتغير في الأولويات، والثقة المفقودة، والتصرفات السلبية.
من الضروري فهم أنَّ العلاقات الزوجية تتطلب العمل المستمر والاهتمام بالشريك، وأنَّ الانفصال العاطفي ليس نهاية العالم، ويمكن تجنُّب الوصول إلى الطلاق الفعلي من خلال التواصل بشفافية، واعتراف الزوجين بالمشكلات، وبناء الثقة من جديد، والبحث عن المساعدة المهنية عند الضرورة.
المصادر +
- لارا الصطوف، الانفصال العاطفي بين الزوجين وعلاقته بالاكتئاب والقلق لدى الأبناء المراهقين، جامعة دمشق، سوريا، 2015.
أضف تعليقاً