تخيل أنَّ شابة وصلت إلى عمر الأربعين ولكن لم تتزوج وتعاني من بعض المشكلات وتحتاج إلى الذهاب إلى طبيب مختص بالأمراض النسائية، ولكن تخاف من نظرة المجتمع؛ لاعتقادهم أنَّ النساء المتزوجات فقط تحتاج إلى الطبيب، وأم تسعى جاهدة لتزويج ابنتها ذات الخمسة عشر عاماً لاعتقادها أنَّها ستحظى بحياة زوجية أفضل فقدرتها على الإنجاب أكبر من قدرة الفتاة ذات الثلاثين عاماً، ولا يمكن لومها فقد ورثت تلك المعتقدات عن أمها وجدتها وغيرهن.
تخيل أنَّ شابة بعمر العشرين تجهل جهازها التناسلي الأنثوي، فما تعرفه عنه هو القليل جداً، أو امرأة أنجبت 5 أطفال ولا تريد أن تحمل مرة أخرى، ولكن لا تتجرأ على استخدام وسائل منع الحمل، لأنَّ العائلة والمجتمع أخبروها بأنَّها غير آمنة.
انظر حولك توجد أمثلة كثيرة عن نساء لديها نقص بالمعلومات عن جسدها وقدرتها على الإنجاب وصحتها ووسائل منع الحمل وحقوقها إن تعرضت للعنف الأسري أو الجنسي أو الزواج القسري، ولكن صحة المرأة هي أساس صحة المجتمع وتثقيفها بالصحة الإنجابية ضروري لتحسين جودة الحياة ولمستقبل صحي وسعيد؛ لذا يوضح مقالنا اليوم ذلك، فتابع القراءة.
الصحة الإنجابية
تعرِّف منظمة الصحة العالمية الصحة الإنجابية بأنَّها الحالة التي تجمع بين سلامة الإنسان النفسية والجسدية والاجتماعية أيضاً، ليتمكن من الوصول إلى الصحة الجنسية التي تجعله قادراً على اتخاذ قرار الإنجاب في الوقت الصحيح، وتنظم نشاطه الجنسي بالطريقة التي تضمن سلامته وسلامة شريكه من الأمراض، إضافة إلى اتباعه العادات الصحية السليمة المتعلقة بتحديد النسل ومنع الحمل وكذلك الولادة الآمنة.
الصحة الإنجابية هي نهج حياة كاملة يؤثر في النساء والرجال من طفولتهم إلى الشيخوخة، ويزداد اهتمام منظمة الصحة العالمية بالصحة الإنجابية لأنَّها حق من حقوق الإنسان الرئيسة، والتي يجهلها كثير من الناس، ولكونها النهج الذي يساعد اتباعه على الحصول على حياة زوجية مريحة وسلسة وآمنة وسعيدة، فالثقافة الكافية عن الصحة الإنجابية تحمي من عواقب قلة الوعي الآتية:
- ارتفاع معدل الوفيات بعد الولادة.
- ارتفاع نسبة الحمل غير المقصود.
- ارتفاع نسبة الأمراض المنقولة جنسياً، وارتفاع معدل الوفيات الناتجة عنها.
- عزلة المرأة الاجتماعية وخوفها من الرجل ونظرة المجتمع لها.
أهمية تعليم وتثقيف النساء في الصحة الإنجابية
النساء معنيات بشكل رئيس بالصحة الإنجابية، فالمرأة تحمل وتلد وتهب حياتها في سبيل ذلك، وتعود أهمية تثقيفهم لما يأتي:
1. تمكين المرأة في المجتمع
نحن في زمن التطور والقدرة على الحصول على المعلومات التي تريدها بواسطة الإنترنت، ولكن تجهل معظم النساء خطورة الزواج المبكر أو عدم استخدام مانع الحمل أو الاستخدام الخاطئ له أو الفحص الدوري في العيادات النسائية ورعاية الحوامل، وغيرها كثير من المعلومات المتعلقة بحياتهن الجنسية.
تشير الدراسات إلى أنَّه في البلدان النامية، تقريباً 55% من النساء فقط يمكن أن تتخذ القرار بشأن إنجاب الأطفال أو منع الحمل، وبشكل سنوي يحدث تقريباً 121 مليون حالة حمل غير مرغوب على مستوى العالم، و60% من تلك الحالات تنتهي بالإجهاض في عيادات غير آمنة أو بواسطة أساليب منزلية خطيرة، فتدخل النساء جراء ذلك المستشفيات وتخسر حياتها غالباً.
2. المحافظة على صحة الجسم
يمر جسم المرأة بالعديد من التغيرات والمراحل، كالبلوغ ودورة الطمث والحمل وهرموناته والولادة والرضاعة وسن اليأس، وتحتاج تلك المراحل والأمور إلى كثير من الثقافة والمعلومات لتعرف المرأة كيفية التصرف في كل مرحلة من المراحل، وبشكل أساسي كيفية التعامل مع جسدها لتتخذ القرار في حياتها الجنسية فلا تقع في المشكلات وتتعرض للأمراض.
النساء بحسب الإحصاءات بنسبة لا تقل عن 53% غير قادرات على رفض ممارسة الجنس، ونتيجة لذلك يعشن حياة جنسية قسرية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى معالجة الأمراض المنقولة جنسياً خوفاً من المجتمع، حتى عند الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، فمعظم العائلات تفضِّل موت المصابة بأسرع وقت على معرفة المجتمع بذلك.
3. أهمية الفحص قبل الزواج
تجهل معظم الفتيات ضرورة الخضوع لفحوصات قبل الزواج للحصول لاحقاً على حياة زوجية آمنة، وخاصة عند زواج الأقارب الذي تكثر فيه الأمراض الوراثية؛ أي الحكم على المواليد بالمرض قبل أن يتم الزواج، ففي هذه الحالة التراجع عن الزواج يكون الحل غالباً.
إضافة إلى ضرورة الكشف عن العادات الصحية السيئة التي تؤثر في صحة الإنسان الإنجابية، مثل تعاطي الكحول أو التدخين أو النظام الغذائي السيئ، وتصحيح تلك العادات يساعد على تنظيم الحياة الجنسية وتنظيم الأسرة لاحقاً.
4. الحمل والولادة الآمنَين والرعاية الصحية بعد الولادة
تحتاج المرأة خلال الحمل لرعاية خاصة ومراجعة دائمة للعيادة النسائية؛ لضمان صحتها وصحة الجنين؛ لذلك من الضروري تعريف المرأة بأهمية الفحوصات التي تُطلب منها كتحليل البول والدم والفيتامينات والمعادن، وتحاليل الأمراض المنقولة جنسياً، وعدم الاستخفاف بها وإهمالها، وكذلك ضرورة تهيئة المرأة للولادة والإرضاع، والتأكيد على أهمية الرضاعة الطبيعية وكيفية تعزيزها لضمان صحة الطفل والأم، والحرص على الولادة في وسط نظيف وبأيدٍ أمينة؛ أي في المستشفيات المناسبة، وكذلك التأكيد على ضرورة الفحص الدوري بعد الولادة للحفاظ على الصحة بالتدخل المبكر عند مواجهة مشكلة معينة.
شاهد بالفيديو: 6 فحصوات طبية يجب على المرأة إجراؤها دورياً
كيفية تثقيف النساء في الصحة الإنجابية
يمكن تثقيف المرأة في صحتها الاجتماعية وبناء مجتمع سليم وصحي وواعٍ عبر الطرائق الآتية:
1. المدارس والجامعات
يجب أن يتم دمج الموضوعات المتعلقة بصحة الإنسان الإنجابية في المناهج الدراسية بطرائق علمية وباستخدام طرائق مبسطة ومناسبة لكل مرحلة عمرية، إضافة إلى إنشاء ورش عمل وجلسات نقاش توجِّه الفتيات في مرحلة المراهقة، وتعمل على تهيئتهن ليصبحن أمهات في المستقبل في الوقت المناسب، وتعرفهن بكل ما يتعلق بالجهاز التناسلي وطرائق الحفاظ عليه، وكيفية اتباع عادات صحية لحياة إنجابية سليمة.
إضافة إلى ضرورة تعاون المدارس مع مراكز الرعاية الصحية لتنظيم زيارات الفتيات، وتشجيعهن على الفحص الدوري وعلى طلب المساعدة من المراكز عند الشعور بوجود خلل معين.
2. الإعلام
أيضاً يتحمل الإعلام جزءاً كبيراً من مسؤولية تثقيف النساء في الصحة الإنجابية، فمن الضروري تنظيم برامج تلفزيونية وإذاعية وحملات إعلانية توضِّح للنساء العادات الصحية والسلوكات التي يجب اتباعها للحفاظ على صحتهن النفسية والبدنية.
3. المستشفيات والمراكز الصحية
يجب أن تقدم خدمات استشارية للمرأة في كل وقت وبأسلوب بسيط ولغة مفهومة للعامة، فلا تتردد النساء من مراجعة المراكز والعيادات النسائية عندما تشعر بنقص في معلوماتها، لتحصل على التوعية الكافية المتعلقة بجسدها وصحة الحمل والولادة وصحتها بعد الولادة والإرضاع، وكل ما يتعلق بوسائل منع الحمل، فلا تضطر لسماع نصائح المجتمع بل تجد المرشد الصحيح لها في كل وقت.
4. الأسرة
يجب أن تتغير النظرة إلى الموضوعات المتعلقة بالصحة الإنجابية، فلا يجب أن تنتظر الفتاة إلى وقت زواجها للتعرف إلى النقاط الأساسية المتعلقة بالحياة الجنسية والحمل والولادة، بل يجب أن يكون الحوار مفتوحاً بين الأم وابنتها لتحصل الفتاة على التوعية الكافية اللازمة، لمنعها من الوقوع في فخ العلاقات غير المشروعة أو الحمل غير المقصود أو الإصابة بالأمراض المنقولة جنساً القادرة على تدمير عائلة لاحقاً.
دور الرجل في تعزيز ثقافة المرأة في الصحة الإنجابية
تنعكس صحة المرأة على صحة الرجل والعائلة بشكل عام؛ لذلك يجب أن يسعى الرجل إلى تثقيف النساء من خلال ما يأتي:
1. تغيير نظرة المجتمع
يجب أن يساعد الرجل النساء على كسر الحواجز وتخطِّي المعتقدات الخاطئة التي تمنع المرأة من الدراسة والذهاب للمراكز الصحية الحكومية وغيرها وحصولها على المعلومات الكافية والصحيحة.
2. تقديم الدعم
يجب أن يقدم الرجل الدعم المعنوي لشريكته وابنته وأخته وأمه أيضاً، بحيث يشجعها على زيارة العيادات النسائية بشكل دوري، لتُجري الفحوصات الشاملة الدورية، وتحافظ على صحتها.
3. تغيير العادات والسلوكات
يجب أن يدرك الرجل حق المرأة في التعبير عن رأيها في منع الحمل واختيار الوسائل المناسبة لذلك، وفي الحياة الجنسية بشكل عام والولادة، وضرورة العمل على اتباع عادات صحية ليحافظ على نفسه، ونتيجة لذلك على صحة شريكته، وكذلك الفحص الدوري لتجنب الإصابة بالأمراض التي تُنقَل جنسياً.
في الختام
تعني الصحة الإنجابية بالنسبة إلى النساء والرجال حصولهم على مستوى من الرفاهية لكونها تشمل صحة نفسية وبدنية واجتماعية بعيداً عن الأمراض وخاصة المنقولة جنسياً، وأهمية تثقيف النساء في الصحة الإنجابية كبيرة، فمن خلال تثقيف المرأة تساعد على تمكينها في المجتمع، فهي ستتعرف إلى حقوقها وستصبح قادرة على اتخاذ القرار الصحيح المتعلق بالإنجاب ومنع الحمل.
إضافة إلى مساعدتها على الحفاظ على صحة جسدها وتعريفها بأهمية الفحوصات قبل الزواج وخلال الحمل وبعد الولادة، فعلى الرَّغم من التطورات الكبيرة حول العالم إلا أنَّ معظم النساء تجهل وسائل منع الحمل أو تخاف من زيارة العيادات النسائية.
لقد اكتشفنا في مقالنا أيضاً طرائق تثقيف النساء، ودور المدرسة والإعلام والمراكز الصحية، وكذلك دور الرجل الذي يجب أن يدعمها لكسر الحواجز، ويحفزها على الفحص الدوري وعلى الحصول على المعلومات الكافية، ويغير سلوكاته السيئة من أجلها.
أضف تعليقاً