عند التفكير بذلك نجد أنَّ الحاجة إلى بناء مجتمعات مستدامة هي الأكثر إلحاحاً في وقتنا الحالي، فنحن الآن في زمنٍ يفكر فيه معظم الناس بكيفية تلبية احتياجاتهم الحالية فقط دون التفكير بالأجيال القادمة؛ وهذا يعني نفاد الموارد المتاحة نتيجة الاستخدام غير الحكيم والسريع لها، ونتيجة لذلك فناء المجتمعات شيئاً فشيئاً، وهذا ما لا نريده.
بالنسبة إليك بصفتك فرداً أو قائداً في عملك، عليك أن تتَّخذ أسلوب حياة يضمن لك الاستمرارية بالشكل المطلوب؛ وذلك من خلال تحقيق التوازن بين رغبتك في النمو الاقتصادي، وفي الحفاظ على بيئتك ومجتمعك، ليجد أطفالك المجتمع المناسب لتحقيق أحلامهم، ولأنَّنا جميعاً مرهقون من الفواتير وصعوبة الادخار؛ فيجب أن نكون مجهزين مالياً لننمو وينمو المجتمع؛ لذا سنوضح لك في مقالنا هذا أهمية التوعية المالية وعلاقتها باستدامة المجتمع، فتابع القراءة.
ما هي التوعية المالية؟ وما هي علاقتها بالاستدامة الاجتماعية؟
هي مجموعة من القواعد والاستراتيجيات التي تهدف إلى إكساب الفرد الفهم العميق لكيفية إدارة المال بحكمة وكيفية الادخار والاستثمار أيضاً لصناعة الثروة مستقبلاً، وذلك من خلال مجموعة معارف عن الميزانية الشخصية وكيفية وضعها، وعن المشهد الاقتصادي العام وكيفية تتبع التطورات، وما هي التطورات التي تؤثر في مستقبل المجتمع ليتمكن الفرد من اتخاذ القرارات المالية المناسبة وتحديد أهدافه في الحياة بشكل واقعي، ومن ثم تخفيف المخاطر قدر الإمكان والحصول على الرفاهية المالية مدى الحياة.
المجتمعات المستدامة هي المجتمعات التي تراعي احتياجات أفرادها من الاستقرار والأمان والصحة؛ وذلك من خلال تقدير البيئة وإدارة الموارد البيئية الطبيعية والموارد البشرية، بحيث تتم تلبية احتياجات المجتمع الحالي وضمان وجود ما يلبِّي احتياجات الأجيال القادمة؛ أي إنَّ المجتمعات المستدامة تقوم على الوعي المالي والاجتماعي بشكل أساسي.
أهمية التوعية المالية
تؤدي التوعية المالية دوراً هاماً وحيوياً في بناء مستقبل جيد للفرد وللمجتمع، وفيما يأتي مجموعة نقاط توضح ذلك:
1. اتباع عادات مالية صحية
توضح التوعية المالية للفرد مفاهيم أساسية، مثل الميزانية وأدوات الاستثمار والادخار والفائدة وكل ما يؤثر في درجة الائتمان الخاصة بالفرد ودرجة المخاطر، ونتيجة لذلك يصبح الفرد قادراً على فهم لغة المال والتحدث فيها أيضاً، ليتمكن الفرد من اختيار أسلوب حياة مالي صحي يتماشى مع الوضع المالي الحالي ومع الأحلام المستقبلية، وينعكس ذلك على المجتمع بأكمله؛ فوجود مجتمع مثقف مالياً يرفع من جودة الحياة فيه حالياً ومستقبلاً.
2. زيادة الرفاهية المالية
تساعد التوعية المالية الفرد على التعامل مع أمواله بالشكل الذي يمكِّنه من بناء صندوق طوارئ ليدخر في مختلف الظروف، فيعيش نتيجة لذلك حياةً مريحةً فيها من الرفاهية المالية ما يساعده على القيام بنشاطات يحبها أو شراء احتياجات منزله وعمله وغيرها، فمن السهل مع وجود التوعية المالية تأمين تعليم للأطفال وضمان صحي وسكن جيد، ومن السهل استدامتها.
3. زيادة القدرة على اتخاذ القرارات المالية الحكيمة
الوعي المالي والمعرفة التي يتزود الفرد بها تمنحه القوة والرؤية الصحيحة والحكمة في مختلف الظروف، فتساعده على اتخاذ قرار صحيح في مختلف الأمور، سواء بما يتعلق بتنمية الثروة أم بحماية الأموال والأصول أم كيفية التعامل مع الوضع الاقتصادي الراهن.
يفيد ذلك في تحقيق الاستقلالية المالية للفرد؛ لأنَّنا جميعاً نعتاد الاعتماد على الأهل لإدارة الأموال، وقد نستشير الأصدقاء أو الأقارب، وتتعدد الآراء فتسبب وقوعنا بمشكلات أحياناً، ولكنَّ التوعية المالية تساعد على تجنب ذلك؛ لأنَّ الفرد يمتلك الثقافة المالية التي تمكنه من اتخاذ قراراته المالية دون الاعتماد على مصادر خارجية.
شاهد بالفيديو: 10 طرق لإدارة أموالك بشكلٍ صحيح
4. التعامل الحكيم مع العقبات المالية
لا يمكن توقع العقبات المالية التي قد تعترض طريق الإنسان في حياته الشخصية أو العملية، فمهما كنت على دراية ومعرفة بالأوضاع الاقتصادية فقد تسهو في مكان ما فتقع في مشكلة أو يحدث تغير مفاجئ يحتاج لوقت طويل لفهم الاستراتيجيات الضرورية للتعامل في هذه الحالة
لكن في حال كنت مزوداً بوعي مالي مرتفع، فإنَّك قادر على مواجهة مختلف التحديات لأنَّك قادر على تحديد إيجابيات وسلبيات كل موقف وكل حالة تقع ضمنها، فتعتمد على نقاط القوة لتتمكن من تحديد الخيارات الأنسب لك، فيصبح المجتمع بأكمله نتيجة لذلك أكثر جهوزية للتعامل مع غير المتوقع في هذه الحياة.
5. التخطيط السليم للمستقبل
كل منا لديه أحلام وأمنيات يسعى إلى تحقيقها، وبعضنا يترك الأمور دون تخطيط لها، وبعضنا الآخر يخطط ولكن يفشل ولا يتحقق أي من أحلامه، أما فئة قليلة فتحقق ما تحلم به تماماً وفي الوقت المناسب أيضاً.
السر وراء ذلك هو وجود الوعي المالي الكافي الذي ينقل الفرد من المشهد المالي غير المفهوم لوجود كثير من الوجوه والخيارات إلى توضيح الاستراتيجيات والخيارات الصحيحة التي تقود الفرد إلى أحلامه بحيث يتمكن من وضع خطة حكيمة وواقعية تراعي الظروف الاقتصادية العامة والحالة المالية للفرد، والوقت اللازم لتحقيق الحلم؛ لأنَّ التخطيط غير السليم يقودك للفشل ونتيجة لذلك إلى التشاؤم.
مثلاً إن خططت لشراء منزل بعد سنة وكان الوقت اللازم لذلك هو سنة ونصف إلى سنتين، فإنَّك تشعر بالفشل في نهاية المدة بحسب مخططك، وتتوقف عن اتباع الخطة ويضيع المستقبل، إضافة إلى أنَّ التوعية المالية تعلِّم الناس الانضباط المالي والتخلي عن المتعة الفورية في سبيل تحقيق الأهداف الكبيرة.
6. تجنُّب القلق والتوتر
تحدد الحالة المالية الوضع النفسي لمعظم الناس، فلا يمكنك أن تكون سعيداً ومرتاحاً وأنت تحتاج إلى كثير من المال لتغطية احتياجات المنزل أو في أثناء السعي لتحقيق هدف ما، فتشير الدراسات إلى أنَّ التوتر المالي يؤثر سلباً في صحة الإنسان وإنتاجيته ومزاجه.
هنا يؤدي الوعي المالي دوره في تخفيف الضغوطات المالية؛ لأنَّه يمنحنا الشعور بالسيطرة والقوة والقدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة والثقة العالية بالوصول إلى الأهداف في الوقت المناسب، ومن ثم الشعور بالراحة والهدوء الذي يوفر للفرد الظرف المناسب ليعمل بجهد أعلى ويفكر بطريقة صحيحة، ومن ثم يساعد على تحقيق إنتاجية أعلى وتحسين مستوى الصحة العقلية والنفسية في المجتمع.
7. حماية الأموال من النصب والاحتيال
يجعل الوقت الراهن والتغيرات الكبيرة في الحياة والتطورات في العصر الرقمي عمليات الاحتيال أكثر انتشاراً، فالأساليب متعددة والمغريات كثيرة، ومعظم الناس خسرت أموالها بسبب ذلك، والحل لحماية أموالك من السرقة والخسارة بإحدى طرائق النصب هي حصولك على توعية مالية كافية لفهم المخططات الاحتيالية، فتتعرف إليها بسهولة ولا تقع في الفخ مهما كانت المغريات كثيرة والطرائق المتبعة في الاحتيال ذكية.
8. الحماية من الإقراض الجائر
تقع معظم المجتمعات فريسةً في فم الإقراض الجائر الذي يفرض شروطاً مسيئة وغير عادلة على المقترضين تؤدي إلى تدميرهم شيئاً فشيئاً؛ وذلك نتيجة عدم القدرة على سداد الدين، وغالباً ما ينال الإقراض الجائر من الأفراد ممن لديهم فقر في الثقافة المالية.
كيفية تحسين التوعية المالية
مسؤولية كل فرد في المجتمع أن يسعى لزيادة ثقافته المالية ولا ينتظر جهات معينة لتقوم بذلك، ليضمن مستقبله ومستقبل الأبناء والأحفاد أيضاً، وذلك من خلال ما يأتي:
1. التثقيف الذاتي عبر الإنترنت
يمكن اليوم الحصول على كثير من العلوم والمعارف بشكل مجاني، ومن ضمنها العلوم المالية، وذلك عبر منصات ومواقع إلكترونية تقدم دورات عبر الإنترنت أو مقالات ودراسات وأبحاث هامة، وتوفر أدوات وبرامج تعليمية توضح الأساسيات المالية واستراتيجيات الاستثمار والادخار، وقد تكون الدروس بشكل فيديو مسجل أو ندوات مباشرة وغيرها من الأنماط ليتمكن الفرد من اختيار المناسب له.
2. التعليم الرسمي
يمكن الحصول على الثقافة المالية اللازمة من خلال التسجيل في مدارس وجامعات وكليات تقدم دورات على مستوى رفيع في الاقتصاد وإدارة الأموال وما شابه، ويمكن أن تقدم الحكومات والمنظمات غير الربحية برامج توعية في هذا المجال تساعد على تعزيز التعليم المالي.
3. اللجوء إلى المستشارين
يوجد كثير من الاستشاريين المتخصصين يمكنهم المساعدة على وضع الخطة المالية المناسبة لوضعك وأهدافك وظروفك، وممن لديهم قدرة على مساعدتك على إدارة أموالك وتقديم صورة واضحة عن الوضع الاقتصادي وتعليمك كيفية اتخاذ القرارات الصحيحة واتباع أسلوب حياة مالية صحي.
في الختام
العلاقة بين الثقافة والوعي المالي وثيقة في بناء المجتمع المستدام، فالمعرفة قوة بمختلف أشكالها، وخاصة المعرفة المالية التي لا تقتصر على مجرد معرفة الأساسيات؛ إنَّما بمعرفة كيفية إدارة المال وتقنيات الادخار والاستثمار وكيفية تحليل وفهم الوضع الاقتصادي.
لقد وضحنا في مقالنا أهمية التوعية المالية التي توفر للأفراد قدرة على اتخاذ قرارات حكيمة دون الاعتماد على أحد، وكذلك كيفية التعامل مع المواقف والظروف الصعبة والعقبات غير المتوقعة، كما أنَّها تساعد الفرد على اتباع عادات مالية صحية، كما تعلمه التخطيط للمستقبل بشكل فعال وواقعي وتجنبه الوقوع في فخ الإقراض الجائر أو كفريسة لعمليات الاحتيال التي تزداد يوماً بعد يوم في عصرنا الحالي، ويمكن للفرد تطوير نفسه والحصول على الثقافة المالية اللازمة إما بواسطة الإنترنت أو التعليم الرسمي أو الاستعانة بالمستشارين.
أضف تعليقاً