لأنَّ عالم الأعمال مليء بالتحديات والصعوبات؛ فإنَّ بناء شركة ناجحة يعتمد على وجود عدد من الأسس، منها وجود فريق عمل فعال، فالعمل الجماعي يعزز نقاط القوة، ويشجع أعضاء الفريق على إظهار مهاراتهم ومواهبهم المميزة، وهذا يساعد على إنجاز الأعمال بكفاءة أعلى، ومن ثمَّ رفع مستوى الشركة والتقدم بها وتحقيق أهدافها المرجوة.
من الأسس أيضاً تنظيم الأمور المادية وإدارتها بشكل مثالي، فالمال هو المقياس الأساسي الذي يقاس به نجاح الشركات، ولا يعتمد القياس على مجموع الإيرادات النهائي؛ إنَّما يجب الاهتمام بالمراحل التي تمرُّ بها العملية بالتفصيل، فعندما يتعلق الأمر بالتمويل، فإنَّ الشركات الناشئة ترتكب كثيراً من الأخطاء.
على الرغم من أنَّ كل شركة ناشئة تختلف عن غيرها من الشركات من حيث التحديات والصعوبات التي تواجه مسيرة عملها، إلا أنَّ كثيراً من الأخطاء المالية تُعَدُّ شائعة ومشتركة ويجب التعرف إليها ليتم تجنبها.
الأخطاء المالية الشائعة التي ترتكبها الشركات الناشئة وكيفية تجنبها:
تواجه الشركات الناشئة كثيراً من العقبات في بداية الرحلة تؤدي إلى وقوعها في كثير من المشكلات المالية، وأبرز الأخطاء المالية التي ترتكبها الشركات هي:
1. عدم وجود تخطيط دقيق للنفقات:
التخطيط المالي هو الخطأ الشائع بكثرة بين الشركات الناشئة، وهو الخطأ المكلف، فالنفقات غير المتوقعة تهز ميزانية الشركة وتأكلها بسرعة.
طريقة تجنب الوقوع في هذا الخطأ هي أن تكون مستعداً لمختلف النفقات؛ بأن يتم تنظيم ميزانية دقيقة تشمل النفقات بالتفصيل؛ كأن يتم تحديد مبلغ كافٍ لاستئجار مكان الشركة، وأيضاً مبلغ محدد لرواتب الموظفين ونفقات عملية التسويق.
إضافة إلى وجود مبلغ مالي يمكن تخصيصه للنفقات الطارئة فقط، وعدم الاقتراب منه إلا في الحالات الصعبة عند وجود مشكلة مالية لا يمكن حلها ببساطة، فهذا المبلغ يمكن ضمه إلى المرابح عند تجاوز الأزمة المالية.
2. غياب الإدارة المالية القوية:
نقصد بالإدارة المالية القوية - التي تُعَدُّ من عوامل نجاح مختلف الشركات سواء الناشئة أم غيرها - تحديد المصادر المالية المناسبة لشركتك، كأن تحسب الإيرادات المتوقعة للفترة المقبلة على الأمدين القصير والطويل، وأن تراقب التدفق المالي وتقارن بين النفقات النقدية والإيرادات للتأكد من وجود حالة توازن مالي في الشركة.
أيضاً من النقاط الهامة التي يجب التخطيط لها بدقة هي مصادر التمويل؛ إذ يجب تحديد المصادر المالية المناسبة للتمويل منذ بداية الرحلة، كأن تختار القروض مثلاً أو الشراكات العملية أو الاستثمار الذاتي.
3. عدم وجود فهم واضح للسوق:
إن لم تمتلك فهماً كافياً للسوق المستهدَف بخطة عملك، فأنت في مأزق حتماً، فالأمر يشبه أن تقود طائرة دون جناحين، فتخيل الصعوبات التي تواجهك، لذلك يجب عليك إعداد حملات تسويقية فعالة وواضحة؛ إذ يتم أخذ الفئة المستهدفة في الحسبان وتقسيم قاعدة العملاء حسب العمر أو الجنس أو الموقع أو المكان السكني.
الصورة الواضحة عن الفئة المستهدفة تعني تصميم حملة تسويق فعالة تلبي احتياجات الجميع، لذلك يجب تقديم الوقت الكافي للتحليل والتفكير والبحث وتحديد المستهدفين بدقة.
4. غياب نظام تتبُّع الموارد المالية:
من الأخطاء الشائعة والفادحة في الشركات الناشئة عدم وجود نظام لتتبُّع الأموال الذي يعني غياب فهم كيفية إنفاق الأموال وعدم القدرة على ضبط النفقات، وهذا يعني عدم القدرة على دفع الضرائب والفواتير المترتبة على الشركة في الأوقات المحددة، فيُدخِل ذلك الشركة في مشكلات مع جهات متعددة، وقد ينتهي الأمر بديون متراكمة لعدد من الجهات، وخاصةً الجهات الحكومية، ومن ثم فرض عقوبات على الشركة وغيرها من المشكلات المالية.
شاهد بالفديو: كيف تحسن مهاراتك المالية الشخصية وتصل إلى الثراء النفسي؟
5. عدم وجود تأمين كافٍ:
يغيب عن عقل كثير من أصحاب الأعمال في بداية رحلتهم في إنشاء الشركة الخاصة الحاجة إلى وجود تأمين كافٍ يساعد الشركة على الخروج من الأزمات المالية، مثل مواجهة فاتورة ضخمة نتيجة حادث طارئ في العمل، وضرورة دفع مبالغ ضخمة في العام الأول للشركة كفيل بتدمير العميل، لذلك يجب توفير تأمين كافٍ يحمي العمل في حال عدم نجاحه في المرة الأولى، وهذا الاحتمال وارد كثيراً.
6. عدم تخصيص مبلغ جيد من المال لعملية التسويق:
يخطئ كثير من الناس بعدم الاهتمام الكافي بعملية التسويق، فلا يتم تخصيص مبالغ مالية جيدة لتلك العملية على الرغم من أنَّها هامة جداً في بداية رحلة الشركة، فالحملة التسويقية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن تعريف الناس بالشركة وخدماتها المقدَّمة وتعريفهم بالفروق التي تميز الشركة عن منافسيها ممن يقدِّمون خدمات مشابهة.
لا ضرر من توظيف فريق يتألف من مجموعة أشخاص مختصين بدراسة استراتيجية التسويق والإعلان والعلاقات العامة للمساعدة على إعداد أفضل الحملات، ويحتاج ذلك إلى دفع مبالغ كبيرة بقدر المبالغ التي يتم دفعها على عملية إنتاج المنتجات الخاصة بالشركة في كثير من الأحيان، فإن أردت الحصول على نتيجة مرضية، فيجب عليك الدفع ببذخ على الحملات التسويقية.
7. الإنفاق بإسراف على أشياء غير ضرورية:
يحرص بعض الناس على الإنفاق على أشياء تُعَدُّ غير ضرورية في بداية عمل الشركة، مثل تخصيص مساحات مكتبية واسعة ومتعددة للعمل، وعادةً نحتاج إلى ذلك عندما تنمو الشركة ويزداد عدد الموظفين، وليس في البداية أو الإنفاق بكثرة على تجهيز المكان؛ إذ يوجد الأثاث الفخم والمعدات المكتبية عالية الجودة.
مَن يريد النجاح، يحتاج إلى العمل الجاد والمكثف في البداية، وليس إلى الراحة المبالغ فيها، فمثلاً سلسلة مطاعم البيك التي تُعَدُّ الأشهر الآن في المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول - وذلك في إعداد وجبات الدجاج والسمك السريعة - قد انطلقت من مطعم صغير كان سابقاً مستودعاً قديماً قبل استئجاره من قِبل "شكور أبو غزالة".
يمكنك دائماً تذكُّر هذا المثال لتتأكد من أنَّ النجاح يحصل بوجود الإبداع والطموح ولا علاقة للمكان بذلك، ويمكن لتجنب ذلك البدء من مكان مناسب لعدد الموظفين وميزانية الشركة واستخدام أثاث متوسط الجودة تم شراؤه من متاجر الخصم أو مستعمل تم صيانته، ومن ثم يمكن الانتقال لمساحة أكبر عند نمو الشركة.
8. الاعتماد على مصدر تمويل واحد:
لتمويل شركة ناشئة لا يمكن الاعتماد كثيراً على مصدر تمويل واحد فقط؛ إذ يترتب على ذلك مواجهة عدد من المشكلات لاحقاً مثل تحولات السوق أو التغيرات الموسمية.
تتنوع المصادر من مستثمرين أو أصحاب رؤوس أموال أو قروض ومنح حكومية، وكل نوع من مصادر التمويل المختلفة له شروط خاصة وأحكام، ويجب أن يلتزم صاحب الشركة بتلك الشروط، ويعيد الأموال في وقتها المناسب، لذلك يفضَّل الاعتماد على مصادر عدة وفهم كافة الشروط والنقاط التي يتم الاتفاق عليها مسبقاً قبل التوقيع على العقود.
شاهد بالفديو: 5 قواعد ذهبية لبناء العلامة التجارية الشخصية
9. التوسع في عملية التوظيف:
ترتكب كثير من الشركات الناشئة خطأ يودي بالعمل للدمار، وهو كثرة الموظفين؛ لأنَّ ذلك يحمِّل الشركة نفقات إضافية ليست بحاجة لها، فيترتب على ذلك تكاليف رواتب ومساحات مكتبية كبيرة ومعدات كثيرة.
لا يتوقف الأمر على ذلك، ففي حال عدم نمو الشركة بالشكل المخطط له، ستحتاج حتماً إلى تسريح بعض الموظفين لتقليص النفقات، وهذا الأمر ضار جداً بسمعة الشركة، لذلك ادرس موضوع التوظيف جيداً، واستعن بمن هم أكثر خبرة منك لتعرف العدد التقريبي الذي تحتاجه شركتك من الموظفين في بداية الرحلة، واحرص على توظيف الأشخاص المناسبين فقط.
10. انعدام الأمان:
هذه الحالة هي نقيض ما تحدَّثنا عنه في البند السابق، فبعض من مؤسسي الأعمال لا يشعرون بالأمان والثقة بعمل الآخرين، ويباشرون في عمل الشركة متحملين كثيراً من الأعباء والمسؤوليات وحدهم خوفاً من فشل الآخرين وكما يقال: "يد واحدة لا تصفق"، لذلك لا يمكنك بناء عمل ناجح وحدك مهما امتلكت مهارات وخبرات فأنت بحاجة لفريق عمل يساعدك في رحلتك، ويساهم في تطويرك، وتساهم في تطويره.
11. عدم فصل الشؤون المالية الخاصة بالشركة عن الشؤون المالية الشخصية:
عدد من مؤسسي الشركات يخلطون بين شؤونهم المالية الشخصية والتجارية الخاصة بالشركة، ومن ثمَّ يصعب تتبُّع النفقات المالية والإيرادات، ويصعب حساب الربح ومعرفة الوضع المالي للشركة بدقة.
لذلك من الهام إنشاء حساب مصرفي خاص بالشركة وعدم استخدام الأموال المودعة فيه لأمور شخصية، وفي حال اضطررت، لذلك يجب الحرص على تسجيل العمليات التي تقوم بها تجنباً لوقوع أخطاء في العمليات الحسابية الخاصة بالشركة.
في الختام:
تتعرض الشركات الناشئة لكثير من المشكلات والعقبات التي تتسبب في دمارها وفشل خططها، وينتج معظمها عن أخطاء لم يتم التفكير بكيفية مواجهتها سابقاً، وقد نبهنا في مقالنا مؤسسي الأعمال لأهم الأخطاء المالية وأكثرها شيوعاً التي تقع بها الشركات الناشئة ليتم تجنبها.
من هذه الأخطاء عدم التخطيط الجيد للنفقات، وتخصيص مبلغ مالي للأوقات الطارئة، وغياب الإدارة المالية القوية التي تتوقع وتحسب الإيرادات وتتابع النفقات والتدفق المالي في الشركة، وأيضاً عدم الفهم الكافي للسوق.
عندما لا يتم تحديد الفئة المستهدفة بدقة وعدم تخصيص مبلغ مالي كافٍ لإعداد حملات تسويقية كفيل بتعريف الناس بالمنتجات وكسب العملاء، أو الإسراف في النفقات غير الضرورية أو في عملية التوظيف، وكذلك الخلط بين الشؤون المالية الشخصية والعملية يؤدي إلى غياب الدقة في الحسابات المالية الذي يوقع الشركة بكثير من المشكلات المالية التي يمكن تجنبها مسبقاً.
أضف تعليقاً