ملاحظة: هذه المقالة مأخوذة عن المدوِّن وكوتش فنون الدفاع عن النفس لي دوغلاس (Lee Douglas)، والتي يُحدِّثنا فيها عن استراتيجيات الانضباط للطفل.
لحسن الحظ تغيرت نظرتي للعقاب وتعلمتُ من زوجتي استراتيجيات الانضباط والتعامل مع الأطفال، وكانت إيجابية للغاية. لكنَّ الأطفال لن يتغيروا؛ فهم مليئون بالمشاعر والعواطف التي تتحول من حزن إلى فرح، ثمَّ إلى غضب في لحظة، فهم ليسوا مختلفين عن البالغين الذين يعانون من التوتر والقلق وقلة النوم وكثرة تعاطي المنبهات مثل السكَّر والكافيين في وجباتهم الغذائية.
كيف نستخدم العقاب كتأديب؟
نحن عادة ما نسلك الطريق السهل عندما يُسيء الطفل التصرف ونعاقبه، وقد يحل العقاب مشكلة قائمة، لكنَّه لا يُعلِّم الأطفال أي شيء مفيد على الأمد الطويل. لذا سأوضح ما أعنيه بمصطلحَي العقاب والانضباط اللذَين يُستخدَم أحدهما مكان الآخر، لكنَّهما مختلفان تماماً.
الانضباط مقابل العقاب:
العِقاب هو ما نسببه من الألم أو المعاناة لأطفالنا كالقِصاص؛ أمَّا الانضباط فيعني تعليمهم، وهما على تناقض تام، لكن ستلاحظ أنَّ المعلمين وأولياء الأمور والكوتشز غالباً ما يخلطون بين الكلمتين.
لذلك علينا كآباء، أن تكون لدينا أهداف واضحة لتعليم أطفالنا، فاستخدام الاستراتيجيات التي لها تأثير طويل الأمد على أطفالنا أفضل من استخدام العِقاب، وإذا كنت واضحاً بشأن ما تريد تحقيقه، فسيصبح من السهل العثور على أفضل استراتيجية، فكلما كان ردُّنا أفضل عندما يسيء أطفالنا التصرف أو لا يتَّبعون إرشاداتنا، كانت النتائج أفضل.
3 استراتيجيات لضبط سلوك الطفل:
إنَّني أُقدِّر أنَّ الكثير من الأشخاص الذين يقرؤون هذه المدونات لديهم أطفال لا يتحكمون في انفعالتهم، فقد كان لدينا الكثير من الأطفال في دروس الفنون القتالية لديهم مشكلات في التركيز وفرط نشاط يزعج للأطفال الآخرين.
ويعتقد الأهل أنَّ الحل الأسهل هو معاقبتهم بإخراجهم من النادي، أو بعقوبات مثل الجلوس دون إصدار أصوات أو بتمارين البيربي، ولكن إحدى قِيَم النادي هي أن نقوِّي ثقة الأطفال بأنفسهم وليس إحباطهم، ولكنَّ الآباء يدمرون هذه الثقة بالعقوبات المستمرة.
فيما يلي استراتيجيات الانضباط التي استُخدِمت لبناء الثقة مع هؤلاء الأطفال:
1. التحلي بالصبر:
أول استراتيجية انضباط إيجابية التحلي بالصبر؛ فكلما كنت صبوراً، زادت احتمالية حصولك على النتائج الأفضل؛ تذكَّر أنَّني قلت أنَّنا بحاجةٍ إلى بناء الثقة والتواصل، وستحقق المزيد من التقدم في هذا الهدف إذا كنت صبوراً.
بصفتي كوتش؛ لم أكن أفضل شخص لهذا الدور، لكن كان لدينا كوتشز آخرون في النادي يمكنهم تولِّي المسؤولية، لكن بصفتك أحد الوالدين، قد لا يكون هذا الخيار متاح؛ لذلك من الهام جداً الاحتفاء بأي تحسُّنات تراها.
2. إعادة توجيه السلوك:
الاستراتيجية الثانية التي نستخدمها هي إعادة توجيه السلوك، فمن الهام جداً عند إعادة توجيه السلوك إزالة كلمة "لا" من قاموس مفرداتنا، طالما بمقدورنا اختيار بديل أفضل؛ فمثلاً: لدى معظم الآباء استراتيجيات مختلفة لتهدئة أطفالهم؛ فتخيل أنَّك في المطعم وبدأ طفلك بالبكاء، سيكون من الصعب أن تجعله يتوقف عن البكاء لتُجري اتصالاً هاتفياً، لذلك يمكن أن تقول له: إذا توقفت عن البكاء سأحضر لك الآيس كريم، بدلاً من "لا تصرخ وتبكي في الأماكن العامة".
الصعوبة التي نواجهها في التزام الهدوء وإعادة توجيه السلوك هي أنَّنا بحاجة إلى التركيز في تلك اللحظة، فإذا كنت تستخدم هاتفك، أو تتحدث مع الأصدقاء أو العائلة، أو تفكر في العمل أو الحسابات؛ فستفوتك فرصة ضبط سلوك طفلك بطريقةٍ تعود بفوائد على الأمد الطويل.
3. إصلاح السلوك واستخدام القواعد الأساسية:
استراتيجية الانضباط الإيجابية الثالثة هي إصلاح السلوك واستخدام القواعد الأساسية، بمجرد تفضيل سلوك واتباعه، يكون لديك فرصة لإصلاح هذا السلوك وتقليل أو منع حدوثه مرة أخرى.
ومن خلال وضع القواعد الأساسية المناسبة، ومساعدة طفلك على تحسين سلوكه ستتمكن من تحقيق هذا المكسب على الأمد الطويل، تلك القواعد هي التي تساعدك على تصحيح السلوكيات الخاطئة لطفلك وتوجيهه إلى السلوك الصحيح.
العواقب مقابل التهديدات:
عندما كنت طفلاً كان والداي يعملان لساعات طويلة، لذلك كانا يعاقبانني بالتهديدات، "إذا فعلتَ ذلك مرة أخرى ستُعاقَب بعدم الخروج لمدة أسبوع"، أو "إذا فعلتَ سلوكاً سيِّئاً فستذهب إلى الفراش بدون عشاء"، بالنسبة لي فقد نجح هذا إلى حد ما، لكن من جانب آخر أنا أتذكر التهديدات أكثر من الأوقات السعيدة، لكنَّني تعلمتُ من خلال التجربة والخطأ مع أطفالي أنَّ النتائج تكون أكثر فاعلية عندما لا نحطِّم ثقة أطفالنا.
ماذا تفعل عندما يخالف طفلك القواعد الأساسية؟
يتعلق الأمر بالعواقب التي تستخدمها عند خرق القواعد الأساسية؛ فعندما يخالف الطالب مفرط النشاط القواعد الأساسية في درس الفنون القتالية، يخسر دوره في لعبة أو يذهب إلى آخر صف في قائمة الانتظار؛ فنحن لا نريد أن نُشعِر الطفل بالخزي بعزله، ولكن يجب أن تكون هناك قواعد أساسية واضحة وعواقب متناسبة.
قد تَمُرُّ أوقات نرغب فيها في إبعاد الطالب عن الفصل والنادي، ولكن علينا التحلي بالصبر والتحكم في الانفعالات في هذه المواقف؛ حيث يمكنك الحفاظ على الثقة، باعتماد عواقب يمكن تحقيقها، ومن المرجح أنَّك ستحصل على السلوك طويل الأمد الذي تتطلع إلى تحقيقه.
ومن المثير للاهتمام، أنَّنا نسمع أحياناً من الآباء أنَّ "كيفن" الصغير يُسيء التصرف في المنزل مع أخته أو ما شابه، وأنَّه يحب صف تدريب الفنون القتالية، لذلك يقوم والده بإخراجه من درس الفنون القتالية كعقوبة له؛ لكن قد يؤثر إبعاده عن النادي فيه سلباً ولا يُحقِّق التغيير الذي يرغب فيه، حتى أنَّه قد يشعر بالخزي عند العودة إلى الدرس ويفقد كل التقدم الذي أحرزه.
استخدام بدائل للعقاب:
بدلاً من إخراج طفلك من النادي يمكنك أن تجعله يكتب رسالة يُقدِّم فيها اعتذاراً عن سلوكه السيء مع أخته، وأنَّه سيُغيِّر تصرفاته معها في المستقبل، ولكي يشعر بصدق اعتذاره دعه أولاً يتدرب على أن يُقدِّم الاعتذار بينك وبينه قبل أن يقدمه لأي شخص آخر.
لا تتوقع أنَّ أطفالك يدركون القواعد الأساسية أو ما تفكر به، لكن يمكنك أن تجعل الأمر أكثر وضوحاً مع بعض الممارسة والتدريب؛ حيث يمكنك تدريبه على النحو التالي: "X هو السلوك الذي فعلته، Y هو ما كان يجب أن تفعله، وZ هو الوعد الذي أقدمه لك لكيفية تصرفك في المستقبل"، يمكنك استبدال XYZ بالإجراءات المناسبة.
وليس بالضرورة أن يُقدم الاعتذار برسالة أو شخصياً، إذ يمكن أن يكون مقطع فيديو قصير كافياً، لكن يجب أن تكون هناك رغبة لإصلاح القاعدة الأساسية التي كُسِرت؛ وإذا جربت هذه الاستراتيجيات، عليك أن تلتزم بها بالكامل وإلا لن تصل إلى شيء.
في حال لم تنجح هذه الاستراتيجيات، يمكنك طلب المساعدة من متخصص، فمن المحتمل أنَّ طفلك يعاني من اضطرابات نفسية أو هناك شيء يحدُّ من نموه وتطوره الإيجابي، لكن تذكَّر دائماً أنَّ استخدام استراتيجيات التأديب الإيجابي أفضل من العقاب.
في الختام:
تلك هي الاستراتيجيات التي يمكنك استخدامها لتأديب طفلك بصورة إيجابية؛ أولاً: كُن صبوراً وحاضر الذهن وفكر في الأفضل على الأمد الطويل، وتجنب التهديدات والعقاب، ثانياً: استخدم إعادة التوجيه، ثم الإصلاح والتكرار (إصلاح القواعد الأساسية). يتطلب استخدام هذه الاستراتيجيات أن تلتزم بها التزاماً كاملاً مع طفلك، فإذا كنت سريع الغضب ستكسر الثقة بينكما وتفقد بعض النتائج التي عملت جاهداً لتحقيقها.
وأخيراً، تجنب الصراخ على الأطفال، وخاصة في الأماكن العامة، بأيَّ شكلٍ كان، فإظهار العواقب أفضل من العقوبة.
أتمنى أن تكون هذه المقالة مفيدة، وتذكَّر أنَّه يجب عليك التركيز أكثر على إصلاح السلوك السيئ ومراقبته وتشجيع السلوك الجيد بالمكافآت واللعب والمشاعر الإيجابية، فذلك يتطلب مجهوداً أقل من إصلاح السلوك السيئ.
أضف تعليقاً