وتعنيف الأطفال قد لا يندرج تحت التعنيف الجسدي والضرب فقط بل قد يُعبَّر عنه بالتعنيف اللفظي كالصراخ والكلام المسيء، حيث يُعتَبر الصراخ على الأطفال من أكثر السلوكيات المُنتشرة بين الكثير من الأمهات والآباء والتي تُمارَس تحت مُعتقدات تربويّة خاطئة، كالخلط بين أساليب التنشئة وإساءة المعاملة للطفل.
ويبقى السؤال هل أسلوب الصراخ هو أسلوب تربوي ناجح في تربية وتأديب الأطفال؟ وماهي مخاطر الصراخ على الأطفال؟
أوّلاً: مخاطر الصراخ على الأطفال
إنّ الصراخ على الطفل لا يُسهِم بأيّ شكلٍ من الأشكال بدور إيجابي في تربيته وتأديبه، وعلى العكس فإنّ له آثار ونتائج سلبيّة على الطفل وعلى الأهل أيضاً.
لذلك يجب على الأهالي الانتباه لهذه النقطة ومحاولة ضبط أعصابهم قدر الإمكان وبخاصة الأمّهات ومع ما يتعرّضن له من ضغوط وأعباء في تربية الطفل وتلبية احتياجاته وكون الأم هي أقرب للطفل.
وفي حال عدم قُدرة الأهل على ضبط مشاعرهم السلبيّة فيما يتعلق بالسيطرة على طفلهم أو تربيته والتوقّف عن الصراخ، يجب طلب الاستشارة والمُساعدة من المُختصّين. وذلك للحفاظ على عائلة مُتماسكة ومُتوازنة عاطفيّاً ونفسيّاً.
ومن المخاطر التي قد يتعرّض لها الطفل نتيجة تعرّضه للصراخ من قبل والديه ما يلي:
1- الصراخ يؤثّر على سلوك الطفل سلباً:
عندما يُسيئ الطفل التصرُّف قد يظن الأهل أنّ الصراخ عليه قد يحل المشكلة ويقوِّم سلوكه في المرات القادمة ولكنّ ذلك ليس صحيحاً، فقد أظهرت دراسة أنَّ الصراخ على الطفل قد يخلق مشكلات أكثر على المدى الطويل، فالصراخ يجعل سلوك الطفل أسوأ، وهذا يعني أنّ الصراخ سيستمر لتصحيح السلوك الجديد وهكذا إلى ما لا نهاية.
وفي الحقيقة أنّ مشكلات الطفل السلوكيّة أو التصرُّف على نحوٍ مُعاكس لما يريد الأهل غالباً ما تقود إلى عقاب الطفل بشكل أكبر وبطريقة قاسية، والذي قد يتبعه أضرار نفسيّة مُختلفة على الطفل. وقد أظهرت دراسة مُختصّة بالعلاقات بين الوالدين والطفل أنّ رد فعل الأطفال البالغين من العمر 13 عاماً الذين تعرضوا للصراخ من قِبَل والديهم كان زيادة مستويات سلوكهم السيّئ خلال السنة التالية بغضّ النظر عمّن قام بالصراخ (الأب أم الأمّ).
2- الصراخ يُشعر الطفل بعدم الثقة بالنفس:
إنّ الصراخ على الطفل يمنحه صورة سلبيّة عن نفسه، معتقداً أنّه شخصٌ غير مهم، ولا يستطيع تقديم إضافة أو إنجاز بعض الأمور التي تُفيد المجتمع الذي ينتمي إليه.
فالصراخ على الطفل بشكل مستمر يجعله يجد صعوبة في تكوين صورة أو انطباع إيجابي حول نفسه، وذلك لأنّ الثقة بالنفس تتكوَّن لدى الطفل مُعتمدة بشكلٍ أساسي وأوّلي على شعوره بأنّ الأشخاص المُحيطين به يعاملونه بُلُطف ومحبّة وتقدير واحترام.
3- الصراخ يؤثِّر على دماغ الطفل:
إنّ الصراخ على الطفل والتّعامُل معه بقسوة من قِبَل الأهل قد يؤدِّي لتغيُّر الطريقة التي يتطوَّر بها دماغ الطفل بشكلٍ شديد، وذلك لأنَّ الإنسان يُعالِج المعلومات والأحداث السلبيّة بسرعةٍ أكبر تماماً من الجيّدة.
ففي دراسة قارنت مسحاً بالرنين المغناطيسي لأدمغة أشخاص لديهم تاريخ في العنف اللفظي الأبوي في الطفولة بآخر لأشخاص ليس لديهم تاريخ في العنف، وُجِدَ اختلافٌ فيزيائي ملحوظ في أجزاء الدماغ المسؤولة عن معالجة الأصوات واللغة ممّا قد يُسبِّب تأخُّراً في تطوير القشرة السمعيّة لدى الأطفال المُعنَّفين.
4- خطر الصراخ على الصحّة الجسديّة للطفل:
هل تُدرك أنّ التجارب التي يَمُرّ بها الشخص منذ الطفولة وحتّى يَكبَر تؤثِّر في تكوُّن شخصيته بعدَّة طرائق، فالتوتُّر الشديد الذي يعاني منه الطفل الذي يتم تعنيفه لفظياً يمكن أن يزيد خطر الإصابة بأمراض مُعيّنة.
فمن المُمكِن أن يُسبِّب الصراخ على الطفل ألم مُزمن يرافقه، فقد وجدت دراسة مؤخَّرة رابطاً بين التجارب السلبيّة في الطفولة مُتضمِّنة العنف اللفظي وغيره من أنواع العنف، حيث ينتج عن هذه المشكلات تطوُّرات لاحقة مؤلمة ومُزمنة، وهذه المشكلات تتضمّن التهاب المفاصل، وآلام رأس، ومشكلات في الظهر والرقبة، وآلام مُزمنة أخرى.
5- السلوك العدواني:
إنّ الصراخ على الطفل بشكل مُستمر قد يؤدِّي في حالات كثيرة لأن يفقد الطفل حساسيته اتجاه الصراخ، ويصبحون بالتالي أكثر عناداً وأقلّ قدرةً على التركيز على ما يقوم به.
وعلى المدى البعيد، قد يؤدِّي ذلك إلى أن يُصبح الطفل نفسه أكثر عدوانية وعُنفاً، إضافةً إلى مُعاناته من مشاكل نفسيّة. الأمر الذي يُشكِّل خطورة واضحة على مستقبله.
وفي الواقع فإنّ الطفل الذي يتعرَّض بشكل مُستمر إلى الصراخ يَكتَسِب السلوك العدواني عند بلوغه سن الرّابعة أو الخامسة. وعادةً ما يُواجه الكثير من المشاكل مع أقرانه في بعض المواقف الاجتماعيّة كاللجوء في الكثير من الأحيان إلى العنف المادي، بما في ذلك الدفع والضرب.
6- الصراخ يؤدّي إلى شُعور الطفل بالخوف:
إنّ الطفل الذي يتعرَّض بشكلٍ مُستمر للصراخ يطغى على حياته الشعور بالخوف، فالكثير من الأطفال يخافون من الأصوات العالية، خاصةً عندما تكون ذكوريّة. وقد يتفاعل الطفل الخجول مع الصراخ عن طريق "التكشيرة" التي تبدو على ملامح وجهه أو إصابته برعشة الأطراف أو الاختباء.
وفي الحقيقة فإنّ الشعور بالخوف عند الطفل قد يتطوَّر على المدى الطويل في حال استمرار مُعاناته من الصراخ لعدّة أشهر أو سنوات متتالية. فالخوف يمنع الطفل من تأسيس علاقات صداقة صحيّة، كما يؤثِّر على قُدراته في التعامل مع بعض النزاعات التي قد تُواجهه، الأمر الذي قد يدفعه إلى اختيار الانسحاب بدل التعامل مع هذه النزاعات أو المشاكل وحلَّها.
كما قد يؤدِّي الصراخ لإصابة الطفل بالكوابيس الليليّة الدائمة أو معاناته من التبوّل اللاإرادي، وفي دراسة لسيكولوجية الطفل وُجِدَ أنّ الطفل يُصاب بخلل في ثقته بنفسه، فيُصبح دائم السؤال للمحيطين به، هل ما يقوم به خطأ أو صواب؟ فهو لا يرى أنّه يستطيع أن يُعبّر عن رأيه بالكلام ويتحوّل إلى طفلٍ مُستَمِع ولا يُشارك برأيه بصورةٍ فعّالة مع أصدقائه.
7- أثر الصراخ على تركيز الطفل:
إنّ قلّة التركيز عند الطفل المعنّف لفظياً تُعتَبَر من المشاكل الشائعة، وتعود هذه المشكلة إلى الإساءة العاطفيّة بشكلٍ أساسي. حيث أنّ الطفل الذي اعتاد على الصراخ يلجأ عادةً إلى الانعزال للدفاع عن نفسه ولو بشكلٍ مؤقّت ضدّ الاعتداء اللفظي، وهذه الطريقة في الدفاع عن النفس تتسبّب في ظهور الكثير من المشاكل النفسيّة في وقتٍ لاحق، التي تنتج عادةً عنها صعوبات في التركيز.
وقد تتحوَّل هذه الصعوبات إلى مشاكل حقيقيّة عند التحاق الطفل بالمدرسة، خاصةً في السنوات التي تتطلَّب تركيز الطفل لفتراتٍ طويلة.
8- الصراخ يؤدّي لإصابة الطفل بالاكتئاب:
إنّ الصراخ بشكل دائم يخلق مناخاً من الضيق والكآبة والتوتُّر في أرجاء المنزل، يؤثِّر على الطفل كما يؤدّي للإصابة بأمراض نفسيّة كالتوتُّر والقلق والاكتئاب، إضافة لشعور الطفل بالأذى والحزن، فعندما يصرخ عليهم آباؤهم فإنَّ العنف اللفظي لديه القدرة على التسبّب بمشكلات نفسيّة عميقة يبقى أثرها حتّى سن البلوغ.
وفي دراسة أُجريت على 976 عائلة أمريكيّة فإنَّ العقاب اللفظي القاسي من الأمهات والآباء على الأطفال في عمر 13عاماً يجعلنا نتوقّع زيادةً في المشكلات السلوكيّة في سن البلوغ وأعراض الاكتئاب والقلق بين عمر ال 13 وال 14 لديهم.
ثانياً: أساليب بديلة للتعامل مع الطفل عند الغضب
إنّ الأطفال بشكل عام مختلفون عن بعضهم البعض فكلّ طفل لديه شخصيّته الخاصّة به ومزاجه الخاص والذي يصاحبه منذ الولادة، لذلك حاول أن تفهم طفلك بشكل جيّد أوّلاً وتعامل معه فيما بعد بما يتناسب مع شخصيته.
1- معظم الأحيان عندما تقوم بالصراخ فوق مستوى رأس طفلك لا يُدرك الطفل أنّك تتحدّث إليه، لذلك أنزل إلى مستوى عيني طفلك عند التحدث إليه فهذا يعطيك سهولة أكبر في الحصول على انتباهه.
2- قُم بإعطاء طفلك فرصةً ليعبِّر عن نفسه ويشرح واستمع لتبريره أو لِمَا يقوله في حال أساء التصرف، وفي حال لم يكن قادر بعد على التعبير عن نفسه بالكلمات، اسأله أسئلة مُختصرة يمكن الإجابة عليها ب نعم أو لا وذلك لفهم ما حدث، ثم أعد عليه ما فهمته منه بجمل واضحة ومختصرة لتجنُّب أيّ سوء فهم. فعندما تقوم بأخذ مشاعر طفلك على محمل الجد توصل له الشعور أنّ وِجْهَات نظره وأفكاره مُهمّة وذات قيمة عندك.
3- التعبير عن المشاعر بشكل إيجابي أمام الطفل، فإذا كنت تقرأ وحاول طفلك أخذ الكتاب لا تبادر بالصراخ والقول إذا مزّقت الكتاب لن أتمكن من القراءة بل ادعوه ليجلس إلى جانبك وقل له أنّك تريد أن تقرأ معه الكتاب وبذلك تكون قد أرسلت رسالة واضحة لطفلك وعبّرت عن نفسك بشكل إيجابي، وفي ذات الوقت قدّمت لطفلك نشاطاً بديلاً مناسباً يتوجّه إليه.
4- تفاوض مع طفلك بدل من الصراخ عليه فإذا قاطعك الطفل حاول أن تجذب انتباهه لاستعادة الحوار بينكما وإعادة حلقة الوصل من خلال العرض عليه أن يشاركك القيام بأحد الأمور أو الأنشطة التي يُحبّها كالرسم أو إعداد وجبة لذيذة أو مشاهدة التلفاز والتحدّث معاً.
5- عندما تحدث مشكلة معيّنة حاول أن تُشْرِك طفلك في وضع القواعد أو في إيجاد الحلول، وعليه سيفهم الطفل الغاية من هذه القواعد، وسيحاول الالتزام بها عند إشراكه، بالإضافة سيعرف العواقب التي ستترتّب عليه في حال أساء التصرّف، وبالتالي تُسهم في تكوين شخصيّة مُستقلّة لطفلك لديها حس بالمسؤولية واحترام للقواعد.
6- لا تخجل من الاعتذار من طفلك أو تشعر بالإهانة. فاعتذارك من طفلك في حال صرخت عليه وفقدت أعصابك أمامه يُعطي الطفل قدوة حسنة، ويُعلمه أنّ الاعتذار لا يُقلِّل من قيمة الشخص عندما يكون مُخطئ، كما يُشعِر الطفل بأهميّته لدى والديه.
7- حافظ على هدوئك دائماً وحاول العد للعشرة. فالصراخ على الطفل يُوقِف أيّ وسيلة للتواصل بينكما ويُصعّبه، إضافة إلى أنّ الصراخ لتوصل فكرة صحيحة لطفلك لن يؤثّر إيجابياً على المدى البعيد حتّى ولو امتثل الطفل لما تقول في الوقت الحالي. فإذا كنت تريد من طفلك ألّا يقوم بعمل ما يزعجك، يمكن للصراخ أن يجعل الطفل يمتثل لك بشكل فوري إلّا أنّه سيعيد الكرّة مرةً أخرى، أمّا عندما تشرح له أنّ هذا الفعل خاطئ وأنّه قد يؤذيه، وتَعْرِض عليه القيام بشيءٍ آخر مثلاً قد يقتنع بذلك على المدى البعيد.
8- حاول خلق بيئة مُريحة وإيجابيّة لطفلك في المنزل، فالبيئة المريحة تُفسح المجال أمام الطفل للتعلُّم السريع، وحاول عدم خلق الجدالات مع الشريك أمام الطفل، وتبادلا مشاعر الحُب والوِد أمامه وامزحا معه حيث توصلت الدراسات إلى أنّ الخلافات الزوجيّة تنعكس بشكلٍ سريع على الأطفال وكثيراً ما يتم ترجمتها إلى مشاكل سلوكيّة وعدوانية.
9- مع تزايد الضغوط الحياتية قد يشعر الطفل أنّه ليس أولوية بالنسبة لك، وذلك لمتابعتك لاحتياجاته العامة فقط وإغفال الاحتياجات العاطفية التي هو بأَمَسْ الحاجة لها، ما قد يجعل طفلك يتمسّك ببعض السلوكيات السلبيّة ليلفت انتباهك إليه. لذلك يمكنك تعزيز السلوكيّات الإيجابيّة لديه بالالتفات إلى صفات طفلك الإيجابيّة وتلفت انتباهه إليها أيضاً، فتقوم بالثناء على السلوكيّات الجيّدة التي تصدر منه، وبذلك يشعر باهتمامك دون الحاجة إلى اللجوء للتصرفات السلبيّة.
نحن نعلم أنّ الحياة أصبحت أكثر صعوبة من السابق وأكثر انشغالاً، ونعلم أنّ المسؤوليّة والضغط الذي يترافق مع تربية الطفل كبير جدّاً، ولكنّ التحلي بالصبر والعزيمة على تغيير نفسك حتماً سيجد صدىً إيجابياً في نفس طفلك، وبذلك تضمن له جو عائلي متوازن ودافئ، ومُستقبل يكون فيه طفلك مكتفٍ نفسيّاً وجسديّاً وعاطفيّاً وعقليّاً.
أضف تعليقاً