1. ما هي التعاسة؟
التعاسة هي حالة شعورية مزاجية سلبية بالمطلق، قد تسيطر على حياة الإنسان، فتحرمه السعادة والمتعة وراحة البال، وتجعله أسيراً للأحزان والقلق وفقدان الحماسة والرغبة.
للتعاسة مضار مدمرة للإنسان؛ إذ تجعله كالورقة في مهب الريح، تتخبطه الحياة يمنةً ويُسرةً، وهو مستسلم لها دون أيَّة مقاومة، كما أنَّها مؤذية لصحته الجسدية، فسوء الحالة النفسية سبباً للكثير من الأمراض العضوية.
2. أسباب التعاسة:
هناك مجموعة من السلوكات والأفكار التي إذا تبنَّاها الإنسان، يكون قد فتح الباب للتعاسة للدخول إلى حياته، ومن أهمها:
- عدم وجود أهداف: يجعل تحديد الأهداف لحياة الإنسان معنى وغاية؛ لذا من أسباب التعاسة غياب الهدف؛ حيث يعيش الإنسان حياته تعيساً ضائعاً لا يشعر بقيمة وجوده.
- جلد الذات: كل إنسان منا مُعرَّض لارتكاب الخطأ، والأخطاء دروس للحياة، ولكن يدخل الإنسان في دوامة من التعاسة، عندما لا يتقبَّل أخطاءه، ولا يتصالح مع نفسه.
- البعد عن الواقع: الحلم والطموح أشياء ضرورية للنجاح، ولكنَّ الواقعية مطلوبة أيضاً؛ فمَن تكون أحلامه وردية وغير قابلة للتحقيق، يعيش في تعاسة دائمة؛ وذلك لأنَّه يشعر بالعجز وعدم القدرة على تحقيقها.
- غياب الحياة الصحية: يُعَدُّ غياب الحياة الصحية من غذاء صحي ونوم كافٍ، أحد أسباب التعاسة؛ حيث أثبتت الدراسات أنَّ تناول الوجبات السريعة والمشروبات الغازية والسكريات والتدخين والكحول، سببٌ لتعاسة الإنسان.
- عدم ممارسة الرياضة: أثبتت الدراسات دور الرياضة في تحسين وظائف الجسم، وتحسين المزاج، فهي تساعد على إفراز هرمونات الإندورفين في الدماغ، وتفريغ الطاقة السلبية؛ لذا إنَّ عدم ممارسة الرياضة يعزز من شعور التعاسة.
- إدمان وسائل التواصل الاجتماعي: تؤكد الأبحاث اليوم على التأثير السلبي لإدمان الشاشات والأجهزة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي في الحالة النفسية للإنسان، وأنَّها من أبرز مسببات التعاسة والكآبة وبلادة التفكير، وخلُصت بعض الدراسات إلى احتمال أن تؤدي وسائل التواصل الاجتماعي إلى الانتحار.
- العزلة الاجتماعية: تُعَدُّ العزلة الاجتماعية أحد أبرز أسباب التعاسة، فالإنسان بحاجة إلى الآخرين، من أقارب وأصدقاء وزملاء عمل، وتحقِّق العلاقات الاجتماعية الصحية سعادة للإنسان.
- الكمال: الوصول إلى الكمال والمثالية في الحياة أمراً مستحيلاً، وسعي الإنسان إلى الكمال يجعله في حالة من عدم الرضى الدائم مهما حقق من إنجازات؛ وهذا يسبب له التعاسة.
- الكتمان: كتمان المشاعر أحد أسباب تعاسة الإنسان، سواء كانت مشاعر إيجابية كالحب والفرح والإعجاب، أم سلبية كالغضب والحزن والاستياء.
- التجارب السيئة: نتعرض كلنا للصدمات والتجارب الحياتية السيئة، ولكن هناك مَن يتجاوزها، وهناك مَن يترك نفسه أسيراً لها وللماضي، ويجعل التعاسة تُخيِّم على حياته.
- دور الضحية: هناك بعض الأشخاص يستمتعون بدور الضحية، وإلقاء اللوم على الظروف والأقدار، والسماح للآخرين التحكم بهم وإيذائهم، والشعور بالظلم وسوء الحظ والتعاسة.
- تقدير متدنٍ للذات: يُصاب مَن يعاني من تقدير متدنٍ لذاته بالتعاسة والكآبة، كونه لا يشعر بالرضى عن نفسه، وأنَّه مقصر وأقل من غيره، ولا يستحق الأفضل.
- التشاؤم: يُقصَد بالتشاؤم التفكير السلبي، وتوقُّع الأسوأ دائماً، والنظر إلى النصف الفارغ من الكأس، والقلق والخوف من الفشل وتوقعه؛ وهذا يؤدي إلى دخول الإنسان في تعاسة لا تنتهي.
- المقارنة: تُعَدُّ مقارنة الإنسان نفسه بالآخرين أحد مصادر التعاسة في حياته؛ وذلك لأنَّه لن يستمتع بما لديه وبما يحقق، وسيجد دائماً مَن هو أنجح منه، وأكثر حظاً وثراءً؛ وهذا يجعله تعيساً وبائساً دائماً.
- إرضاء الناس: السعي إلى إرضاء الناس من أبرز أسباب تعاسة الإنسان؛ إذ يقضي الإنسان حياته بعيداً عن ذاته؛ وذلك لأنَّه يفكر في غيره ويتصرف كما يحب غيره.
- السعادة المشروطة: يُقصَد بالسعادة المشروطة ربط السعادة بشيء أو بشخص، كأن يفكر الإنسان أنَّه سيكون سعيداً؛ في حال حصل على شيء معين كالمال أو السيارة أو وظيفة مرموقة، أو الارتباط بشخص معين؛ وهذا يجعل حياته تعيسة، ومرهونة بالانتظار.
- الأشخاص السلبيين: يؤثر التعامل والاختلاط مع الأشخاص السلبيين وكثيري الشكوى والتذمر في نفسية الإنسان، كونهم ينقلون إليك طاقتهم السلبية باللاشعور، وتبدأ مشاعر الإحباط والتعاسة بالتسلل إلى داخلك.
- القلق من المستقبل: التفكير والقلق بشأن المستقبل، وتوقُّع سيناريوهات وأمور قد لا تحدث، يُثقل كاهلك ويحرمك راحة البال والسعادة.
- العلاقات السامة: العلاقات السامة هي كل علاقة لا تشعر فيها بالأمان، وتعاني فيها من الكذب أو الخيانة أو الاستغلال؛ حيث تدمِّر العلاقات السامة حياتك، وتمتص طاقتك، وتجعلك شخصاً تعيساً وغير مستقر نفسياً.
- الجدية أكثر من اللازم: التعامل مع الحياة بجدية أكثر من اللازم، ومحاولة التصرف بعقلانية وحكمة طوال الوقت، دون ترك مساحة للعفوية والمرح، يجعلك في حالة ضغط دائم؛ وهذا يجعل حياتك مملة وتعيسة.
- النمطية: توصِلك النمطية والرتابة في حياتك إلى التعاسة حكماً، فعندما تعيش حياة نمطية روتينية، لا يحدث فيها أي تجديد أو تغيير، ستشعر بالملل والتعاسة.
- التسويف: تأجيل المهام المطلوبة منك، وشعورك بالتكاسل والإهمال وتأنيب الضمير، يجعلك شخصاً تعيساً غير راضٍ عن نفسك.
شاهد بالفديو: 5 عادات خاطئة يجب أن تبتعد عنها لتتخلص من التعاسة
3. كيف أُبعد التعاسة عن حياتي؟
هذه مجموعة من النصائح التي تجعل التعاسة بعيدة عن حياتك:
- حدد هدفك: إن أردت السعادة وإعطاء قيمة لحياتك، فحدد هدفك؛ وهذا يجعلك تعمل وتنظِّم وقتك، وتشعر بالغاية من وجودك.
- كن قنوعاً: تُعَدُّ القناعة والرضى أهم مفاتيح السعادة وتجنُّب التعاسة؛ لذا يجب عليك أن تقتنع بحياتك وترضى بما لديك، مع الرغبة والسعي الدائم إلى التحسين نحو الأفضل.
- الاكتفاء الذاتي: اكتفِ بذاتك، وكن مكتملاً بها؛ بمعنى لا تُقيِّم نفسك بناءً على أراء وكلام الآخرين عنك، ولا تسمح لهم بإحباطك أو زعزعة ثقتك بنفسك.
- ابتعد عن السلبيين: ابنِ حاجزاً بينك وبين الأشخاص السلبيين المُحبِطين لمَن حولهم، حتى لا تنتقل إليك مشاعرهم السلبية.
- ابحث عن شغفك: لن تعرف طريقك إلى السعادة، ما لم تبحث عن شغفك وتمارسه، فقد يكون شغفك في السفر، أو العزف، أو الرسم، أو ممارسة مهنة ما، شغفك يحميك من التعاسة.
- حرِّر داخلك: حرِّر داخلك وأطلق العنان لمشاعرك، عبِّر عن حبك، وفرحك، وغضبك، وحزنك، لا تقيِّد نفسك بقيود الخوف أو الخجل.
- كن حاضراً في اللحظة: تحرَّر من الماضي والمستقبل، وكن حاضراً في اللحظة، فلا أنت قادر على تغيير الماضي ولا توقُّع المستقبل.
- شارك: لا تكن شخصاً وحيداً، اجعل نفسك محاطاً بالأقارب والأصدقاء، وشارك لحظاتك فرحك وحزنك وحتى طعامك معهم؛ حيث توصَّلت إحدى الدراسات التي قامت بها "جامعة أكسفورد" إلى أنَّ تناول الشخص للطعام دون مشاركة أحد له، يُشكِّل سبباً رئيساً من أسباب التعاسة.
- غامِر: لا تترك الرتابة والمللِ يُسيطران على حياتك؛ بل أدخِل المغامرة إليها، فجرِّب أشياء جديدة، واكسر روتين حياتك، وزر أماكن جديدة، وتعرَّف أناساً جدد.
- طوِّر ذاتك: لا تُهمل نفسك؛ بل اسعَ إلى تطوير ذاتك باستمرار، واكتساب مهارات جديدة؛ فهذا يوسِّع آفاقك، ويجعلك تشعر بالرضى عن نفسك.
- ركِّز مع نفسك: لكل شخص منا ما يميزه عن غيره، فقد تنجح أنت في هذا الأمر، وينجح غيرك في ذاك؛ لذا ركز على نفسك وطوِّرها، ولا تنظر إلى غيرك أو تقارن نفسك به.
- سامح: حرر نفسك من مشاعر الحقد والكراهية، واستبدلها بمشاعر الصفح والتسامح، حتى تحصل على السلام الداخلي وتتجنَّب التعاسة.
- تفاءل وكن إيجابياً: كن متفائلاً وفكِّر بإيجابية، وانظر إلى نصف الكأس الملآن، وتجاوز الفشل والأخطاء، وانظر إليها على أنَّها دروسٌ تتعلَّم منها.
- اتَّبع نمط حياة صحي: اتَّبع نمط حياة صحي من غذاء صحي وممارسة الرياضة والنوم لساعات كافية؛ فهذا يجعلك مرتاحاً جسدياً ونفسياً.
- ابتسم: الابتسامة مفتاح السعادة، اجعلها تعلو وجهك مهما كانت الظروف؛ وذلك لأنَّها تحرِّرك من المشاعر السلبية، وتعود عليك بمحبة من الآخرين.
4. أقوال عن التعاسة:
سنعرض مجموعة من أهم الأقوال والاقتباسات لكبار الأدباء وخبراء التنمية البشرية:
- "العقل هو الذي يستنبط الشيء الحسن من الشيء السيئ، وهو ما يجلب السعادة أو التعاسة" - إدموند سبنسر.
- "من المريح للتعساء أن يكون لهم في التعاسة شركاء" - كريستوفر مارلو.
- "أؤمن بأنَّ الأدب هو أفضل ما اختُرِع من أجل الوقاية من التعاسة" - ماريو فارغاس يوسا.
- "عشنا السعادة دون أن ندري، أما التعاسة، فعشناها ونحن ندري" - لقمان ديركي.
- "الفارق بين الجوع والشبع، رغيف واحد، والفارق بين التعاسة والسعادة، ود كائن واحد من بين بلايين سكان الأرض، ومع ذلك، يموت البشر جوعاً، ويموتون غربةً، ما أبخل القلب البشري!" - غادة السمان.
- "لم يحاول شراء السعادة، ولكنَّه يحاول شراء غياب التعاسة" - بول أوستر.
- "قد تفشل السعادة في تحقيق الكثير من الأشياء، إلَّا أن تجعل من التعاسة أقرب إلينا" - مارسيل بروست.
- "لقد حصل شيء في هذا العالم، فغيَّره وغيَّر الناس، لم يكن هكذا ولم يكن الناس بهذه التعاسة، لكنَّ هذه التعاسة، لن تستمر ولن تطول" - عبد الرحمن منيف.
- "إنَّ سر الإحساس بالتعاسة؛ هو أن يتوفر لديك الوقت لتتساءل: أسعيد أنا أم لا؟" - جورج برنارد شو.
- "الكثير من التعاسة جاءت إلى العالم، بسبب الحيرة والكلمات التي لم تُقَل" - دوستويفسكي.
- "السعادة الأعظم هي أن تعرف مصدر التعاسة" - دوستويفسكي.
- "يمكن أن تكون التعاسة جسراً نحو السعادة" - مثل ياباني.
- "ليس هناك عالم تعيس، هناك بشر اختاروا التعاسة" - أحمد الربعي.
- "هناك مَن يشعر بأقل حقوقه في السعادة، وهو يزرع نصف ثمار الوهم، وهناك مَن يشعر بكامل حقوقه في التعاسة، وهو يقطف كل ثمار الحقيقة" - غادة السمان.
- "قلت لها: إنَّ الناس يجب ألا يتزوجوا، إلا لكي تأتي للعالم بمَن هو أفضل، طفل أجمل منك، وأغنى منك، وأقوى منك، ما جدوى أن يتزوج الشقاء من التعاسة؟ الهباب من الطين؟ وما هو الجديد الذي ستقدِّمه للعالم سوى المزيد من البؤس؟" - أحمد خالد توفيق.
- "الصعوبة ليست في السعادة؛ بل في تفادي التعاسة التي يسببها السعي إليها" - أحلام مستغانمي.
- "لولا تحدياتي ما تعلَّمت، ولولا تعاستي ما سعدت، ولولا آلامي ما ارتحت، ولولا فشلي ما نجحت، ولولا إدراكي ما أصبحت" - إبراهيم الفقي.
- "التعاسة ليست قدراً، وأرض الله واسعة، والعمر قصير، والوقت أضيق من استعذاب الألم، أو تبادُل التجريح، إن وجدت صداقة أو علاقة أو صحبة أو مساحة تستنزفك ما وراء التحمُّل، فتوقف، وإن لم تفلح في الإصلاح، فارحل كريماً ولا تنسَ الفضل" - هبة رؤوف عزت.
في الختام، السعادة والتعاسة قرار:
يقول خبير التنمية البشرية الدكتور "إبراهيم الفقي": "لا يوجد إنسان تعيس، ولكن توجد أفكار تسبب الشعور بالتعاسة"؛ لذا فأنت المسؤول عن سعادتك أو تعاستك، فاجعل أفكارك وطريقة تعاطيك مع الحياة إيجابية، وابتعِد عن السلبية والتشاؤم، لتنعم براحة البال والسلام والتوازن الداخلي، وتذكَّر دائماً أنَّك عندما تنثر السعادة على مَن حولك، ستعود السعادة إليك أضعافاً مضاعفة.
أضف تعليقاً