هل تعمل في وظيفة أم في "نداء" دعاك الواجب إليه؟

لقد كنتُ في الفترة الأخيرة في "جدة، المملكة العربية السعودية" (Jeddah, Saudi Arabia) أُدير ورشة عمل للتطوير الوظيفي للممرضين ولمديري المستشفى، في مستشفى كبير، فسمعت هذا التصريح وقد أثار اهتمامي: "أنا أساسي مختلفٌ عن الجميع، أنا مهندس بترول"؛ فشعرتُ أنَّني مضطرٌ إلى سماع قصة هذا المهندس.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "رون توماس" (Ron Thomas) ويُحدِّثنا فيه عن أهمية اختيار وظيفة ملائمة لك على كل الأصعدة.

لكن عندما بدأ بالكلام، أدركتُ أنَّه يتكلم عن سيناريو يحدث كثيراً في كل يوم؛ إذ ترتاد الجامعة وتتخصص فيما تظن أنَّه سيكون هدف حياتك، لكن عندما تبدأ بالعمل، تدرك أكثر فأكثر كل يوم أنَّ هذا ليس ما تصوَّرته، وليس هكذا فحسب؛ بل وتدرك أيضاً أنَّه لا يمكنك العمل بهذا التخصص لبقية حياتك.

العثور على الفرصة صدفةً:

عندما كان هذا المهندس المتمرس عاطلاً عن العمل، تقدَّم بطلب للحصول على وظيفة إدارية في مستشفى، والأمر الذي كان مدهشاً بالنسبة إليه هو أنَّه حصل على هذه الوظيفة، وكان متحمِّساً جداً ليباشر بوظيفته الجديدة.

على مر السنين، لاحظتُ حدوث هذا الأمر حدوثاً متزايداً، فعلى سبيل المثال، يصبح المحاسب كوتش مهنة، أو يصبح المحامي محرر أزياء، وكبير مسؤولي الموارد البشرية السابق قد أصبح أستاذاً جامعياً؛ فجميع هذه المهن مختلفة اختلافاً بيِّناً، ومع ذلك، في كل تغيير في مهنتهم، يقعون في حب العمل الجديد الذي يقومون به.

إذاً؛ كيف حدث هذا؟ بصفتي شخصاً يقضي وقته في تقديم كوتشينغ للناس عن المرحلة الثانية من حياتهم المهنية، يبدو لي وجود شيء مشترك يمر عبر كل ذلك؛ فالخيارات المهنية تُحدَّد وفقاً لعدد من الأسباب، وفي كثير من الأوقات قد تكون بسبب توجيه شخص ما، أو قد تكون اختياراً يتم على أساس مفهوم متصوَّر، وبين هذه الأمور، تُعَدُّ المهنة خياراً رائعاً، ولكنَّ "المكان" هو غير مناسب.

شاهد: 8 عبارات تعيق تقدمك الوظيفي

دور الثقافة التنظيمية:

روَت إحدى المشارِكات قصة ابنتها، وهي مهندسة معمارية ناشئة؛ إذ كانت فترة تدريباتها عبارة عن تجربتين مختلفتين تماماً؛ فكان تدريبها الأول في شركة تقليدية قديمة ذات مشاريع مملة، وكل شخص كان لديه مكتب مغلق، وقد كادت أن تتسبب لها هذه الشركة في تغيير المهنة التي اختارتها.

أما تدريبها الثاني فكان في شركة أصغر ومشاريعها كانت مثيرة للاهتمام، وكانت الاجتماعات والمشاريع تُناقَش عبر تطبيق "سكايب" (Skype)، والعمل كان يتم من أي مكان، وكانت مساحة المكاتب مفتوحة، والبيئة رائعة، وتتوفر خطة رئيسة للتعاون، وقد قالت إنَّ الأمر كان مثل العمل في مصنع للأفكار، وعندما عاودَت العمل، علمَت أنَّها لن تنظر إلا إلى الشركات التي تناسب هذا النموذج، وقررَت أن يستند اختيارها إلى ثقافة ونموذج هذه الشركة.

وأكملَت المشارِكة حديثها: "عندما اصطحبتُ ابنتي للجامعة لأول مرة، التقيتُ بكثيرٍ من زملائها الجدد، وبعد أربع سنوات لم يتخرج إلَّا عددٌ قليلٌ منهم؛ وذلك لأنَّهم كانوا يغيرون تخصصاتهم نحو مرتين أو ثلاث مرات؛ لذا هنّئَتُ ابنتي آنذاك على اختيارها وعلى التمسك به، وهي الآن مديرة تسويق وتحب عملها، ولا يمكنها أن تكون أكثر سعادة من ذلك".

ربما كانوا يخططون لشيءٍ ما:

ومع ذلك، فقد غيَّرتُ نظرتي إلى تلك المجموعة التي كانت ما تزال "تتخبَّط" في محاولة العثور على نفسها، وربما كانوا ينقذون أنفسهم من سنواتٍ من البؤس في محاولتهم لتصحيح الأمور قدر المستطاع، وربما كان من الأفضل قضاء مزيدٍ من الوقت في مقدمة الرحلة بدلاً من تغيير الوجهة ككل.

واليوم، أنا أستغل كل فرصة عندما أتحدث إلى طلاب الجامعات لأطلب منهم قضاء كثيرٍ من الوقت في التفكير في سؤال: "ماذا سأفعل عندما أكبر؟"؛ وذلك لأنَّ أهمية محاولة اكتشاف هذا الشيء تُعَدُّ أمراً هاماً جداً، وإنَّ أغلب العلل التي تصيب حياة الشركات سببها أشخاص غير مناسبين للثقافة، أو لا يرغبون في العمل لديها في المقام الأول.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح تساعدك على تحقيق التطور المهني

المراحل الثلاث:

إنَّ مثلث الوظيفة والمهنة والنداء يُعَدُّ مسألة هامة تحتاج إلى مزيدٍ من التأمل في جميع المراحل، والهدف النهائي هو الوصول إلى مرحلة النداء، ووفقاً لمجلة "علم النفس اليوم" (Psychology Today)، إليك كيف تُجزَّأ:

1. التوجه الوظيفي:

يميل الأفراد الذين يندرجون في هذه الفئة إلى النظر إلى عملهم بوصفه وسيلة لتحقيق غايةٍ ما، وهم يعملون للحصول على الأجور والفوائد من أجل دعم هواياتهم، أو أسرهم، أو حياتهم خارج العمل؛ لذا إنَّهم يفضلون الوظائف التي لا تتدخل في حياتهم الشخصية، وفي أغلب الأحيان لا يكون لديهم علاقة قوية بمكان العمل أو بواجباتهم الوظيفية، ويكون العمل بالنسبة إليهم بمنزلة ضرورة أساسية في الحياة.

2. التوجه المهني:

من المرجح أن يركز الفرد ذو التوجه المهني على العناصر المتعلقة بالنجاح أو المكانة، وسيكون هذا الفرد مهتماً بالقدرة على الارتقاء في مسيرته المهنية، والحصول على علاوات ومناصب جديدة، وتحقيق المكانة الاجتماعية التي تأتي من مسيرته المهنية؛ فالمهن التي لها "سُلَّم" تصاعدي واضح تجذب ذوي التوجه المهني.

إقرأ أيضاً: كيف تجد الوظيفة المثالية لك؟

3. توجه النداء:

غالباً ما يصف الأفراد الذين لديهم توجه النداء عملهم على أنَّه جزء لا يتجزأ من حياتهم وهويتهم؛ فهم يَعُدُّون مهنتهم شكلاً من أشكال التعبير عن الذات وتحقيقها، وقد وجدت الأبحاث التي أجرتها الدكتورة "إيمي رزيسنيفسكي" (Dr. Amy Wrzesniewski) وزملاؤها، وهي أستاذة مشارِكة في السلوك التنظيمي في "كلية الإدارة في جامعة ييل" (Yale University’s School of Management)، أنَّ الأفراد الذين لديهم توجه النداء، من المرجح أن يجدوا عملهم ذا مغزى أكثر، وسوف يعدلون واجباتهم، ويطوِّرون العلاقات لجعلها أكثر جدية، وقد تبيَّن أنَّهم أكثر رضى عموماً عن عملهم وحياتهم.

لذا، نعم، إنَّ العثور على مكانك هو عمل بحد ذاته، ولكنَّ الوصول إلى مرحلة النداء هو الارتقاء الدائم.

المصدر




مقالات مرتبطة