هل تشكو من كثرة الأعباء في حياتك؟

هل تشعر أنَّك تلهث وراء إنجاز المهمات الموكلة إليك، لكنَّك لا تحرز تقدماً ملحوظاً؟ وهل تحرم نفسك من قضاء وقت الراحة المخصص لك تحت ذريعة أداء مهمات وظيفية لا تفعل إزاءها شيئاً سوى المماطلة؟ هل تستمر في تأجيل حلم حياتك العظيم إلى أن تهدأ وتيرة حياتك وتفقد تحفيزك؟



عادة ما نشتكي من كثرة الأعباء الملقاة على كاهلنا، ولا نعرف من أين نبدأ العمل عليها أو كيف نتصرف إزاءها؛ لكن كيف لك ألَّا تهول الأمور وتركز طاقاتك على ما يهمك حقاً في عالم يمجِّد السعي إلى تبنِّي مزيد من الأفكار والمهمات والإجراءات.

في الحقيقة، توجد طريقة لذلك؛ فحالما تستلم زمام السيطرة على حياتك، تكون قادراً على التركيز على ما يهمك حقاً، والتخلص من الأمور غير المجدية بسهولة، والتخلي عن ثقافة المجتمع الذي يفتخر بانشغال أفراده، والتحول إلى التركيز على الأولويات بدلاً عن الإجراءات التي لا طائل منها.

ستتعلم في هذا المقال كيفية إدارة العواطف التي تشغل حيزاً كبيراً من أعبائك اليومية، وكيف تستعيد قدراتك الذهنية وتحقق التقدم المنشود في الوقت نفسه؛ وإليك كيفية القيام بذلك:

1. تخلَّص من الفوضى والتشتت:

تشتعل داخلنا فوضى جسدية وذهنية وعاطفية تستنفذ طاقاتنا المخصصة للقيام بما فيه خير لنا، وتتجلى هذه الفوضى بطرائق لا تُعَد ولا تُحصَى.

قد تجد صعوبة جمة في التركيز في مكان عملك، وتزدحم مفكرتك بالمواعيد المؤجلة إلى أجل غير مسمى، وتفوِّت عليك سماع الخطاب التشجيعي الذي يبقي جذوة حماستك مشتعلة، ويأخذ نموك بالتراجع بدلاً من أن يتقدم بك؛ لذا لا تبالغ في تقدير مهاراتك أو تقلِّل من أهمية الوقت والجهد اللذين يتطلبهما أداء عمل ما.

يطلق الباحثون على هذه الحالة "مغالطة التخطيط"، والتي تتمثل في أنَّنا كلما أخذنا على عاتقنا فعل مزيد من الأمور التي تثقل كاهلنا، تراجع أداؤنا أكثر فأكثر؛ لذا بدلاً من ذلك، تخلَّص من بعض الأعباء، فمثلاً:

  • تبرَّع بالملابس التي لم تعد بحاجة إليها.
  • نظِّف مكتبك من أي شيء قد يشتت تفكيرك.
  • أخبر أصدقاءك أنَّك ترغب في الاختلاء بنفسك لفترة معينة.
  • اشطب من مفكرتك الالتزامات التي لا تُقدِّم ولا تؤخِّر شيئاً في حياتك، بل تستنفذ جُلَّ وقتك وطاقتك واهتمامك.

لا تتبع نصيحة خبراء الإنتاجية التي تفيد بحشو جدول مهماتك بالكثير من الإجراءات والعادات والأفعال الروتينية، بل اشطب ما أمكنك منها؛ وذلك كي تمنح نفسك متنفَّساً تقدر فيه على العمل بكفاءة، حيث يساعدنا هذا التوجه الجديد على تحديد ما يهم فعلاً في حياتنا.

2. حدد أهم ثلاث أولويات لديك:

ننهمك في الأفكار والمشروعات والمبادرات الجديدة، ونبالغ في تقدير أهميتها بالنسبة إلينا، ويعود ذلك إلى الإدمان على هرمون السعادة (الدوبامين) الذي يُفرَز في أدمغتنا كلما فكرنا في إمكانية تحقيقها؛ أما في حال عجزنا عن تنظيم أولوياتنا، سنرزح تحت الكثير من أعباء العمل، وتفشل المشروعات والخطط التي تسهم في ازدهارنا ونجاحنا.

واستناداً إلى مغالطة التخطيط، فإنَّنا نقبل أن نُوكَّل بأكثر من مَهمَّة في الوقت نفسه، لكنَّنا لا نعلم أنَّنا بذلك نبدد طاقاتنا، ونشتت أذهاننا بالتركيز على العديد من المجالات؛ لذا بدلاً من ذلك، اتبع نهجاً بسيطاً في حياتك ومهنتك أو نشاطك التجاري.

يتوجب عليك اختيار أهم ثلاث أولويات كي تنجزها خلال مدة معينة من العام قد تصل إلى بضعة أشهر، وتذكَّر: ليس لزاماً أن تكون هذه الأولويات عاجلة، بل يجب أن تكون ذات أهمية بالغة وتأثير عظيم فيك؛ كما لا يجب أن تكون مهمات تفتقر إلى الحماسة، أو مبادرات اعتباطية، أو أعمالاً تطوعية؛ بل يجب أن ترتبط بأعظم أهدافك التي تصبو إليها.

إن وجدت صعوبة في تحديد أهم ثلاث أولويات لديك، فأحضر ورقة وقلماً، وابدأ بوضع قائمة من 15-20 مَهمَّة تظن أنَّك قادر على إنجازها، ثم ألقِ عليها نظرة عن كثب، وحدد أكثرها أهمية؛ وستتمكن مع تقدمك من اتخاذ القرارات المناسبة كلما سألت نفسك هذا السؤال: هل هذه المَهمَّة أو الاجتماع أو الإجراء التالي جزء من أولوياتي أم لا؟

بالطبع،  لن تكون كل المهمات التي تنجزها يومياً جزءاً من أولوياتك، لكنَّ وضع تلك القائمة سيساعدك على اتخاذ قرارات أفضل في وقت قصير، إضافة إلى ترسيم الحدود وإعادة السيطرة على الأمور الهامة؛ وستحقق بمواظبتك على خطوات العمل المتسقة هذه يومياً أقصى استفادة من يومك.

شاهد بالفيديو: 5 أسئلة تساعدُكَ على تحديد الأولويات

3. اعتبر تقدمك البطيء يوماً بيوم انتصاراً لك:

لقد خدعتك النصائح التقليدية للمساعدة والتنمية الذاتية، فزرعت في رأسك فكرة أنَّ عليك دوماً أن تتوِّج يومك بنجاح عظيم، وقد صدَّقت هذا مدفوعاً بالحماس، مع أنَّ تحقيق النجاح المستمر هو حصيلة اتباع خطوات عمل متسقة جُمِعت على مدى فترات طويلة من الزمن.

يوصلنا هذا إلى قاعدة "1% من التقدم" التي تعود إلى الفلسفة اليابانية المسماة "استراتيجية كايزن في التطوير" والتي تُعرَف بالتحسن الثابت والمستمر؛ فإن اتبعت هذه القاعدة، ستعتاد على التقدم اليومي وتستفيد من أهم  المحفزات الشخصية على الإطلاق.

أجرى كلٌّ من الأستاذة في جامعة هارفرد تيريزا آمابيل (Teresa Amabile) والعالم النفسي ستيفن كارمر (Steven Kramer) بحثاً تناولا فيه الأسباب التي تعزز حماسة الأشخاص في العمل، وحلَّلا يوميات 12000 شخصاً استطاعا بواسطتها تتبع حالاتهم العاطفية المختلفة طوال اليوم، واستنتجا بناء عليها أنَّ الحافز والحماسة لم يتعلقا بالمال أو الأمن أو الاستحسان، بل كانا أكثر ارتباطاً بالتقدم.

إن أردت الاستفادة ممَّا يُسمَّى "مبدأ التقدم"، فعليك تجزئة الأولويات التي اعتمدتها سابقاً إلى خطوات عمل صغيرة جداً؛ فعلى سبيل المثال:

  • بدلاً من أولوية "إعداد خطة تسويقية"، ابدأ الخطوة الأولى بعصف دماغي لمدة 20 دقيقة تراجع فيه الأفكار التسويقية.
  • بدلاً من أولوية "إنشاء موقع إلكتروني"، اكتب مسودة لما ستضعه في تبويب "عن الموقع".
  • بدلاً من أولوية "تنمية النشاط التجاري" أجرِ 3 مكالمات مبيعات إضافية كل أسبوع.

يعزز التقدم إطلاق الدوبامين في أدمغتنا، ممَّا يؤدي بدوره إلى تعزيز الحافز، وتستمر بذلك هذه الحلقة بالدوران؛ لذا تقدم اليوم بمعدل 1%، ثم ضاعفه في الغد واليوم الذي يليه، وهكذا دواليك؛ وذلك لكي تحقق نمواً متزايداً يوماً بعد يوم.

4. ابدأ بمستوى سهل:

من منَّا لم ينوِ القيام بعمل هام لكن انتهى به الأمر إلى الشرود دون أن ينتبه إلى مرور الوقت؟ ولماذا يحدث ذلك؟

ببساطة لأنَّ أصعب ما في المهمات هو البدء بها، وتتفاقم صعوبة المَهمَّة بتراكم الأشياء التي نلقي بها على كاهلنا؛ إذ تكون درجة مقاومتنا في ذروتها قبيل البدء أيَّاً كانت المَهمَّة، سواء كانت ممارسة التمرينات الرياضية المعتادة أم ترتيب أولوياتنا.

أخذ علماء النفس مصطلح "طاقة التنشيط" عن المصطلح الكيميائي نفسه، والذي يصف كيف تستطيع مجموعة من المواد الكيميائية التفاعل في عتبات مختلفة، واستخدموه لوصف الطاقة التي نحتاجها للانتقال من التفكير في القيام بشيء ما إلى القيام به فعلاً؛ وكلما صعبت المَهمَّة، طالت بنا فترة الانتظار لنباشر بها، أو قد تكون صعبة لدرجة التخلي عنها كلياً؛ لذا بدلاً من ذلك، جرب هذه الحيلة على نفسك:

  • اعمل لعشر دقائق بدلاً من أن تعمل لساعة متواصلة.
  • اركض في حديقة عامة قريبة بدلاً من أن تجري لثلاثة كيلومترات.
  • رتِّب غرفة نومك بدلاً من تنظيف كامل المنزل.

يساعدك البدء بمستوى سهل على إزاحة الضغوط عنك؛ وستلاحظ أنَّك حالما تبدأ، ستستمر في المضي قدماً.

5. عوِّد نفسك على قول "لا":

ستدفع ثمن كل قرار تتخذه لاحقاً؛ فعلى سبيل المثال: عندما توافق على الاجتماع الصباحي، قد تفوِّت عليك موعد التمرينات الرياضية الصباحية؛ فنحن عندما نوافق اعتباطياً دون التفكير في العواقب المحتملة، سنجد أنفسنا وسط معمعة اجتماعية أو اجتماعات نحضرها مرغَمين؛ إذ تعمل كلمة "لا" كالسحر في إزاحة الأعباء عن كاهلنا؛ لذا اسأل نفسك هذين السؤالين في حال طُلِب منك أمر أو عُرِضت عليك فرصة ما:

  • لو طُلِب مني تأديته في فترة قصيرة، فهل سأوافق عليه؟ ذلك لأنَّنا عادةً ما نوافق على أداء المهمات التي تستغرق وقتاً طويلاً كأسابيع أو أشهر مثلاً.
  • إن وافقت على هذا الأمر، فماذا سأرفض؟ وهل هو بهذه الأهمية؟

 تساعدك هذه الأسئلة البسيطة على معرفة العواقب المحتملة.

يمنحنا الرفض موقفاً واضحاً، ويحطم سلسلة الالتزامات غير المنتهية في أذهاننا، ويفرض الالتزام بالحدود؛ والأهم من ذلك أنَّه يمنحنا الوقت والطاقة والنطاق الواسع للتركيز على أولوياتنا.

لكن لا يعني هذا أن تحرم نفسك ممَّا يمنحك المتعة في الحياة، بل ارفض ما لا تراه مناسباً، وإلَّا سينتهي بك الأمر بتقبل طلبات الجميع دون مراعاة لنفسك؛ لذا قل نعم لنفسك وأهدافك، وقل نعم لأولوياتك ووقتك الثمين في الإبداع قبل أن توافق على طلبات الآخرين وأجنداتهم.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح فعالة تعلّمنا كيف نقول "لا"

6. انأَ بنفسك عن المجتمع المزدحم بمشاغله:

تستنزف ثقافة الانشغال الدائم طاقاتك الضرورية، فتصبح ضحية للإرهاق وإعاقة التقدم والاحتراق الوظيفي؛ فقد أمسى الانشغال وساماً مجتمعياً يُظهِر للآخرين مقدار أهميتنا، وأصبحت كثرة الأعباء مدعاة للفخر.

قد تسأل: "هل يمنحنا الانشغال أهمية حقيقة؟"؛ وفي الواقع، يؤدي الانشغال لفترة زمنية طويلة إلى الإنهاك والتشتيت والانغماس في وسائل التواصل الاجتماعي؛ لذا يتطلب منك تجنُّب ثقافة الانشغال شجاعة، وأول خطوة على ذلك الدرب هي "استخدام العبارات الأصح".

أظهرت الأبحاث تأثير الكلمة في عقولنا ومعتقداتنا؛ فإن استمرينا في قول أنَّنا مشغولون ولا نملك الوقت الكافي لأداء الأمور الهامة، ستترسخ هذه القناعة في "عقلنا الباطن"، وتصبح حقيقة لا يمكن إنكارها؛ ممَّا يودي بنا إلى المماطلة والإخفاق في أداء المهمات الضرورية فعلاً.

لذا الجم لسانك بدلاً من أن تخبر الآخرين عن مدى انشغالك وحياتك الحافلة بالمصاعب، أو غيِّر المفردات التي تستخدمها للتعبير عن حالتك؛ فلا تقل: "أنا شخص مشغول"، بل قل: "أنا شخص عالي التركيز، وملتزم، وأرتب أولوياتي"، وراقب كيف تتغير حالتك العاطفية.

7. احتفِ بالنجاحات كل يوم:

يقلل الكثيرون من أهمية تقدمهم، ويتجاهلونه، وينغمسون في القلق على مَواطن الضعف لديهم والهوة بين واقع اليوم والمستقبل؛ وعلاوة على ذلك، غالباً ما نتناسى أهدافنا التي عملنا جاهدين للوصول إليها، فنشطبها من قائمتنا حال تحقيقها، وننتقل مباشرة إلى الأهداف التي بعدها.

لقد آن أوانُ استعادة زمام الأمور والاحتفاء بثلاثة نجاحات على الأقل يومياً؛ إذ لا يتعلق الأمر ببهجة الانتصار، بل بسعينا الدؤوب إلى تحقيقه؛ وهذا التوجه هام جداً للتعامل مع أعبائنا الكثيرة.

في حال أردت تحقيق أقصى استفادة، فعليك تحديد "مقومات النجاح" لتفوز، وهي:

  • الانضباط: فمثلاً: إنَّ استيقاظك باكراً للقيام بالتمرينات الرياضية هو فوز لك.
  • الصدق: تفوز عندما تجري محادثة صعبة مع أحدهم.
  • الشجاعة: تفوز عندما تتجرأ على نشر مقال لك قبل أن تكون مستعداً لذلك.

من أين يستمد هذا الأمر أهميته؟

لقد تبين أنَّ الانتصارات الصغيرة تعزز من الحافز الشخصي والمهني، وستكون قادراً من خلال تدوينها على تحديد النواحي التي تضمن لك التطور، وتتشكل لديك فكرة واضحة عن مقومات النجاح لتستخدمها لاحقاً.

لقد حان الوقت لإزاحة الأعباء عن كاهلك، نشتكي جميعنا من كثرة الأعباء الملقاة على كاهلنا، وتحوِّل الظروف إلى الأسوأ بدلاً من تحسُّنها، وتراكم المهمات، والضياع في فوضى العالم الرقمي، وازدياد المدخلات في حياتنا دون توقف.

لكنَّنا في الواقع إن لم نستَعِد السيطرة على حياتنا، تمسي الأمور أسوأ، وهذا ما نخشاه؛ فعندما نستلم زمام السيطرة، نكون قادرين على:

  • التخلص من الفوضى يومياً.
  • التيقُّن من أولوياتنا.
  • النأي بأنفسنا بعيداً عن ثقافة الانشغال.

بمجرد قيامك بذلك، ستتوقف عن تضخيم الأمور، ويكون النصر حليفك، وتتعلم وضع الحدود، وتستطيع معرفة مصادر التشتيت الذي قد تظنه للوهلة الأولى فرصة عظيمة؛ والأفضل من ذلك كله أنَّك ستمضي قدماً في حياتك وعملك، ولن تجد ما يثنيك عن تحقيق الأفضل في حياتك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة