مهارة تنظيم الوقت في الإسلام وأهميته

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس؛ الصحة والفراغ"، وما يقصده النبي في حديثه أنَّ كثيراً من الناس يفرط في صحته في الوقت الذي وضع فيه الإسلام منهجاً كاملاً للحفاظ على صحة الإنسان والمجتمع، فقام بوضع ضوابط تنظم حياة الإنسان وتمنعه من رمي نفسه للتهلكة، فقد حرَّم ما يمرض الجسد ويتعبه من أكل وشراب مثل الخمر والمخدرات، إضافة إلى تعليمات تحفظ صحة العقل والصحة النفسية للإنسان بعلاج الحزن والغضب والتوتر للحفاظ على صحة الإنسان.



أما النعمة الثانية فهي الوقت، والوقت في الإسلام له أهمية كبيرة؛ لأنَّنا لا نستطيع تخزين الوقت أو تغييره وتحويله أو إيقافه، فالوقت يمضي سريعاً، وكل ثانية من حياة الإنسان هامة، وإن ذهبت سدىً فلا يمكن تعويضها، لذلك كان تنظيم الوقت في الإسلام من أكثر ما يدعى له؛ إذ توجد آيات كثيرة تؤكد أهمية الوقت في القرآن الكريم وتدعو لاستثمار الوقت بالشكل المفيد الذي يزيد من أهميته، ومقالنا الحالي سيتحدث مفصلاً عن تنظيم الوقت في الإسلام، فهو نعمة لا يجب إساءة استخدامها.

أهمية تنظيم الوقت في الإسلام:

الوقت في الإسلام من الموضوعات التي تم التركيز عليها كثيراً لأهميته الكبيرة التي تتمثل بالشكل الآتي:

1. يُسأل عنه المسلم يوم الحساب:

قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يومَ القيامة حتى يُسألَ عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيمَ فعلَ وعن ماله من أين اكتسبهُ وفيمَ أنفقه وعن جسمه فيمَ أبلاه"، ليخبرنا بكلامه هذا أنَّ كل عمل يقوم به الإنسان في حياته يُسأل عنه، وكل دقيقة تمر سيسأل كيف مضت مهما كان عمل الإنسان وظروفه، فسيمر بهذا الاختبار في يوم القيامة ليجد كل عمل قام به أمامه، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} فحساب الله تعالى مرتبط بالزمن، والخاتمة الجيدة مرتبطة بالأعمال الصالحة التي تحتاج إلى تنظيم الوقت.

2. التحدث عن أهمية الوقت في القرآن الكريم:

بيَّن الله تعالى في كتابه الكريم أهمية تنظيم الوقت في الإسلام من خلال كثير من الآيات مثل قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، وأيضاً قال تعالى: {وَالْفَجْرِ ۝ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} كما قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغشى ۝ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ۝} لتشير تلك الآيات الكريمة إلى وجود أوقات هامة جداً في حياة المسلم يجب أن يستثمرها في الطاعة، ومن ثمَّ يحتاج إلى تنظيم الوقت جيداً ليتمكن من طاعة الله وإنهاء أعماله دون أن يقلل من أهمية شيء في حياته، وعندما يلتزم المسلم بتنظيم وقته، فلن يجد وقتاً لفعل المعاصي أو اتباع طرائق الشر والابتعاد عن الخير.

3. لا يمكن استعادة الوقت الضائع:

قال تعالى في كتابه الكريم: {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ، وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}؛ إذ تبيِّن الآية الكريمة أنَّ الوقت يمضي بسرعة ولن يعود للإنسان إن ندم أو تاب أو مرض وأصبح يشعر بدنو أجله، وينطبق الأمر على مختلف الأعمال ليست الصدقة فحسب، لذلك يجب على الإنسان تنظيم وقته واستثماره بأمثل شكل تجنباً للندم لاحقاً.

أكد على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ قال: "اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبلَ موتك، وصحتك قبلَ سَقَمك، وفراغك قبلَ شُغلك، وشبابك قبلَ هرمك، وغناكَ قبل فقرك"، فالحياة تشمل مختلف النعم السابقة التي يجب اغتنامها بالشكل الصحيح قبل فوات الأوان.

4. أهمية السعي إلى الرزق والخير وفعل الطاعات:

الوقت في الإسلام يجب أن يمر بفعل الخير بمختلف أشكاله، والسعي إلى الرزق الحلال فقط، واغتنام وقت الفراغ بفعل الطاعات وما يقرب الإنسان إلى ربه ويمكِّنه من دخول جنات النعيم، فقد قال تعالى في كتابه الكريم: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} فمن كان سباقاً للخير والعمل الصالح فهو السباق إلى جنات النعيم؛ حيث تشمل الخيرات جميع الفرائض.

في السياق ذاته نذكر قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}، فالمؤمن لا يضيع وقته بلغو الكلام ولا ينشغل بمراقبة الناس ومتابعة أخبارهم أو بالانشغال بمتع الدنيا؛ إنَّما وقته مكرس للعمل الجاد النافع للدنيا والآخرة.

5. أهمية الالتزام بالمواعيد:

قال سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً}، فالالتزام بالوعود والمواعيد من صفات الأنبياء والمرسلين، ودعا لذلك القرآن الكريم والرسول والعلماء، وبالطبع لا يمكن الوفاء بالوعود والالتزام بالمواعيد إلا لمن أحسن تنظيم وقته وعرف كيفية استثماره بالشكل الصحيح.

شاهد بالفيديو: 7 خطوات لإدارة الوقت بفاعلية

مهارة تنظيم الوقت في الإسلام:

الوقت كنز لا يجب إضاعته، هذا ما ورد عن الوقت في القرآن الكريم، أما كيفية تنظيمه فتتم بالاستعانة بما يأتي:

1. محاسبة النفس:

تقع مسؤولية مراقبة تصرفات وسلوك كل منا على نفسه، ومحاسبة النفس طريقة يسلكها الإنسان الصالح الذي يخاف الله في كل عمل يقوم به فيجتنب المعاصي والشرور؛ لأنَّ نفسه تمنعه عن ذلك في الوقت الذي يسهل عليه القيام بذلك، لذلك يجب عليك مراقبة نفسك جيداً والتفكير دائماً بكل وقت تقضيه فتعرف كل ساعة كيف أنفقتها في حياتك.

2. مصاحبة الصالحين:

إنَّ مصاحبة الأشخاص الصالحين تساعد على إصلاح النفس، وخلاف ذلك صحيح، لذلك احرص على مصاحبة أخير الناس الملتزمين بعبادة الله وفعل الخير والملتزمين بإنجاز واجباتهم والمتقنين لأعمالهم، فتصيبك عدوى التنظيم والالتزام منهم، وتسعى إلى تنظيم وقتك فتصبح مثلهم أو أفضل منهم.

3. الإكثار من ذكر الله تعالى:

قال تعالى في كتابه العزيز: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} ليؤكد لنا بأنَّ أفضل الأعمال التي يجب للإنسان إشغال نفسه بها هي ذكر الله تعالى وهي أيسر عبادة؛ إذ يمكن ملازمتها في مختلف الأوقات والأماكن، والالتزام بها يساعد على صلاح النفس ويدفعها إلى العمل الصالح ويمنعها عن إضاعة الوقت بالأمور الدنيوية التي لا تجدي نفعاً، وأكد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله لأحد أصحابه: "لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله".

إقرأ أيضاً: إدارة الوقت في الإسلام، وأهميّة تنظيم الوقت في رمضان

4. الحسنات الجاريات:

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "سبعٌ يَجري للعبد أجرُهنَّ وهو في قبره بعد موته: مَن علَّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته"، وإنَّ وضع المسلم هذا الهدف أمام عينيه، لسعى بكل ما لديه من طاقة للقيام بصدقة جارية تمنع عنه السوء، واستثمر كل ثانية من وقت فراغه في عمل صالح مثل التطوع في الجمعيات الإسلامية الخيرية لتعليم الأطفال ولجمع التبرعات وغيرها من الأعمال التي ترفع من شأنه في الدنيا والآخرة.

5. الالتزام بالعبادات والطاعة:

تنظيم الوقت في الإسلام واستثمار وقت الفراغ بالشكل الأمثل وشكر الله تعالى على نعمه الكثيرة يتم بالالتزام بالطاعة وعبادة الله تعالى، ويتم استثمار وقت الفراغ بأشكال مفيدة عدة، كأن يقرأ القرآن الكريم ويفهمه ويحفظه، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه"، والإكثار من النوافل؛ لأنَّها تربي نفس الإنسان على التقرب من الله في كل وقت، وطلب العلم، فالإنسان الصالح يدرك حاجته إلى العلم دائماً مهما ارتفعت مكانته الوظيفية أو بلغت شهاداته وما شابه ذلك، ويتم ذلك بالإكثار من القراءة.

كما يجب إدراك أهمية زيارة الأقارب وصلة الأرحام لما يساعد ذلك على زيادة الرزق والتوفيق، والإنسان قادر على إيجاد وقت لكل عمل مهما كثرت أشغاله بشرط التنظيم والالتزام بالمواعيد.

6. تجنُّب التسويف:

الوقت في الإسلام كنز ثمين، وعدم إضاعته بأعمال فارغة يقتضي تجنُّب التسويف؛ لأنَّ تكرار كلمة "سوف" تعني تأجيل الأعمال لوقت لاحق وتراكمها، ومن ثم إهمالها، وقد تنتهي حياة الإنسان وقد ترك وراءه كثيراً من الأعمال التي يندم على عدم القيام بها، وقد قال الإمام "الحسن البصري" في ذلك: "أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غداً فلعلك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل فيه"، لذلك يجب عليك الانتباه وتجنُّب التسويف؛ لأنَّه بمنزلة سيف يقطع صاحبه.

إقرأ أيضاً: النجاح في إدارة الوقت: 8 خطوات كفيلة بإدارة وقتك والتخلّص من التسويف

في الختام:

الوقت في القرآن الكريم من الموضوعات التي تكرَّر ذكرها وبأماكن وظروف مختلفة ليؤكد لنا الله تعالى على أهمية الوقت في الإسلام، ويحذِّرنا من ضياعه وعدم استثماره بالشكل الأمثل، فالوقت لا يمكن استرجاعه، وأتت أهمية تنظيم الوقت في الإسلام من نقاط عدة ذكرناها في مقالنا آنفاً مثل محاسبة الله تعالى للمسلم وسؤاله عن كيفية مرور كل دقيقة في حياته، وتأكيد القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم على عدم إمكانية استعادة الوقت الضائع وعلى أهمية السعي إلى الرزق الصالح والالتزام بالطاعات والأعمال الخيرية ليتمكن الإنسان من القيام بكل ذلك وإعطاء كل عمل حقه.

لذلك يجب عليه تنظيم وقته أولاً، ويمكن الاستعانة بمحاسبة النفس لضبطها جيداً وبمصاحبة الصالحين ممن يسعون إلى كسب رزقهم وطاعة الله في كل وقت، وبالإكثار من ذكر الله تعالى والتزام الطاعة والعبادات والسعي إلى القيام بحسنات جارية، فجميعها تساعد على وضع الإنسان على الطريق الصحيح.




مقالات مرتبطة