مهارة الاعتماد على الذات: أهميتها وكيفية تطويرها

صحيح أنَّ الإنسان كائن اجتماعي بطبعه ويستمد الكثير من قوته من الآخرين، ولكنَّ هذا لا يعني أبداً أن يعتمد على وجودهم معه بكل خطوة في حياته؛ إذ إنَّ التطور السلوكي الصحيح لأي إنسان يعني بالضرورة تطور مهارة الاعتماد على الذات عنده حتى يتمكن من العيش مستقلاً على أقل تقدير، وفي هذا المقال سنتعرَّف أكثر إلى هذه المهارة وأهميتها وكيفية تطويرها.



أولاً: ما هي مهارة الاعتماد على الذات وما أهميتها؟

الاعتماد على الذات هو قيام الشخص بتحمُّل مسؤولياته وإنجاز أعماله معتمداً على نفسه دون مساعدة، ويوجد تداخل بين مفهوم الاعتماد على الذات والعديد من المفاهيم الأخرى؛ كتقدير الذات والتعبير عن الذات وقبول الذات، ويبقى كل واحد من هذه المفاهيم - رغم التداخل البسيط بينها - مفهوماً قائماً بحد ذاته.

عرَّفت ميريام ويبستر الاعتماد على الذات بأنَّه: "الاعتماد على جهود الفرد وميزاته"، وإضافة إلى هذا التعريف توجد العديد من التعريفات التي تصب جميعها في نفس السياق، ويرتبط هذا المفهوم بالذات بالمعنى النفسي لها.

قدَّم الفيلسوف الأميركي رالف والدو إيمرسون مفهوم الاعتماد على الذات في مقالهِ "الاعتماد على الذات"، يعتقد إيمرسون أنَّ المجتمع يؤثِّر بشكل سلبي في نموِّنا ويؤثِّر أيضاً في طريقة تفكيرنا وفي تكوُّن اتجاهاتنا، ويؤكِّد أنَّ الاعتماد على الذات يجنِّبنا حكم هذا المجتمع ويجنِّبنا أيضاً الامتثال له ولأفكاره، والاعتماد على الذات كما أوضح إيمرسون لا يعني العيش بمعزل عن الآخرين، ولا يعني أن تفعل كل شيء بنفسك، أو أن تواجه الحياة وحدك، ويتضمن الاعتماد على الذات الكثير من الأفكار والنقاط الهامة الأخرى التي سنذكر أهمها فيما يأتي:

  1. التفكير بشكل مستقل دون أن تبني وجهات نظرك أو أراءك بناءً على السائد في المجتمع، يعني أن تفكِّر بطريقتك ولا تقلِّد طريقة غيرك، فإذا آمنت بأيَّة فكرة، عليك أن تعبِّر عنها بكل ثقة دون أن تفكِّر في المعوقات ودون أن تحسب حساباً لما سيفكِّر فيه الآخرون عنك.
  2. الاحتفاء باستقلاليتك وفرديتك: التفكير بعقلية القطيع من الأمور التي تجعل الإنسان يصبح نسخة عن غيره؛ لذلك عليك أن تفخر وتحتضن تميُّزك هذا واختلافك، ولا يجب أن تُساق وراء ما يريده الآخرون منك، وعليك أن تجد سعادتك في قراراتك النابعة عن ذاتك.
  3. البحث عن الأهداف الخاصة: مهارة توكيد الذات تتضمن أيضاً أن يكون الإنسان على طبيعته، ويسعى إلى تحقيق أهدافه الخاصة دون أن يطمح إلى الكثير من الدعم من الآخرين؛ فعلى الإنسان أن يستمد الدعم من نفسه ومن ذاته فقط.

باختصار وبساطة شديدة وبناءً على النقاط السابقة؛ يعني الاعتماد على الذات أن تكون صادقاً مع نفسك وتعرف ما تريد وما تحب، وأن تكون مستقلاً وبعيداً عن مجاراة المجتمع وتعمل على تحقيق رغباتك بدلاً من رغباته.

أن تعتمد على نفسك كما بات واضحاً لا يعني أبداً أن تعتمد على غيرك؛ بل أن تكون نفسك فقط.

أهمية الاعتماد على الذات:

تُعَدُّ مهارة الاعتماد على الذات من المهارات الهامَّة جداً في حياتك وتطويرها، ويجب أن تكون أحد الاهتمامات الأساسية بالنسبة إليك، ففي كثير من الأحيان ستجد نفسك في مكان بعيد عن أهلك وأصدقائك، وهنا تظهر الأهمية الحقيقية لهذه المهارة؛ فهي تُمكِّنك من متابعة أعمالك دون الشعور بأي نقص بسبب غياب الآخرين ودون الإحساس بالعجز وقلَّة الثقة، وأنت بفضلها تعرف وحدك كيف تدبِّر أمورك وتنفِّذ أعمالك، وكيف تتخذ القرارات وتحل المشكلات.

مهارة الاعتماد على الذات تجعل منك شخصاً قادراً على العيش مستقلاً، وهذا أمر في غاية الأهمية اليوم، ولن ننسى السعادة التي تمنحك إيَّاها هذه المهارة والثقة الكبيرة بالنفس التي ستأخذها من خلالها، فأنت تنجز وتنجح وحدك دون الاعتماد على غيرك، وتذكَّر دائماً أنَّك في كل مرَّة تتقدم بها خطوة إلى الأمام سيزداد تقديرك لذاتك ومحبتك لنفسك، وفي كل مرة ستعلم كيف تبحث أكثر وتتعلم بشكل ذاتي دون أيَّة حاجة إلى أحد.

شاهد: 10 مهارات ناعمة تساعدك على تحسين حياتك المهنية

ثانياً: كيفية تطوير مهارة الاعتماد على الذات

مهارة الاعتماد على الذات من المهارات ذات الأهمية الكبيرة في حياتنا كما كررنا أكثر من مرة؛ لذلك يجب العمل على تطوير هذه المهارة بجدية، وفيما يأتي سنذكر العديد من التقنيات التي تساعد على تطوير هذه المهارة وتنميتها:

  1. أن تكون صديق نفسك: أنت إنسان في نهاية الأمر ولكل إنسان نقاط قوة ونقاط ضعف أيضاً؛ لذلك من الضروري أن تبحث عن هذه النقاط وتدوِّنها وتفكِّر فيها؛ لأنَّ ذلك سيساعدك بشكل كبير على فهم نفسك، وعندما تفهم نفسك سيكون من السهل جداً أن تصبح صديقاً لها؛ لذا عزِّز ما تراه جميلاً في نفسك وتخلَّص مما يزعجك، وبكافة الأحوال اشعُر بالفخر بها بإنجازاتك مهما كانت صغيرة، ولا تقلل أبداً من شأن ذاتك.
  2. الثقة بالنفس: لا تستمد ثقتك بذاتك من الآخرين، ولا تبحث عن كلمات الثناء والمديح والإعجاب من غيرك حتى ترى نفسك جميلاً وهامَّاً، ولا تبحث عن يد تربِّت على كتفك لتشعر بالطمأنينة، وتذكَّر دائماً أنَّك في كثير من الأوقات ستجد نفسك وحيداً وبعيداً عن المقربين منك؛ لذلك تعلَّم كيف تدعم نفسك بنفسك وتقدِّم لها الإطراء والمديح. أنت الوحيد الذي يعرف ما تمرُّ به من ظروف، ما تقدِّمه قد يبدو للكثيرين بسيطاً ولا يستحق الشكر؛ لأنَّهم ببساطة لا يرون إلا القشور فقط، وأنت فقط تدرك كم كابدت وعانيت وتحمَّلت؛ لذلك لا تتردَّد وقم بكل ما يلزم لتزيد إحساسك بقيمتك الذاتية وترفع ثقتك بنفسك.
  3. يجب أن تكون القرارات نابعة عنك: لا تبحث دائماً عن مرشد وموجِّه؛ إذ عليك أن تثق بقراراتك، وهذا لا يعني ألَّا تستشير المقربين منك، بالطبع يمكنك استشارة مَن تريد لكن في النهاية اتَّخذ القرار بنفسك.
  4. إدارة التبعية: تمرُّ علينا جميعاً لحظات تزداد فيها حاجتنا إلى الآخرين، فنبحث عنهم أكثر من أي وقت مضى، والمطلوب منَّا أن نفهم هذه اللحظات بالذات ونعرف الأسباب الكامنة وراءها؛ وذلك حتى نتمكَّن من التعامل معها وتدبُّر أمر مشاعر الحاجة هذه. على سبيل المثال، يحتاج بعضنا إلى الآخرين عند المرور بتجربة عاطفية فاشلة، أو عند الرسوب أو المرض، وغالباً ما تتكرر هذه المشاعر عند المرور بتجربة مماثلة؛ لذلك درِّب نفسك على التعامل الصحيح مع ذاتك في هذه الحالات، وتذكَّر أنَّ يدك الداخلية أهم من أيَّة يد خارجية تُربِّت على ظهرك.
  5. قبول الذات: امنح الموافقة لنفسك ولا تبحث عن غيرك ليمنحك إيَّاها، لا تبحث عن طرائق لتجعل نفسك مقبولاً من قِبل الآخرين، يكفي أن تقبل أنت نفسك وذاتك؛ لأنَّك بغير ذلك ترسِّخ اعتمادك على الآخرين وتصبح خاضعاً لهم بطريقة ما.
  6. تحديد القيم الخاصة: ليس بالضرورة أن تفكِّر كما يفكر الآخرون من حولك، وليس واجباً عليك أن تتبنى أفكارهم ومبادئهم، ببساطة قد لا تتفق معهم.
  7. من الهام أيضاً ألَّا تربط سعادتك بأشياء خارجية؛ لأنَّ هذه الأشياء متبدِّلة ومتغيرة ومن الممكن أن تزول نهائياً.
  8. تحديد ماذا تريد: عندما تعرف ما تريد، ستدرك ببساطة ما يجعلك سعيداً، ومن ثم ستعمل على تحقيقه.

كيف تعلِّم الأطفال مهارة الاعتماد على الذات؟

يجب البدء بتعليم الأطفال مهارات الاعتماد على الذات قبل الدخول إلى المدرسة، وكثير من السلوكات تندرج تحت قائمة هذه المهارات، كغسل اليدين، ارتداء الملابس، الدخول إلى الحمام، ومن الهام جداً ألَّا يتعوَّد الطفل على وجود شخص دائماً إلى جانبه يقوم بأعماله، وعليه أن يتعلَّم كيف يرعى نفسه ذاتياً، ويرتِّب ألعابه وغرفته، ويدرس دروسه، وعلى الأهل تشجيعه لتصبح مثل هذه السلوكات عادة لديه وجزءاً من مهارات حياته.

يمكن تحفيز الطفل من خلال وضع موسيقى له في أثناء العمل ليصبح أكثر متعة وحماسة، وهذه المهارة ضرورية بالنسبة إلى الطفل ليس لأنَّها فقط تعلِّمه كيف يكون مستقلاً؛ بل لأنَّها أيضاً تعلِّمه ألَّا ينتظر مساعدة من أحد، وفي نفس السياق من الهام جداً تعليم الأطفال كيفية معالجة الخطأ، فإذا أَسقَطَ طفلك الطعام وهو يأكل، لا توبِّخه وتلومه وبعدها تنظف أنت الفوضى التي أحدثها؛ بل عليك أن تعلِّمه كيف يعتمد على نفسه ويصلِح الخطأ الذي ارتكبه.

إقرأ أيضاً: 13 نصيحة لتطوير الذات وتنميتها

رابعاً: نصائح هامة لتطوير مهارة الاعتماد على الذات

هذه النصائح ستساعدك على تطوير مهارة الاعتماد على الذات منذ نشأتك:

  1. لا تتهرَّب من المسؤولية؛ بل على العكس تحمَّل كل ما يجب عليك تحمُّله، وحل المشكلات التي تعترضك بنفسك دون البحث عن غيرك لحلِّها؛ وبهذه الطريقة تصبح أقوى وأكثر قدرة على مجابهة مصاعب الحياة.
  2. طوِّر نفسك، اقرأ أكثر، كن فضولياً بشأن كل ما هو جديد حتى تصبح أكفأ وأقدر على اتِّخاذ القرارات الصحيحة حتى تزداد أيضاً ثقتك بنفسك، وهذه الثقة ستنعكس بالضرورة على تصرفاتك وقراراتك.
  3. حافظ على صحتك لتصبح نشيطاً دائماً وتقلل حاجتك إلى الدواء والعلاج، ضع جدولاً لتحقيق ذلك، ومارس الرياضة والنشاطات المفيدة.
  4. اهتم بمشاعرك وتقبَّل إحباطك وضعفك وتعامَل مع كل ما يزعجك بشكل صحيح، وأهم من كل هذا لا تجلد ذاتك طوال الوقت.
  5. حاول إخراج المشاعر السلبية من نفسك بالطريقة الصحيحة؛ كأن تُفرِّغ غضبك وانفعالك بالرياضة.
  6. لا تقارن نفسك بغيرك مهما كانت الظروف، ولا تحكم على قيمتك من خلال قيمة الآخرين التي تراها.
إقرأ أيضاً: 5 نصائح تساعد على منح طفلك الكثير من الثقة بالنفس

في الختام:

مهارة الاعتماد على الذات إحدى المهارات الأساسية والضرورية في حياتنا، وقد تحدَّثنا من خلال المقال السابق عن أهميتها وطرائق تطويرها وتنميتها، كما أكَّدنا على ضرورة تعلُّم هذه المهارة منذ الصغر وضرورة اهتمام الوالدين بتطوير هذه المهارة وجعلها جزءاً من سلوكات أطفالهم.

المصادر: 1،2




مقالات مرتبطة